مع إبراهيم المصري
الأمين العام للجماعة الإسلامية في حوار مع صحيفة صدى البلد
المصري:
التمثيل "الإسلامي" في الحكومة غير متوازن
تيار المستقبل يعلم أن وجودنا لا يلغيه كما أن موقفه لن يلغينا
الشيخ ابراهيم المصري
عمر البردان
صحيفة السياسة الكويتية
أنجزت الجماعة الاسلامية انتخاب امين عام جديد هو الشيخ ابراهيم المصري بديلاً للامين العام السابق القيادي الاسلامي البارز الشيخ فيصل المولوي. يؤكد المصري لـ "صدى البلد" ان انتخابه لا يعكس تحولاً في المسار السياسي اذ "ان" الجماعة "تلتزم بضوابط واضحة في ترتيب مؤسساتها الشورية، كما ان الاجهزة المركزية والمحلية تنتهي ولايتها اصلاً بانقضاﺀ الثلاث سنوات وكان ذلك مقرراً في نهاية العام 2009 لذلك جرى انتخاب اعضاﺀ مجلس الشورى في المناطق في كانون الثاني ثم انتخب الامين العام وتم اختيار المسؤولين المركزيين، وكنا حريصين على تجديد اجهزة" الجماعة "في جميع المناطق". ويشدد المصري على انه اذا ما تغيرت الوجوه داخل قيادة الجماعة الاسلامية فذلك لا يعني ابداً تغييراً في خطها الفكري والسياسي، كما انه ليس هناك من توجه لاعادة النظر في اي شيﺀ بل جل الذي حصل كان عبارة عن اعادة تنشيط للحياة السياسية والدعوية داخل الجماعة على الساحة الاسلامية وموقفنا من الدعوة الى الوحدة الاسلامية ودعم المقاومة والعيش المشترك بين اللبنانيين ستبقى من ثوابتنا التي لن نتراجع عنها".
- ما أبرز النتائج التي تمخضت عن الانتخابات داخل الجماعة؟
* بعد استلام المكاتب المنتخبة لمهامها ستعكف على صياغة رؤية جديدة للمستقبل، اذ ان بعد اجراﺀ الانتخابات ستتم مناقشة وتقييم الاداﺀ ووضع صيغة دعوية وسياسية تعلن عبرها "الجماعة" موقفها، وهو الاسلوب الذي يبدو مغايراً لاسلوب حزب الله. كما ان المؤتمر الجديد للجماعة الذي سيتم الاعلان عنه سيتضمن جزﺀين: الاول داخلي يخص "الجماعة" وجزﺀ آخر علني يجري فيه الاعلان عن توجهاتها الفكرية والسياسية. اما سياسياً فقد مرت الجماعة في فترات صعبة انتهت بالانتخابات النيابية الماضية، ونعترف ان الساحة الاسلامية باتت في وضع غير طبيعي وتعاني احتقاناً طائفياً ومذهبياً نتيجة الارباكات التي وقعت منذ العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وهو الامر الذي اثر على دورنا السياسي والانتخابي وسنحرص على ممارسة اداﺀ ينقذ الساحة الاسلامية من الاحتقان الذي تعيش فيه، وكنا ندري ان دورنا في الانتخابات النيابية سيكون محدوداً كما اننا كنّا ندرك ان عملية تحقيق اي نجاح في بعض الدوائر كان مستحيلاً نتيجة ذلك الجو المذهبي المتصاعد، فالناخبون لم يصوتوا لفكر او عقيدة بل اقترعوا لمن رفع سقف الخطاب المذهبي.
- أين أصبحت العلاقة بين "الجماعة" وتيار المستقبل؟ وكيف تنظر الجماعة إلى دورها على الساحة السنية؟
* ليس هناك صدام بين "الجماعة" وتيار المستقبل، اذ ان التيار يحمل فكرا علمانيا مكونا من عدة شرائح وتوجهات سياسية لبنانية خاصة به بينما الجماعة تيار اسلامي واضح، ويعلم تيار المستقبل ان وجودنا لا يلغيه، كما ان موقفه لن يلغينا، ونحن نصر على اداﺀ دورنا برؤيتنا الاسلامية التي تقوم عليها مبررات وجودنا كجماعة اسلامية.
ان العلاقة مع التيار عادية اصابها بعض الفتور نتيجة تحفظ نائب الجماعة في المجلس النيابي عماد الحوت على منح الحكومة الثقة، وقد ابلغنا رئيس الحكومة اننا لم نكن كجماعة راضين عن الاسلوب الذي جرى اعتماده في تشكيل الحكومة وان يستغرق الامر اكثر من خمسة اشهر وان يكون التمثيل الاسلامي فيها غير متوازن بمعنى القوى الاخرى رجحت من يمثلها واصرت على هذا الترشيح وحققت وجوداً متفوقفاً في الحكومة من حيث نوعية الوزراﺀ والحقائب بينما الوجود الاسلامي لم يأخذ بعده اللائق انطلاقاً من هذا ارتأينا ان نأخذ موقفنا الممتنع عن اعطاﺀ الثقة لنقول اننا غير موافقين على هذا الاسلوب. نعتبر ان الحكومة ينبغي ان تشكلها اكثرية وتكون هناك معارضة تناقش قراراتها وتحجب عنها الثقة وتسقطها في البرلمان، والشاهد الاكبر اليوم اداﺀها الحالي حيث لن تستطيع انجاز التعيينات الادارية واحياناً ينتظرون دعماً سورياً، سعودياً او تركياً لتسيير اعمالها.
- وماذا عن العلاقة مع حزب الله؟
* مرت فترة شابت العلاقة بين الجماعة الاسلامية وحزب الله بعض الفتور ولكن هذه المرحلة التي اعقبت احداث 7 ايار 2008 انتهت، ولكن علاقة الجماعة بالحزب استراتيجية قائمة على اسس فكرية. نعتبر ان الجماعة كتيار اسلامي على الساحة الاسلامية السنية ينبغي ان يتكامل مع حزب الله كحركة اسلامية في الساحة الشيعية بغض النظر عن المواقف السياسية، والموضوع اليوم بات بحكم المنتهي وتحصل لقاﺀات غير معلنة لتنسيق الجهود.
- هل هناك توافق حول دور ورؤية المقاومة وسلاحها؟
* ان المشكلة ليست بيننا وبين الحزب، المشكلة بتفاهم ينتظره الجميع على طاولة الحوار الوطني، تقدمنا منذ سنتين بمشروع للاستراتيجية الدفاعية وسلمنا هذا المشروع لحزب الله قبل شهرين من الاعلان عنه وبعد ذلك توالت الاحداث وبالتأكيد بعد مرور سنتين لا بد من اعادة النظر في اي مشروع، والآن القضية مرهونة بطاولة الحوار ونتمنى الوصول الى صيغة تحفظ للمقاومة دورها اذ انه بدون وجودها يتحول اي جيش عربي على حدود فلسطين المحتلة الى حرس حدود لا اكثر بينما المقاومة هي التعبير الفعلي عن النشاط الشعبي ضد المشروع الصهيوني، وطبعاً هذا ينبغي ان يكون هناك تكامل بين دور الجيش ودور المقاومة التي نحرص على ان يكون فيها دور لجميع القوى الحية اللبنانية الراغبة في المشاركة بمواجهة العدو الاسرائيلي عسكرياً ومدنياً.
- هل لدى "الجماعة" رؤية لبناء إطار جبهوي على المستوى الإسلامي بالتعاون مع بعض الحركات الإسلامية؟
* نحرص على التعاون والتنسيق مع القوى الاسلامية بدﺀاً من الاطار السني وصولاً الى الاطار الاسلامي العام واللبناني، وبما انه ليس في ذهن احد اليوم مشروع جاهز نرى ان هذا التعاون يضمن حسن سير هذا العلاقة.
فالعمل الجبهوي لا اظن انه يخدم التوجهات الاسلامية طالما انها لا تحمل مشروعاً موحداً. واذا ما عقدت الجماعة مؤتمرها العام بعد اشهر ستطرح على جميع القوى برنامجها وسنستمع الى افكارهم.
- ماذا عن اعتصام "الجماعة" مقابل السفارة المصرية احتجاجاً على دور مصر في غزة؟
* ما حصل لم يكن جديداً فنحن كنا نشارك في جميع الاعتصامات التي كانت تحصل امام السفارة الاميركية في عوكر، وحرصنا على الا يكون الاعتصام عنفياً اذ ان مصر دولة عربية لها دورها ومع ان العلاقة مع النظام المصري تشوبها مشاكل غير اننا حرصنا على تسليمهم مذكرة احتجاج اثنوا على لهجتها والطريقة التي صيغت بها. وما نود قوله ان موضوع قطاع غزة لم يعد يحتمل السكوت عنه.
- ماذا عن انتخابات الإخوان المسلمين في مصر وكيف ترى الجماعة الإسلامية نتيجتها؟ وماذا عن فرص التقارب بين الإخوان المسلمين في سورية والنظام؟
* نتابع ما يجري في مصر عبر وسائل الاعلام، ومع ان جماعة الاخوان المسلمين تصنف في مصر على اساس انها محظورة غير انه تحصل الانتخابات بداخلها، واتصور ان ما حدث عن تصنيف الاخوان بين تيارين محافظ واصلاحي جرى تضخيمه بشكل كبير وذلك حرصاً من النظام على تشويه الحركة الاسلامية في مصر، ولكن ما نؤكده ان انتخاب المرشد الجديد للاخوان في مصر، سيتم الاعلان عنه رسمياً قريباً جداً. اما في سورية فكانت هناك مبادرة من الاخوان بعد مواقفها الايجابية من عدوان غزة وغيرها، ولكن ما نقوله ان القضية داخل سورية لا تزال معقدة ولا بد من الوصول الى صيغة توافقية بين النظام والتيارات الاسلامية وبالتالي فإن حركة حماس يمكن ان تؤدي دوراً تواسطياً في هذا المجال.
- ما هو تعليقكم على انفجار حارة حريك ودور حركة حماس فيه؟ وما موقفكم من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؟
* التحقيق لم ينته بعد والقضاﺀ يأخذ وقته، وحركة حماس استجابت لطلب المحققين وقدمت معلومات وافية حول ما جرى ولا بد من ان تصدر النتيجة النهائية من قبل سلطة التحقيق. وبأي حال هذا السلاح لم يتضح اذا ما كان موجوداً، نقل او حمل، ولكن حركة حماس كما يعلم الجميع ليست تنظيماً عسكرياً لا في المخيمات او خارجها.
أجرى الحوار: علي الأمين - علي حلاوي
صحيفة صدى البلد – الأربعاء 13/1/2010
لأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان في حوار مع صحيفة السياسة الكويتية
المصري: يجب إعادة النظر بموضوع المقاومة وتكاملها مع الجيش
رأى الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان إبراهيم المصري, أن علاقة الجماعة بدار الفتوى" علاقة تكاملية باعتبارها المظلة التي ترعى كل العاملين على الساحة الإسلامية", رافضاً الدخول في تفاصيل الخلافات التي تواجهها, في وقت كان ينبغي على "المجلس الشرعي الإسلامي" أن يضع يده عليها, مبدياً انزعاجه من الحملات الإعلامية "التي من شأنها أن تخرب الساحة بدل أن تصلحها".
المصري وفي حوار أجرته "السياسة" معه بعد انتخابه أميناً عاماً للجماعة الإسلامية, وصف علاقة الجماعة بـ "تيار المستقبل" بـ "الطيبة", متمنياً لو أن الحكومة اللبنانية شكلت بغير هذه الطريقة الوفاقية التي تمنعها من أن تكون شعبية تلبي حاجات الناس, مطالباً بإلغاء أسلوب إلغاء الآخر, لأن الساحة واسعة وبإمكانها أن تتسع للجميع, رافضاً القول ان "رئيس الحكومة سعد الحريري قد حوصر وكان بإمكانه أن يفك الحصار وأن يضع الآخرين في دائرة الحصار".
وطالب المصري "بإعادة النظر في موضوع المقاومة وتكاملها مع الجيش", لأن ليس بإمكان أيٍ كان أن يدعي أنه وحده صاحب الحق في تقرير أي شأن لبناني, متمنياً أن تحقق طاولة الحوار ما يصبو إليه كل اللبنانيين, ومستبعداً أن يوجه "حزب الله" سلاحه إلى الداخل مرة جديدة. ووصف علاقة الجماعة الإسلامية بـ "حزب الله" بـ "الطيبة والقديمة", مثنياً على الزيارة التي قام بها الرئيس الحريري إلى سورية ووصفها بـ "النوعية والكبيرة وغير السهلة بالنسبة له ولفريقه". وتمنى أن تكون نتائجها طيبة وأن يعود التعاطي اللبناني السوري إلى وضعه الطبيعي.
المصري أثنى على أداء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان واستقلالية قراراتها وقال: إن اتهامها بالتسيس اتهام سياسي, لكنه لن يؤثر في جوهر القضية بشيء, مؤكداً ان الجماعة الإسلامية تطالب من عشرات السنين بإلغاء الطائفية السياسية, رافضاً وصف رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالضعيف الذي لا يستطيع أن يمارس صلاحياته, بل لأنه رئيس توافقي ينبغي عليه التعامل مع كل القوى التي دعمت وصوله إلى موقع الرئاسة, متخوفاً من أن يقلب الوضع الإقليمي المعادلة ويكون سلاح المقاومة جزءاً من المواجهة, وفي ما يأتي نص الحوار:
- بعد انتخابكم أميناً عاماً للجماعة الإسلامية, ما تصوركم لتفعيل دور الجماعة على الصعيدين الإسلامي وللبناني?
* نحن في إطار الجماعة الإسلامية نفاخر أننا تنظيم منضبط, عندنا محطات نتوقف عندها, يجري تداول المواقع التنظيمية في الجماعة بشكل دوري, وهذا ما حصل في الفترة الأخيرة. سماحة الأمين العام السابق الشيخ فيصل المولوي, كان قد انتخب لدورتين وكان لا بد من أن يسلم الأمانة في نهاية عام 2009. وشاء الله أن يُبتلى بمرض أقعده عن العمل فاضطررت لتصريف شؤون الجماعة خلال العام الذي مضى, قبل نهاية عام 2009 كان لا بد من إجراء انتخابات تنظيمية للجماعة على مختلف المستويات.
بدأت الانتخابات في مطلع شهر ديسمبر, انتخب أعضاء مجلس الشورى وهم بدورهم انتخبوا الأمين العام, ثم جرى انتخاب أعضاء المكاتب المركزية, وبعد ذلك جرى انتخاب الإدارات المحلية للجماعة في مختلف المدن اللبنانية, فنحمد الله أن الوضع التنظيمي للجماعة مستقر, وجرى كل هذا من دون أي ارتباك, لأن الجماعة ليست بنت اليوم, الجماعة عمرها عشرات السنين, واكتسبت خبرات تنظيمية من الحركة الإسلامية في كل مكان, وأنا أعتبر أن الجماعة الآن, لن تأتي بجديد, وإنما هي ستلتزم المنهجية الإسلامية التي تعتمدها منذ سنوات طويلة, مع أن هذا يخضع للمراجعة وللدراسة من حين الى اخر, لكن الاستقرار الفكري والسياسي للجماعة, هو الذي يحكم مسارنا وسنلتزمه إن شاء الله تعالى.
- كيف تصفون العلاقات مع باقي الأطراف السياسية, وخصوصاً على الساحة الإسلامية السنية?
* على الساحة الإسلامية السنية العلاقة تكاملية وجيدة, بدءاً من دار الفتوى التي نعتبرها المظلة التي ينبغي أن ترعى كل العاملين في الساحة الإسلامية, وواجب الساحة الإسلامية في المقابل, أن تكون منسجمة ومتكاملة مع عمل دار الفتوى, هذا يستدعي أن يكون لكل منا ميدان أداء معروف ومحدد, فدار الفتوى المؤسسة الإسلامية الرسمية, ونحن كجمعيات إسلامية نعمل في الساحة الإسلامية ونحاول أن نخدم مجتمعنا, وأن نكمل جهد دار الفتوى في إطار نشر الوعي الإسلامي, ونشر الدعوة الإسلامية في مختلف الساحات, أما علاقتنا مع الجمعيات الإسلامية الأخرى, فهي علاقة تكاملية كذلك, نحرص على التنسيق معها, نعقد مؤتمرات ندعو إليها من حين لآخر, يعني على سبيل المثال في عام 2004, دعونا نحو 250 شخصية وجمعية إسلامية إلى مؤتمر عام, وأقرينا الوثيقة الإسلامية التي أعلنت, وعند أحداث نهر البارد, وجدنا من الضروري أن نعقد مؤتمراً من هذا النوع, حضره حشد كبير من القوى الإسلامية, ووصلنا إلى قناعات مشتركة, كانت محاولة من أجل عقلنة الساحة الإسلامية, لأن أحداثاً مثل أحداث نهر البارد, كان يمكن أن تعصف بهذه الساحة, لأنها من جهة تحمل عنواناً إسلامياً (فتح الإسلام), ومن جهة أخرى, وقود هذه المعركة كانوا مسلمين, سواء أهل مخيم "نهر البارد" أم المحيط الذي حول المخيم أم الجنود الذين كانوا يحاصرون المخيم, وهذه الدراسة جرى تبنيها في مختلف فصائل الساحة الإسلامية.
- ما موقفكم من الحملات التي تعرضت لها دار الفتوى ومن يقف وراءها برأيكم, وما الغاية منها?
* نحن لا نريد الدخول في تفاصيل مثل هذه القضايا, هناك خلافات تحصل في إطار بعض المؤسسات التابعة لدار الفتوى, ونحن نفهمها ونفهم مبرراتها وهناك إشكالات كان ينبغي للمجلس الشرعي الإسلامي أن يضع يده عليها في وقت مبكر, لأن دار الفتوى يضبطها ويحكم مسارها المجلس الشرعي الإسلامي المنتخب, ولعل التقصير الذي وقع من المجلس, هو الذي أدى إلى نشوء هذا التيار, لكن نحن لسنا مع الحملات الإعلامية المتبادلة, ونرى أنها يمكن أن تخرب الساحة بدل أن تصلحها, وبإمكاننا أن نمارس عمليات البناء والتصحيح, من دون حملات إعلامية ومن دون تبادل اتهامات عبر وسائل الإعلام, سواء الصحف, أم الاعلام الإلكتروني أم عبر الفضائيات. وهذا ما ساءنا كما ساء معظم المسلمين على الساحة اللبنانية.
- كيف تصفون العلاقة مع "تيار المستقبل", وهل فعلاً أن هناك فتوراً بينكم وبينه?
* "تيار المستقبل" حركة وطنية, جامعة, تضم مجموعة من القوى والتيارات اللبنانية الفكرية والسياسية, وبالتالي فنحن نعتبر أنه لا يشكل إطاراً فكرياً محدداً, في حين أننا حركة إسلامية, "تيار المستقبل" لا يحمل هذا العنوان, ولا يريد أن يلتزمه, نظراً الى حرصه على استيعاب قوى لبنانية مسلمة ومسيحية, قومية ويسارية ويمينية, ونحن حركة إسلامية ملتزمة, لذلك نحن نحرص على أن تكون علاقتنا علاقة طيبة مع إخواننا في "تيار المستقبل", وقد تحالفنا في بيروت في الانتخابات الماضية, كان لنا مرشح في صيدا وعندما تقدم الرئيس فؤاد السنيورة بترشيحه, سحبنا مرشحنا, في المقابل هناك مرشح مشترك للجماعة و"تيار المستقبل" هو الدكتور عماد الحوت, وقد أدى هذا التحالف إلى نجاح, وإلى إنجاز بالنسبة لنا ولـ "تيار المستقبل". وهو يعتبر تجربة ناجحة, نأمل أن تستمر وأن تتطور إن شاء الله, لكن هذا لا يعني أننا نوافق على كل ما يطرحه "تيار المستقبل", لأن له ظروفه الخاصة, كما أن "تيار المستقبل" غير ملزم بأن يتبنى كل طروحات الجماعة على سبيل المثال موضوع تشكيل الحكومة, "تيار المستقبل" كان مضطراً للصيغة التي سعى إليها من أجل تشكيل الحكومة. نحن نقدر الضغوط التي تعرض لها الرئيس الحريري من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل القوى اللبنانية, ونحن نرى هذا أمراً غير طبيعي, هناك أعراف ديمقراطية ينبغي اعتمادها في التشكيل. هناك أكثرية وأقلية, موالاة ومعارضة, ونرى أن هذا هو الأجدى بالنسبة الى تشكيل الحكومات, لأنه يجعل فريقاً يعمل ويكون منسجماً ومتكاملاً لديه خطة عمل, وهناك فريق معارض يراقب السير والمسار, ولا بأس أن ينتقد الحكومة ويسقطها إذا استدعى الأمر.
الحكومة القائمة لا تزال في بداية عملها, ونحن نظن أن هذا النمط لا ينبغي أن يكرس, لأن هناك من قال: ينبغي أن نعتمد هذا الأسلوب بشكل دائم, وهذا خطأ كبير, لأنه يعني تعطيل البلد, إذا لم تتفق كل القوى اللبنانية على خطة, يعني لا تتشكل الحكومة. ونحن نذكر أن تشكيل الحكومة استغرق خمسة أشهر, انتخاب رئيس الجمهورية استغرق سبعة أشهر, البيان الوزاري استغرق شهراً حتى أنجز وعشرة اجتماعات, كل اجتماع كان يضم اثني عشر مندوباً وهذا أمر غير طبيعي, ولولا الوضع الإقليمي الهادئ المسترخي, لما أمكن الوصول إلى حكومة وحدة وطنية في لبنان.
- هل صحيح أن عدم توزير النائب الحوت في الحكومة سبب تراجع العلاقة بينكم وبين الرئيس الحريري?
* لا أبداً, العلاقة لم تتراجع وإن كان هناك بعض الفتور, أولاً لأننا لم نوافق على تشكيلة الحكومة كما هي الآن.
الأمر الثاني هو أن التمثيل الإسلامي في الحكومة, لم يؤخذ رأينا به. كنا نتمنى تمثيلاً أكثر فاعلية على اي حال, نحن في البيان الذي أدلى به ممثلنا في المجلس النيابي بشكل صريح, بأننا أيدنا ودعمنا الشيخ الحريري لتشكيل هذه الحكومة, لكننا نتحفظ ولنا موقف بالنسبة الى تركيبة الحكومة, بالنسبة الى بعض مكونات هذه الحكومة, وانطلاقاً من هذا, اكتفينا بمنطق الامتناع عن التصويت وليس حجب الثقة.
- البعض أخذ عليكم هذا الموقف?
* من حقه أن يأخذ, ومن حقنا أن نلتزم بما نراه مناسباً, وما نراه صواباً في الأداء السياسي.
- بعد هذا الموقف تراجعت العلاقة مع رئيس الحكومة أم استمرت?
* لماذا تتراجع, هناك نواب من تيار "14 آذار" ومن صميم "14 آذار", انتقدوا أداء الحكومة وبعضهم غابوا عن جلسة الثقة. الموضوع ليس بهذه الحدة وعلاقتنا الشخصية بالشيخ سعد الحريري ليست جديدة, لكن نحن اكتفينا بتسجيل موقف من أسلوب تشكيل الحكومة, كي لا تصبح هذه الظاهرة عرفاً. ونحن نقدر الظروف التي ضغطت على الشيخ سعد كي ينجز تشكيل الحكومة على هذه الصورة. لكن كذلك نتمنى لو يجري تقدير موقفنا ودوافعنا لهذا الموقف الذي اعتمدناه, ولقد أوضحنا هذه الصورة لإخواننا في "تيار المستقبل" وتفهموا موقفنا, والعلاقة الآن جيدة.
- ثمة من ذهب أبعد من ذلك بالقول إن "الجماعة الإسلامية تحضر لمنافسة تيار المستقبل على الساحة الإسلامية السنية"?
* التنافس بأي معنى, ليس بمعنى التناقض, نحن نعمل في ساحة واحدة مع "تيار المستقبل". وقد بدأنا متنافسين في الانتخابات الماضية وكان لنا ستة مرشحين, نتيجة تفاهمنا مع "تيار المستقبل" أبقينا على بعضهم وسحبنا بعضهم الآخر. هذا لا يعني أننا في حالة عدائية, لا بأس أبداً في التنافس, لأن "تيار المستقبل" له ميدان عمله, له فكره, له التزاماته وله علاقاته الداخلية والخارجية, والجماعة هي دعوة بالنتيجة, حركة إسلامية ليس بالضرورة أن تلتقي مع "تيار المستقبل" على كل شيء وهذا أمر طبيعي نتفاهم عليه مع الأخوة في التيار.
- هناك من يقول إن الجماعة الإسلامية تسير على خطى حزب "الفضيلة" التركي, ما صحة هذه المعلومات?
* حزب "الفضيلة", أو حزب "العدالة والتنمية" التركي حزب سياسي مئة في المئة, وقد خاض الانتخابات وفاز بها ويملك رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة, بينما نحن في لبنان, نعرف طبيعة تركيبة الساحة اللبنانية, وليس لدينا الطموح أن نؤدي هذا الدور, وأن نصبح الحزب الحاكم في لبنان نتيجة تشكيل الساحة اللبنانية من طوائف وتوجهات متباينة وإن الذين قالوا هذا الكلام يعتبرون أن الجماعة أبدت مرونة سياسية ومرونة فكرية, هي شبيهة في هذا الباب, بما أيده حزب "العدالة والتنمية" في تركيا ليس أكثر.
- برأيكم كيف الخروج من الواقع المأزوم الذي تعانيه الأحزاب السنية على الساحة الإسلامية في لبنان?
* لبنان بلد تعددي ويحسن بنا أن نلغي أسلوب إلغاء الآخر, الساحة واسعة وبإمكان هذه الساحة أن تتسع لنا جميعاً, لا مبرر لأن ألغيك حتى يكون لي مقعد أو مقعدان في المجلس النيابي. يُمكن أن نكون موجودين ولكل منا ساحة أدائه وميدان عمله وبرنامجه الانتخابي الذي يسعى الى تحقيقه. لذلك فإن المشكلة تبدأ في عملية التزاحم الذي يصل أحياناً إلى إلغاء دور القوى الأخرى وهذا ما لا نراه!
نحن لنا فكرنا, لنا ميدان عملنا, ولا نسعى ولا نطمح الى الغاء القوى السياسية في الساحة السنية, سواء توافقنا معها, أم اختلفنا, وأتمنى على الآخرين أن يتعاملوا بالمستوى نفسه. هناك جمعيات خيرية, جمعيات تعاونية وجمعيات تعمل في الإطار الكشفي, لا داعي أن نلغي هؤلاء لأكون أنا الوحيد الموجود على الساحة.
هذه القوى تتكامل وتبذل كل جهدها, وأنا أتمنى أن تفلح كل القوى الإسلامية لتحقيق ما تصبو إليه على الساحة. وهذا سيكون مصدر غنى لنا جميعاً ولهذه الساحة, ولا أحد بإمكانه أن يحل محل كل الناس.
- هل تجد أن الحكومة الجديدة قادرة على العمل وكسب ثقة الشعب بها?
* الحكومة الجديدة أقلعت ونتيجة أنها تمثل معظم القوى السياسية اللبنانية, فهي تتمتع بثقة معظم الشعب اللبناني, أما أنها تحقق كل طموحات الناس, فهذا أمر مستحيل, لأن الناس يريدون كهرباء والحكومة ليس عندها قدرة على إنجاز موضوع الكهرباء. الناس يريدون خفض الأسعار والحكومة ليس بإمكانها أن تفعل ذلك. الناس يطالبون بخفض الضرائب والحكومة مضطرة لفرض ضرائب, ينبغي أن نتذكر أننا ننوء بعبء دين عام مقداره نحو 50 مليار دولار, وهذا أمر صعب جداً, لذلك فإن الحكومة يُمكن ألا تكون شعبية وألا تكون قراراتها شعبية, وهذا ما يجعل تكامل أعضاء الحكومة عنصراً بارزاً في توفير أجواء إيجابية لتمرير المحطات الصعبة في الأزمات التي يُعاني منها البلد.
- هل توافقون الرأي القائل أن الرئيس سعد الحريري قد حوصر من خلال هذه التشكيلة من الفريق الآخر?
* أنا لا أرى أنه حوصر, هو كان بإمكانه أن يفك الحصار, وأن يضع الآخرين في دائرة الحصار, لكنه لم يفعل وأظن أن القوى الإقليمية, ساهمت في توفير أجواء إيجابية أدت إلى تشكيل الحكومة. على كل حال, نحن في بداية المرحلة, وأظن هذه الحكومة ستحكم طيلة مدة الأربع سنوات المقبلة, لأن ليس هناك معارضة, ليس هناك من يرفع اليد ويطالب بإسقاطه, قد تقع إشكالات داخل الحكومة.
- هل تخشى تفجرها من الداخل?
* ليس بالضرورة أن تتفجر, وهذا مرهون بالوضع الإقليمي. إذا تفجر الوضع الإقليمي, يمكن أن يتفجر الوضع اللبناني, أما إذا بقيت الأمور على ما هي عليه الآن, فأنا أرى الحكومة حكومة العهد, حكومة المجلس النيابي, يمكن أن تستمر حتى نهاية ولاية المجلس النيابي.
- السجال الدائر على موضوع بند سلاح المقاومة, ما موقفكم منه?
* نحن نرى أن المقاومة عنصر غنى في لبنان وقد نجحت في أن تحرر الجنوب, ونأمل أن تستكمل هذه العملية بتحرير كامل التراب الجنوبي المحتل, لكن عملية أداء المقاومة وميدان أدائها وصلاحياتها أمور بحاجة إلى تدقيق, وبحاجة لأن يُعاد النظر بها, لأن المقاومة عملت في الفترة الأولى في غياب الدولة اللبنانية, الآن ما كان يُسمى الشريط الحدودي, الجيش اللبناني موجود فيه, بالإضافة إلى القوات الدولية, لذلك ينبغي التفاهم على أداء المقاومة وكيف تتكامل مع أداء الجيش, وهذا يستدعي أن يعود هذا الملف إلى طاولة الحوار الوطني, ليجري تحديد أسلوب هذا التكامل وميادينه.
- هل ما زال هناك إجماع لبناني على موضوع المقاومة بعد الذي جرى في بيروت, في السابع من مايو عام 2008, وما بعده?
* الإجماع ما كان متوافراً في فترة من الفترات وليس شرطاً. المقاومة ضرورة عندما يكون هناك احتلال. الآن الاحتلال أصبح في حيز ضيق جداً, وقد تنزع هذه الذريعة من يد الذين يتولون إدارة المقاومة. هناك كلام عن انسحابات إسرائيلية عن تسليم جزء من قرية الغجر إلى القوات الدولية, هذا يجعل الموضوع في حكم المنتهي.
هنا ينبغي أن يوضع موضوع المقاومة على الطاولة لإنجاز آلية لبنانية مشتركة, هل تنضم المقاومة إلى الجيش, هل يكون لها دور في المستقبل? هل يكون لها دور مدني إصلاحي إنمائي?
- هناك من ذهب أبعد من ذلك وقال: "سلاح المقاومة مرتبط بعودة اللاجئين وإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي"?
* من حق كل إنسان أن يقول ما يريد, لكن بالنتيجة نحن في لبنان بلد ديمقراطي ليس من حق إنسان أن يصادر حق بقية اللبنانيين في ما يريدون وما لا يريدون, عندنا موضوع الحرب والسلم يخص كل اللبنانيين ولا يخص فريقاً محدداً. في عام 2006, المقاومة اختطفت جنديين إسرائيليين, لكن إسرائيل ضربت كل الأراضي اللبنانية, دمرت الجسور على كامل الأراضي اللبنانية, ضربت محطات توليد الطاقة. لذلك ليس بإمكان إنسان أن يدعي أنه وحده صاحب الحق في تقرير أي شأن لبناني.
- هل يُمكن القول إن طاولة الحوار ستخرج بتوافق لبناني على الستراتيجية الدفاعية في ظل وجود 40 ألف صاروخ?
* نتمنى أن تصل, وهذا هو أملنا, وما هو البديل? البديل أن نبقى مختلفين والاختلاف على السلاح مشكلة, الاختلاف على 40 ألف صاروخ مشكلة. ليس خلافاً فكرياً أو سياسياً, خلاف قد يفجر الوضع في البلد, لذلك لا بد من صيغة يتم الوصول إليها على طاولة الحوار الوطني.
- هل تعتقد أن "حزب الله" قد يوجه سلاحه ثانية إلى الداخل إذا ما شعر أنه محرج?
* لا أظن أنه يفعل ذلك, لأن لا مصلحة له فيها.
- ولكن فعل ذلك?
* هو فعله ليقول إنه مضطر للدفاع عن السلاح بالسلاح. على كل حال أظن أن الناس يستفيدون من تجاربهم و"حزب الله" أخذ درساً مما وقع في مايو عام 2008, وإن الحوار الوطني هو الوسيلة الوحيدة لحل أي إشكالية لبنانية.
- كيف هي علاقتكم مع "حزب الله"?
* علاقة حسنة, ونلتقي من حين الى آخر وأحياناً يتم ذلك علناً, وأحياناً في غرف مغلقة نظراً الى الوضع الأمني للأخوة في "حزب الله". لكن علاقتنا طيبة وهي علاقة قديمة, نتمنى أن تستمر لما يحقق مصلحتنا ومصلحة الحزب ومصلحة الجميع.
- هل تجد أن سورية جادة في فتح صفحة جديدة مع لبنان?
* سورية لها مصلحة أن تفتح هذه الصفحة, ولبنان هو الذي قلب الصفحة عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري, لكن الآن يبدو أن الأخوة السوريين حريصون على أن تكون علاقتهم رسمية مع لبنان. لذلك فإن الخطوة التي خطاها الرئيس الحريري بزيارته إلى دمشق, هي خطوة نوعية وكبيرة, ليست سهلة بالنسبة له وللفريق الذي يعمل معه ولأنصاره, ونتمنى أن تكون نتائجها طيبة, وأن يعود التعاطي اللبناني - السوري إلى وضعه الطبيعي الذي يعترف فيه كل طرف بسيادة الطرف الآخر وبحكومته وبأوضاعه الرسمية, أما أن يبقى الآخر خاضعاً لتقلبات القوى السياسية اللبنانية وتحول العلاقة مع دمشق, فهذا أمر غير جائز, هناك مصلحة للشعب اللبناني أن تكون علاقته بسورية علاقة طبيعية تقوم على الاحترام المتبادل, لأن سورية هي بوابتنا على العالم الخارجي.
- هل صحيح أن الشارع السني لم يهضم زيارة الرئيس الحريري إلى سورية بعد الذي جرى في السنوات الخمس الماضية?
* هذا الأمر يحتاج طبيباً لعسر الهضم, أنا أرى أن المسلمين في لبنان عموماً يتمنون أن تكون لهم علاقة طيبة مع سورية أياً يكن النظام الحاكم في دمشق.
- ولكن الاتهام السياسي لسورية ما زال قائماً منذ 14 فبراير عام 2005?
* على أي حال الجرائم منوطة بالمحكمة الدولية (الخاصة بلبنان), وعندما يصدر القرار الظني وتبدأ المحكمة عملها, يكون لكل حادث حديث, وهذا ما قد يقلب الطاولة, وتعود الأمور إلى حدتها من جديد.
لكن الآن قدرنا أن نتعاون, وخصوصاً بعد أن قام الرئيس سعد الحريري بزيارته الموفقة والمنتجة إلى دمشق, ومن خلال انطباعاته, أرى أن الزيارة كانت ناجحة, وقد كان الرئيس الحريري منسجماً بعد الحديث الطويل الذي أجراه في أربع جلسات على مدى ثماني ساعات مع الرئيس الأسد. ونأمل أن تنتهي فترة الانقسام.
- ماذا لو اتهم القرار الظني سورية أو غيرها بالجريمة?
* لن نتحدث عن هذا الموضوع حتى يصدر القرار الظني, لا نريد أن نكون بديلاً, ولا نستبق الأمور. من دون شك هذا سيؤدي إلى أزمة سياسية من جديد, لو صدر القرار الظني, الأمور ستتحرك من جديد.
- هل تعتقد لو جرى اتهام سورية سيقولون إن المحكمة مسيسة?
* هذا سيقال طبعاً, مهما كان القرار, لو أصاب نيكاراغوا مثلاً, ستكون محل إلغاء أو محل إدانة, لأن المحكمة أثبتت أنها منصفة, بدليل أنها أفرجت عن الضباط الأربعة وهؤلاء الضباط استمروا معتقلين لفترة طويلة من الزمن على ذمة القضية. وهذه الخطوة, هل ابتلعها اللبنانيون? هل هضمها اللبنانيون? كانت عملية صعبة للغاية. لكن لا بد من الإقرار بأن المحكمة حتى الآن أداؤها كان منصفاً, وليس عندنا وسيلة أخرى. إذا كان القضاء اللبناني متهماً رفعت القضية إلى القضاء الدولي, وهذا القضاء تابع لهيئة الأمم المتحدة, لذلك فإن اتهام المحكمة بالتسييس اتهاماً سياسياً قد يقدم عليه أي متهم.
- هل تخشون من صفقات في المستقبل بالنسبة لموضوع المحكمة?
* الصفقات لا تصيب جوهر القضية, تصيب جوانب القضية. خذ على سبيل المثال قضية "لوكربي" وإسقاط طائرة "بان أميركان" حيث ثبت أن ليبيا كانت متهمة وتورط مواطنون ليبيون في القضية. لكن أكتفي بهذا القدر من دون أن يرتفع الاتهام إلى رئيس الدولة أو الوزراء, أو كبار الموظفين, ولكن كل الناس فهموا أن ليبيا كانت متورطة, بدليل أن اثنين من الموظفين الليبيين تأكد اتهامهما بهذه القضية.
- ما رأي الجماعة بموضوع إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية?
* نحن في الجماعة منذ عشرات السنين نطالب بإلغاء الطائفية السياسية, ونرى أن هذا هو المدخل الوحيد والطبيعي من أجل تحقيق إصلاح الحياة السياسية اللبنانية.
- لماذا إثارتها الآن?
* إثارة سياسية, هي موجودة في الدستور لم يتذكرها هذا أو ذاك. الآن اشتدت الحملة, بشكل ردة فعل, عندما يهاجم مثلاً الرئيس نبيه بري, يريد أن يرد على الطرف الآخر في قضية محقة, وهي بند في الدستور ويريد تفعيلها ولا يملك أحد أن يقول لا.
القضية صحيح أنها محقة, وأن إلغاء الطائفية السياسية مطلب مهم جداً وفعال لتصحيح الحياة السياسية اللبنانية, لكن نلغيها الآن أو غداً, أو بعد غد, هذا أمر يحتاج إلى دراسة. لكن بمجرد تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية أمر بالغ الأهمية ويتبناه رئيس الجمهورية, لذلك نتمنى أن يجري هذا الإلغاء, حتى نستطيع إنقاذ البلد من تداعيات الحملات الطائفية المتبادلة.
- هناك من يقول إشارة الرئيس بري إلى هذا الموضوع, يأتي رداً على مطالبة رئيس الجمهورية بتعديل صلاحيات الرؤساء الثلاثة?
* هذا محتمل, وهو أداء سياسي والكل يشتغل بالسياسة في البلد, لذلك كما أن رئيس الجمهورية يمارس أداءً سياسيا, يرد الرئيس بري بأداء سياسي, وهكذا.
- هناك كلام بأن الرئيس سليمان واقع بين "شاقوفين" أي بين سندان "8 آذار" ومطرقة "14 آذار", ما رأيك?
* ليس لأن رئيس الجمهورية ضعيف, وأنه لا يستطيع ممارسة صلاحياته بشكل كامل, لكن المشكلة أن رئيس الجمهورية رئيس وفاقي معنى هذا, أنه ينبغي أن يتعامل مع كل القوى التي دعمته من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية, وحقها عليه أن يرد لها التحية بمثلها, لذلك هذه مشكلة الرئيس الوفاقي.
كنا نتمنى لو يفوز رئيس الجمهورية بأصوات هذا الفريق أو ذاك, سيكون بعد ذلك حراً. وأنا أتمنى أن يتحرر رئيس الجمهورية مما يقال أحياناً, إن أصوات هذا الفريق هي التي أتت به رئيساً, رئيس الجمهورية الآن بات رئيساً لكل لبنان ونتمنى عليه أن يتصرف بهذه الصفة, وهو يتمتع بثقة معظم اللبنانيين. لقد برهن خلال الفترة الماضية عن أداء متوازن وعاقل واستطاع إخراج البلد من أزمات كثيرة.
- هل هناك خشية برأيكم على الوضع في الجنوب?
* في إطار الواقع اللبناني, لا أظن أن هناك خشية, لأن الجميع يدركون حساسية الوضع في الجنوب, الكل يعلم أن المقاومة جمدت عملياتها منذ عام 2006 حتى الآن, كي لا تعطي إسرائيل مبرراً أو ذريعة لردة الفعل.
لكن الوضع الإقليمي قد يقلب المعادلة, لأنه يتعلق بسلاح نووي إيراني, فيما لو أقدمت إسرائيل على توجيه ضربة إلى البرنامج الإيراني, أو شاركت الولايات المتحدة في عملية من هذا النوع, هذا سيجعل سلاح المقاومة في الجنوب جزءاً من المواجهة. وهذا ما يجعل لبنان ساحة من ساحات الصراع.
- هل تعتقد أن موضوع ترسيم الحدود بين لبنان وسورية سيأخذ مجراه الطبيعي?
* إن شاء الله, لأنه أمر بسيط والجميع متفقون عليه, ليس هناك مشكلة بين لبنان وسورية على ترسيم الحدود, القضية كان ينادي بها كثيرون من اللبنانيين, من يدينون بالفكر القومي ويطالبون بالتكامل مع سورية, أو التوحد معها, هؤلاء يعز عليهم المطالبة بترسيم الحدود, لكن الحدود ليست أبدية وترسيمها لا يفسد للود قضية, ومن خلالها يحدد المواطن اللبناني في تلك المناطق حدود أرضه الزراعية والمشاعية وحدود عبوره وعودته, لذلك أنا أرى أن الموضوع ليس صعباً, وأظن أن الرئيس الحريري تفاهم مع الرئيس الأسد على هذه النقطة.
- هل تعتقد أن سورية ستتعامل مع لبنان من دولة إلى دولة, أم ستستمر مع النهج السابق مع أشخاص ومع جماعات على حساب المؤسسات?
* يبدو أن الإخوة السوريين حريصون على ذلك وهذا المعنى حمله الرئيس الحريري بشكل واضح بعد عودته من دمشق. على أي حال نحن لا ننشغل بمحاكمة النوايا, نحن نحاكم الوقائع, وأظن أن الوقائع أمامنا ستبرهن عن صحة هذا الظن أو عدم صحته.
- هل ما زالت برأيكم حاجة للمجلس الأعلى اللبناني - السوري بعد إقامة التبادل الديبلوماسي وإقامة السفارات بين البلدين?
* أفضل أن يترك هذا الأمر ليقرره الجانبان, قد يعطى المجلس صلاحيات اقتصادية - حدودية, أما القضايا السياسية, فينبغي أن تكون من اختصاص الحكومتين. والمجلس لا علاقة له بالشأن السياسي. المجلس مهمته تسهيل الأداء المشترك, والتعاطي الاقتصادي وفتح الحدود وعبور المواطنين بالاتجاهين, ليس أكثر من هذا, والأمر متروك لقرار الحكومتين.