مع محمد البطراوي

محمد البطراوي قبل وفاته

وفي حوار جريء مع هيثم الشريف

هيثم الشريف/فلسطين

[email protected]

يقول: لا تنشر الصحف الشعر العامي نظرا للجهل، وللأسف أغلب محرري الصحف الأدبية قبلوا بهذا اللقب!! والصحافة ترضى بهم لأن أجورهم قليلة!!

"الأب الروحي للثقافة الفلسطينية، والكاتب المبدع، وشيخ النُقّاد والمثقفين، وسنديانة الثقافة الفلسطينية ، وعرّاب الأقلام والأصوات الأدبية في فلسطين، والصحافي، والشاعر، والناشط السياسي".

هذه هي بعض الألقاب التي لُقب بها أحد أبرز رموز الثقافة في فلسطين " محمد البطراوي" الناقد العربي الكبير، مستشار وزارة الثقافة الفلسطينية السابق، والذي وافته المنيّة قبل أسابيع، وقبل أن تنشر الحــال  لقاءً أجرته مؤخراً معه، حيث بدى حينها كعادته متواضعا لأبعد الحدود. يعاملك بإنسانيته المعروفة عنه .

لذا تنشر الـحال، فحوى اللقاء الذي أجري مع  شخصية ساهمت في رعاية أجيال من الكُتّاب والأدباء والناشئة والأخذ بأيديهم. شخصية قدمت خدمات جليلة لحركة الثقافة والإبداع الفلسطيني، وعملت على إثراء الأدب والعملية النقدية الفلسطينية.

هل ترى أن التركيز على أكثر من محور في القصيدة أو الرواية، يُذهب بريق بعض المحاور؟ على اعتبار أن من ينظر إلى عقد به العديد من اللأليء لا ينظر إلا على أكثرها بريقا؟

هذه قضية إشكالية ، والسبب أن القصيدة ربما يكون فيها عدة مظاهر "كما المونتاج في السينما بها عدة مناظر"، لتكوين إنطباع معين في النهاية، فإذا كانت هذه المناظر أو القصيدة مشتتة للقاريء، فالقصيدة لم تصل إلى هدفها، وبالتالي، أما إذا كانت المظاهر فيها مندمجة جميعها بشكل يؤدي إلى وضوح ورؤيا معينة، فالقصيدة تنجح.

" الشطب أو الحذف أهم من الكتابة" إحدى أهم نصائحك للأقلام الواعدة، هل توضح لنا كيف ذلك ؟

صحيح، فالكثير من الكُتّاب يكتبوا في قضية معينه، نأخذ الوطن مثلا، وإذا بالكاتب يتحدث في ذات القصيدة عن البرتقال مثلا!! ويستطرد في الموضوع الفرعي ، وينسى صلب موضوع القصيدة ألا وهو الوطن! ويظن الكاتب أنه بذلك يعمل على عمل تلوين إضافي في موضوع القصيدة أو الرواية!!، لذا، فالحذف هنا يُصبح أهم من الكتابة ، كما أننا لو أننا أخذناها ووظفناها خارجا، لأصبح لدينا خامة جديدة لعمل روائي أو قصيدة جديدة.

تقول أيضا " أن كتابة العنوان للرواية أو القصيدة أصعب من كتابة النص ذاته، لماذا؟

لأن العنوان هو ما يمكن أن يدفع القاريء لقراءة الموضوع أو تتركه، فمن المعروف أن هناك عدة مراحل في موضوع القراءة، أولها غلاف الكتاب أو الموضوع ونسميه"العتبة"، فالعنوان هنا بمثابة قراءة ثانية للكتاب من وجهة نظر فنان يُحس بالموضوع، ووضع صوره لهذه العتبة أو الغلاف، وهو فرش وجداني للقصيدة أو الرواية، ويضع القاريء في جو النص.

هناك قاعدة عامة تقول أن أول عشر صفحات بالرواية، هي قاتلة" برأيك متى تكون الصفحات الأولى قاتلة للرواية ؟وهل تختلف هذه القاعده في الرواية عنها في الشعر ؟

في الرواية يجب أن تكون العشر صفحات الأولى قوية، ودافعة ومُحرّضة للقاريء على قراءة ما يلي ذلك من صفحات، فإن لم تجذبنا وتُحرشّنا للإنتقال للصفحات التي تليها، فإننا نرمي بالرواية ولا نهتم لها، وهنا تصبح هذه الصفحات قاتلة للرواية، ، ونفس الشيء بالنسبة للأسطر العشرة الأولى بالنسبة للقصيدة.

كان لك لقاء مع شاعر المرأة الراحل نزار قباني قبل وفاته، كناقد عربي ، كيف ترى شعر وأسلوب نزار قباني؟

رغم ما ينظر إليه الجميع على أن نزار شاعر تجديد، إلا أنني أعتقد أنه شاعر كلاسيكي جدا، يستعمل الكلمات السهلة، ويحاول مداعبة مشاعر معينة، ولكل شاعر قاموس أو طريقة أو أسلوب وأنا أسميها "مفتاح"، فمثلا الشاعر الجواهري رحمه الله كان يتكيء على اللغة، والراحل محمود درويش كان يتكيء على أخذ القاريء لرحلة عقلية معينه في داخل الشعر، أما فقد كان يجمع بين جميع هذه الأشياء، إضافة لتفرده في مخاطبة أجيال معينة، من خلال عواطف بذاتها، وعلى هذا الأساس كان نجاحه.

ختاما، هنالك نصوص عامية تحمل معاني جميلة وصور بليغة ، وأقرب للنفس البشرية، لا يُنظر إليها بعين الإعتبار من خلال بعض الصحف والمجلات، وكأن ما يُسمح بنشره فقط هو لمن يكتب الفصحى!  في حين أن هناك من أبدعوا من خلال نصوص عامية أو بدوية "نبطية"، كأن بعض الصحف تُحدد العرض وتُلزم بالطلب، فسؤالي هنا هل الموضوع هو عرض وطلب؟

الموضوع جهل وليس عرض وطلب!! فأغلب محرري الصفحات الأدبية في الصحف قبلوا بهذا اللقب!! والصحافة ترضى بهم لان أجورهم قليلة، ولا تستقدم للعمل على هذا الصفحات، كُتّاب أو نُقّاد أو أُناس ينظروا للإبداع كإبداع.

صحيح أن اللغة في حد ذاتها هي أحد العناصر ولها جمالياتها الخاصة، لكن الشعر والكتابه بالعامية، أيضا لغة، ولها إبداعها وجمالياتها وبلاغتها، وهي أكثر سلاسة و سهولة وتعبير عن النفس، وأنا بنفسي حين أكتب الشعر أكتبه بالعامية لا بالفصحى، لأن في العامية صفاء ورونق وأكثر وصولا للنفس البشرية، وهي أقرب إلى كتابة الصحف، لأنها تقع ما بين الفصحى والعامية، وهي ما أسميها"لغة هجين، ليست فصحى ولا عام.

مع ذلك إجابة على سؤالك، ربما لأن العامية مناطقية، فمثلا أنا أعرف شاعرة بدوية،  ومن أروع ما قرأت في الشعر العامي موجود في هذه الشاعرة، لكن للأسف لا أفهمه إلا عندما هي تقرأه، لأنني أجهل كيف يُنطق، وكذلك الشعر في  قرى منطقة غزة  سابقا، حيث له لهجة معينة، وبالتالي ربما تعدد اللهجات في المنطقة قد يكون سببا.