مع الشاعر والأديب الفلسطيني منير مزيد
لجريد اليوم التونسية
منير مزيد / رومانيا
زهور العربي
تواصل جريدة اليوم حواراتها مع ألمع الأسماء في عالم الكلمة إيمانا منها بضرورة التعريف بفرسانها وآرائهم وهواجسهم ... ومعنا اليوم شاعر وأديب ومترجم غني عن التعريف ، طائر مهاجر يمتطي القلم جوادا ويأخذ من القصيد وطنا حتى أصبح واحدا من أشهر الشعراء في العالم أنه الشاعر الفلسطيني منير مزيد..
سؤال : يرتبط اسم منير مزيد بالكونية في كل المواقع الإفتراضية فمن هو منير مزيد وما هي علاقته بصفة الكونية...؟
عندما نتحدث عن الكونية فهذا يعني أننا نتحدث عن الإنسان وما يعتري نفسه من هواجس وهموم وأفكار وأحلام ومشاعر ورؤى وتلك قضايا إنسانية مشتركة بين الأمم والشعوب والحضارات وقد ألهبت خيال الإنسان منذ بدء تاريخ البشرية الواعي حتى عصرنا الحاضر ، وكانت الشغل الشاغل للبشرية طوال تاريخها ..
أما من هو منير مزيد فما زلت في طور البحث في التعرف عليه أكثر واكتشافه . قال سقراط : يا أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك " فمن تلك المقولة ندرك بأن معرفة الذات القاعدة و الأساس الذي تمر عليه كل معرفة متجهة إلى الخارج ، وردا على مقولة سقراط قلت : تعرَّفْ أوَّلاً على ذاتِكَ ،على المرأةِ التي تُهدهِدُ القلبَ ، القلبَ الذي يحمِلكَ ، الذاتُ بلا قلبٍ وامرأةٍ ،كومةٌ مِن خرابْ...
أما حين نتحدث عن الشعر الكوني فهذا يعني أننا تتحدث عن خطاب شعري منطلقه الإنسان .. الإنسان بلا لون عقائدي أو عرقي أو جغرافي وخطابي الشعري في هذا الاتجاه في تناول تلك القضايا و بسط القيم الإنسانيّة .. وهناك أمر آخر يتعلق أساسا بالكونية اللغوية و شعر منير مزيدينتشر في أغلب البلدان الاوروبية بلغاتها الأصلية أما كتابة بها أو ترجمة ..
سؤال : منير مزيد الطائر المهاجر المحلق في سماء الشعر لكنه جريح وجرحه غائر ..هل أنا محقة ..؟ وهل لنا أن نعرف سبب هذا الجرح... ؟
سأكتفي بمقاطع شعرية مختلفة من كتابي ( فصل من إنجيل الشعر ) لكي تجيبك عن سؤالك
أنا شَهوةُ الحُزنِ للحُزن
شهوَةُ الحُبِّ للحُبِّ
شهوَةُ النارِ للاحترَاق
وشهوَةُ العصافيرِ للغِناءِ
أنا ... أنا الشاعرُ
... ...
رِفقاً بروحِي
أنا لستُ نبياً
حتى أُصلَبَ تكفيراً
للخطايا
مَهلاً ...
و لْيكُنْ
إذ كان دمِي زَيتُ قنادِيلِكُم...
... ...
هي الشَهوةُ دَوماً
تزرَعُ شَوكةَ المَوتِ
في ذاتِنا
و تأبى القصيدَةُ إلاّ أنْ تَكونَ
رحيقَ الجُنونِ....
... ...
يا لهذا الحزن الذي لا يفارقني
كلما شاخ
احرق دم العنقاء...
سؤال : يتغافل عنك العرب وفي المقابل يدعمك الغرب لتنال جائزة نوبل للآداب ألا ترى ذلك غريبا وأنت العربي الفلسطيني...؟ وما رأيك بهذه المفارقة...؟
يقول المسيح عليه السلام : "لا كرامة لنبي في وطنه"
جاءت مقولة المسيح هذه حين بدأ يبشر بدين الله الحق في مدينة القدس وفي ذلك الوقت كان فيها بعض الغوغاء والهمج الرعاع الذين اعتبروه مرتدا وتآمروا على قتله ..
التاريخ مليء بحكايا هجرة العقول المبدعة بحثاً عن الأمان والطمأنينة المنشودة في بلد آخر فأنا واحد بين الكثيرين ممن هاجروا بحثاً عن أرض خصبة لزراعة حبوب إبداعهم ..وبالتالي لا أرى
أي غرابة أو مفارقة بل تأكيدا على أننا ما زلنا كعرب للآسف لا نعرف كيف نحافظ على مبدعينا
و قد بات معروفا للجميع بأن مؤسساتنا العربية لا تدعم الثقافة بل ترى بأن المبدع الحر عدوا ولهذا يجب التخلص منه بأي وسيلة أو طريقة ..
ويبقى السؤال الذي يؤرقنا جميعا كعرب " إذا كنا لا نستطيع أن نحافظ على مبدعينا فعلى من نحافظ إذن...؟
سؤال : حدثني عن الأمسية الشهيرة التي قامت بها سلوفانيا لدعمك
بداية هناك مبادرات من أصدقاء ، نقاد ومترجمين ، لعمل ندوات وأمسيات شعرية لقراءة قصادي من أجل التعريف بشعري في بلدانهم و بأعمالي كجزء لدعمي لجائزة نوبل فمثلا قام قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة رادين فتاح الإسلامية الحكومية بالنبانغ - إندونيسيا بتنظيم مسابقة في إلقاء الشعر العربي وتم اختيار قراءة قصائدي لتلك المسابقة وكانت تلك المبادرة من الدكتور ، أحمد عطاء الله فطاني الذي ترجم قصائدي إلى اللغة الاندونيسية و بصفته رئيسا لمنتدى الشعر العربي أطلق " جائزة منير مزيد في الشعر والترجمة '' وتمنح الجائزة لمن ترجم قصائدي إلى اللغة الاندونيسية.. ومن خلال تواصلي معه ومع المترجمين فأن أغلبية قصائدي قد ترجمت للاندونسية وهناك رغبة عند هؤلاء المترجمين بترجمة جميع قصائدي .
أما ما حدث في سلوفانيا فهو من ضمن سياق تلك المبادرات فقد قامت الدكتورة والناقدة بريجيتا بيافانفيتش بتنظيم أمسية شعرية لقراءة قصائدي ومناقشتها حيث بدأت بتقديم لمحة عن سيرتي وأعمالي الإبداعية وترى بأني أهم شاعر عربي معاصر وتحدثت عن وجود ورشة ترجمة لترجمة قصائدي إلى السلوفانية وبأن الشاعرة والمترجمة السلوفانية تانجا بليستانج قد ترجمت لي أكثر من 70 قصيدة وبأن ترجمتها لعبت دورا مهما بالتعرف علي وتأمل ان تترجم جميع القصائد واصدارها في كتاب و من ثم اعربت عن رغبتها بأن ينال شاعر عربي جائزة نوبل للآداب وترى بأني الشاعر العربي الذي يستحقهاعن جدارة خاصة عن دوري في أثراء حركة الشعر وترجمته وبعد ذلك قرأت 5 قصائد باللغة السلوفانية ومن ثم دار نقاش حول تلك القصائد...
سؤال : تكاد لا تخلو المواقع من قراءات كتبت في شعرك ودواوينك ولكن هناك من يعيب عليك إيغالك المفرط في الرمزية.. ما رأيك..؟
انتشار القراءات تعني اعترافا بتجربتي ووصولها إلى جمهور واسع رغم التعتيم الذي يمارس ضدي..
حين ينشر المبدع نصه فأنه يصبح ملكا للقراء ومن حق كل قارئ ان يرى رأيه في ما يقرأ.. الرمزية اختيار واع مني وهو اختيار فني إبداعي..وأنا لا أنتظر أن يكون قبول الجمهور به قبولا جماعيا وإنما لكل فئة من القراء ردّ فعل معين يكون بحسب ذائقتها الفنية ومستواها الثقافي ومفهومها للشعر..
الشعر في نظر الرمزية ما هو إلا تعبير عن تلك العلاقات والتطابقات التي تخلفها اللغة لو تركت لذاتها بين العيني والمجرد والمادي والمثالي وبين المجالات المختلفة للحواس لهذا تصبح قراءة الشعر قراءة استكشافيَّة ، جماليَّة ..
أما الحديث عن تجربتي الشعرية فأني أتبع من الناحية الأسلوبية البساطة في اللغة والعمق معاً وأستخدم اسلوب التناص واستحضار عبارات من الكتب المقدسة و الأساطير الشرقية والغربية ومن الناحية الفنية ، أحاول إيجاد نوع من التوازن بين الأجزاء التي تعنى بالموسيقى والإيجاز والتجريد والبساطة والعمق والإبتكار والبعد عن التقليد والكلام المنمق والعبارات الرنانة والكلمات المبتذلة والصور التقليدية والإيقاعات الموزونة بل ضد الأنماط التفكيرية السائدة والسطحية والتراكيب البنوية المعهودة، لذا اعتمد على التكثيف وخلق عوالم جديدة من الصور والايقاعات والشحنات الشعرية المتوترة، بعيداً عن القوالب الجاهزة واجترار العبارات المستهلكة والقوافي التجميلية والحفر في أعماق الخيال ..فالخيال ملكة الرمز وعالم الرمز واسع فهو عالم الانسان وكل ما يتصل ويحيط به ..
سؤال: عشت معك افتراضيا حلم انطولوجيا الشعر التونسي ومدى الجهد الذي بذلته في انجازها فمتى ستصبح هذه الانطولوجيا واقعا نمسكها في كتاب...؟
قبل الحديث عن انطولوجيا الشعر التونسي أود الحديث عن مشروع الترجمة الذي سعيت إلى تنفيذه فقد بدأت المشروع ببوابة الشعر العربي المعاصر وهي عبارة عن قصائد لشعراء من الوطن العربي بالتعاون مع البرفسور العراقي عبد الستار الأسدي والشاعر والباحث الروماني ماريوس كيلارو وقد صدرت بثلاث لغات بالعربية والانجليزية والرومانية ولاقت إقبالاً وترحيباً ورغبة بالتعرف على الشعر العربي مما شجعني بالقيام بترجمة مكثفة للشعر العربي .. بدأتها بقلائد الذهب الشعرية وتحتوي تقريبا على 400 قصيدة لشعراء العرب ومن ثم عقد اللؤلؤ لشاعرات من الوطن العربي من أجل توصيل وتعريف الصوت النسوي العربي ...
بعد إنجاز تلك الأعمال سعيت لأجل ايجاد التمويل لطباعتها إلا أني وجدت العرب هنا في رومانيا لهم اهتمامات أخرى غير الثقافة ولا داعي لذكرها فالثقافة بالنسبة إليهم طبل ونساء وموائد . هذه الأمور لم تحبط عزيمتي ورغبتي في اكمال مشروع الترجمة لهذا تابعت في الترجمة فانجزت انطولوجيا الشعر السعودي و مختارات من الشعر المصري وقد طبع الكتاب في مصر و انطولوجيا الشعر التونسي ولغاية الآن لم أجد عريبا أو مؤسسة ترغب في تقديم المساعدة في طباعة تلك الأعمال .. وهنا توقفت عن ترجمة الشعر العربي وفضلت ترجمة الشعر الأوروبي فقد ترجمت انطولوجيا الشعر الروماني ودواوين لشعراء من روماني وصربيا وفرنسا وكلها طبعت ولم أجد صعوبة في طباعتها وحاليا أعمل على انتاج انطولوجيا للشعرالإيطالي ومن ثم الإسباني...
أما متى نرى أنطولوجيا الشعر التونسي فهي الآن في وزارة الثقافة التونسية وأما متى نراها في كتاب فالسؤال يوجه للقائمين على وزارة الثقافة التونسية .. حتى نكون واضحين أكثر الانطولوجيا ارسلت من قبل سفارة تونس في بوخارست بعد أن قمت بتسليمها لهم...
سؤال : منير مزيد أعرف أنك صريح فهناك من يعتبر ارتباطك بالغرب تنكرا لعروبتك ويعتمدونها ذريعة .. ما رأيك...؟
يقول الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) : "وطنك ما أقلك وأظلك" ولعل هذا ما يفسر سبب حبي لرومانيا فهي أظلتني تحت جناحها اللازوردي وثمنت موهبتي ووفرت لي الأرض الخصبة كي أنشر فيها بذور إبداعي . و أصبحت تلك البذور أشجارا مثمرة ترمي بخيراتها وظلالها في كل مكان وفي كل زمان..
رغم كل الإجحاف والتنكر من قبل ابناء جلدتي للمنجزات التي قدمتها إلا أنني بقيت صوتا عربيا في اوروبا ولم أخلع يوما عباءتي العربية بل قدمت نموذجاً رائعاً لصورة الإنسان العربي الأصيل الإنسان المبدع والمتحضر والمنفتح على الآخر عكس ما يروج في الإعلام الغربي عن صورة الإنسان العربي وترجمت أكثر من 700 قصيدة عربية بدون أي مقابل فقط جهد شخصي ورغبة مني من أجل تعريف الغرب بثقافتنا العربية ...
أنا أعيش في رومانيا منذ 8 سنوات و الرومان ساهموا كثيرا في طباعة أعمالي وكذلك ايطاليا وقريبا ستظهر أعمالي الكاملة بالانجليزية والايطالية في ايطاليا ..أعمالي وصلت 125 عملا والعرب لم يساهموا في بأي شيء ولا اتوقع منهم لأن الثقافة بالنسبة لهم مصالح شخصية وخطاب سياسي مقيت و الأهم أنني أرفض رفضا قاطعا تعهير الثقافة و قضية فلسطين والفصائل الفلسطينية بكل أطيافها تجيد هذا العهر بأمتياز وتساهم بصورة قوية بإظهارنا بأننا شعوب متطرفة ومنغلقة وتحارب الإبداع والثقافة الإنسانية الحرة وهذا هو خلافي مع أبناء الجالية الفلسطينية في رومانيا ومع العرب وابتعادي عنهم و ارتباطي بالمثقفين الاوروبين والتعامل معهم ...
سؤال: ما هو أحسن حدث أسعدك سنة 2011 وما هي أمنيتك في سنة 2012
صدوري أعمالي الشعرية الكاملة "حديقة الشعر اللازوردي" بالعربية في لبنان وأتمنى في سنة 2012 أن تصدر أعمالي الشعرية الكاملة كما أخطط بالإنجليزية والإيطالية والرومانية وكذلك صدور انطولوجيا الشعر التونسي وانطولوجيا الشعر السعودي وانطولوجيا الشعر الإيطالي ...
سعدنا بوجودك معنا ولك الحرية في أن تختم حوارنا بما تحب
مع إطلالة العام الجديد أتمنى لكل شعوب الأرض أن تعيش بحرية و سلام وطمأنينة ورخاء وأن تحقق أحلامها وطموحاتها وأتقدم بالشكر الجزيل لكل الشعراء والأدباء والنقاد والإعلاميين والمترجمين من الشرق والغرب الذين ساهموا في مسيرتي الإبداعية وأود هنا ذكر بعض تلك الأسماء التي لها يد بيضاء وهم :
- الشاعر والباحث الروماني ماريوس كيلارو
Marius Chelaru
- الباحثة والمترجمة الرومانية ماريا موغراش
Maria Muguras Petrescu
- الشاعر والفنان الإيطالي ماريو ريغلي
Mario Rigli
- الشاعر الفرنسي اتاناز فانشيف دو تراسي
Athanase Vantchev De Thracy
- الشاعرة الإيطالية جاردزيلا آرديا
Graziella Ardia
- الشاعرة والإعلامية والمترجمة الصربية دوشكا فروفاك
Duska Vrhovac
- الفنانة التشكيلية والمترجمة السلوفاكية ستيالا فالاغا
Stella Veľká
الشاعرة والمترجمة السوفانية تانجا بليستانج –
Tanja Plestenjak
– الناقدة والمترجمة السلوفانية بريجيتا بيافانفيتش
– الدكتور الاندونيسي أحمد عطاء الله فطاني
Achmad Atho'illah Fathoni
البرفسور العراقي عبد الستار الأسدي –
– الدكتورة التونسية آمنة الرميلي
–الشاعر والفنان اللبنانى عبدالكريم البعلبكي
–الشاعر والناقد الفلسطيني محمود فهمي عامر
– الشاعر والإعلامي التونسي عبدالله القاسمي
– الشاعر والناقد اللبناني حسن حجازي
وهناك حقيقة اسماء كثيرة وهي مذكورة في كتابي حديقة الشعر اللازوردي ولهم مني كل آيات الشكر والمودة والإمتنان ...