كاتب أدب الأطفال د. طارق البكري
لا تحملوا أدب الأطفال مسؤولية حل مشاكل الأمة العربية
د. طارق البكري
محمد حنفي
كاتب أدب الأطفال اللبناني د.طارق البكري له معرفة وثيقة بعالم أدب الأطفال، صدرت أخيرا للبكري الذي كان رئيسا لجائزة الصحافة العربية للأطفال في نادي دبي لعام 2009 مجموعة أعماله الكاملة التي تضم خمسة مجلدات يحمل كل منها 50 قصة للطفل، القبس التقت د.البكري وحاورته عن واقع أدب الأطفال العربي وآفاق المستقبل.
• وفقا لإحصائية صادرة من اليونيسكو فإن متوسط قراءة الطفل العربي لا يتجاوز 6 دقائق في العام، فهل هي أزمة كتاب أم أزمة قراءة؟
ـ مع احترامي الشديد لهذه الاحصائيات الموثقة، فإني أعتقد أن هذا الرقم فيه ظلم للطفل العربي القارئ، فصناعة كتاب الطفل منذ مطلع هذا القرن تزداد تصاعديا بشكل كبير، ومن واقع مشاركتي في بعض معارض الكتاب العربية، لاحظت مدى إقبال الصغار على القراءة، وفي معرض الكويت، على سبيل المثال منذ سنوات عدة، أجد حرصاً كبيراً على كتاب الطفل، لكن في النهاية فإن الرقم يبقى مخيفاً، ويحتاج لاستراتيجية قرائية عربية جديدة.
• هناك اتهام موجه لأدب الأطفال العربي بأنه مازال يستنسخ تجارب أدب الأطفال الغربي، إلى أي مدى مازال هذا الاتهام قائما؟
ـ لا أدري هل هو اتهام أم استحسان، فما الضير في الترجمة عن الغير، اليابان مثلاً تترجم الكثير الكثير، ألمانيا لديها ناشرون كثر يهتمون بترجمة الروائع الأدبية العالمية، نحن نشأنا على كتاب كليلة ودمنة وهو كتاب مترجم، كما أن قصصا قصيرة يحبها الطفل هي من أصول أجنبية: سندريللا، الأقزام السبعة، ليلى والذئب، الأدب لا جنسية له ولا هوية، المشكلة ليست في الاقتباس أو كما سميته الاستنساخ، المشكلة أن تنعدم هويتنا.
أزمة إبداع أم تمويل؟
• يوجد شبه اتفاق على أننا نعاني أزمة في أدب الأطفال العربي فهل هي أزمة إبداع أم مبدعين أم تمويل أم ماذا؟
ـ أنا أرى العكس تماماً، كتب الأطفال اليوم في انتشار متزايد، وهناك إصرار من قبل كثير من الناشرين على مواصلة الطريق رغم العقبات ورغم الخسارة أحياناً، الناشر لا يصح أن يستجدي وكذلك الأديب، وإن كنا اليوم لا نعي تماماً ماهية هذا الإنتاج فسوف يأتي اليوم الذي يعي الناس فيه ذلك، أما القول بأن هناك أزمة مبدعين فهذا غير دقيق، هناك أزمة تتعلق بمن يعي أهمية هذا النوع من الأدب.
• هل إنتاج أدب الأطفال العربي من ناحية الكيف يتناسب مع الكم المنشور؟ وهل هذا الكم المنشور يلبي حاجات الأطفال المعرفية؟
ـ خلال زيارتي الأخيرة إلى معرض كتاب الطفل في الشارقة اطلعت على انتاج هائل من الكتب الرائعة الجميلة شكلاً ومضموناً تلبي حاجات الطفل، لكن الكتاب اليوم لم يعد المصدر الوحيد للثقافة، فهو يواجه منافسة من مصادر ثقافية كثيرة، وفي المقابل نحن نكلف الناشر فوق طاقته، يدفع للدول إيجار الجناح ليعرض كتبه، يدفع نصف صافي ربحه للفندق وللطعام ولتذاكر السفر، وبعضهم يعود أحياناً من دون أن يغطي مصاريف سفره وإقامته وإيجار جناحه، يالها من صناعة مهلكة ومكلفة، والأمم التي لا تعرف قيمة صناعها الحقيقيين لا مستقبل لها.
ثقافة المواجهة
• ما المعضلة التي يواجهها أدب الأطفال العربي في ما يتعلق بالقيم في مواجهة ثقافة عربية تتعرض للاختراق يوميا؟
ـ أراك تشير إلى أدب الطفل وكأنه مسؤول عن تقويم وتسديد الأمة، أدب الطفل دوره بسيط جداً في زمن البلاي ستيشن والفضائيات، كتّاب الأطفال مساكين، فهم لا يملكون عصا سحرية لحل المعضلات التي تواجه الأمة التي عجزت عن حلها الدول مجتمعة، انظر إلى ما يقدم للأطفال في محطات الفضاء العربية، كلها غربية بصوت عربي ودبلجة عربية، ويا ليتها دبلجة عربية جميلة، وليس هنالك من يسأل ولا من يحاسب، فقط توجه السهام إلى بعض الكتاب، وبعض الكتب تمنع، بينما لا يقوم أحد بالاعتراض على سلبيات بعض المحطات، وما فيها من دمار لعقول أطفالنا، وقد بدأنا نرى جيل الفضائيات اليوم وهم في سن المراهقة كيف أصبحوا، وكيف تغيرت اشكالهم وعقولهم، نحن لسنا نتعرض للاختراق، نحن مخترقون بالفعل، ونحن لا نواجه معضلة بل المعضلة أصبحت جزءا منا.
• كيف تنظر إذن إلى حاضر ومستقبل أدب الأطفال العربي في مواجهة سطوة «المالتيميديا» المتمثلة في الفضائيات والإنترنت؟
ـ حاضر أدب الطفل من حيث مضمونه طيب وإيجابي، والمستقبل إلى صعود، ولا خوف ولا قلق على مستقبل أدب الطفل في عالمنا العربي، لكن الخطر في ألا نعي المخاطر المحدقة بالطفل العربي.
• هل أثر أدب الأطفال الإلكتروني سلباً في مكانة أدب الأطفال بصوره التقليدية الممثلة في الكتاب والمجلة والصحيفة؟
ـ لا أظن ذلك بل على العكس، فالمهم أن يقرأ الطفل ويتابع ويستفيد، فكل وسيلة ثقافية لها أهميتها، ولكل عصر أدواته ووسائله، وأنا مع تطويع أدب الطفل مع التطور التقني، لكننا بحاجة إلى نوايا صادقة، أما أن نظل نستورد ثقافة الآخرين بحلوها ومرها ودبلجتها واعتبارها جزءا حيويا من ثقافتنا، فهنا الخطر بعينه.
جريدة للأطفال
• أنت طالبت بإنشاء جريدة عربية يومية للأطفال.. فهل هذا الاقتراح ممكن في ظل الأزمة المالية التي تعانيها الصحافة المطبوعة في الآونة الأخيرة؟
ـ المسألة ليست أزمة مالية، وليست الصحف هي من ستتحمل التكلفة بالكامل، ثم إن الصحف التي ستتبنى المشروع ستنعشها جريدة الطفل الملحقة بها، ولن تزيد عليها من أعباء بل ستزيد من مبيعاتها يوماً بعد يوم، وأحمد الله أنني سمعت أخيراً عن أن مثل هذه الجريدة صدرت في مصر العزيزة قبل أسابيع، أرجو لها النجاح والتوفيق، وإن كانت محدودة الانتشار ولا تشكل الحلم للطفل على مستوى الوطن العربي كما هو مشروع جريدة يومية للطفل العربي.
• وكيف تنظر إلى واقع أدب الأطفال في دولة الكويت؟
ـ الكويت تبدي اهتماما خاصاً بالطفولة، وتصدر فيها حالياً مطبوعات ومجلات كثيرة خاصة بالطفل (أجيالنا، العربي الصغير، براعم الإيمان، سدرة وسعد)، ومجلة العربي الصغير تغطي العالم العربي كله، واستطاعت أن تصل إلى الأطفال العرب في كل مكان، وأصبحت منذ زمن طويل مجلة الطفل على امتداد الوطن العربي بامتياز، كما أننا نجد اهتماما كبيرا بأدب الطفل من الجهات الرسمية، ومنها على سبيل المثال مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي تقدم جائزة سنوية لكتب الأطفال في معرض الكتاب، كما لديها مسابقات للأطفال من بينها مسابقة الريادة السنوية، ومسابقات أخرى،ولديها أيضا موسوعة الكويت للأطفال، وكنت قد اقترحت سابقا إقامة مسابقة الكويت الدولية الكبرى لأدب الطفل تتناول القصة والمسرح والشعر والموسيقى والأغنية والبرامج التلفزيونية.. وأكرر ذلك اليوم.