الشاعر خضر أبو جحجوح

المشرف الثقافي في مجلة ((فلسطين))

إغلاق المؤسسات الثقافية قمع وإرهاب مبرمج

اتحاد الكتّاب غيّب الكثير من الأسماء

غزة/ابتسام صايمة

تحيط الكتب الجديدة والقديمة والمخطوطات كل جنبات مكتبه في غزة، هناك التقينا الشاعر خضر أبو جحجوح، ودار الحديث حول هموم الثقافة الفلسطينية وتجربته الشعرية والإعلام الثقافي، فكان الحوار التالي:

- يقال إن البيئة هي التي تشكل تجربة الشاعر، هل كان للمخيم دور في انبعاث وبلورة موهبة الشاعر خضر أبو جحجوح؟

تسهم مفردات الحياة وتفصيلاتها في تشكيل التجربة الشعرية مع تلاقحها بالموهبة والصقل، وقد عشت سنوات حياتي في المخيم بما فيه من مقومات حياتية بدائية، فعيشنا كان في غرف صغيرة لا تتجاوز مساحتها تسعة أمتار مربعة مكسوة بسقف من الخشب والقرميد منخفض يمكن لمسه باليد ولا يكاد يقينا من مطر الشتاء وبرده، والفئران تتسابق على الجسور الخشبية التي تحمل السقف. وشوارع طينية تجري في قنواتها مياه المطر في الشتاء، ونحن نلعب فيها حفاة، وتجري فيها مياه الصرف الصحي صيفاً، ومياه الشرب ملح أجاج لا نكاد نسيغها، وغير متوافرة بشكل يسد جميع الاحتياجات اليومية، فكانت النساء والصبايا تجلبه بالأواني الفخارية على رؤوسهن، ونضطر نحن الأطفال إلى قطع مسافة طويلة لإحضار كمية صغيرة من المياه الصالحة للشرب وصناعة الشاي وطهو الطعام، فالمخيم يختزل مأساة شعب، ويجسد عذاب الإنسان، ويستحضر مهانة أمّة. وبمواصفاته المأساوية كان أحد أبرز مكونات تجربتي الشعرية وبلورة صورتها بالمعنى الواسع.

- كونك شاعراً عاش الانتفاضتين بكل تأثيراتهما وأبعادهما على الوضع الفلسطيني وكتب فيهما، ما هو دور شعراء الانتفاضة والمقاومة برأيك؟

لقد أسهم الشعر في تشكيل الحس المقاوم وحثّ الناس وتحريضهم وشحنهم بشحنات من الغضب والثورة، وهي رسالة ممتدة للشعر عبر العصور، كما كان للشعر دور مهم في صياغة الواقع وفق رؤى استكشافية وواقعية تطل من معالم الواقع ومفرداته، لترسم آفاق المستقبل بتجلياته التي تتشكل في الوعي الفردي والجمعي. ولا يقتصر دور الشعر المقاوم على رصد الجزئيات وتفصيلاتها، ولكن يسهم في الدفع والتحريك والتوجيه، بمقومات جمالية تتغلغل في نفس المتلقين. وهنا ينبغي التذكير بأن الشعر لا يكتسب قيمته الشعرية من مجرد كونه خطاباً سياسياً، بل ينبغي أن يصاغ في جمل شعرية وصور جمالية متفردة مدهشة ليصل إلى القلوب والعقول ويترسخ فيها.

- كيف كانت بدايتك مع الشعر؟

بدايتي مع الشعر كانت في فترة الصبا لوعة أحسها وهمّا يسكنني، كنت أحس بشيء يتململ في وجداني يريد أن ينطلق فتجدني أكتب كيفما اتفق معبراً عما يجول في وجداني، وأفرح لما أكتب ولكن سرعان ما أحس بأن ما كتبته مجرد هموم شاب يافع، وقد بدأت أدرج على عتبات الشعر في أيام دراستي الثانوية حيث سودت دفاتر وأوراق، مع إحساسي العميق أن ما كنت أكتبه في تلك الفترة يحتاج إلى صقل وإثراء لأنه لا يعدو كونه محاولات أولية، وبهذا الإحساس بدأت تجربتي تنمو، ودفعتني الموهبة إلى صقلها بالقراءة المكثفة. تعلمت العروض قبل دخول الجامعة وتفوقت في دراسته بعد دخول الجامعة، مع إيماني أن العروض علم لا يمنح الإنسان حق الولوج إلى عالم الشعر إن لم يكن ذا موهبة، ولكن صاحب الموهبة لا يستغني عنه لأنه عنصر من عناصر البناء التي لا يستقيم الشعر دونها.

- ماذا يعني لك الشعر؟

الشعر كان ولا يزال رفيقي الأثير بل هو الرئة التي أتنفس بها، به أعبِّر عن شحنات عاطفتي وانفعالاتي ورؤيتي للواقع والمستقبل، إن غاب عني أشتاق إليه، وأحس بغربة شديدة إن أطال الغياب.

- لك العديد من الإصدارات، شعرية أو نثرية، حدثنا عنها؟

أصدرت ثلاث مجموعات شعرية، هي ((صهيل الروح)) عن الرابطة الأدبية في مركز العلم والثقافة عام 1997، و((عرس النار)) مجموعة شعرية صدرت عن مكتبة مدبولي القاهرة عام 2000. و((أعط العصفورة سنبلة الحُبِّ وواصل)) عن مكتبة اليازجي، عام 2007، ولكني لم أوزعها حتى الآن بسبب إغلاق المعابر حيث طبعت في مصر.
ولديَّ عدد من المخطوطات تنتظر أن أدفعها للمطبعة، منها مجموعتان شعريتان؛ ((وسام في جبين العز)) و((على مشارف المدينة)). وكتاب جمعت فيه مجموعة من خواطري الأدبية، كما أني دفعت للنشر كتابي ((شعر سميح القاسم بين الموقف الأيديولوجي والتشكيل الجمالي))، ولكن إغلاق المعابر عرقل عملية النشر.

- تكتب الشعر العمودي وشعر التفعيلة، إلى أي لون تميل أكثر؟

العمود والتفعيلة كلاهما شكل من أشكال الكتابة مزاجهما الوزن، وإن اختلفت الكميات الزمنية والتشكيلات الإيقاعية في كل منهما من خلال توزيع التفعيلات وطريقة صياغتها، والقصيدة تحدد النسق الذي تكتب فيه والشكل الذي سيحتويها من خلال الدفقات الشعرية وطبيعة الموقف الانفعالي، بهذا لا أختار أياً من الشكلين بمحض إرادتي مع تأكيدي أن الشعر العمودي الذي يكتب به أي شاعر ينبغي أن يخرج من إطار النحت والنظم والتقليد، وأن يصبغ بصفة المعاصرة والتعبير عن التجارب الشعرية بتشكيلات جمالية وصور مبهرة، وإلا فإنه لن يتجاوز سمة التقليد والنظم الباهت، وكذلك ما يكتب على شعر التفعيلة ينبغي أن يخرج من عباءة التقليد والركاكة والتسطيح، وأن يخوض في غمار الإدهاش والإبهار بلغة رائقة راقية تصويرية.
-
ما هي أهم العقبات التي يعاني منها الأديب الفلسطيني؟

أبرز المعوقات هي عدم الاهتمام وضعف الرعاية الرسمية وغير الرسمية للأدباء، فالرسميون وعلى رأسهم وزارة الثقافة، يعتبرون الأدب وأهله على هامش الأولويات، والمؤسسات الأدبية موزعة ضمن حدود رؤى شخصية ضيقة لأصحابها، فتجدهم يُقْصون من لا يحبون ولو كان أديباً كبيراً، ويقربون من يواليهم ولو لم يمتلك أدوات الكتابة بعدُ.
وتعتبر صعوبة النشر الورقي إحدى أبرز العقبات التي تواجه العديد من الأدباء، الذين لا ينتمون لجهة رسمية، تدور في فلك خط سياسي وأيديولوجي، وعدم اهتمام الناشرين لأسباب مختلفة، مع تهميش تمارسه المؤسسة الرسمية التي تتحيز لأسماء معينة، وتسلط عليها الضوء وتوفر لها سبل النشر أيا كان مستوى ما ينشر، وفي الوقت عينه تقف الظروف الاقتصادية سداً منيعاً يَحُول دون نشرهم إنتاجهم، يرتبط هذا الأمر بتحيز بعض الصحف للأسماء التي تدعمها المؤسسة الرسمية أو التوجه الإيديولوجي السائد، فكثير من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، يكرس حالة التحيز التي تمارسها المؤسسة الرسمية. كما أن اتحاد الكتاب أسهم في عملية التحيز، حيث غيّب العديد من الأسماء، لأن بعض القائمين على أوجه الفعاليات المختلفة كان متحيزاً لأسماء معينة، ولم يقم بإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في أي من نشاطاته الأدبية المحدودة، وقد غيبوا العديد من أسماء الكتاب فلم تنشر في دليل الكتاب رغم كونهم أعضاء فاعلين.

ومن العقبات عدم مواكبة النقد للعملية الإبداعية، حيث ينحصر النقد في الانطباعات الصحفية المتحيزة تحيز الصحافة نفسها لأسماء بعينها، مع سطحية في المقاربة الانطباعية، واستخدام المصطلحات الفضفاضة التي تُلبس لعدة نصوص دون أن تكون مناسبة لأي منها على حساب العمل الإبداعي. ومحاولة من البعض لنشر اسمه دون ثروة نقدية حقيقية، وتنحصر في بعض الكتابات الأكاديمية التي لا تسهم في جَسر الهوة بين المبدع والمتلقي، لأنها تبقى على رفوف المكتبات. كذلك عدم تمكن الأدباء من المشاركة في أمسيات وندوات خارج فلسطين، للتعرف إلى أدباء وجماهير بالتفاعل الحي المباشر الذي يسهم في توصيل الرسالة الأدبية.

- ما رأيك بمستوى الإعلام الثقافي؟

يفترض في وسائل الإعلام أن تكون حلقة الوصل والتواصل بين المبدعين والمثقفين وجماهير المتلقين، لتحريك المشهد الأدبي والثقافي، وهذا لا يتحقق إلا بعدة عوامل منها: أن تفتح وسائل الإعلام أبوابها للمبدعين دون تحيز، وأن تتعامل بدرجة عالية من المهنية والموضوعية والمنهجية، وألا تركز على أسماء بعينها لاعتبارات حزبية أو سياسية أو انبهار بمواقف ذاتية وموضوعية تحيط بالشخص، وأن تخصص حيزاً من مساحتها للأدباء؛ فإن كانت وسائل مرئية أو مسموعة تجري لقاءات مباشرة مع أكبر عدد ممكن ممن يتميزون في المشهد بقوة إنتاجهم، وكذلك باعتماد الكفاءات المتخصصة التي تمسك زمام الأمور الثقافية في وسائل الإعلام، وتنمية مهاراتهم باللقاءات والدورات والندوات التدريبية، وأنصح بألا تقتصر الصفحات الثقافية على التحقيقات والأخبار بل تنشر الإبداعات المختلفة، لتحقق توازناً وتُسهم في التوصيل والتعريف والإثراء. لكن الواقع الملموس مختلف عما ينبغي أن يكون عليه واقع الحال، حيث إن كثيراً من وسائل الإعلام تتحيز لأسماء بعينها، وبعض الصحف أسقطت الأدب والثقافة من جدول اهتمامها، فغابت فيها الصفحات الأدبية والثقافية، بسبب عدم إدراك طبيعة الثقافة والأدب ودورهما في صياغة الوعي الجماهيري، وإسهامه في بلورة حسّ التذوق الجمالي وتنميته.

- كيف تنظر إلى قرار حكومة فياض إغلاق المؤسسات الثقافية بالضفة الغربية؟

إغلاق المؤسسات قمع وإرهاب مبرمج، تمارسه ثلة حاكمة تنفذ سياسة الاحتلال ومخططاته، فتعتدي بالحرق والنهب والإغلاق على مؤسسات خيرية تُسهم في تخفيف معاناة الشعب ورسم البسمة على شفاه الأيتام والفقراء، وعلى مؤسسات ثقافية تسهم في إحياء الوعي المعرفي والثقافي الذي ينير الطريق أمام الأجيال في مواجهة زحوف الظلام التي يبثها الاحتلال.
مربع مستقل

هذه بطاقتي..أنا لاجئ فلسطيني مسلم، أنتمي لعائلة هُجِّرَت من بلدتها الأصلية (عسقلانْ/ الجورة)، توفيت والدتي، حينما كنت في الصف الخامس الابتدائي وذقت طعم اليتم وازداد يتمي يوم توفي والدي في شهر 6/2006.

تفتحت عيناي على بشاعة ممارسات الاحتلال، ومشهد الانتكاس العربي والقمع العالمي، فتشربت الأسى ورضعت حليب الحزن منذ طفولتي، فعشت أتلقى بهذا الإحساس دقائق الأمور، التي تشكلني وأتعذب بها وتصوغني وتبلورني يوماً بعد يوم.

حصلت على شهادة بكالوريوس اللغة العربية وآدابها، حيث تخرجت من الجامعة الإسلامية عام 1992، وحصلت على شهادة الماجستير في النقد الأدبي من جامعة عين شمس وجامعة الأقصى عام 2002 بتقدير ممتاز.

عملت منذ عام 1994 وحتى كتابة هذه السطور مدرساً في المدارس الحكومية.. وعملت عام 2007 محاضراً غير متفرغ في جامعة فلسطين، شاركت في العديد من المهرجانات والأمسيات والندوات، ونشرت العديد من الأشعار والخواطر والمقالات الأدبية والسياسية في الصحف ومواقع الإنترنت.