لقاء مع السيد علي صدر الدين البيانوني

المراقب العام: علي صدر الدين البيانوني

البيانوني: أبناء الطائفة العلوية يعانون من ظلم النظام السوري واستبداده مع باقي فئات الشعب

عضو الأمانة العامة لجبهة الخلاص الوطني المعارضة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية ( سلسلة " حوارات المعارضة السورية")

محمد عيسى  - خاص ثروة

* الجبهة منفتحة على جميع مكونات المجتمع السوري ... ولا يتم استبعاد أحد على أساس مذهبي أو عرقي أو ديني

* أبناء الطائفة العلوية يعانون من ظلم هذا النظام واستبداده

* لا يمكن أن نتهم كل أبناء الطائفة بأنهم مساندون للنظام، فهناك متعاونون مع النظام من كلّ الطوائف والأعراق

* وأعتقد أنه سيكون لأبناء الطائفة العلوية دور هام في عملية التغيير

* مهما يكن شأن مسؤولية السيد عبد الحليم خدام عن المرحلة السابقة، فهذا لا يمنع ... في أن ... يؤدّيَ دوراً إيجابياً في عملية التغيير

* المجتمع السوري ليس مجتمع أقلّيات، بل هو مجتمع فيه أقلّيات

* نحن نسعى في المعارضة السورية من خلال الأطروحات المنفتحة، إلى احتواء الموقف، وسحب فتيل برميل البارود، الذي يزيده النظام احتقاناً

* الادعاء بأن النظام الحالي هو المدافع عن حقوق الأقليات الدينية، يفتقد المصداقية والواقعية ... أما الادعاء بأن البديل القادم هو التطرّف الإسلامي، فهو تزوير للواقع للتخويف من التغيير

* لم تحسن إيران الاختيار بين أن تكون جمهورية إيران الإسلامية، أو جمهورية إيران الشيعية

* يبدو أن الحلم الإمبراطوري الإيراني يراود العديد من الإيرانيين، وسورية بعد أن كانت صاحبة المبادرة في التحالف السوري الإيراني، أصبحت ساحة للعب الساسة والاقتصاديين الإيرانيين والملالي على حد سواء

* يُقال إن الاختراق الجوي الأخير لسورية كان رسالةً إلى إيران بالدرجة الأولى

* لو تُرِك الشعب العراقي على طبيعته لأسّس لدولة ديمقراطية حرة

1- منذ عدة أسابيع عقدتم المؤتمر الثاني للجبهة، والذي شهد زيادة في عدد الحاضرين، وحظيتم ببعض التغطية الإعلامية العربية لذلك المؤتمر. لكن البعض يتهمكم أنكم قمتم باستبعاد شخصيات علوية لأسباب طائفية. ما رأيكم بذا الاتهام، وبالدور الذي تقوم به الطائفة العلوية في سوريا؟

ج 1 ـ لقد حظي مؤتمر جبهة الخلاص الوطني، الذي عُقد في برلين بتاريخ 16ـ17/9 بتغطية إعلامية عربية ودولية، ذلك أن الجبهة أصبحت تشكل قطباً أساسياً في المعارضة السورية. أما القول إن هناك اتهامات يصدرها البعض، فمن الطبيعي ألا تتوقف مثل هذه الاتهامات في ظرف مثل الظرف الذي تعيشه المعارضة السورية.

إن وثائق الجبهة وأوراق تأسيسها الأولية ومواقفها.. تؤكد أن الجبهة منفتحة على جميع مكونات المجتمع السوري، وأن الجبهة تضم في صفوفها عملياً أعضاء مشاركين من جميع المكونات، بمن فيهم العلويون أنفسهم. ولا يتم استبعاد أحد على أساس مذهبي أو عرقي أو ديني، وهذه مسلّمة لدى كل أطراف الجبهة، وليست موضع خلاف أو شك أو نظر.

إن أبناء الطائفة العلوية يعانون من ظلم هذا النظام واستبداده، كما تعاني سائر مكونات المجتمع السوري، وهناك العديد من الشخصيات المعارضة من أبناء الطائفة، ممن تعرّضوا لقمع الأجهزة الأمنية وتنكيلها، وليس الدكتور عارف دليلة الأنموذج الوحيد لهؤلاء. وإذا كان النظام يحاول استغلال الطائفة العلوية، والتمترس خلفها، وتخويفها من التغيير الديمقراطي ومن البديل القادم.. فإننا لا يمكن أن نتهم كل أبناء الطائفة بأنهم مساندون للنظام، فهناك متعاونون مع النظام من كلّ الطوائف والأعراق. وأعتقد أنه سيكون لأبناء الطائفة العلوية دور هام في عملية التغيير، شأنهم في ذلك شأن سائر مكونات المجتمع السوري.

2- كنا سمعنا أن الجبهة والقوى الأخرى بالمعارضة السورية ستقوم بتشكيل حكومة تسير أعمال لتكون جاهزة حال سقوط النظام إلى أين وصلت هذه الفكرة؟

ج 2 ـ نعم.. فقد نص البرنامج التنفيذي للمشروع الوطني للتغيير لجبهة الخلاص الوطني، على تشكيل حكومة انتقالية، بالتشاور مع القوى السياسية والمجتمعية والاقتصادية والفكرية، تكونُ جاهزةً لتسلّم إدارة البلاد في الوقت المناسب، وتأخذُ على عاتقها حمايةَ البلاد من الفوضى، ومن كلّ أشكال الصراع الداخليّ، وتتولّى مسؤوليةَ السلطتين التشريعية والتنفيذية، وحمايةَ السلطة القضائية لتمارسَ دورَها في حماية الحقوق وفرض هيبة العدل على الناس، وتأخذُ هذه الحكومةُ الانتقاليةُ على عاتقها إجراء انتخابات لاختيار جمعية تأسيسية، تضع دستوراً جديداً للبلاد، وذلك بعد سلسلة من الإجراءات الضرورية للانتقال بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية.

واعتقد أن الوقت ما زال مبكراً للقيام بمثل هذه الخطوة، التي ستكون ضرورية في وقتها، تجنباً لحصول فراغ في السلطة، ومنعاً للوقوع في الفوضى.

3- هنالك البعض وجه لكم اللوم بعد تحالفكم مع السيد عبد الحليم خدام، بسبب تاريخ خدام، حيث أنه كان من أهم رموز النظام. ألا تعتقدون أن السيد خدام يتحمل بعض المسؤولية عن الوضع الذي وصلت إليه  سوريا؟

ج 3 ـ تختلف تقديرات الناس للخطوات السياسية، وتختلف تقويماتهم للتحالفات والأشخاص.. ومهما يكن شأن مسؤولية السيد عبد الحليم خدام عن المرحلة السابقة، فهذا لا يمنع - من وجهة نظرنا - أن يستأنف مرحلة جديدة في تاريخه السياسي، وأن يؤدّيَ دوراً إيجابياً في عملية التغيير، ليصب جهده في مصلحة المشروع الوطني بأبعاده التي تجسدها مواثيق الجبهة وأوراقها الأساسية؟ وأعتقد أن الموقف الحالي للسيد خدام من النظام الذي كان جزءاً منه، وإدانته لنهج الاستبداد والفساد.. موقف واضح وصريح، يسجّل له لا عليه. وهذا ينطبق على بعض رجال النظام الذين سيسهمون في إنقاذ البلاد من الأوضاع المتردّية التي وصلت إليها، والذين يمكن أن يكون لهم دور إيجابيّ في عملية التغيير في سوريا، وهذا - بالتأكيد - سيكون عاملاً مساعداً في إنجاز التغيير.

4- هل تخشون من مشاكل طائفية بعد سقوط النظام الحالي في سوريا، وخاصة أن المنطقة تعج بالخطاب الطائفي، إن كان في العراق أو لبنان؟

ج 4 ـ لا أعتقد أن التركيبة السكانية والنفسية للشعب السوري مرشّحة لمثل هذه المشاكل الطائفية. فالمجتمع السوري ليس مجتمع أقلّيات، بل هو مجتمع فيه أقلّيات، وكلّ أقليةٍ في مجتمعنا هي - باعتبار ما يجمعها مع الأكثرية - بعضٌ من لُحمة هذه الأكثرية في سوادِها الأعظم. ونحن عندما ننادي بالتغيير الوطني الديمقراطي الهادئ والمتدرج، نطالب جميع القوى الوطنية أن تنخرط في عملية التغيير، لقطع الطريق على أيّ فرصة لإشاعة الفوضى والاضطراب، وزج البلد في مثل الحالة التي تتحدثون عنها. نحن نسعى في المعارضة السورية من خلال الأطروحات المنفتحة، إلى احتواء الموقف، وسحب فتيل برميل البارود، الذي يزيده النظام احتقاناً. وإذا افترضنا إمكان وقوع مثل هذه الحالة - لا سمح الله - فستقع مسؤوليتها على كاهل النظام، الذي مازال يغذّي حالات الاحتقان الطائفي والعرقي والسياسي.

5- هناك بعض الأصوات التي تصرخ بأن النظام الحالي هو الحامي والمدافع عن حقوق الأقليات الدينية بسوريا، وأن البديل القادم هو التطرف الإسلامي الذي يقتل على الهوية... ما رأيكم بذلك؟

ج 5 ـ الادعاءات دائماً تحتاج إلى براهين، وهذا الادعاء مردود من ناحيتين: فالادعاء بأن النظام الحالي هو المدافع عن حقوق الأقليات الدينية، يفتقد المصداقية والواقعية، إذ لم يشهد تاريخ سورية الحديث بمجمله حالة من العدوان على حريات الناس، على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم كما شهد في عهد هذا النظام. ويكفي أن يكون المواطن صاحب ضمير حيّ أو صاحب رأي حر، حتى ينال من أذى النظام النصيب الأوفى. إن الدكتور عارف دليلة أنموذج صارخ لهذا العدوان، وإن الأستاذ ميشيل كيلو أنموذج آخر، وإن الشهيد الشيخ محمد معشوق الخزنوي وغيره من أشقائنا الأكراد أنموذج ثالث..

أما الادعاء بأن البديل القادم هو التطرّف الإسلامي، فهو تزوير للواقع للتخويف من التغيير، فهناك توافق على أن البديل القادم سيكون بديلاً وطنياً متنوعاً، يمثل كل مكونات المجتمع السوري وأطيافه السياسية.. ونحن لا نبشّر بخلاص على أساس مذهبي أو إثني، كما لا نتحدث عن إدانة طائفية أو مذهبية، إنما نتحدث عن خلاص وطني، على أساس أن سوريا وطن لجميع أبنائها، وأن المواطنة هي مناط الحقوق والواجبات. وأن (لا تزر وازرة وزر أخرى).

6-  في ظل تبعية النظام السوري للنظام الإيراني، وفي ظل ما يشاع عن توغل إيراني طائفي  في سوريا، وتجنيس الآلاف من الإيرانيين  بالجنسية السورية وحرمان إخوتنا الأكراد منها،  هل تعتقدون أن إيران تريد السيطرة على سوريا طائفيا، أو أنها تريد تحويلها إلى خط الدفاع الأول عنها، في حال تعرضها لعمل عسكري بسبب نشاطاتها النووية؟

ج 6 ـ بالنسبة للمشروع الإيراني في المنطقة بأبعاده، لا بد أن نلحظ أن غياب العراق القوي أحدث خللاً استراتيجياً في المنطقة، وأحدث أيضاً حالة من فراغ القوة، وفي ظل الحالة العربية الانكفائية، اندفعت الدولة الإيرانية لملء هذا الفراغ.

(العراق ـ حزب الله في لبنان ـ سورية ـ الأقليات الشيعية في الخليج العربي وفي المنطقة الشرقية من العربية السعودية وبعض الدول في آسيا الوسطى..) إذا لم نذهب تماماً مع الذي ذهب إليه الرئيس المصري حسني مبارك، بأن ولاء الشيعة في العالم الإسلامي إلى إيران وإلى مرجعياتهم المذهبية أقوى من ولائهم لأوطانهم، فإن كثيراً من الشيعة يعتبرون إيران الدولة الشيعية المركزية ويمنحونها حجماً من الولاء يزيد أو ينقص.

بوصول حكومة (محمود أحمدي نجاد) إلى السلطة، نشط الدعاة المذهبيون الإيرانيون، في خطة مرسومة، ذات أبعاد واضحة، ومرتسمات مباشرة، في جميع دول العالم الإسلامي، ووجدت مناخاً أكثر ملاءمة في كل من سوريا ولبنان. كما نشطت ميليشيات القتل والتهجير المذهبي في العراق.

لا أحد يلوم إيران على توجّهاتها الإستراتيجية لمد طيفها السياسي، واستخدامها أيضاً بعض الأوراق السياسية للدعاية لنفسها. ولكن يبدو أن خيارات إيران كانت خاطئة على أكثر من صعيد، لاسيما على صعيد المشروع الإسلامي العام.

فعلى الصعيد المذهبي، يبدو الخيار المذهبي الإيراني يتردّى أكثر في الخطأ. لم تحسن إيران الاختيار بين أن تكون جمهورية إيران الإسلامية، أو جمهورية إيران الشيعية، ويبدو أنها منذ الأيام الأولى لإقرار دستور الجمهورية اختارت الخيار المذهبيّ الضيق.

كما لم تحسن إيران الاختيار بين أن تكسب ولاء ملايين المسلمين لقضاياها التي تستحق التأييد والمناصرة، وبين أن تكسب المئات أو حتى الآلاف من المنحازين للمذهب الشيعي؛ وفي كثير من الأحيان، لا يكون الانحياز لأسباب أو قناعات دينية.

يبدو أن الحلم الإمبراطوري الإيراني يراود العديد من الإيرانيين، وسورية بعد أن كانت صاحبة المبادرة في التحالف السوري الإيراني، أصبحت ساحة للعب الساسة والاقتصاديين الإيرانيين والملالي على حد سواء. يُقال إن الاختراق الجوي الأخير لسورية كان رسالةً إلى إيران بالدرجة الأولى.

7- قبل سقوط النظام الصدامي بالعراق، كنا لا نسمع عن مشكلة طائفية بالبلاد. لكنها تفجرت بعد الاحتلال  الأميركي.  إلامَ تعزون هذه المشكلة الطائفية الموجودة الآن؟

ج 7 ـ التفجّر الطائفي الذي يشهده العراق اليوم، هو وليد المخططات الخارجية الدولية والإقليمية، فقد راهنت أميركا على الوضع الطائفي والعرقي ولعبت ورقته بغباء، دون التنبّه إلى تداعياته، كما لعبت إيران والميليشيات التابعة لها الورقة نفسها. لو تُرِك الشعب العراقي على طبيعته لأسّس لدولة ديمقراطية حرة، تتجاوز الكثير من الإحن والعصبيات، التي استحكمت بعد أن أوقدت التدخّلات الخارجية نارها.

8- هل هناك كلمة أخيرة تريدون توجيهها في نهاية هذه المقابلة؟

ج 8 ـ نحن في جماعة الإخوان المسلمين، وفي جبهة الخلاص الوطني، وفي إعلان دمشق.. مصممون مع جميع أبناء شعبنا على بناء سوريا دولةً مدنيةً حديثة، تتمتع بكل ما يستحق الشعب السوري من حرية وعدالة، وننتظر من جماهير شعبنا أن تقف إلى جانب مشروعها الوطني للتغيير، مدركةً حجم التغيّرات التي تدور في المنطقة والعالم أجمع.