حوار مع الكاتب أحمد الخميسي
حوار مع الكاتب أحمد الخميسي
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري |
عبد القادر كعبان |
1- من هو أحمد الخميسي ؟ كيف بدأ مشواره؟ ومن أين انطلق ؟ ومن اكتشف أحمد الخميسي ومد يد العون له ؟
1- أود بداية أن أشكر لكم إتاحة الفرصة أمامي للتواصل مع القاريء والمثقف الجزائري ابن الشعب العظيم الذي ترك أثرا ضخما سواء في الثقافة أم في التجربة الوطنية العربية ، فقد تأثرنا جميعا في آن واحد بمولود فرعون ، وثلاثية محمد ديب " الدار الكبيرة " ، " الحريق " ، " النول " ، وبغيرها ، وأذكر أن تلك الثلاثية كانت منشورة في كتب الهلال حينذاك . كما تأثرنا بصور البطولات والتضحيات التي قدمتها الجزائر وترسخت في ضمائرنا أسماء جميلة بوحريد وغيرها ، ومازلت أذكر قصيدة رائعة لصلاح جاهين عن جميلة ، وكنا نحفظها عن ظهر قلب يقول فيها " شفايفها لما تضحك .. زي شفايف ثريا ، وعيونها بالحواجب تمام شبه سنية ، وشعرها المموج مفروق من الشمال ، على الموضة البناتي زي عروسة كمال" . وإذا كنت تسأل كيف بدأت أنا مشواري لقلت لك إنني بدأته بمسرحية عن الجزائر ! بالطبع لم تكن مسرحية بالمعنى المفهوم ، فقد كان عمري عام 1956 والجزائر تناضل من أجل حريتها لا يتجاوز الثامنة ، لكن تجربة اعتقال والدي حتى عام 1956 جعلتني أراقب ما يجري حولي بوعي . حينذاك كنت أستمع إلي الإذاعة وأتابع الأنباء ، وكانت أخبار الجزائر وكفاحها في المقدمة ، فجلست وكتبت ، أو بعبارة أدق سودت ، عدة صفحات حسبتها مسرحية ! ودعوت أخوتي لتمثيلها في صالة منزلنا بالطبع ولا أكثر . لا أذكر ما الذي كتبته حينذاك ، لاشك أنها كانت مجرد شخبطات ساذجة لصبي ، وبعدها ربما بخمس أو ست سنوات كتبت أولي قصصي القصيرة الساذجة بعنوان " أم نبيل " ، ونشرها والدي في جريدة الجمهورية في باب كان يكتبه أسبوعيا بعنوان " حصاد الأسبوع " ، ثم نشرت قصة أخرى في مجلة القصة بعنوان " الشوق " وكان المشرف على المجلة الكاتب ثروت أباظة ، وأعتقد أنه نشرها حين رأى أن الجرأة لا تنقصني على صغر عمري ! والحق أن الظروف التي عشتها هي التي اكتشفتني . فقد نشأت في أسرة مهتمة بالثقافة ، والدي شاعر معروف هو عبد الرحمن الخميسي ، وكانت والدتي معلمة ، وقد تشابك هذا الظرف مع موهبة صغيرة تبحث عن طريق . العون الذي قدمه لي والدي تمثل أساسا في وجوده كوالد ، كشاعر ، أعني في أنه وضع أمامي نموذجا لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان . فيما بعد قدمنى الكاتب العظيم يوسف إدريس في مجلة الكاتب ونشر لي قصة " استرجاع الأحلام " ، ثم صدرت لي أول مجموعة قصصية مشتركة بعنوان " الأحلام . الطيور . الكرنفال " .
2-ما هي رسالتك التي تسعي إلى إيصالها في كتابتك للقصص ؟
2- فيما مضى كان لدي تصور واضح عن رسالة الكاتب ، لكن هذا كان في مطلع شبابي ، حينما كنت أخط على كل جدار وورقة في منزلنا عبارة مكسيم جوركي الشهيرة " جئت إلي هذا العالم لكي أختلف معه " ، ومع الوقت اكتشفت أنني ربما جئت إلي هذا العالم لكي أفهمه ، وهي مهمة ربما كانت مشقتها أكبر . كانت عندي أحلام كأحلام كل الشباب أنني سأغير العالم كله وأقلبه رأسا على عقب ، ثم أخذت السنوات تقلم كل تلك التصورات المفرطة في الطموح . ومع ذلك أقول إن رسالة الأدب كل أدب هي تعميق الحلم بالعدل والحرية والجمال . لكن ذلك يتم من زوايا متعددة ومختلفة . فالقصة التي تجعلك تشفق على طفلة صغيرة مريضة هي قصة تغير العالم حين تغرس في نفسك الشعور بالشفقة والتعاطف مع الآخرين . عموما فيما يخص " رسالة " الكاتب أصبحت المسألة أكثر تعقدا . وبهذا الصدد كان الكاتب العظيم أنطون تشيخوف يقول إنه بكل ما كتبه أراد فقط أن يقول للناس : إنظروا أية حياة سيئة تعيشون ! انظروا كيف تهدرون أفضل سنواتكم على لا شيء؟ .
3- كيف تختار أبطال قصصك وعلى ماذا تعتمد في ذلك ؟
3- أبطال القصص يولدون مع فكرة القصة . أحيانا تكون الشخصية هي النواة الأولى للعمل التي تحدد بناء القصة ، أحيانا تأتي الفكرة في المقدمة ثم تخرج منها الشخصية أو البطل . لكن عموما اختيار الشخصيات يعتمد على ملاحظة الناس من حولك ، وطباعهم ، ومشاكلهم ، مع اشتباك ذلك كله بموضوع ما . أحيانا تكون الشخصية أو البطل هي الفكرة ذاتها . في أغلب قصص همنجواي القصيرة الموضوع هو البطل تقريبا وتأتي الشخصيات كعناصر مكملة .
4- ما الأدوار التي تركز على إعطائها للمرأة في قصصك ؟
4- الحقيقة أنه ما من أدوار محددة للمرأة في قصصي . لا أعطيها أو أختصها بأدوار معينة . لكن بشكل عام أينما ظهرت المرأة عندي فإنها تظهر مقترنة بالعطف عليها ، وبالمحبة ، وبتفهم مشاكلها ، وحتي حينما أسخر من بعض النساء فإن تلك السخرية تكون مبطنة بالحب العميق أيضا . لدي ضعف تجاه المرأة وحين أفكر في المرأة أفكر أساسا في حنانها وبطولتها اليومية الصامتة في المنزل والعمل .
5 - ما دور الجوائز في حياتك المستقبلية فيما يخص كتابة القصص؟
5- في تقديري أن الجائزة الحقيقية لكل كاتب بين يدي قرائه أساسا . أما الجوائز الأدبية فهي خروج بذلك التقدير من مجاله الأصلي إلي دائرة أخرى ، لكني مع سعادتي بحصولي على جائزتين لا أعول على ذلك النوع من التقدير . فالجائزة قد تكون محطة في رحلة كاتب حقيقي ، كما قد تكون أيضا محطة في رحلة اصطناع كاتب غير موهوب . لكن الجوائز إذا كانت مقترنة بتقدير مادي ملموس قد تساعد الكاتب بدون شك على مواجهة مشاكل حياته المالية ، خاصة في وطن عربي ضخم يحسب أن الكتابة نوع من الزكاة وعمل بدون أجر في معظم الحالات .
6- كيف تنظر الى مستوى القصة المصرية اليوم؟ مع تحديد بعض رموزها الذين يؤسسون لمنهج قصصي يتصف بالخصوصية؟
6- القصة القصيرة المصرية للأسف تراجعت إلي حد ما مع تزايد الاهتمام مؤخرا بالرواية حتى أنني كتبت ذات مرة أنه أصبح لدينا في مصر" روائي لكل مواطن "، وأسباب تراجع القصة القصيرة كثيرة منها أن الصحافة الأدبية والثقافية عندنا تكاد أن تكون معدومة . في الستينات – وكان تعداد الشعب المصري ثلاثين مليون – كانت لدينا مجلات متخصصة في كل مجال : المسرح ، والشعر ، والسينما ، والقصة إلي آخره ، كان لدينا أكثر من 15 مجلة ، الآن وتعداد مصر يتجاوز 80 مليون لدينا صحيفتان ومجلة واحدة ! غياب المنابر التي تحتضن القصة ، واختفاء الصفحات الثقافية في الجرائد اليومية أدي لعزل القصة القصيرة . ومع ذلك فإن هناك أسماء أعادت للقصة ألقها ويأتي في مقدمتها بالطبع محمد المخزنجي وهو قاص ساحر ومدهش وصاحب مدرسة جديرة بالانتباه ، هناك أسماء أخرى من بين الشباب ، وأسماء من جيل الستينات مثل محمد البساطي وبالطبع بهاء طاهر .
7- ماذا تريد من القصة؟ وماذا تريد للقصة؟
7- أريد من القصة أن تتسع لمشاعري وأفكاري كاملة ، وأريد منها أن تتحملني ، عندما تجرفني الرؤى السياسية أحيانا ، أو النزعة الشاعرية أحيانا . أريد من القصة أن تكون صديقتي وأختي وزميلتي . ماذا أريد لها ؟ صراحة أتمنى للقصة أن تزدهر ، فهي فن جميل ، ولا أنسى أن كاتبة كبيرة مثل إيزابيل اللندي قالت إن على من يريد كتابة رواية أن يتدرب أولا وكثيرا على كتابة القصة القصيرة ، لأنها تحسب أن ذلك الفن الدقيق أكثر صعوبة من العمل الروائي .
8- ماهي علاقتك بالإنترنت؟
8- علاقتي بالانترنت هي علاقة الطائر بالسماء ، هي علاقتي بالقارئ وبالزميل وبالمثقف في مختلف المناطق والبلدان . بفضل ذلك الاختراع المدهش يمكنك ألا تعبأ بالرقيب في بلدك ، أو بما هو ممنوع وما هو مسموح ، ويمكنك دون حاجة لوساطة أن تخاطب القارئ أينما كان ، وأن تستمتع بما يبدعه الأدباء الآخرون في البلدان العربية . فيما مضى كان القرويون في مصر إذا كتبوا رسالة يكتبون على المظروف من الخارج " شكرا لساعي البريد " وحين أدخل إلي الانترنت تخالجني رغبة دائما أن أكتب " لشكرا لساعي الانترنت " .
9- ماذا تقول لمن يمارس كتابة القصة والشعر والرواية في آن واحد ؟
9- لا أستطيع أن أقول شيئا لمن يمارس كتابة القصة والشعر والرواية في آن واحد، أدباء كبار قاموا بذلك ، وأدباء آخرون عظام امتنعوا عن هذا . المسألة رهن بما تستطيعه . إذا كنت قادرا على أن تكتب في كل تلك الأشكال تفضل ، شرط أن ينتسب ما تكتبه إلي الأدب .
10 - ماذا تكتب هذهِ الأيام ؟
10- أنهيت تقريبا مجموعة قصصية جديدة باسم " الطيف " وأبحث عن ناشر لها ، وستضم 16 قصة جديدة منها آخر ماكنت أكتبه هذه الأيام وهو قصة " الطيف " وهي عمل طويل نسبيا .