كيف تكون الحرية
اعتاد بعض الشباب أن يجتمعوا كل اسبوع في بيت شيخهم الشيخ عبد الوارث يستمعون الى نصائحه ، ويسألونه عما يحدث معهم ، وبعد ان التئم شملهم جلسوا بأدب ينتظرون الشيخ حتى يجهز .
المشهد الأول :
قال فؤاد : يا شيخنا لي جار لا بأس به على خلق ودين واستقامة إلا أنه دائما يشغّل المذياع أو جهاز التسجيل ويستمع لتلاوة القرآن أو بعض الخطب والدروس المفيدة .
الشيخ : وما العيب في ذلك يا فؤاد ؟ هل من شيء تستفسر عنه ؟
فؤاد : نعم يا سيدي عيبه أنه يرفع صوت المذياع إلى آخر مدى فيشوش علينا نحن الجيران ، ولما راجعته ونصحته قال : هو حر هل هو حقا حر بهذا الفعل ؟ وبماذا تنصح بارك الله فيك .
قال الشيخ عبد الوارث لتلاميذه بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا ابنائي مررت اليوم أثناء مطالعتي في أحد كتب الحديث مررت بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن نتناقش فيه اليوم
لما يحتويه من معاني وقيم رفيعة .
عبد الوهاب : سلمت لنا يا شيخ ، إنك دائما تتخير لنا ما يفيد وينفع .
سعيد : وما هو الحديث يا سيدي الشيخ ؟
الشيخ : عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها..
فؤاد : جميل جدا هذا يجعل الجميع راضين ليس في ذلك مشكلة أليس كذلك ؟
الشيخ : صدقت .. ولكن البشر يبقون بشرا ..لنكمل الحديث .
سعيد :أكمل يا سيدي أكمل
الشيخ : ... فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنّا خرقنا في نصينا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ! !
عبد الوهاب : ما فهمنا ! ما المقصود بقولهم : لو انّا خرقنا في نصيبنا خرقا .. وكيف يفعلون ذلك ؟
سعيد : إنهم لا يريدون أن يؤذوا من فوقهم وهذا نصيبهم يفعلون به ما يشاؤون هم احرار في نصيبهم
فؤاد : ما فيها شيء ..هذا الخضر عليه السلام خرق السفينة في عرض البحر كما جاء في سورة الكهف
الشيخ : لا يا بني .. لا يا فؤاد هذا المثل هنا ليس كفعل الخضر عليه السلام ، الخضر فعل ذلك بأمر الله وليس بإرادته والله هو الذي حفظها فلم يدخل الماء السفينة ولم يغرق أهلها أما هنا فالأمر مختلف جدا .
عبد الوهاب : هل يستطيع هؤلاء أن يضمنوا عدم غرق السفينة ؟
الشيخ : اسمعوا يا أبنائي ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وانتبهوا للعبرة التي أراد أن يعلمنا إياها ، يقول : فإن تركوهم وما أرادوا( يخرقوا السفينة ولم يأخذوا على أيديهم ويمنعوهم)هلكوا جميعا... لماذا ؟ لأن السفينة ستغرق بالذين بالأعلى وبالذين هم في الأسفل....وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا . صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
سعيد : نعم يا سيدي هذه هي قوانين الكون التي أودعها الله فيه لتقوم الحياة وتستمر.
الشيخ : إذن نحن أمام مثل واقعي يحوي الكثير من المعاني منها .... هل تذكر لي واحدا منها يا فؤاد ؟ تفضّل..
فؤاد : منها أن الاتفاق والتراضي شيء جميل ومطلوب وفيه راحة وسعادة للجميع .
الشيخ : وأنت يا سعيد هل خطر على بالك أحد هذه المعاني ؟
سعيد : نعم . أنا أقول : لا بد من التعاون والتعاضد حتى تستقيم الأمور أما التفرّد والاستئثار وتغليب المصلحة الشخصية فذلك مجلبة للهلاك والدمار .
الشيخ : وأنت ماذا عندك يا عبد الوهاب ؟
عبد الوهاب : يا شيخنا أنا أقول : على المجتمع أن يأخذ على أيدي أولئك الفوضويين المتفلتين عديمي المسؤولية ونمنعهم من القيام بأعمال تؤدي إلى خراب المجتمع وهلاك أفراده ، ولو كان ذلك لا يتم إلا بالعقاب الصارم إذا لزم الأمر
الشيخ : أحسنت..... أحسنتم جميعا بارك الله فيكم وزادكم فهما على فهم . وأريد أن أؤكد أن ترك صاحب المنكر أن يقوم بمنكره تحت أي ذريعة كانت كأن يقول : هذه حرية شخصية وأنا حر ... وأنا أمثل نفسي .. وليس لأحد أن يمنعني .... تركه هكذا دون إنكار قد يكون سببا في هلاك المجتمع
عبد الوهاب : أنا الذي فهمته من هذا الحديث أن الحرية تمارس وفق المنظومة الأخلاقية والدينية التي تسود المجتمع وغير ذلك أذى وضرر بالغ
الشيخ : إذا عرف الإنسان ما له وما عليه عرف أين تبدأ حريته وأين تنتهي . هداكم الله ونفعكم و نفع بكم آمين .
وسوم: العدد 696