الشيخ سعيد حوى رحمه الله
من خلال نجله الدكتور محمد سعيد حوى
حاوره: نجدت لاطة
لا شك أن الشيخ سعيد حوى رحمه الله ترك بصمات واضحة في مجالات الفكر والدعوة والتربية ، وقد كثرت مؤلفاته إلى درجة أننا كنا لا ننتهي من قراءة كتاب له حتى يخرج كتاب آخر، وقد كان لي شـرف اللقاء بنجله الدكتور محمد سعيد حوى الذي حدثنا عن والده فـي جانبي التربية والتأليف ، وفيما يلي نص الحوار:
س ـ نريد أن نطّلع على أسلوب الشيخ سعيد في التربية ؟
ج ـ بداية أشكر الأستاذ نجدت على اهتماماته العلمية والتربوية من خلال العمل الإعلامي الإسلامي الملتزم، وإنها لمهمة من أشـق المهمـات فـي عصرنا، إذ تضطرب المواقف وتمر الأحداث وتصطرع الأفكار وتتزاحم الفضائيات ويعج المجتمع بوسائل الإعلام الكثيرة، وهي في معظمها أبعد ما تكون عن الاستقامة، وأخطر ما تكون سبباً في نشر الانحراف والبعد عـن الفضيلة.
س ـ جزاكم الله خيراً، أرى أن نبدأ من بيت الشيخ رحمه الله من الداخل، كيف كان الشيخ سعيد مع أبنائه؟
ج ـ لا أكتُمُك أنه مع بدء تفتح وعيي المعرفي بدأت أشعر- وهـذا ما تأكّدت منه تماماً بعد اكتمال النضج- أن الوالد رحمه بالنسبة لنا أكثر من بحر، وكونـه والداً فكل حركاته وأقواله وأفعاله ومواقفه داخلياً وخارجياً كانت تشكل بالنسـبة لنـا مدرسـة متكامـلة، وكانـت قضـية تربـية الأبنـاء إسلامـياً مـع زرع الخصـائـص المتميزة فيهم هاجساً مهماً لوالدي رحمه الله .
أذكر أنه كنت في الصف الثاني الابتدائي وعمري سبع سنوات تحدث إلينا الوالد رحمه الله عن النجاح والتميز في الدراسة، فقلت: يمكن أن أكون الثاني أو الثالث على الصف، فما رضي ذلك مني. فكان يشكل الدافع والحافز المستمر لنا للتميز واكتساب أسباب النجاح. وما يترك مناسبة يزرع فيها معنى تربوياً إلا ويغتنمه. أذكر أننا زرناه في السجن سنة 1975 وكانت ( تل الزعتر ) تتعرض لمذبحة خطيرة، فقال أمام سجانيه: أتمنى يا محمد أن أحملك فأضعك في ( تل الزعتر ) تقاتل إلى جانب إخوانك الفلسطينيين، وكان له حديث في هذا الشأن. ولعل من كلماته تلك وأمثالها تفتحت لدي قضية الاهتمامات العامة، والصلة الوثقى بشؤون العالم الإسلامي وقضاياه.
وقال لنا في زيارة أخرى في السجن نفسه: لقد وصلت في تأملاتي في التفسير عند قوله تعالى ( يا يحي خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً ) فكانت مناسبة ليوجهنا من خلالها إلى أن يكون هذا شعارنا في الحياة ( خذ الكتاب بقوة ) وحرّضنا من خلال كون ( يحي) صبياً وكنا صبية..
وما كان يسمح للخطأ أو للانحراف أن يتسلل، وإن وُجد فلا يستمر، إن أجدى التنبيه قُضي الأمر وإلا تكررت الملاحظة بلا ملل، فإن لم يكن إلا العقوبة فعل، وإن كان الأكثر في أحواله أن يأخذنا بالنصح المسبق والترغيب، ولطالما عقد لنا جلسات عائلية للمدارسة التربوية، فينبه على أدق الأمور والتفاصيل، كيف تتطهر، كيف تستتر، كيف تتكلم، قضية رفع الصوت، كيف تخاطب الأكبر سناً، كيف تتعامل مع الأشياء وتحافظ عليها، كيف ترعى حرمة الجيران. وكتابه الموجز ( قوانين البيت المسلم ) أنموذج لما كان يوجهنا به من خلال تلك الجلسات.
كما كان يهتم بعقد الجلسات العلمية الشرعية، فقرأنا في بعض تلك الجلسات كتاب ( قطر الندى ) وكتاب ( جوهرة التوحيد ) وتفسير الجزء الأول من القرآن، وقرأنا بحضرته على يد الشيخ وهبي الغاوجي حفظه الله متن ( الكتاب ) في فقه الحنفية. وكان يوجهنا لحضور مجالس العلم عند العلماء، مثل توجيهه حضور مجلس علم خاص عند الشيخ محمود عروب بقراءة كتاب ( مراقي الفلاح ) في الفقه الحنفي أيضاً، ومثل توجيهه لحضور جلسة علمية مع الشيخ عبد الله علوان رحمه الله ، قرأنا فيها كتاب ( الصلاة على المذاهب الأربعة ) أو بعضه، إضافة إلى توجيهات الشيخ رحمه الله.
ولقد كان رحمه الله كما يعرفه أقرب الناس إليه سهل المعاملة لين الجانب حلو المعشر والمنطق دائم الابتسام، رقيقاً متواضعاً في تعامله، حليماً غاية الحلم. لكن عندما يجدّ الأمر وعندما تقتضي المواقف حزماً أو شدة فكأنه هو الحازم إذا غضب لا يقوم لغضبه شيء.
فانعكست هذه القضايا علينا في تربيته لنا، ولطالما مازحنا وداعبنا وقدم الهدايا العينية والنقدية وجالسنا وآنسنا بحلو حديثه، فإذا وقعت معصية ما وخاصة إذا تكررت فكان له موقفه الذي يحسب له ألف حساب وبالرغم من إصابته بمرض السكري واشتداده في أواخر حياته، وضغط الأعباء الدعوية والهموم السياسية وغيرها مما أفقده قدراً من حلمه فصار في آخر حياته يسارع إليه الغضب تجاه بعض القضايا التي كانت بالنسبة له ذات حساسية كبيرة. ومع ذلك فلم نلمس منه داخل بيته إلا إلفةً ومودة وحباً وأنساً. أقول بالحلم والأنس وبالحب واللطف قاد سفينة البيت مع ما يقتضيه كل موقف.
س ـ الدكتور محمد، قد يكون من المناسب أيضاً أن نطلع القارىء على قضـايا محددة يستفاد منها في منهجية غرس النواحي الإيمانية والارتقاء بالجوانب التربوية وتزكية النفس.
ج ـ كانت قضية تزكية النفس وغرس الإيمان في القلـوب الشغـل الشاغـل
الأكبر له رحمه الله ، لذا تجده لا يفتأ يفسر ويشرح ويبين في معاني قولـه تعالى ( كما أرسلنا فيكم رسولاً فيكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ) ومعاني قوله تعالى ( ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ) وأثمر ذلك ثلاثة كتب في التزكية ( تربيتنا الروحية ) ( المستخلص في تزكية الأنفس ) ( مذكرات في منازل الصديقين والربانيين ).
وأستطيع القول أن الإلحاح المستمر على هذه القضايا كان مَعلَماً واضحاً في حياته، بحيث نشأنا وكأنه لا قضية فوق هذه القضية. ثم عقد المجالس التربوية التي تضمنت التوجيه المباشر والتذكير ديدن له رحمه الله.
أضف إلى ذلك المواقف الخاصة له التي كانت تغرس فينا هذه المعاني، يزرع فينا التوكل على الله والثقة بما عنده والزهد في الدنيا من خلال كثرة الإنفاق الذي كنا نلمسه ونشاهده وبشكل منقطع النظير يعرفه كل أحبائه عنه، حتى عاد من السعودية بعد تدريس خمس سنوات هو ووالدتي رحمه الله وهو مدين، والناس كما تعلمون يذهبون إلى تلك البلاد ليوفروا ما تيسر من متاع الدنيا.. وكان يربينا على معاني الجهاد والشجاعة والتضحية، ليس على المعاني النظرية فقط، وإنما أيضاً على ممارسة ذلك عملياً، وهناك أمثلة كثيرة ولكن لا داعي لذكرها. ولعلي في مناسبات أخرى أذكرها حتى تتم الفائدة. فالمواقف المؤثرة والعملية التي تصدر منه كانت من أكبر الجوانب التي زرعت فينا قضايا التزكية ومعاني الإيمان. وما عرفنا عنه من كثرة العبادة والذكر سبب آخر يمارسه في نفسه ويوجهنا إليه باستمرار.
ولقد كان في شبابه كثير التعبد، ولطالما حدثنا جدي وجدتي عن مجاهداته وتلاواته وصيامه وقيامه، فكان ذلك يشكل حافزاً لنا. في أواخر حياته ضعف بسبب المرض عن بعض الأعمال، لكن كان دائم الذكر في مجالسه.
س ـ هل توجد مواقف تربوية خاصة بينك وبينه ؟
ج ـ قضية تربية الأبناء جداً مهمة وخطيرة ودقيقة، وأرجو أن أوفق لاستذكـار بعض المواقف التي تؤصل لنا منهجه، لعل من منهجه في ذلك:
ـ المحاسبة الدقيقة : إشعاراً بتحمل المسؤولية والقيام بالواجب على خير وجه ممكن، مثلاً طلب مني أن أتدرب على الخط، وبيّن أن الخط لابد أن يكون جميلاً، وتابع ذلك مراراً. ويكلفنا أحياناً بشراء أمور ثم يحاسبنا بكم اشترينا، ثم يكرمنا بعدها.. ولقد عقد لنا أكثر من محاكمة علنية لبعض التصرفات مع إحضار الشهود.
التدريب على تحمل المسؤولية أيضاً : وأذكر أنه كلفني في صغري وأنا دون الخامسة أن أشتري له نوعاً من الأقلام فلم أوفق إلى ذلك، فأعادني أكثر من مرة إلى المكتبة حتى تمكنت من تحقيق طلبه. كما كلفني أن أقوم وأنا في الثالثة عشرة من عمري بمهمة دقيقة كانت سبباً في إنقاذ حياة إنسان كما أرسلني مرةً من عمان إلى دمشق ثم إلى حماة وعمري خمسة عشر عاماً بمفردي.
ـ العقوبة المناسبة لوقتها : وقد يظن البعض أنه ليس من المناسب الضرب، أذكر مرةً أني شتمت أخي فكان عقاباً عسيراً، لكن لم تتكرر مني هذه المعصية.
ـ الترغيب والتشجيع : فقد كان يكافئنا على أي عمل صحيح نقوم به.
ـ الحوار والمحادثة : حتى أنه كان يجلس معنا جميعا أو ينفرد بأحدنا فيحاورنا بقضايا مختلفة كالسياسة والفكر والهم الإسلامي.
ـ الاهتمام بقوة البدن والجانب الرياضي : فتدربنا على الجيدو والكاراتيه وغيرها.
س ـ عُرف عن الشيخ الإكثار من المطالعة، هل كان لذلك دور في حياتـكم؟ وهل كان له منهج ما في غرس هذا المعنى في أبنائه؟
ج ـ أذكر أنه كان يوجهنا إلى قراءة عدد من الكتب ذات الفائدة الخاصة في النواحي المختلفة الأدبية والشرعية والثقافية. فمن الناحية الأدبية وجهنا لقراءة كتب الرافعي وقصص نجيب الكيلاني وكان يهيئ لنا ذلك. بالإضافة إلى أنه كان يعلمنا كيفية الإفادة من الكتاب والقـراءة السريعـة، كأن نطالع الفهرس أولاً لنقف على الموضوعات التي اشتمل عليها الكتاب ونأخذ تصوراً عنها. ثم نقرأ المقدمة لنجعل بيننا وبين الكتاب وموضوعاته جسراً وتواصلاً. ثم كيف تكون القراءة السريعة المعتمدة علـى التركـيز وقطع أسباب الانشغال، إلا إذا كان الكتاب من الكتب الدقيقة أو العسيرة في بنائها.
فتهيئة الكتب والتوجيه إلى المهم منها والثناء على بعضها بما تستحق، والتوجيه إلى حسن التعامل مع الكتاب وسرعة القراءة كلها أسباب مهمة في بناء حب المطالعة. وأعترف أننا لم نرق إلى بعض ما كان عليه الوالد من كثرة المطالعة وسرعتها.
س ـ يلاحظ أن بعض الدعاة والعلماء ينشغلون عن بيوتهم وعن متابعة أبنائهم بسبب كثرة أعمالهم واهتماماتهم الخارجية، فماذا عن الشيخ الوالد؟
ج ـ من يعرف الوالد رحمه الله يعرف تماماً كم كان العمل العام يستغرقه. فقد تحدث بعض تلامذته أنه كان يواصل إعطاء الدروس والجلسات العلمية إلى ما بعد منتصف الليل، ثم كان عليه أن يذهب إلى دوامه مبكراً. وكان زوّاره كثر وما كان يعتذر لأحد تقريباً إلا لضرورة قاهرة حتى في مرضه.
ولذلك كان بعض الناس يتساءل متى تسنى للشيخ أن يكتب مؤلفاته الكثيرة. والواقع أنه كان ينظم وقته ما استطاع، فعلى سبيل المثال: ما بعد الفجر كان للتأليف غالباً، وهذا وقت لا يشغله أحد فيه. ثم كانت محنة السجن ساعدته على إنجاز التفسير وبعض المؤلفات الأخرى.
فإذا خرج إلى المسجد اصطحبنا معه، وإذا عقد جلسة علم شاركنا فيها، وإذا زاره الضيوف متعلمين مسترشدين جلسنا معهم. وإذا كتب أو ألف أجلسنا معه نشاركه ونعينه في الكتابة والتأليف والنسخ.
فكنا جسماً واحداً لا نشعر أبداً أنه انشغل عنا. إلا عندما انشغل بالعمل السياسي الخاص، فقد استغرقه هذا العمل مدة ثلاث سنوات إلى أربع. أما في بقية أعماله الأخرى فقد كان حريصاً على أن نكون معه ونشاركه في كل شيء.
ويمكن تقسيم مراحل حياته إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة السعودية، وكنا دون السادسة من العمر، وهي من أكثر المراحل انشغالاً بالنسبة له، ومع ذلك ألف فيها سلسلة الأصول الثلاثة وكتاب جند الله وبعض المؤلفات الأخرى.لكن لصغر سننا كانت الوالدة جزاها الله خيراً هي الأكثر اهتماماً ولصوقاً بنا. ولقد أحسن الله إليه وإلينا أن وفق للزواج من امرأة صالحة عابدة عالمة، ومن بيت علم ودين وخلق، فكان لها أعظم الأثر خاصة في مرحلة الطفولة وما تلاها.
المرحلة الثانية: مرحلة السجن، وكان عمري فيها ما بين السابعة والثالثة عشرة، ومع ذلك كلما زرناه- وكنا نزوره كل أسبوعين مرة- كانت التوجيهات المختلفة هي محور حديثه: كم حفظتم من كتاب الله، ما أخبار العالم الإسلامي، كيف صلاتكم والتزامكم المساجد، ما نتائج امتحاناتكم…؟ فما انقطع التوجيه أبداً، وقد غطت الوالدة هذه الفترة تماماً.
المرحلة الثالثة: من عام 78 إلى 82، وقد انشغل بها كثيراً في أعمال الإخوان وقياداتها، لكن كان يقتطع من وقته لنا ما يسدد مسيرتنا.
المرحلة الرابعة: من عام 83 إلى 89، حيث كان يمضي وقته ما بين البيت والعمل الدعوي ، فكنا شبه ملازمين له رحمه الله.
س ـ ما رأيك بخروج بعض الأبناء عن خط الآباء الفكري والسلوكي، وما سبب ذلك؟
ج ـ أرد الأمر لجملة أسباب:
الأول: افتقاد القدوة الصحيحة، بمعنى أن بعض الآباء لا يكون قدرة صحيحة لأبنائه، فهم يرون أباهم يتحدث عن الكرم وهو ليس بكريم، وعن التضحية ثم هو لا يضحي، وعن الزهد في الدنيا ثم هو منغمس في الترف، وعن العبادة ثم هو ليس بذاك في هذا الأمر.
بمعنى آخر تجد بعض الدعاة والمفكرين قادةً وخطباء وموجهين نظرياً، لكن سلوكهم العملي داخل البيت مختلف، أي التناقض بين الفكرة والسلوك وهذا من أخطر الأمور.
الثاني: يفتقد الكثيرون الأساليب التربوية الحكيمة، فتجد الواحد منهم سريع الغضب يتفوه في بيته بكلمات غير مناسبة ويستخدم الضرب في غير مكانه، ولا يحاول أن يحاور أبناءه في الأفكار والآراء.
الثالث: شعور الأبناء بعدم اهتمام الآباء بهم.
الرابع: سوء اختيار الأمهات.
الخامس: إن لكل جيل طبيعته وما يناسبه، وعندما لا يراعـي الآبـاء حاجـات
الأجيال الجديدة وطرائق تفكيرها يحدث الخلل.
ثم هناك نقطة مهمة ولا بد من الإشارة إليها وهو أنه لا يُفترض أن يكون الأبناء نسخاً عن آبائهم، إنما المطلوب الالتزام بالإسلام مطلقاً فكراً وسلوكاً. لكن ما المانع أن يكون الأب سلفياً مثلاً والابن صوفياً ما سلمت العقيدة والأصول أو العكس؟ فمن الخطأ البيّن أن يلزم الآباء أبناءهم بتفاصيل أفكارهم وتوجهاتهم وآرائهم، بعد أن تسلم الأخلاق وأصول الاعتقاد والأعمال العبادية..
س ـ هل من الممكن أن ننتقل إلى جانب آخر في شخصية الشيخ ألا وهو التأليف، فالشيخ يعرف عنه أنه كان من المكثرين في التأليف مع أنه كان مشغولاً بالعمل الدعوي كثيراً، فكيف وفّق بين ذلك؟
ج ـ أشرت إلى قضية تنظيم الوقت من جهة، وإلى استثمار فترة ما بعد الفجر إلى الضحى من جهة أخرى، حيث لا يشغله أحد في هذا الوقت مع البركة الربانية فيه. ثم كان من عادته أن يستثمر الأوقات البيتية، بمعنى أنه إذا انشغل مثلاً بضيف وانصرف هذا الضيف نجده يعود إلى ممارسة الكتابة والقراءة، فإذا انشغل بآخر توقف، فإذا انصرف عاد مباشرة إلى الكتابة. أي أنه لا يحتاج إلى تهيئة مسبقة ولا إلى جو خاص، فقد كان عنده قدرة على أن يعمل تحت أي ظرف.هل تعلم أنه في فترة من الفترات كان على خلاف شديد مع بعض الجهات، وفي مثل هذه الأحداث لا يكون الإنسان مستقراً عادةً، ومع ذلك اعتزل الجميع وعكف على التأليف. وكان من عادته أن يقتطع أياماً متواصلة بعيداً عن الناس في شبه عزلة لإنجاز تأليف ما، وكان سريع الكتابة سريع القراءة، لا يتكلف في الصياغة. وكانت محنة السجن من الأسباب التي يسرها الله له في ذلك. ثم كان من منهجه في التأليف أنه لا يأنف أن يقتبس ممن سبقه ما يتصل بمراده أو يحققه.
س ـ كيف كانت تبدأ فكرة تأليف الكتاب عند الشيخ؟
س ـ ابتداءً كان التأليف لدى الوالد رحمه الله تلبية لحاجات لمسها في طريـق بناء الحياة الإسلامية، لذا فإن مجموع كتبه تقوم على نظرية علمية ثقافـية منهجية متكاملة.
فهو يرى أن المسلم لا بد أن يستكمل ثقافته الشرعية، وأن تكون هذه الثقافة ذات خصائص عالية متكاملة منضبطة بأصول أهل السنة والجماعة، فكانت:
ـ سلسلة الأصول الثلاثة.
ـ سلسلة في البناء وفقه الدعوة والعمل الإسلامي.
ـ سلسلة في التربية والتزكية.
ـ سلسلة في المنهج والأساس في التفسير والأساس في السنة
وكما تلاحظ كل سلسلة تغطى جانباً ويكمل بعضها بعضاً.
س ـ هل ثمة مشاريع لم ينجزها؟
ج ـ كتاب (الأساس في ضوابط المعرفة وقواعد الفهم للنصوص) وترك مسودة للقسم الرابع والخامس من كتاب ( الأساس في السنة ) نرجو أن نتمكن من إخراجها، وترك الجزء الثاني من مذكراته ولم ينشر.