لقاء مع البيانوني
حوار مع البيانوني
المراقب العام علي صدر الدين البيانوني
توقعنا الوقت الكثير لنصل إلى كلماته وردوده.لكن أبوابه كانت مفتوحة. يجالس القريب والبعيد ولا يتعب من الحوارات والمناقشات.
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.تاريخ مليء بالأحداث والأزماتتعتبر من أولى القوى التي شكلت معارضة لنظام حافظ الأسد في سوريا.
يقال أن حسن البنا وأنطون سعادة يعتبرون من المفكرين اللذين يقدمون مشروع قيام دولة متكامل.
تكثر التكهنات حول وضع الجماعة بعد مرور عقود من الأحداث الدامية التي شهدتها المدن السورية.
فهل الإخوان المسلمون في سوريا يؤمنون بدولة تلغي الآخرين من غير المسلمين؟
ما هو فكرهم وما الذي تغير في جماعة الإخوان بعد تلك العقود؟
العلاقة بين جماعة الأخوان في سوريا وباقي تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم العربي ؟
أسئلة كثيرة راودتنا فأردنا التوجه للسيد علي صدر البيانوني المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية في حوار كان غنياً بمحتواه الثقافي ويعود بالفائدة على البعيد قبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــ
الأسئلة والأجوبة
1-*- السيد على صدر البيانوني نعلم أن أول ظهور لحركة الإخوان المسلمين كانت في مصر بالعام 1928.حبذا لو تعطينا صورة مختصرة عن مرحلة البدايات تلك.
جواب1:
شكّل سقوط دولة الخلافة على يد الانقلابين الأتراك سنة 1924، صدمة للمجتمعات المسلمة، كما وقع العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى تحت الاحتلال والوصاية الأجنبية (معاهدة سايكس بيكو، ووعد بلفور..).. وقد فرض وجود الاستعمار واقعاً جديداً على كل الوطنيين، استدعى تعاونهم وتعاضدهم ضد المحتل الأجنبي، وأصبحت المجتمعات العربية والمسلمة تشعر بالفراغ السياسي والديني، وتبحث عن مرجعية. إذ رغم أن الخلافة العثمانية في أيامها الأخيرة، لم تكن حالة إسلامية مثالية، إلاّ أنها كانت تشكل مرجعية إسلامية عليا، انهار بعد سقوطها كل شيء، وتمزقت الأمة، وبدأ العلماء العاملون يبحثون عن خيار بديل، وفي هذه الظروف، واستجابةً لها، كانت خطوة الإمام حسن البنا الرائدة في مصر عام 1928، وظهور (جماعة الإخوان المسلمين) التي حملت مشروعها الإسلاميّ المتنوّر، الذي يعبّر عن روح الأمة، ويتصدّى للاستعمار الأجنبي من جهة، ولكل محاولات الإقصاء والقهر الداخليّ و(التغريب) التي نالت من القيم السياسية والاجتماعية.. من جهةٍ ثانية، معتبراً أنّ إقصاء الإسلام عن واقع الحياة في البلاد المسلمة خطيئة كبرى، وأنه لا بد من احترام عقيدة الأمة وإرادتها، وإعادة تحقيق وحدتها، ويحارب الانحلال الخلقي ومظاهر الاغتراب في المجتمع، ويسعى لتحرير الوطن الإسلامي من كل سلطانٍ أجنبيّ، مما أدّى إلى اغتيال الإمام البنا بقرارٍ بريطانيّ وبأيدي رجال حكومة (إبراهيم عبد الهادي) في القاهرة ليلة الثاني عشر من شباط عام 1948
2-*- في حديث للإمام حسن البنا يقول: ترى الأخ في المحراب خاشعاً متبتّلاً، ثم تراه مدرّساً واعظاً، ثمّ تراه في الملعب رياضياً، ثمّ في عمله تاجراً أو صانعا .هل يفرق فكر الإخوان بين الحياة الدينية والمدنية وماذا تعني السلفية في فكركم؟؟
جواب2:
شخصية المسلم - حسب التصور الإسلامي - شخصية متكاملة متوازنة قوية، جسداً ونفساً وروحاً. والمسلم شخص منجز فاعل متعلم، والإسلام يربط دائماً الإيمان بالعمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات). فهمنا للسلفية ليس فهماً ماضوياً يربط الحياة بمعطيات وظروف تاريخية، بل هو فهم مرجعي. إن الإسلام يضع - من خلال الكتاب والسنة – الأسس والقواعد العامة للحياة، ونحن نسعى لبناء حياة معاصرة وحداثية وفق هذه الأسس والقواعد. إن التزامنا الإسلامي بالنصوص الشرعية الثابتة قائم على أساس فهم متجدّد لهذه النصوص، لتنزيلها على واقع العصر المتغير.
3-*- في نص آخر يقول الإمام حسن البنا "الإسلام : عقيدة وعبادة ونظام وتشريع وروحانية وعمل.. بعد ما ظن كثير من المسلمين أن الإسلام عقيدة وشعائر تعبدية وأخلاق فردية فحسب" هل الأخلاق الفردية نمط غير كافي لبناء مجتمع صحي؟وما هي معايير الأخلاق الاجتماعية في مجتمع متعدد الطوائف والمذاهب ؟ وما المقصود بالنظام والتشريع والروحانية؟
جواب3:
لا بدّ من التأكيد أن للإسلام بعدين في حياة الناس: بعداً دينياً عقيدياً مكانه في قلب الإنسان، يحدد نظرته إلى الكون والحياة، وبعداً تنظيمياً تشريعياً يحدد النظرة إلى المجتمع، وقواعد التعامل بين مكوّناته، ومنظومة الحقوق والواجبات التي تشمل جميع هذه المكوّنات، والتي تقوم على مبدأ المواطنة الكاملة، حيث يتساوى أمامها الجميع. نعتقد أن الاقتصار على الأخلاق الفردية لا يكفي لبناء مجتمعٍ صحيّ في ظل حياة اجتماعية مشتركة، فأنت وجارك في الحي، وشريكك في العمل.. لا بد أن يجمع بينكم نوع من الأخلاق الاجتماعية المنضبطة لبناء حياة عامة سليمة.
نعتقد أن حقيقة تعدّد الطوائف والمذاهب في عالمنا العربي والإسلامي، يتم المبالغة فيها إلى حد كبير وحين نتحدث عن الأخلاق الاجتماعية، علينا أن ننظر إلى أن شعوب منطقتنا إما مسلمون أو مسيحيون. وأن جوهر الأخلاق الاجتماعية بين الإسلام والمسيحية متقارب إلى حد كبير.
الروحانية أشواق نفسية ذات طابع فردي في الغالب وجماعي أحيانا، لكنها تبقى سعياً فردياً للنفس الإنسانية للتعبير عن ذاتها. أما النظام والتشريع فالمقصود يهما حالة قانونية محددة، ترسم تفصيلاتها بروح قانونية محضة، تحدد للناس قواعد التعاملات العامة، وترسم ملامح المواطن الصالح، كما تفرض قانون العقوبات الذي يمنع التجاوز على حقوق الآخرين.
4-*- كيف نقرأ جماعة الإخوان المسلمين اليوم ؟ وكيف تقيمون تاريخ الجماعة في سوريا منذ الاستقلال حتى الأحداث الدامية التي تعرضتم لها من قبل السلطة العسكرية في سورية؟
جواب4:
لقد أعلن عن قيام جماعة الإخوان المسلمين في سورية سنة 1945 وكانت لقاءً لمشروعات إسلامية متعدّدة، قامت من قبل في العديد من المحافظات السورية.
لقد أسست الجماعة على يد أساتذة جامعيين كبار، وعلماء وفقهاء ومفكرين، من أمثال الدكتور مصطفى السباعي والأستاذ محمد المبارك.. وتم بناء الجماعة بناءً عصرياً حداثياً شورياً (ديموقراطياً) فقد بنيت الجماعة على ثلاث مؤسّسات رئيسية، كل واحدةٍ مستقلة عن الأخرى: مجلس الشورى، والمكتب التنفيذي، والمحكمة العليا..
وانخرطت الجماعة في الحياة العامة السورية، وكان لها دورها البارز في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. كما كان لها دورها المتميز في الدفاع عن عروبة فلسطين. وقد أثبتت الجماعة مكانتها في الحياة السياسية من خلال مشاركتها في البرلمانات المتعددة، والحكومات المتعاقبة، وفي كتابة الدستور السوري، حيث كان الدكتور مصطفى السباعي نائباً لرئيس مجلس النواب وكان يحظى بمكانة مرموقة.
ومنذ الاستيلاء على السلطة في الثامن من آذار 1963 وقيام الحكم الشمولي على الطريقة الستالينية، تمت مصادرة الحياة العامة، وأغرق الوطن في حالة من انسداد الأفق، أدّت إلى انفجارٍ كبير، وانتفاضة شعبية عامة، شاركت فيها جميع القوى الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، وكانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من هذه الحالة الشعبية. واستطاعت الوحشية غير المسبوقة في كبت الصوت الشعبي، وأغرقت الوطن في بحار من الخوف والتوجس والدماء.. ما زال يعاني من آثارها حتى اليوم.
ورغم كل الممارسات الوحشية، وحرب الإبادة التي شنتها السلطة على الجماعة، فقد ظلت جماعتنا ثابتة في الميدان، وقامت بالعديد من المراجعات, وتقدمت منذ مطلع القرن الحادي والعشرين بميثاق الشرف الوطني، ثم بمشروعها السياسي الذي يرسم رؤاها ويحدد مواقفها. نحن نسعى إلى بناء الدولة المدنية الحديثة، في مجتمع معاصر منفتح، يحترم التعددية، ويحتكم إلى صندوق الاقتراع، ويقر بالتداولية للتأسيس لحركة نهوض تتجاوز ما تعيشه مجتمعاتنا من تخلف.
5-*- تكثر النداءات في العالم لمناصرة المرأة ويذهب البعض لاعتبار المرأة في الإسلام بأنها أداة وليست حرة.ماذا قدم الإسلام للمرأة في نظركم وما هي رؤيتكم عن واقع المرأة السورية في بلادنا؟
جواب5:
موضوع المرأة أكثر تعقيداً من أن نفصل فيه في هذا المقام. إن القضية تبدأ من تصورنا (للإنسان). فالإسلام يعتبر النساء شقائق الرجال، ويعتبر المرأة إنساناً حراً، كامل المسؤولية، كامل الأهلية، كامل التكليف. لا يمكن في هذا المقام أن نتوقف عند تفصيلات الأحكام حيث تحظى المرأة في الإسلام وفق تصور مستقل للإنسان ودوره في الحياة ومكانته فيها بكامل حقوقها بتوازن غير مسبوق. نعتقد أن الحقوق التي يوفرها الإسلام للمرأة لم تحظ بها المرأة الغربية حتى اليوم. نحن لا ننخدع بالشعارات البراقة، وبـ (الماكياج) الذي تضعه الحياة الغربية على وجهها.
نعتقد أن واقعنا الاجتماعي ليس إسلامياً مثالياً, المرأة في مجتمعنا السوري تعاني أشكالاً من الظلم، بسبب الموروثات والعادات والتقاليد المرفوضة، وليس بسبب المرجعية الإسلامية. فمثلاً يفرض على المرأة زوج لا تريده، وتحرم المرأة من الميراث، وتحرم من التصرف بمالها.. صور كثيرة للعادات والتقاليد المرفوضة. كما أن المرأة السورية عانت في ظل النظام الحالي من القمع والإقصاء والاضطهاد والبطش والحرمان.. مثل معاناة الرجل وربما أكثر، فالاستبداد أثّر سلباً على جميع السوريين والسوريات.. فساءت ظروف المرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً.
نعتقد أنه لا بد من مشروع إصلاحي اجتماعي، يعيد للمرأة مكانتها وجميع حقوقها التي كفلتها لها الشريعة الإسلامية.
6-*- دعنا نعود إلى مجتمعنا وهو مجتمع متنوع في طوائفه ومذاهبه.ما رؤيتكم لباقي الأطياف في سوريا؟وكيف يستطيع فكر الإخوان أن يوجد صيغة تعايش وتفاعل على قدم المساواة بين أبناء المجتمع السوري؟
جواب6:
في ورقتنا الخاصة عن الطائفية أكدنا أن مجتمعنا السوري ليس مجتمع أقليات، إنما هو مجتمع فيه أقليات. وبعملية إحصاء أولية نرى أن 90% من شعب سورية مسلمون، على اختلاف مذاهبهم، مقابل 10% مسيحيون وأن 90% من شعب سورية عرب مقابل 10% أكراد.. نحن أكدنا في تلك الورقة أن بناء الدولة على أساس المواطنة واشتراك المواطنين على اختلاف انتماءاتهم بالحقوق والواجبات، هي الطريقة الأمثل للعيش المشترك ولبناء سورية الغد..
7-*- أحد الأحزاب الإسلامية في الأردن قدم تجربة نوعية فأحد قياديه مسيحي.رأيكم بهذه الخطوة؟وهل ممكن ان نرى جماعة الأخوان المسلمون يقدمون على مثل هذه الفكرة.؟ وما هو معيار قبول الشخص في جماعتكم؟
جواب7:
جماعة الإخوان المسلمين ليست حزباً سياسياً بالمعنى المعروف، إنما هي - في الأصل - جماعة إسلامية دعوية، تتبنّى الفكر الوسطيّ والفهم المعتدل للإسلام، وتدعو إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن. ومن الطبيعي أن يقتصر الانتساب إليها على من يؤمن بمبادئها ويلتزم بفكرها وأنظمتها وانطلاقاً من فهمها الشامل للإسلام، فإنها تقوم بأنشطةٍ دعوية، وفكرية، واجتماعية، وسياسية.. وفي مجال العمل السياسي تتعاون الجماعة مع جميع أبناء الوطن، على تحقيق الأهداف المشتركة في الحياة الحرة الكريمة، وتتحالف مع مختلف القوى والشخصيات الوطنية، على اختلاف انتماءاتها السياسية والدينية والمذهبية والإثنية.. لتحقيق هذه الأهداف. وعندما تتهيأ الظروف لإنشاء حزبٍ سياسي في سورية، وفق رؤية الجماعة ومشروعها السياسي، فسوف يتولّى هذا الحزب العمل السياسي، وسيكون مفتوحاً أمام جميع المواطنين المقتنعين بهذا المشروع، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية..
8-*- في برنامجكم السياسي ذكرتم أن مكونات الدولة الحديثة هي الوطن والإنسان والسلطة والنظم والمجتمع والمناهج..بمعنى أنكم أمام مشروع يستفيد أولاً وأخيرا من الإمكانيات الموجودة في سوريا وسؤالنا: هل الإمكانية هي التي تحدد مكانة الفرد؟ وهل هناك معيار أخر يحدد موقع الفرد في السلطة أو النظام؟
جواب8:
سعي الإنسان دائماً محكوم بين ما هو كائن، وبين ما يجب أن يكون, والواقعية بالنسبة إلينا لا تعني الرضوخ للواقع والقبول به، إنما تعني استيعاب الواقع، والسعي إلى تطويره وتحسينه. إنّ تصورنا لمكانة الإنسان الفرد في ذاته وفي أسرته وفي مجتمعه، تستمد آفاقها من مرجعيتنا الإسلامية التي تربط الإنسان بأفق أعلى لتحقيق سعادته في الدنيا والآخرة.
أما بالنسبة لموقع الإنسان الفرد في الحياة العامة لوطنه، فهو إما أن يتعلق الأمر بولاية كبرى تشريعية أو تنفيذية، كمنصب رئيس الجمهورية أو نواب الأمة أو الوزراء.. فهذه مرجعها الأول والأخير في فقهنا الإسلاميّ هو الأمة، أي صندوق الاقتراع. وإما أن تكون ولاية صغرى كالوظائف العامة، فهذه ينظم أمورها القانون العام على قاعدة المواطنة، واختيار الأصلح.
9-*- ذكرتم في برنامجكم السياسي أيضا أن النصوص في الفقه الإسلامي وجدت لتحقق المصالح وتدرأ المفاسد.هل من الممكن القول أن الرؤية المنبثقة من الدين لواقع معين هي نظرة يجب أن تكون متجددة؟ وأين يكمن التجديد إن وجد؟ وهل من ثوابت في التفسير والفقه ؟
جواب9:
لو رجعتم إلى مشروعنا السياسي لوجدتم فصلاً خاصاً يتحدث عن التجديد وضرورته وأسسه وآفاقه.. الثابت في تصورنا هو النصوص المقدسة (الكتاب والسنة الصحيحة) أما فهم العلماء لهذه النصوص واجتهاداتهم على مختلف العصور، فليست من الثوابت الشرعية، إنما هي آراء للاستنارة والاستفادة. التجديد ينصبّ بالدرجة الأولى على موضوعات التشريع، وفق ضوابط منهجية أساسية لأصول الاستنباط وقراءة النصوص وفهمها. هناك نصوص شرعية قطعية الثبوت، وقطعية الدلالة, وهذه هي الثوابت، وهي قليلة جداً. أما بقية النصوص الشرعية، وهي الأعمّ الأغلب، فباب الاجتهاد فيها بضوابطه مفتوح، وفق متغيرات الزمان والمكان، ووفق حاجات الناس ومصالحهم..
10-*- بالعودة إلى الوضع السياسي في سوريا. ما هو تقيمكم له ؟ وما هي الخطوات التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في ظل الظروف الحالية؟
جواب10:
الوضع القائم في سورية هو انعكاس لواقعٍ مريرٍ أفرزه نظام الاستبداد والفساد، وحكم الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع، خلال أكثر من أربعة عقود، وأنتج قمعاً وقوانين استثنائيةً وقانون طوارئ وأحكاماً عُرفيةً، ومصادرةً للحريات العامة، وفساداً ونهباً واضطهاداً وظلماً.. كما أدّى إلى ما تشهده سورية من عزلةٍ عن محيطها العربيّ والإسلاميّ والدوليّ، وكذلك إلى انخراط في محورٍ مشبوه، بالتحالف الاستراتيجيّ مع إيران ذات المطامع التوسّعية القومية والمذهبية، على حساب الشعب والوطن السوريّ وعلاقة سورية مع شقيقاتها العربيات.. كل ذلك أدّى إلى حالة من الاحتقان قابلة للتفجّر في أية لحظة، بينما النظام الحاكم لا يهمه إلا الاحتفاظ بالسلطة واستمرار سيطرته على مقدّرات البلاد ونهبه لثرواتها، وهو - في سبيل ذلك- مستعد للمساومة على الوطن ومصالح الشعب.
بناءً على وعي هذه الحقيقة المرّة، وانسداد أبواب الإصلاح في ظل النظام الحالي، فقد سعت جماعتنا منذ سنواتٍ طويلةٍ لجمع الفصائل الوطنية السورية حول أهدافٍ مشتركة، لحماية سورية وشعبها من عبث النظام أولاً، ولتحقيق هدف التغيير نحو الديمقراطية والحرية وإعادة البناء ثانياً، فطرحنا ميثاق الشرف الوطني، ثم شاركنا في (إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي)، وفي (جبهة الخلاص الوطني)، ونأمل أن تتوحّد كل الجهود لإنقاذ سورية، وتحقيق هدف التغيير المنشود، لإعادة سورية إلى موقعها الطبيعي المرموق بين دول المنطقة والعالَم.
11-*- في الطرف المقابل هناك وضع المعارضة السورية في الداخل والخارج ويكثر الحديث عن انقسامات كثيرة في صف المعارضة السورية. ما هو تقيمكم لواقع المعارضة السورية ؟وما هي إمكانية أن تعمل المعارضة السورية في اتجاه واحد طالما أن الهم واحد؟
جواب11:
المجتمع السوري - في ظلّ النظام الحالي – يعيش حالةً من الانسحاق، لقد تهمشت الشخصية الوطنية السورية تحت قسوة النظام الهمجية. الزمن هو بعض الحل ليستعيد المجتمع والفرد وعيه ودوره. المعارضة السورية جزء من هذا المجتمع السوري. وهؤلاء الروّاد في الداخل والخارج هم أبطال بكل معنى الكلمة لأنهم يقبلون تحمل المسؤولية في مثل هذه الظروف. حراكهم لا بد أن ينجح، ولا بدّ أن تقودهم حركتهم السلمية إلى الوحدة.
ينبغي أن نتغلّب على كل أسباب الاختلاف، وأن يعي جميع السوريين حقيقة الخطر الداهم على سوريةّ، وأنّ النظام المتسلّط يراهن على تفرّقنا، ليستمرّ في تسلّطه. لا خيار لنا إلاّ أن تتضافر كل الجهود، فالوطن بحاجةٍ لكل أبنائه، لإنقاذه من الشرّ المستطير المتمثل في استمرار نظام الفساد والاستبداد.
12-*- أنتم الآن جزء من جبهة الخلاص الوطني.ماذا قدمت جبهة الخلاص الوطني للقضية السورية وإلى أي درجة استطاعت جبهة الخلاص الوطني الوصول إلى مطلب المواطن السوري؟؟
جواب12:
إعلان دمشق، وجبهة الخلاص الوطني، وأيّ تحالف يمكن أن ينشأ بعد.. هو جزء من المشروع الوطني، لتمتين الأرضية الوطنية القادرة على تحمل عبء مشروع التغيير. إنّ أبسط درس أو أبسط إنجاز حققته جبهة الخلاص وإعلان دمشق، هو أننا قلنا للمواطن السوري وللعالم كله: إن المشترَك السوري المستقبلي يمكن أن يجمع كل ألوان الطيف الوطني. وأن الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين والعرب والكرد والمسلمين والمسيحيين.. على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم.. يمكن أن يلتقوا في إطار سياسي عصري يتحرك إلى أهداف مشتركة عامة، متجاوزين هذه التقسيمات التي يحاول البعض أن يصورها عقبة في وجه المشروع الوطني.
13-*- كيف ترون سوريا اقتصادياً في حال خرج النظام المستبد من الحكم؟ وما هي الضمانات التي يمكن الحديث عنها في سبيل استقرار الوضع الاقتصادي لسوريا ؟
جواب13:
لقد استنزف الفساد الثروة الوطنية العامة والخاصة. والاقتصاد السوري اليوم قريب من حالة الانهيار، يتجلى ذلك في عدم قدرة المواطن على تلبية احتياجاته اليومية.
إن الانهيار العام للدولة إلى هذا المستوى هو الذي يفرض على العقلاء أن يفكروا بمشروع وطني يشارك الجميع في تحمل مسؤوليته.
سورية تحتاج إلى إصلاحٍ اقتصاديٍ شامل، يُبنى على الإصلاح السياسي، فالنظام الذي دمّر البنية السياسية وحكم بالتسلّط والديكتاتورية.. دمّر كل مناحي الحياة: الاقتصادية والإدارية والتعليمية والثقافية والإعلامية والمالية والتجارية والاجتماعية.. والضمانة الأكيدة لاستقرار الوضع الاقتصادي هي تحقيق الاستقرار السياسي بعد عملية إصلاحٍ سياسيةٍ شاملة، تكون أساساً متيناً لبناء نظامٍ اقتصاديٍ متطوّرٍ شامل، يستوعب كل أبناء الشعب السوريّ في عملية البناء والإنتاج والعمل والابتكار، مع إطلاق الطاقات واستثمارها إلى أبعد الحدود الممكنة.
إن القضاء على الفساد المتفشّي بكلّ أشكاله، والمباشرة بعملية الإصلاح السياسي الشامل.. سيكون أساساً لبناء اقتصاد متين، قائم على ضمان حق العمل والتكافل والتوزيع العادل للثروات وحق الملكية والانفتاح المدروس واعتماد السياسات الاقتصادية المتطوِّرة المواكبة لروح العصر وحاجاته ومتطلّباته، والانتقال الهادئ المتدرّج إلى اقتصاد السوق المفتوح، في إطار المصلحة الوطنية، وحماية المنتج والمستهلك، وتشجيع القطاع الخاص، وتعزيز دور المنتجين ومبادراتهم، وإطلاق مواهبهم، واختيار أساليب العمل التي تتيح أكبر قدر من المبادرات الذاتية..
14-*- هل يملك النظام السوري الحالي احتمالات الإصلاح؟وهل ممكن القول إن النظام الحالي قابل للإصلاح؟
جواب14:
لقد أثبت النظام السوري أنه بتركيبته الحالية لا يمتلك إرادة الإصلاح، وأنه غير قابلٍ للإصلاح، لأنه نظام قائمٌ - أصلاً - على الفساد في جميع مؤسساته، وعلى كافة المستويات. ولأن الفاسدين لا يمكن أن يقوموا بالإصلاح، لأن في ذلك نهايتهم. فالزمرة الفاسدة التي تتحكم بمقدّرات البلاد هي التي تسيطر على السلطة والثروة، وتحتكر التجارة والإنتاج وموارد البلاد.. وهم مجموعة من المنتفعين، حول الأسرة الحاكمة والمقرّبين منها، نهبوا ثروات الوطن، وأصبحت ثرواتهم تقدّر بمئات المليارات، على حساب الشعب الذي أصبح أكثر من نصفه يعيش تحت خط الفقر.
15-*- تكثر التصريحات السياسية عن الوضع اللبناني وهناك من يرى أن الاستقرار في سوريا يعني الاستقرار في لبنان.فهل من رابط في رأيكم؟ وإن وجد فهل من تنسيق يوجد بين الأطراف الباحثة عن الاستقرار في لبنان وسوريا؟
جواب15:
دعونا نميز ابتداء بين الاستقرار والاستمرار. إن استمرار أي نظام على برميل بارود ليس استقراراً. الوجود السوري في لبنان مع الهدوء المرافق لم يكن استقراراً. وإن استمرار بشار الأسد في السلطة القمعية ليس استقراراً. لأن للاستقرار شروطه الموضوعية التي في مقدمتها حالة الرخاء المجتمعي والرضا بالنظام الحاكم..
الخصوصية بين سورية ولبنان ينبغي أن تستثمر إيجابياً لمصلحة البلدين الشقيقين. وثيقة (بيروت دمشق - دمشق بيروت) قوبلت من قبل النظام بما تعلمون من رفض واعتقالات.. لا بد من خيار شعبي في سورية وفي لبنان وعندها يمكن الحديث عن الاستقرار في البلدين.
النظام السوري كان هو السبب في إثارة الفوضى والاضطراب في لبنان الشقيق، وهو يعتبر لبنان ساحة صراعٍ رئيسةٍ مع خصومه، كما يعتبره خطاً متقدّماً للدفاع عنه والحفاظ على وجوده، لذلك فهو يتدخّل في شئونه، محاولاً إثارة الفتنة والفوضى فيه. نعتقد أن التغيير في سورية، وتحقيق الاستقرار فيها، سيكون عاملاً مهماً في تحقيق الاستقرار في لبنان. ومن هنا تبدو أهمية التعاون والتنسيق بين الأطراف الوطنية الباحثة عن الاستقرار في سورية لبنان.
16-*- هل استطاع النظام الحالي في رأيكم تقديم رؤية واضحة لاسترجاع الجولان السوري المحتل؟ وما هي برأيكم سبل استرجاع هذا الأرض المحتلة ؟ وهل يمكن أن يكون للمقاومة العسكرية دور في المستقبل؟
جواب16:
لا نعتقد أن النظام الذي ضيّع الجولان وفرّط به، يمتلك أي مشروع لتحريره، ونظن أن حديثه عن الجولان لا يخرج عن كونه مادة إعلامية محضة. ولقد كانت جبهة الجولان من أهدأ الجبهات خلال العقود الماضية، في الوقت الذي يتحدّث فيه النظام عن الصمود والتصدّي والممانعة، والمقاومة في مزارع شبعا وفي جنوب لبنان وفي فلسطين، وفي كل مكان.. وكأن الجولان ليست أرضاً محتلة.
تحرير الجولان سيكون جزءاً من المشروع الوطني المستقبلي. وبالطبع فإن هذا المشروع سيعطي الأولوية في التحرير للوسائل السلمية والدبلوماسية، كما سيأخذ بالاعتبار قواعد الشرعية الدولية وقوانينها التي تعطي الحق للشعوب التي تتعرّض أراضيها للعدوان والاحتلال، بالدفاع عنها، وتحريرها بكلّ الوسائل المشروعة.
17-*- ما الذي يمكن الاستفادة منه في تجربة العراق؟وما موقفكم من القوات الأميركية الموجودة في الداخل العراقي؟
جواب17:
نحن رفضنا منذ البداية احتلال العراق، لقد دمر الاحتلال وطناً جميلاً اسمه العراق. وعلى المحتل واجبان متناظران: أن يتحمل مسؤولياته تجاه ما سبّبه للشعب العراقي من تدمير وآلام، وأن ينهي احتلاله للعراق..
نحن قبل تجربة العراق المريرة، رفضنا الاستقواء بالأجنبيّ، ورفضنا أن نحاصر أنفسنا بين الخيارين السيّئين: الاحتلال أو الاستبداد، وأكدنا دائماً على التغيير السلمي الديمقراطي بالأيدي الوطنية. وكلّ ما نطلبه من المجتمع الدوليّ والقوى العالمية أن ترفع الغطاء عن النظام، وأن تكشف للرأي العام جرائره يحق سورية الوطن والإنسان، وأن تكفّ عن دعمه والتغطية على جرائمه.
18-*- كلمة أخيرة سيد علي صدر البيانوني ؟
جواب18: آمل أن نلتقي قريباً في دمشق.. في سورية حرةً مستقلةً ومظلةً واسعةً تُظِلّ كل أبنائها، على اختلاف طوائفهم وفئاتهم ومذاهبهم وشرائحهم وأعراقهم وقواهم السياسية الوطنية.
شكراً وشكراً لإفساح المجال لهذا الحديث الممتع.