علي صدر الدين البيانوني
علي صدر الدين البيانوني
علي صدر الدين البيانوني
خطاب الأسد كان مخيبا للآمال ولم يكن موفقا داخليا ولا خارجيا
سنقف مع الوطن دون تردد .. لكننا لن ندافع عن نظام أجرم في حق شعبه
البيانوني: هل من المصلحة تدمير وطن بأكمله من أجل منع إدانة قاتل حقيقي؟
(سليمان دوغة)
لندن - خدمة قدس برس (20/11/05)
حذر المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، النظام الحاكم في بلاده، من تدمير سورية، بسبب التمسك بمن وصفهم مجموعة من المجرمين، في إشارة إلى المسؤولين الستة، الذين تطالب لجنة التحقيق الدولية بالتحقيق معهم، قائلا إن الأولى من التمسك بهؤلاء المسؤولين، إن ثبت تورطهم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، هو العمل على حماية سورية من الخراب والتدمير، الذي قد تسببه سياسة النظام الحاكم.
وقال المحامي علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، الذي انتقد بشدة خطاب الرئيس بشار الأسد، الذي ألقاه الخميس (10/11)، مشيرا إلى أنه كان خطابا غير موفق في إدارة الأزمة، التي تمر بها البلاد داخليا وخارجيا. وقال \"إن الرئيس بشار خرج على النص في خطابه\"، واستفز جيرانه، \"وهاجم الجميع\"، وأن كلامه كان فيه شيء من الانفعال، وبعيداً عن التفنيد الموضوعي أو القانوني، لما أوردته لجنة التحقيق وتقرير ميليس.
ورفض البيانوني بشدة اتهام الأسد للمعارضة بأن صوتها يعلو مع ارتفاع وتيرة الضغط الدولي على سوريا، مشددا على أن صوت المعارضة لم يتوقف يوما، لكن الظروف الدولية هي التي تتغير، تجاه موقفها من النظام الحاكم.
وأعلن زعيم جماعة الإخوان استعداد جماعته للدفاع عن الوطن في حالة تعرضه لأي خطر أو احتلال، رافضا مبدأ الاستقواء بالأجنبي، مشددا في الوقت ذاته على عدم استعداد الإخوان للدفاع عن النظام السوري الحالي، بأي حال من الأحوال، نافيا بشدة وجود أي اتصالات أو حوار بين الإخوان وبين الإدارة الأمريكية، لكنه لم ينف وجود اتصالات بين الجماعة وجهات غربية، رافضا الكشف عن هويتها.
وقال البيانوني في حوار مطول أجرته معه وكالة \"قدس برس\" إن الغرض من هذه الاتصالات مع تلك الجهات، هو تبيين موقف الجماعة، وتوضيح رؤيتها السياسية، كما أنها تأتي ردا على حملة \"تشويه صورة الجماعة التي يقوم بها النظام\"، حسب تعبيره.
وفي ما يلي نص الحوار الذي أجراه (سليمان دوغة) من أسرة \"قدس برس\" مع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين السورية علي صدر الدين البيانوني
* بداية كيف تقيمون خطاب الرئيس الأسد الأخير؟
- خطاب الرئيس بشار لم يكن موفقا لا من حيث الوضع الخارجي، والعلاقات السياسية الخارجية، ولا بالنسبة للوضع الداخلي.. كان المفترض أن يكون خطابا رصينا، يحاول تخفيف حدة التوتر، لكن بشار خرج على النص المكتوب، واتهم اللبنانيين حكومة ونوابا، وهاجم الجميع.
* ماذا تقصدون بـ\"خرج على النص\"؟
- واضح أنه كان هناك نص مكتوب أمامه لكنه لم يلتزم به، ولو التزم به لكان بقي ضمن الإطار المعقول والرسمي، والذي عادة ما ينسجم مع خطب الرؤساء، ولكنه خرج على النص.. كلامه كان فيه شيء من الانفعال، وبعيداً عن التفنيد الموضوعي أو القانوني، بشأن موضوع لجنة التحقيق الدولية، وتقرير ميليس. كان المفترض في مثل هذا الوقت أن يكسب دول الجوار، والدول العربية .. أن يكسب الشعب اللبناني، لكنه بخطابه أساء للجميع، لذلك لم يكن خطابا موفقا من ناحية السياسة الخارجية.
وكان متوقعا أن يأخذ الوضع الداخلي حيزا واهتماما في الخطاب، وقد أشاعوا عندما أفرجوا عن 190 سجينا، قبل أسبوع في عيد الفطر .. أن هناك خطوات قادمة سوف تتم ضمن سلسلة انفراجات، تحت شعار أن الوطن للجميع، ويتسع لكل أبنائه.. كان متوقعا أن يعلن عن خطوات فيها شيء من التصالح مع الشعب، والتوجه نحو القوى الوطنية. لكنه على العكس فقد هاجم أحزاب المعارضة، ووجه الاتهام لها بأن صوتها يرتفع كلما ارتفعت الضغوط،، ولم يكن هناك حديث عن أي انفتاح أو انفراج، كان الخطاب مخيبا لآمال الناس، الذين كانوا ينتظرون منه الحديث عن الانفراج السياسي، والمصالحة الوطنية.
* لكن لهجة التحدي والتصعيد التي ظهرت في الخطاب لاقت قبولا واسعا لدى الرأي العام، والشارع العربي بشكل عام، أمام ضغوط الخارج.. وهذه نقطة قوة بالنسبة للخطاب.. أليس كذلك؟
- التحدي بالشعارات الجوفاء وتوزيع الاتهامات بهذا الشكل، لا يمكن أن يصمد أمام اتهامات محددة.. هناك في تقرير ميليس، مهما قيل عنه، ومهما قيل عن تسييسه، هناك وقائع ومعلومات، والحديث عن التعاون بشكل نظري لا يعني شيئا، إذا لم تتبعه خطوات عملية. لم يكن في الخطاب أي توجه نحو التعاون، بل كان هناك تهرب من موضوع الاتهامات والإدانات.
* وهل تعتقدون أنتم أن النظام السوري متورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري؟
- في الحقيقة لا يمكن إخراج النظام السوري من دائرة الاتهام، على الأقل من حيث أنه كان مسؤولا عن الأمن في لبنان. لكن الخطاب اعتبر أنه لا علاقة لهم بالأمر.. ومن الطريف، أنه اعتبر أن تقرير لجنة التحقيق يبرئ ساحة النظام السوري على قاعدة \"المتهم بريء حتى تثبت إدانته\"!.. الخطاب على طريقة خطابات الستينيات والسبعينيات، والشعارات الجوفاء، لم يعد له مكان اليوم.
* لكن الرئيس الأسد تحدث عن رفضه للوصاية على الوطن.. تحدث عن وجود مشروع صهيوني لضرب سوريا والمنطقة.. أليس هذا أمرا واقعا؟
- لا أحد ينكر أن هناك استهدافا لسوريا وللمنطقة برمتها.. المهم هو كيف يمكن مواجهة هذا الاستهداف؟ يجب أن يواجه أولا بجبهة داخلية متينة، ووحدة وطنية حقيقية، وتلاحم مع الشعب. ويواجه بسياسة حكيمة أيضا. يتم التعامل من خلالها في ظل وجود القطب الواحد.. أمّا توزيع الاتهامات، وإظهار \"العنتريات\" في الخطاب هكذا.. فلا فائدة فيها لا من حيث السياسة والتعامل الدولي، ولا تفيد من حيث الخطوات العملية المطلوب اتخاذها لمواجهة هذه التحديات.
* ماذا يمكن أن يقدم النظام السوري أكثر مما قدمه من تنازلات؟ ولو كنتم أنتم مكانه ماذا ستفعلون لمواجهة هذه التحديات والضغوط؟
- النظام السوري مستعد لتقديم كل شيء.. في سبيل بقائه في الحكم..
* (مقاطعا) إذاً هو يتكيف بشكل صحيح مع النظام الدولي؟
- النظام حاول أن يقدم عروضا، وحاول أن يسترضي، لكنه لم ينجح. مشكلته الرئيسية أنه يهرب من استحقاق لجنة التحقيق، والسبب لأن اللجنة تطلب منه أن يقدم أركان النظام للاستجواب، وهناك قرار بذلك من المجتمع الدولي بالإجماع.. فإن كانوا أبرياء لا خوف عليهم ولا على الوطن، وإن لم يكونوا أبرياء فلماذا يتحمل الوطن كله جريرة أعمالهم.. هؤلاء إما أن يكونوا مدانين في قتل الحريري وهذا ما يعتقده معظم السوريين واللبنانيين، وإما أن يكونوا أبرياء.. فالحل أن يكون هناك تعاون حقيقي وتقديم هؤلاء.. ولا أعتقد أن من الممكن للمحكمة الدولية أن تحكم على الناس بمجرد الشبهة، لابد أن يكون هناك أدلة ثابتة، ويبدو أن لدى ميليس أدلة يريد أن يواجه بها هؤلاء المتهمين.
* لكن مراقبين يعتبرون تقرير ميليس مجرد قناع سوف ترتديه الإدارة الأمريكية لتحقق به أغراضها السياسية في المنطقة، ولن تقتصر عند حد قتلة رفيق الحريري، وإنما سوف يتم استدراج سوريا إلى أبعد من ذلك.. فما تقولون في ذلك؟
- أنا لا استبعد أن تستغل أمريكيا أي حدث أو تقرير، وهذا أمر طبيعي من جانبها، أن توظف لصالحها كل ما تراه مفيدا لها، ولكن هل يمكن إنكار الدور السوري في لبنان خلال العشرين سنة الماضية. هل يمكن أن ننكر جرائم النظام في لبنان وخارج لبنان؟
من الممكن أن تكون الإدارة الأمريكية تحاول تسييس التقرير، وتحاول أن توظفه لمصالحها، ولكنها قد توظف الإدانة في حال ثبوتها.. الحل هو أن نقطع الطريق على هذا التوظيف ببيان موقفنا الثابت من هذه الجريمة، فإذا كان هناك مدانون فليقدموا للمحاكمة، ولا نعرض الوطن بأكمله للانهيار.
* هل تتوقعون استجابة النظام السوري وتسليم أبرز أركانه للتحقيق؟
- في ضوء ما سمعناه من خطاب بشار الأسد، يبدو أنهم (الحكومة السورية) غير مستعدين للتعاون مع لجنة التحقيق، وتسليم أي أحد. لأن هؤلاء هم أركان النظام، مما يعني أن النظام أصبح في حالة انهيار..
* لنعد إلى الشأن الداخلي.. الانفتاح الآن يعني الفوضى كما قال الرئيس بشار الأسد، فما رأيكم أنتم؟
- هذه اسطوانة قديمة يكررها النظام وأركانه، وهي أنه إذا سقط النظام فإن البديل هو الفوضى، أو قدوم الإسلاميين. وهو يحاول أن يخيف الغرب والدول المجاورة، بأنه إذا حصلت فوضى في سوريا، كما هو حاصل في العراق، فإن ذلك سينعكس على الدول المجاورة، فهو يؤكد أنه لا بديل أماهم إلا الفوضى أو قدوم الإسلاميين..
وفي الحقيقة هذا غير صحيح.. فاحتمال الفوضى وتكرار المشهد العراقي أمر غير وارد، لا من حيث التركيبة السكانية، ولا من حيث العلاقة الاجتماعية بين أبناء الشعب، كما أن الإدارة الأمريكية ليست مستعدة أن تخوض حربا جديدة، كما حصل في العراق.
* إذا إلى ماذا تهدف الولايات المتحدة الأمريكية من ضغطها على سوريا.. إزالة النظام؟ أم إعادة تأهيله؟
- يبدو أن هناك أكثر من توجه في الإدارة الأمريكية، فهناك من يعتقد بأن هذا النظام قد أدّى دوره، واستنفد أغراضه وانتهت مدة صلاحيته، وينبغي إسقاطه، مهما كانت النتيجة. لكن هذا الرأي يقف أمامه أمران: الأول: من هو البديل الذي يمكن أن يحقق المصالح الأمريكية؟، والثاني: الخوف من الإسلاميين، وهم يتوقعون مع انتشار ظاهرة التدين في الشارع السوري أن الإسلاميين هم البديل القادم. وهناك من يرى أنه ليس من مصلحة الإدارة الأمريكية إسقاط النظام، ويفصل سياسة الضغط عليه، لكي يبقى ضعيفا، مستعداً لتقديم التنازلات، وقبول ما يطلب منه، ويبدو أن هذا هو أيضا الموقف الإسرائيلي. فالإسرائيليون أعلنوا في أكثر من مناسبة أنهم لا يرغبون في إسقاط النظام، لأن البديل قد يكون حكومة وطنية متشددة، وهم يفضلون التعامل مع نظام ضعيف
* وما هو البديل الذي تقدمونه أنتم؟
- نحن نعتقد أن البديل الوطني جاهز، وأن اجتماع معظم الأطياف السورية في صيغة \"إعلان دمشق\" للتغيير الديمقراطي، الذي ضم كل المكونات الرئيسية، والتفاف الشعب السوري حول هذه المبادرة، يعني أن هناك صيغة وطنية جاهزة لأن تكون البديل عن هذا النظام، ونحن لا نحاصر أنفسنا بين مطرقة الاستبداد والدكتاتورية من جهة، وبين سندان الاحتلال من جهة ثانية.. نحن ندفع بخيار وطني، يمكن أن يكون البديل الحقيقي.
* لكن خطابكم السياسي يظهر لينا تجاه التهديدات، التي تتعرض لها سوريا، ومتشددا في وجه النظام.. أليس كذلك؟
- على العكس.. نحن خطابنا حازم وواضح. قبل حرب العراق كان موقفنا واضحا، وقلنا إن أمريكيا تريد إعادة رسم خارطة المنطقة، بما يخدم مصالحها ومصالح العدو الصهيوني. هذا موقف واضح ومعلن. وعندما وقع الاعتداء على العراق وبدأ تهديد سورية، أعلنا بوضوح وقوفنا إلى جانب الوطن، والدفاع عنه حيال أي عدوان.. هذا موقف واضح ومعلن، وأظن أنه لو كان موقفنا ليناً تجاه المخططات الأمريكية لكان هناك اتصال أو حوار مع الإدارة الأمريكية. بينما لا يوجد هناك أي اتصال أو حوار.. مع أنها تتصل بكثير من أطراف المعارضة.. موقفنا الوطني واضح، فنحن أعلنا منذ البداية، أننا لا نقبل الاستقواء على الوطن، ولا نقبل التدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية، ونرفض العدوان والاحتلال.
* (مقاطعا) لكن صوتكم لم يرتفع إلا عندما ارتفعت الضغوط على سوريا.. هكذا يقول الرئيس الأسد.. فما تقولون أنتم؟؟
- أبدا.. هذا غير صحيح.. صوتنا مرتفع منذ أكثر من عقدين من الزمن.. ونحن منذ خمس سنوات، ومنذ استلام الرئيس بشار.. نادينا بالإصلاح الداخلي، على يد النظام نفسه. قلنا إن هناك فرصة تاريخية لحوار وطني، وفتح صفحة جديدة في تاريخ الوطن.. طالبنا بإصلاح يبدأ بمعالجة الملفات الإنسانية، ثم عقد المؤتمر الوطني للحوار، والخروج من الأزمة وحالة الاحتقان.. دعواتنا للإصلاح سابقة للضغوط الخارجية، ولم تتوقف.. ولا أعتقد أنه مطلوب من القوى الوطنية أن تتوقف عن المطالبة باحترام حقوق المواطنين. بل على العكس المطلوب من النظام أن يتوقف عن انتهاكاته لحقوق المواطنين، ويلتفت إلى الشعب، ويتلاحم معه في مواجهة هذه الهجمة.
نحن موقفنا ثابت وسابقٌ لهذه الضغوط الخارجية، وأسبق من تغير المناخ الدولي تجاه النظام.. كانت الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية عامة، تدعم النظام الاستبدادي، وتتستّر على جرائمه وانتهاكاته لحقوق الإنسان.. فليست جريمة اغتيال الحريري هي أول جريمة ارتكبت في لبنان.. لكن كان هناك صمت دولي، وتعتيم على تلك الجرائم، مما أدى إلى تكرارها، ووقوع المزيد من الضحايا.. لو أن المجتمع الدولي انتبه لتلك الجرائم في حينها، وفتح الملفات وحقق فيها مبكرا، لوفر الكثير من الضحايا.
* أنتم لم تؤيدوا الضغوط الأمريكية على بلادكم.. لكنكم في نفس الوقت لم ترفضوها بشكل واضح، والتزمتم الصمت تجاه ما يحدث في بلادكم.. أليس هذا هو الواقع؟
- أبداً.. نحن نرفض الضغوط الخارجية على سورية الدولة والمجتمع.. لكننا في الوقت نفسه نؤيد التحقيق الدوليّ في جريمة اغتيال رفيق الحريري، حتى ينكشف المجرم الحقيقي. ونطالب بالتعاون مع قرار مجلس الأمن الأخير.. بل نعتقد أنه جاء متأخرا، وكان ينبغي على مجلس الأمن والمجتمع الدولي أن يتدخل لحماية الشعب السوري، والشعب اللبناني من جرائم النظام.
* (مقاطعا) أنتم تناقضون أنفسكم.. من جهة ترفضون الضغوط الأمريكية، ومن جهة أخرى تؤيدون قرارات مجلس الأمن، وتعلمون تماما أنها \"صناعة أمريكية صهيونية\"؟
- نحن نميز بين نظام يقوم بانتهاكات حقوق المواطنين، ويرتكب الجرائم بحق أبناء شعبه وجيرانه، وبين من يوظفها لأمور سياسية.. نحن نطالب باحترام حقوق الإنسان، ونطالب بوقف هذه الجرائم، سواء وظفها آخرون أو لم يوظفوها. نحن نميز بين سورية الدولة والوطن والشعب من جهة، ونرفض الضغوط والتهديدات عليها، وبين النظام أو بعض رموزه، الذين عليهم أن يتحمّلوا مسئولية ما اقترفته أيديهم.
* ولكن النظام الذي تعارضونه هو الحاكم الآن.. هو الدولة.. وهو الوطن؟
- إنّ هذه الفئة الحاكمةَ لا تمثل الشعبَ السوريّ، ولا تعبّر عن مصالحه، فقد عزلَتْ نفسَها عن المجتمع وقواهُ ومؤسّساتِه.
- عندما يكون هناك اعتداء على الوطن وعلى الشعب، سنقف مع الوطن والشعب من غير تردد. لكننا لن ندافع عن النظام أبدا، ونرفضُ أن يَدْفَعَ شعبنا ومجتمعنا ثمن مغامراتِ المغامرين
* (مقاطعا) هذه معادلة معقدة للغاية لأن النظام الآن هو: \"سوريا\"، شئتم أم أبيتم؟
- عندما يكون هناك اعتداء على سوريا فنحن سنقف بقوة ضد هذا الاعتداء، وسوف ندافع عن سوريا، حتى ولو كان النظام الحالي هو الحاكم. مع أنه أجرم في حق الجميع. وإذا افترضنا أن الرئيس بشار ليس لديه علم بمن ارتكب الجريمة، فالمفترض أن يبادر بالتحقيق، ويشكل لجنة لذلك مباشرة، لكن انسحاب الجيش السوري من لبنان على وجه السرعة يدل على أنهم كانوا يريدون أن يخرجوا قبل أن تتفاقم الأوضاع.. المطلوب من سوريا، بعد أن وصلت الأمور إلى هذه الدرجة، هو التعاون الكامل مع لجنة التحقيق وتسليم المتهمين بارتكاب الجريمة.
* (مقاطعا) وهل ستسلمهم في رأيكم؟
- إذا تبين أنهم مدانون لم لا يتمّ تسليمهم؟. لماذا التمسّك بهم على حساب الوطن والشعب؟، هل من مصلحة البلد أن نمنع إدانة مجرم حقيقي، ارتكب جريمة، ودمر الوطن!!؟ لكن يبدو أن الموقف الرسمي من أجل أن يحمي بعض أركان النظام، يحاول أن يدمر الوطن كله، من أجل أفراد معدودين.. المتهمون هنا هم أركان النظام، وهم أنفسهم المجرمون بحق الشعب السوري، وبحق الشعب اللبناني.
* هل تعتقدون أن الرئيس بشار كان على علم بمقتل رفيق الحريري؟
- ربما لا يكون على علم، فبعض الأجهزة الأمنية أحيانا تقوم بتصرفات تعتقد أنها ترضي الرئيس.. لست في موقع يسمح لي أن أجيب على هذا السؤال.
* ولكنكم لا تستبعدون تورط سوريا؟
- لسنا نحن فقط .. ليس هناك إنسان في سوريا، إلا ويعتقد - بغض النظر عن نتيجة التحقيق - أن النظام السوري له دور ما في الجريمة، لأنه لم تكن هناك أي قضية أمنية أو سياسية تجري في لبنان إلا بمعرفة القوات السورية والأمن السوري، ولا يمكن لجريمة بهذا الحجم أن تتم في لبنان، والسوريون لا يعلمون عنها شيئا، والآن هناك أربعة من قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية متهمين فيها، وهؤلاء مرتبطون ارتباطا وثيقا بالأمن السوري. أنا لم ألتق بإنسان سوري، أو لبناني، إلا ويقول جازما إن النظام السوري يقف وراء الاغتيال، أو له دور ما في هذه الجريمة، خصوصاً وأن للنظام سوابق عديدة في هذا المضمار.
* في هذا الصدد هل تسلمون بالرواية السورية الرسمية حول انتحار غازي كنعان؟
- نحن نرجح أن واحدا مثل غازي كنعان وهو من أقوى الرجال حول بشار، لا يمكن أن يقتل نفسه، وليس هناك ما يدعوه للانتحار.. على الأرجح أنه قتل، وعائلته تعتقد ذلك، ورفضت قبول العزاء من النظام.. حتى الرسالة التي أذيعت تثير العديد من الأسئلة والشكوك حول لهجتها، وأسلوبها.. المشكلة في سوريا أنه ليست هناك شفافية، حتى في حالة الانتحار كان من الممكن أن توثق الحكومة، هذه الحادثة، ولا تترك مجالاً للشكوك.
* هل تعتقدون أنه متورط في اغتيال الحريري؟
- أستبعد ذلك لأنه كان من أصدقاء الحريري، ولم يكن موافقا على التمديد للرئيس لحود.
* هل تعتقدون أن التخطيط للاغتيال حدث بعد عودة كنعان من لبنان؟
- أعتقد أن التخطيط تم في الشهور الأخيرة فقط قبل جريمة الاغتيال.
* هل من الممكن أن نشهد تكرارا \"لمسلسل الانتحارات\" مع المطلوبين الآخرين؟
- لا يستبعد هذا.. كما إننا لا نستبعد وقوع تصفيات داخل أجهزة النظام نفسه، وصراع حاد بين أجنحة النظام وقياداته الأمنية.. لأن استدعاء هؤلاء الستة سوف يجعلهم يتساءلون عن سبب نجاة رموز أخرى من التحقيق.. وخطاب الرئيس نفسه يوحي بذلك، ولغة المواجهة التي ظهرت في خطابه ضد المجتمع الدولي بهذه الطريقة، تدل على أنه مستعد لتدمير البلاد بأكملها، من أجل حماية أركان النظام.
* تناقلت الأنباء قبل أيام وجود شريط وثائقي، يكشف النقاب عن اتصالات بينكم وبين الأمريكان؟ ما حقيقة هذه الاتصالات؟ وإلى أي مستوى وصلت؟
- ليس هناك أي نوع من الاتصال بيننا وبين الحكومة الأمريكية.. وقد أعلنت مرارا أنه ليس لدينا تحفظ على الحوار مع أي جهة. وليس عندنا مشكلة في \"الحوار\" مع أي طرف من الأطراف.. الحوار يكون لتوضيح وجهات النظر، وبيان المواقف، ولا تحفظ لنا على ذلك.
لكننا لم نسع إلى الحوار مع أمريكا، ولم تطلب منا هي أن نحاورها، ولم يتصل بنا أحد لهذا الغرض.. نحن حاورنا عدة جهات غربية بناء على طلبهم، وشرحنا وجهة نظرنا حول مستقبل سوريا، وأجبنا على تساؤلاتهم حول برنامجنا السياسي، وما هي رؤيتنا لمستقبل سورية.. أجبنا على تساؤلات كثيرة.. وليس عندنا ضير في اللقاء مع أي جهة، لتوضيح مواقفنا، وبيان رؤيتنا ووجهة نظرنا.
* على أي مستوى كانت هذه الحوارات؟ وما هو مضمونها؟
- على مستوى بعض المسئولين والمستشارين. نحن لا نتردّد في بيان حقيقة مواقفنا.. النظام السوري لا يتوقف عن تشويه صورتنا، يحاول أن يخوف الغرب من الإخوان المسلمين، وبأن الفضل له في قمعهم.. نحن نريد أن يعرف الجميع حقيقة مواقفنا وحقيقة ما ينسب إلينا من تهم باطلة.. وبعد أن قمنا بتوزيع برنامجنا السياسي باللغتين العربية والإنجليزية بادرت أكثر من جهة، وحاورتنا حول هذا المشروع.
* (مقاطعا) من هي هذه الجهات؟
- ليس من حقي أن أعلن ذلك دون اتفاق مع هذه الجهات، وقد لا يكون لهم مصلحة أو رغبة في إعلانها؟
* لم تكونوا ضمن الموقعين على إعلان دمشق، الذي تم الاتفاق عليه مؤخرا، من قبل عدة قوى وأحزاب في داخل سوريا.. لماذا لم يحصل ذلك؟
- منذ عدة سنوات نجرى اتصالات مع مختلف القوى السياسية، وتجري بيننا وبينهم حوارات ثنائية، ووصلنا مع بعضها إلى توافقات مكتوبة، حتى نبني عليها في لقاءات وجولات مستقبلية. الهدف منها هو الوصول إلى صيغة توافق وطنية مشتركة، وأعتقد أن حواراتنا السابقة مع مختلف الأطراف ساهمت إلى حد كبير في إنضاج فكرة التوافقات الوطنية، التي تجلت في إعلان دمشق.
لم نشارك في صياغة إعلان دمشق، إنما تمت صياغته من قبل بعض الأطراف في الداخل، بناء على حوارات تمت في الماضي بيننا وبين عدد من الجهات في الداخل والخارج، ويبدو أن بعض القوى رغبت أن لا نوقع نحن في البداية، حتى لا نسبب لهم إحراجا أمنيا، أمام السلطات السورية، لكننا كنا على اطلاع على هذه الحوارات، وعلى الصيغة الأخيرة التي تم الاتفاق عليها، وبمجرد أن صدر الإعلان في دمشق، بادرنا إلى تأييده وأعلنا انضمامنا إلى الموقعين عليه.
* هناك من يقول بأن إبعادكم لم يكن لأسباب أمنية، وإنما كان بسبب رفض القوى العلمانية واليسارية التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين.. فما تقولون في ذلك؟
- ليس بين الأحزاب العربية والكردية الموقعة على إعلان دمشق، ولا من الشخصيات الوطنية، من يرفض التعاون والتنسيق معنا، ومعظم هذه الأحزاب أعلنت استعدادها للتعاون مع الإخوان، مثل التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يضم خمسة أحزاب، وكذلك لجان إحياء المجتمع المدني، التي تضم مجموعة من الشخصيات الوطنية والعلمانية والقوى اليسارية، ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، كما أن لنا صلة مع بعض الأحزاب الكردية، لاسيما بعدما قدمنا رؤيتنا للقضية الكردية، ولقيت ترحيباً واسعاً في الأوساط الكردية.. الجهة الوحيدة التي تتحفّظ على جماعة الإخوان المسلمين وتعتبرها خطا أحمر، هي النظام الحاكم.
* أنتم وبقية القوى الموقعة على إعلان دمشق تطالبون بـ \"التغيير الجذري\" ماذا تقصدون به؟.. هل تريدون إسقاط النظام السوري؟
- في بداية عهد الرئيس بشار طالبنا بإصلاحات سياسية متدرجة، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان، وإغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإغلاق ملفات المفقودين والمهجرين، وإلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء القانون \"49\"، وإلغاء المحاكم الاستثنائية.. الخ، وأعلنا تفهمنا للتدرج في تنفيذ هذه الخطوات.. لكن وبعد مضيّ خمس سنوات، تبين لنا وللقوى السياسية الأخرى أن النظام غير مستعد لإجراء تغيير حقيقي، وأنه غير قابل بتركيبته الحالية للإصلاح. نعم بعد خمس سنوات تأكد للجميع أن الرئيس بشار غير قادر على الإصلاح، أو أنه لا يريده.
لم يعد مقبولا أن يستمر تعامل النظام مع المطالبات الشعبية بهذه الطريقة، فانتقلت المعارضة إلى خطاب التغيير الشامل، أو الجذري، المقصود إحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في سوريا، فإذا كان لدى الرئيس بشار الاستعداد لأن يقوم بهذا التغيير، بالتعاون مع القوى الوطنية، فهذا جيد.. وليس عندنا \"فيتو\" على أحد. صحيح أننا نتحفظ على بعض المسئولين الذين أجرموا بحق شعبنا، لكن إعلان دمشق فتح الباب أمام أي جهة تريد أن تشارك فيه، بما فيها حزب البعث، شريطة أن تقبل بالتغيير السلمي الديمقراطي، وتعديل الدستور، بحيث يسمح بالتداول، والتعددية، وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهذا لا شك تغيير جذري.
* لكنكم معارضة ضعيفة، وتواجهون نظاما قويا ومسيطرا على الأوضاع؟ ما هي نقاط القوة في مشروعكم هذا؟
- اطلعت قبل أيام على مقالة تحت عنوان \"النظام السوري هو أقوى الضعفاء\"، وأن هذا هو سر بقائه. صحيح أن المعارضة ليست قوية، لكن النظام أيضا ليس قويا.. على العكس النظام هو \"أضعف الضعفاء\"، فهو لا يستند إلى قاعدة شعبية، واستمد قوته لمدة أربعة عقود من الدعم الخارجي.. والغطاء الخارجي.
* (مقاطعا) النظام يمتلك قوة مادية.. قوة موجودة على أرض الواقع.. فماذا تملكون؟
- نعم هو يستمد قوته من الأمن والجيش والقوة العسكرية. وأنا أظن أن الجيش هو من الشعب، والقوة الأمنية لم تعد بإمكانها أن تكرر أحداث الثمانينيات، وأن ترتكب قمعا أو إرهابا جماعيا ومجازر.. في السابق كان يعتقل آلاف الناس دون أن يسمع بهم أحد.. ولا نسمع صوتا يستنكر.. اليوم كل الفضائيات وكل مواقع الإنترنت تتحدث عن اعتقال فرد واحد. النظام بدأ بالتصدع، ومقتل غازي كنعان هو بداية هذا التفكك، وثبوت تورط بعض رموزه في جريمة اغتيال الحريري، سيسهم في تفكك النظام بشكل أكبر، وينبغي أن يأخذ الشعب زمام المبادرة، ويمكن أن يشكل (إعلان دمشق) منطلقاً وطنياً لعملية التغيير. وأنا واثق أن الشعب قادر على أن يأخذ دوره في عملية التغيير الديمقراطي السلمي.
* ألا يمكن أن يكون تفكك النظام في مثل هذا الظرف الإقليمي الصعب، نقمة وخرابا على الوطن؟
- نحن لا ننكر أننا قلقون.. فإصرار النظام على سياساته القمعية في الداخل، وعدم تعاونه مع لجنة التحقيق الدولية في الكشف عن مرتكبي الجريمة، سوف يعرض البلاد إلى هزة، وقد يعرضها إلى عدوان خارجي. كل ما نملكه نحن وبقية أبناء الشعب، هو أن نحافظ على اللحمة الوطنية، وأن نتعاون في الدفاع عن الوطن، إذا تعرض للعدوان.
نحن أمام نظام يحاول إثارة الفرقة بين أبناء الوطن، يخوف أبناء كل طائفة من الطوائف الأخرى، موقفنا واضح من المسألة الطائفية، نرفض تحميل أبناء الطائفة العلوية جرائم هذا النظام، رغم أنه يحاول التمترس خلفها، ونرفض تحميل حزب البعث، المسئولية مع أنه الحزب الحاكم، هناك حفنة من المتسلطين على الطائفة والحزب والوطن، هم الذين يرتكبون الجرائم، ويعرّضون الوطن كله للمخاطر.
* ما هي نقاط القوة في مشروعكم؟
- الإجماع الشعبي واللحمة الوطنية.. فليس في الشعب من لا يعارض سياسات النظام، إلا الحفنة المستفيدة، فمعظم أبناء الشعب السوري يعاني من ويلات النظام وقبضته وظلمه.. صحيح أن معظم أبناء الشعب ليسوا منظمين أو مسيّسين، أو منتسبين لأحزاب المعارضة، لكن اجتماع القوى الوطنية اليوم حول إعلان دمشق، والتوافق بين كلّ التيارات السياسية على أن لا تكون هناك ردة فعل انتقامية، وأن لا يكون هناك إقصاء لأي فريق من الفرقاء، سيوحّد الجهود في مواجهة الأخطار والتحديات، ويساعد على تجنيب البلد أيّ هزة محتملة. المأمول أن تنبثق عن إعلان دمشق هيئات وطنية مشتركة، في كافة المحافظات والمدن، وستكون هذه القوى الوطنية بتلاحمها قادرة – بإذن الله – على قيادة عملية التغيير السلمي الديمقراطي، وقادرة على الدفاع عن الوطن ضدّ أي عدوان، وتجنيبه خطر الوقوع في دوامة الفوضى والضياع.
* ألستم في مثل هذه الظروف أحوج إلى خطاب \"تصالحي\" مع النظام بدلا من حالة العداء هذه؟
- ظل خطاب القوى الوطنية تصالحيا طوال السنوات الخمس الماضية، والنظام مصرّ على الإعراض عنه، وما زال الباب مفتوحاً أمام أيّ جهة للمشاركة في عملية التغيير السلمي الديمقراطي، وفق مبادئ إعلان دمشق. نحن منفتحون على جميع القوى بدون استثناء، والمشكلة ليست عندنا.. المشكلة في النظام الذي يدير ظهره للداخل، بينما يتوجه لاسترضاء الخارج، وعقد الصفقات لإنقاذ نفسه على حساب الوطن والشعب.