رجال أمهم شام
مسرحية من مشهدين
عبد الرحيم عبد الرحمن منصور
المشهد الأول
غرفة بسيطة فيها بعض الأثاث
الثوار: (رافع .. سنان .. نور الدين .. ياسر)
يدخل نور الدين ومعه الشاي
نور الدين : اشرب الشاي وفز بالعوافي ... إن هذا الشاي للداء شافي
تفضلوا يا شباب - يتابع - منذ متى لم أرك ولم أجلس معك يا سنان ؟
سنان: البارحة كنا معا .. ماهذا السؤال .. ألم تكن عندنا البارحة ؟
نور الدين : نعم,, نعم.. كلامك صحيح ولكن أقصد فبل الثورة وقبل أن يجمعنا العمل للثورة ؟
سنان: لست أدري .. مضى وقت طويل .. منذ أن تركنا المدرسة .. أليس كذلك ؟
نور الدين : وأنت يا ياسر كم من السنوات مضى قبل أن نلتقي معا في ظل الثورة ؟
ياسر: مثل ما قال سنان .. منذ أن تركنا الدراسة
نور الدين : وأنت أيضا يا رافع أين كنت بعد أن تركت الدراسة حتى لم نعد نراك ؟
رافع: والله .. لست أدري .. هذه الدنيا عجيبة .. سرعان ما تفرق وسرعان ما تجمع .. لا تستقر على حال
نور الدين : ألستم معي أن هذه الثورة لها فضل كبير علينا لقد جمعتنا معا بعد أن فرقتنا الحياة ومشاكلها
ياسر : من كان يظن أن نجتمع كل يوم سويا ونحن بالكاد كنا نعرف بعضنا
رافع: انا لاأذكر أني اجتمعت معك يا ياسر وأنت أيضا يانور الدين خارج أسوار المدرسة فإذا انصرفنا كان كل واحد منا يذهب لحاله
سنان : أنا ونور الدين كنا جيران وبالكاد كنا نتحادث أو نجتمع مع بعضنا وإذا مرّ أحدنا بالآخر حياه تحية عادية ومضى كل في طريقه أليس كذلك يا نور الدين
نور الدين : لم يفطن أحد إلى مغزى السؤال الذي سألته
سنان : كأني أنا قد فهمت قصدك .. تقصد أننا كنا متفرقين متباعدين فجمعتنا الثورة .. أليس كذلك ؟
ياسر: (بصوت غنائي) فرّق ما بينا ليه الزمان ... ده العمر كله .. ده العمر كله يعدك هوان
رافع : الله .. الله .. الله .. يا سلام عليك يا ياسر .. هات كمان
سنان : خلونا بالجد يا شباب الذي أريد أن افهمه كيف مرت السنوات الأربع الماضية دون أن نلتقي مع بعضنا البعض ولو مرة واحدة .. ودون أن يفكر أحدنا بالآخر .. شيء مؤسف حقيقة .. إي والله شيء مؤسف
نور الدين : وهذا رد على أولئك الذين يذمون الثورة والثوار .. إذا لم يكن لهذه الثورة من فضل إلا أن وحدتنا معا لكان إنجازا رائعا
سنان : إنها الجامعة .. إنها اللاّّمة .. إنها الموحدة للقلوب والمشاعر
ياسر : بل إنها الكاشفة .. إنها الفاضحة كشفت زيف الأدعياء والمتاجرين بالشعارات واليافطات الكاذبة ..
رافع : وفضحت أدعياء المقاومة والصمود .. وأدعياء حقوق الإنسان وأدعياء الحرية والديموقراطية في سورية وفي العلم أجمع ..
نور الدين : ثم إنها جمّعت الشعب .. وألفت بين قلوب المواطنين .. ووحدت جهودهم .. وردتهم إلى إيمانهم بربهم بثقة ويقين ..
سنان : وعزلت أولئك الذين لا يرون في الوطن إلا الدرهم والدينار .. وإلا الزق والقينة .. وإلا الزمر والطبل واللهو .. وإلا الفسوق والفجور ..
رافع : فعلا تأملوا حالة الناس في ظل الثورة .. تأملوا كيف تغمرهم السعادة وهم يساعدون بعضهم .. انظروا إلى الإيثار الذي ظهر بينهم .. كيف يتقاسمون رغيف الخبز .. وجرعة الماء .. كيف يتسابقون إلى الموت كل يريد أن يفدّي زميله وينقذ رفيقه ويساعد جاره ولو كان في ذلك موته وحتفه
سنان : كأن الناس كانوا في سكرة وبدأوا يصحون منها كأنهم كانوا يعيشون في عالم آخر ثم عادوا إلى عالمهم الحقيقي إلى الحياة الحقيقية المليئة بالإلفة والمحبة والتعاون وذلك رغم الخطر ورغم سيل الدماء
ياسر : أستطيع أن أقول أن هذه إحدى معجزات الثورة ولا أبالغ في ذلك
نور الدين : هذا هو الإبتلاء .. الإختبار .. الإمتحان .. التمحيص هنا يظهر معدن الرجال رغم الجهود الضخمة التي قام بها النظام النصيري لتفريق الناس .. تفريق الأخ عن أخيه والإبن عن أبيه ها هو الواقع يقول له بقوة : اخسأ .. اخسأ أيها الجبان فإن الشعب عاد إلى أصله ,, اخسأ أيها الفاجر الفاسق .. إن الشعب واحد متآلف تجري في عروقه دماء حرة ذكية لن يلوثها أمثالك ببذر بذور الفتنة والفرقة والتناحر
ياسر : الشعب السوري واحد (واحد واحد واحد) فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا كتاب الله يجمعنا بإسلام وقرآن
سنان : بحول الله وقوته كلما أوقد النصيري نارا للفتنة والفرقة والتناحر أطفأها الله (له الحمد والمنة) وظهر التلاحم والتعاون بين أفراد الشعب الحر من جديد
رافع :
واحد واحد واحد الشعب السوري واحد
واحد واحد واحد الشعب السوري واحد
تسدل الستارة
المشهد الثاني
الغرفة مضاءة هادئة
الثوار: رافع.. نور الدين .. سنان
رافع : يحمل صينية القهوة , يتقدم من نور الدين تفضل يسحب نور الدين فنجانا
شكرا .. ينقدم من سنان تفضل يا سنو يسحب سنان فنجانا .. شكرا ... يجلس رافع بجانبهما بصمت
سنان : يضع الفنجان أمامه على الطاولة ...
صمت كئيب يخيم على المكان .. نورالدين يطقطق بسبحته الزجاجية ..رافع يقرأ في كتاب أدعية أحضره معه .. أما سنان فقد أخذ يعبث بجهازه الخلوي
رافع : بعد مدة يخاطب سنان ... اشرب قهوتك يا سنان لقد بردت
سنان : أين ياسر .. كيف نشرب القهوة ولم يحضر ياسر بعد .. لماذا تأخر ؟
نور الدين : ينظر في وجه رافع بدهشة ثم يقول لسنان : اشربها سيدي ولما يحضر نأتي بغيرها
ثم يميل إلى رافع هامسا : ألم يعرف الخبر بعد ؟
رافع : لا أدري أنا لم أخبره
نور الدين : أما سمعت آخر الأخبار اليوم يا سنان
سنان : ومن أين أسمع .. لا كهرباء ,لا راديو , ولا تلفزيون ..
رافع : سمعت أن شيئا رهيبا وقع االيوم في الحي قبل آذان الظهر بقليل
سنان : ماذا.. ماذا حدث ؟ لقد بدأت أقلق
نور الدين : امرأة ابو عادل العموري ....
سنان: ما بها !!؟
نور الدين : كانت عائدة اليوم من المخبز تحمل رزمة خبز لأولادها ومعها ابنتها الصغيرة ذات الأربع سنوات فلما وصلت قرب المدرسة استهدفها قتاص كان يختبىءفي إحدى غرف المدرسة بطلقة
سنان : إي .. هل قتلت .. يالطيف .. إنها امرأة شابة وأم لخمسة أطفال لا يزالون صغارا .. قل .. قل .. هل قتلت ؟
رافع : يقولون أن شابا شجاعا هب لنجدتها وخاطر بنفسه حمل الطفلة على كتفه وسحب الأم إلى مكان أمين ثم اسعفها أهل الحي إلى المستشفى الميداني
سنان : وكبف حالتها .. هل ماتت ؟ بالأمس كانت عند أمي , إنها امرأة أخت رجال إي والله أخت رجال لقد أظهرت من الشجاغة والتضحية ما يعجز عنه
الرجال وذلك في خدمة الثورة والثوار أتدرون ماذا كانت تقول لأمي ؟ كانت تقول لها : الله يكون في عون الثوار الله ينصرهم والله لو تطلب الأمر أن أضحي بأولادي الخمسة ثم بنفسي لنصرتهم ما توانيت هي لله ... هي لله.. كلها لله
نور الدين : الله محيي أصلها .. فعلا إنها أخت رجال
سنان : مخاطبا رافع .. لم تقل لي كيف حالتها ؟ ما حلّ بابنتها ؟ ما حال اولادها ؟
رافع : لم تصبها الرصاصة في مقتل والحمد لله وتمكن المسعفون من معالجتها وهي الآن بخير والحمد لله ولكن ..
سنان : لكن !! ماذا !!
نور الدين : اهدأ .. اهدأ قليلا قال لك إنها بخير
سنان : ولكنه قال ولكن .. وهذه الكلمة أفزعتني
رافع : ولكن ابنتها الصغيرة ماتت استشهدت
سنان : كيف.. كيف حدث ذلك هل استهدفها القناص هي ايضا برصاصة قاتلة ؟
قاتله الله
نور الدين : لا,,لا ,,ولكن الصغيرة من هول المشهد ولما رأت الدماء تنزف من أمها صرخت من الخوف يا الله ثم وقعت على الأرض ميتة شهيدة بإذن الله
رافع : ولكنك لم تسألني عن البطل الذي أنقذ الأم .. إنه عاد إلى مكان الحادث حيث وقعت الأم وتركت رزمة الخبز فقد أصر هذا الهمام غلى إحضارالخبز فتسلل وأتى بها وما كاد يصل إلى مأمن حتى عاجلنه رصاصة القناص فوقع شهيدا وقبل أن يلفظ أنفاسه قذف رزمة الخبز إلى جيرانه وهو يقول : خذوها أطعموا الصغار
سنان : آه.. آه .. آه يا شام أين كنت مخبئة هؤلاء الأبطال اصحاب النجدة والنخوة
وأخذ يدندن :
إذا ما أعدم النجد ... ستبقى أمهم تلد
رجال أمهم شام ... فكيف بنوك يا بلد
ثم تدحرجت دمعتان حارتان على خده فمسحهما سريعا بيده
نور الدين : ألم تشرب قهوتك بعد ... لعلتا نذهب نواسي أم عادل ونتفقد اولادها وعيالها
سنان : ولكن أين ياسر يا شباب لماذا لم يحضر هل أصابه مكروه بدأت أقلق عليه كيف يتخلى عنا في هذا الوقت ؟
رافع : لم يتخل عنا يا ياسر لعله الآن يمرح في روضات النعيم مع آلاف من أمثاله
سنان : يفغر فاه .. ثم يرمي جسده على الكرسي بعد ان تحفزّووقف بعصبية
تقصدان ... تقصدان... لماذا لم تخبراني من قبل أتظنان أني أخاف من الشهادة جبان أخاف من الموت
هنيئا لك يا ياسر هنيئا لك أيها الحبيب ونعم الفعل فعلك ونعم العمل عملك
نور الدين : نعم يا سنان لقد كان ذلك الشهم الشجاع هو ياسر .. ياسر ولكن لاتجزع فإن هناك ألف ياسر غيره .. بل آلاف ينتظرون كي يقدموا أنفسهم وأرواحهم في سبيل الله قربانا للشام وأهل الشام كل أهل الشام من الشمال إلى الجنوب
سنان : إن الأرض الطيبة عندما ترتوي من دماء الأبطال تنبت أبطالا .. ورماحا .. وسيوفا تشرئب نحو الحرية والعزة والكرامة بإباء وسخاء وشجاعة هذه الأرض مزروعة مغروس في تربتها أشلاء كل حر أبي وكل ماجد مقدام وسيمرع السهل والجبل وستظهر بسمة الحرية على الشفاه وستكلل الجباه بأكاليل الحرية والنصر بإذن الله
تخفت الإضاءة وتبدأ الستارة تسدل على أنغام صوت فيروز بتلك القصيدة الرائعة :
قرأت مجدك في قلبي وفي الكتب
شآم ما المجد أنت المجد لم يغب