حوار مع د.أسد محمد
حوار مع د.أسد محمد
د.أسد محمد
أجراه الصحفي : أصف إبراهيم
دون مقدمة طويلة عن الأديب والطبيب السوري أسد محمد الذي تتوالى إصدارته الإبداعية المختلفة، وصدر له هذا العام في دمشق عمل روائي بعنوان \" حب أخضر \" وعمل للأطفال بعنوان \" ريم والصياد\" ، وعمل مسرحي بعنوان \" قبيل بعاث بعد جنين \" أتقدم للقراء الأعزاء بهذا الحوار حول أعماله الجديدة والقديمة ، ومنها :
- نزهة البراعم ، والعالم الثالث ، والشركة رقم 5 - وهي نصوص مسرحية ، وأمريكا الحب النار ولغة الألم وهي نصوص إبداعية ..
وله كثير من المقالات والدراسات والقصص القصيرة المنشورة في الصحافة العربية ..
بعد الترحيب بـ د.أسد لنتركه يجيب على بعض الأسئلة عن الأدب والعلم والطب والحياة ..
*- ما سر التنوع في أعمالك الإبداعية من مسرح ورواية وكتابة للأطفال ؟
1- بداية أنا كائن يستفزني الواقع بكل ألوان طيفه من فرح وحزن ، جمال وبشاعة ، حركة وركود ، حب وكراهية ، وأحيانا أقترب من هذا الواقع ، وأحيانا أخرى ينفر مني ، وهذه هي تجربتي معه ، فتلوح لي الصفحات البيضاء وتدعوني لتفريغ هذه العلاقة أو التجربة ، لتكون تجربة أخرى على الورق بخلق حالة أو واقع ، وحسب علاقتي مع هذه الحالة يكون النص ، مرة نصا مسرحيا لأن الحدث من القوة بحيث أجد نفسي أعبر عنه بنص مسرحي ، أو يحتاج إلى سرد فأكتب الرواية ، ومثلا تجربتي مع أطفالي ولدت قصصا للأطفال ،وعلاقتي مع الفكر والبحث استدعت أن أكتب بحوثا وهكذا ..
وإذا قلت لك بصراحة أكبر ، فلا أعرف بالضبط سر هذا التنوع ..
-*- لماذا تكتب المسرح في وقت يتراجع فيه هذا الفن في عالمنا العربي ؟
2- قد يكون هناك تراجع في العروض المسرحية لأسباب كثيرة ، لكنني من خلال المتابعة ألاحظ تزايد عدد الكتّاب المسرحيين في الوطن العربي ، وهذا ما تؤكده مواقع الانترنيت العديدة ، و النصوص المنشورة فيها ، طبعا يمكن أن يكون العدد أكبر بكثير، لكن حركة التمثيل في تباطؤ جلي ، وهذا بالتأكيد ينعكس سلبا على حركة التأليف ، والمسرح عندنا في تراجع مثله مثل بقية الفنون لأسباب كثيرة ، لم يمنعني ذلك من الكتابة له، كون هذا الفن أكثر قدرة على تناول هموم ومشاكل الإنسان وبصوت عالٍ ومباشر ، إنه فن التحدي بامتياز ، فن تحريضي يلامس الروح مباشرة ، ويستنهض فيها لحظات ثبات ، لا يمكن لفن آخر أن يثيرها ، إنه فن الفرجة دون حواجز ، قادر على خلق حوار بين الإنسان وذاته وبين الإنسان والآخر ، كذلك توجد مواضيع ، لا يمكن تقديمها إلا مسرحيا ، أو تتناسب والمسرح ، إنه مرآة يمكن أن نرى فيه كثيرا من أعماقنا دون تكلف أو حواجز ، أو غشاوة .. لهذه الأسباب وغيرها كتبت المسرح ..
* - لماذا تطغى على أعمالك - المسرحية - الهموم السياسية؟
3- عندما أتناول موضوعا سياسيا بالضبط أعني اللاسياسة ، اللاسياسة هي مشروعي للكتابة ، وهذا ما أحاول ترجمته في كتاباتي ، أعتبر نفسي متفرجا على ما يجري حولي ، والمشهد الذي يدور أمامي ، وبطله الواقع ، يقول باختصار ما يلي :
أ- محاولا ت الضبط والسيطرة التي مورست على البشر والطبيعة ( من قبل السلطة ) خلال آلاف السنين الماضية تأكد فشلها واستحالة تحقيقها ، وما يجري الآن هو تأسيس لآلاف من السنين القادمة،
ب- كل محاولات السعي لترسيخ - النقاء – فشلت ، ويتم الآن تجذ ير البديل لذلك عبر خلخلة الثوابت المصطنعة ، وترسيخ ( المزيج ) المزيج ما بين الإنسان والآخر
\" الهجنة\" ، ما بين الإنسان والطبيعة ، وهنا يكون ما هو أهلي وبيئي أهم مما هو سياسي أو اقتصادي، أتكلم عن ذوبان السياسي في الأهلي ، بعدما كان العكس .. لقد فشلت السياسة من إنجاز مشروعها القائم على ترسيخ ( النقاء ، العزل، الامتياز ، الطاعة ..) عبر استغلال كل ما أتيح لها من جيش ، و أفكار دينية وعلمانية أو غيرها ، و ثروة .. والآن يتم دك هذا المشروع من قبل ذاته وبسبب أخطائه وعدم صلاحيته ، وكونه عنصري تمايزي ، ويحل محله المجتمع بكل قواه ، وضمن السياق الطبيعي للتطور ، يزول هذا النقاء المصطنع لصالح المزيج الطبيعي : ومثال هذا المزيج : إنساني – إنساني ، وإنساني – حيواني ، وإنساني – كوني ..ج- لم يعد الوعي يمثل حالة من الكسل يستجيب بسهولة لحالة التكييف والإخضاع للحالات الفردية ( فكر ماركسي ، أو فرويدي، أو علماني ، أو ديني ..) ، بل هو متمرد كونه يتحول ويأخذ صفة الوعي الجماعي، الذي يستوعب الكل ، وليس مجزأ..
هذه هي اللاسياسة التي تتناولها كتاباتي .. وهذا هو الالتزام الذي يعني لي اللاالتزام..
*- تستطرد في روايتك (حب أخضر ) على لسان البطلات الثلاث دون التوقف عند الوصف ؟
4- قد يكون المتخيل في هذه الرواية قليلا لأنني كتبت تجربة إلى حد كبير واقعية ، تركت سوزان ابنة الضابط الكبير، عاشقة الدكتور إبراهيم ، و سلاف ابنة الفلاح الحالمة التي صادفت الأستاذ رضوان ، وندى القاطنات في المدينة الجامعية ( جامعة تشرين) في اللاذقية ، تحكي كل واحدة قصتها بعفوية ، ووضوح ، قدمت هذه التجربة دون مبالغة مني في الصنعة أو غير ذلك ، ولا أعتبر نفسي مجربا ، وإنما هذا هو العمل الروائي الأول ، وأبقى تلميذا أتعلم من كل تجربة جديدة ، وليس للرواية بعد قانونا نكتب وفقه ، وهي فن قابل للتجريب ، وأتمنى أن تعجب القراء ..
*- أحسست أن قضية الحب في روايتك\" حب أخضر مختلف \" ؟
5- أنت على حق ، موضوع الرواية مؤسس على فكرة التصالح ، لذا لغة الحب والتسامح فرضت نفسها ، وفي النهاية أتحدث عن قرية فعلت بها الحياة ما فعلت ، لتكون في النهاية قرية آمنة ، وهذه القرية تحاكي القرية الكونية التي نتكلم عنها ، وفي الحقيقة من المنطق أن نتلمس ما فعلته الحضارات بنا ، وضمن سياقها التطوري لا بد أن نشير بأنه لدينا قرية حقيقية توجد فيها قصة حب ، ليس بين اثنين، بل حب يهم مجتمع القرية بأسره وكأنه هو العاشق بكليته ، حب لا يحتاج إلى صراع أو رغبة أو تحد ( مثل هذا الحب هو الكراهية بعينها ، أزاح الآخر لينتصر وينتشي .. ) ، بل حب نقي بفعل ذاتي ، ويحمي نفسه عبر سقوط الكراهية بفعل تدميرها لذاتها ( لا كراهية ، فيعني حب ، و لا ظلم، فيعني عدالة ..) ، لا يحتاج الحب لمن يدافع عنه ، أو يموت من أجله أحد ، بل يحتاج إلى عدم التدخل ( نتركه فيكون عظيماً ، طاهرا ، بريئا..) وليس الحب أو العدالة أو غير ذلك من القيم تُبنى بالصراع ، فهي لا تحتاج إلى معارك ، أو دفاع عنها ، فالدفاع عنها يعني تدميرها ، على الأقل لدى الآخر الذي تم إزاحته ، وبالضبط يعني إزاحة الحب ذاته ، والسياق الطبيعي للأمور تبقيها على كمونها ، والتدخل القسري عبر الزمن الطويل هو الذي شوه القيم ..
*- في مسرحيتك( قبيل بعاث بعد جنين ) الصادرة حديثا معلومات تاريخية مكثفة ، فما نسبة المتخيل فيها ؟
6- مسرحية \" قبيل بعاث – بعد جنين \" تلقي هذه المسرحية الضوء على الصراع العربي الصهيوني ، أقول فيها ليست مشكلة اليهود مع العرب ، بل مع الصهيونية المرافقة لليهودية منذ التأسيس الأول، مشكلتهم داخلية ، فيهم، في فكرهم ، وسعيهم لتحقيق التفوق والنقاء والسيطرة ، ومن خلال هذه الأفكار تدفع الصهيونية اليهود ليكونوا ضحية ، وتتعمم مشكلتهم لتكون كونية ، لأنه لن يتحقق لهم ما يصبون إليه من تفوق أو تمايز،ولا يجنون سوى العداوة ، لن يتم لهم ما يريدون أبدا ، ولن يتم لأحد على وجه هذه الأرض يوما – هل من أمة نقية ؟ – حتى الماء يحتاج لكي يكون ماء إلى مزيج من الأكسجين والهيدروجين ..
أدت معركة بعاث التي خاضها وخطط لها اليهود في يثرب - قبل الإسلام بخمس سنوات - وبالتحالف مع الأوسيين - التجار ضد أبناء عمومتهم الخزرجيين - الزرّاع، إلى هزيمة ساحقة للخزرجيين ، ورغم انتصارهم ، لم يتمكنوا من البقاء في يثرب ، وخرجوا منها..
أيضا بعد انتصارهم في جنين التي حدثت في نيسان عام 2002م ، وساهم أبناء عمومة الفلسطينيين من العرب ، في تمرير هذه المعركة مجانا لصالح الصهاينة ، أقول أن إسرائيل خسرت هذه المعركة ، وخسرت نفسها ، لا لأن العرب أقوياء ( ولا أدعو لأن يكونوا كذلك أبدا) بل لأن مشكلة اليهود هو الصهيونية وما تستند إليه هذه الحركة من دعوات للنقاء ، ولا تقبل الامتزاج مع أحد ، ونحن نعيش مرحلة انهيار هذه الدعوات برمتها ، وكل ما أقوله بالنسبة لنا كعرب إننا نمثل مختبرا وكاشفا( بدمائنا وأرواحنا وثرواتنا ، وسنقدم الكشف للعالم كم هي الصهيونية قذرة ) لهذه الأحداث الكبرى التي تجري ، ويجب أن نراها جيدا ، كسقوط أمريكا القوة الطاغية في العالم وتحولها شيئا فشيئا إلى مجتمع أهلي يتشكل عالميا ( كتبت كتابا حول ذلك بعنوان أمريكا في طور الانهيار) ، وستكون سعيدة وأكثر أمنا مع هذا المجتمع الكوني ..
المتخيل في المسرحية قليل، لأن الواقع وما يجري فيه أوسع من الخيال ، كما أن التاريخ نفسه على موعد مع الموت والدفن لا على طريقة فوكوياما ، وإنما على طريق الواقع الذي يطلق العنان لتدمير كل محاولات الضبط السابقة .. وولادة عالم جديد..
*- بين ما تكتب ، توقفت عند دراسات فلسفية مثل كتاب (ميكانيكا المعرفة ) ، ماذا عن هذا العمل ؟
7- كتاب ميكانيكا المعرفة ، هو دراسة علمية لها صلة بالتحولات العلمية الكبرى من علم فيزياء وكيمياء وطب ، وفي الحقيقة توجد مقاربة بين العلم والأدب ، وهذا التزاوج يتعمق ، قمت بمحاولة ، كلفتني كثيرا من الجهد والتعب والدراسة وهي لم تنته بعد ، لكنني خلصت في الكتاب إلى إن ما يقوم به العلماء أشبه بما يقوم به السياسيون ، تفرز السياسة من المجتمع الحزب بغية خدمة المجتمع ، لكنها تنقلب على المجتمع ( رشوة ، ضرائب ، بوليس ، امتيازات ، وطنية ..) كذلك عالم الفيزياء ، عندما يقوم بعمل يستهدف الخير الجماعي ينتج قوانين مفيدة للمجتمع ، وعندما يلبي نداء السلطة ينتج قنابل ذرية وأقمار تجسس وأدوات قمع .. مثلا يحاول علماء الفيزياء توحيد المجالات الأربعة : الكهرومغنطيسي و الضعيف ، والجاذبي، وهي محاولة لضبط النشاط الإلكتروني كما يفعل السياسيون في المجتمع ، وعلماء الطب والبيوكيمياء في محاولاتهم لضبط الانقسام الخلوي والتحكم به، ومع كل محاولة للضبط تظهر شواذ كثيرة، تتحول شيئا فشيئا إلى عائق أمام التطور المنطقي و السليم للحياة .. ووصلت إلى استنتاج في هذا الكتاب مفاده \" أن التطور التلقائي للأمور يعطيها القدرة على الاستمرار، ويبرر وجودها ، وكل تدخل قسري مصيره السقوط .. والمعرفة التي تتربع على عرش التطور وتديره وفق منطقها المستقل الذي يحتاج إلى دراسة معمقة هي الدليل والمؤشر الذي يدلنا على الأحداث الكبرى ، وتقول ميكانيكا المعرفة أن مرحلة النقاء والتفوق والقرصنة تفضح نفسها وتسقط، وتتم صياغة مرحلة جديدة ، مرحلة تمتزج فيها الأفكار والأشياء و تتواصل .. هذا ما حاول كتاب \" ميكانيكا المعرفة \" الإجابة عليه إلى حد ما ، وهو كتاب كما قلت أفكاره تحتاج إلى دراسة أكبر..
*- تتحدث عن الكونية كمفهوم جديد؟
8- نعم ، أتكلم عن موت الجغرافيا ، وانهيار التاريخ في سياقه الزماني – الزمن وليد المكان المتحرك - فكلاهما نتاج فعل سلطوي قسري ، وتشكلا جراء أكذوبة باتت تنكشف ، الجغرافيا قامت على تقسيم كوكب الأرض وهو في جوهره موحد ، والتاريخ محاولة لربط حركة الزمن بالجغرافيا ، أي قتل وتدمير النشاط الكوني عبر تجزئته بغية سهولة الاستحواذ عليه من قبل فئة ضد فئة ، وهذا ما يتم تعريته الآن لصالح كوكب واحد ، الإنسانية لها علاقة عضوية مع بقية عناصر الكون ، الجغرافيا عندي هي هذه الأرض التي لا تنفصل عن بقية كواكب ونجوم هذا الكون ، فمن دون ضوء الشمس لا حياة ، ونهر النيل لا يميز بين حبشي وسوداني ومصري ، والموز الذي يزرع في الاغوادور يُوزع دون تمييز من سيتناوله ، وثقافة أمريكا اللاتينية كبقية ثقافات الشعوب الأخرى تصلنا ، وترفع من شأننا ، وتساهم في معالجة همومنا وفق منطق إنساني ..
* أنت طبيب وكاتب غزير الإنتاج ، ما سر ذلك ؟
9- كل إنسان مبتل ٍ، الوجود بحد ذاته ابتلاء ، ومع هذه البلوى أرتب أموري :مهنيا أنا طبيب ، وفي أوقات الفراغ أمارس نشاطي الكتابي ، وهكذا أتغلب على لعبة الفوضى التي هي قانون ، ومعها أتنفس وأعمل ، وأستمتع ، وأشتكي ، وأكره و أحب ..
وبين الطب المهنة ومصدر لقمة العيش والتواصل مع أوجاع البشر ، وبين الأدب والكلمة التي تحرضني على الرؤيا والتحدي والمساهمة ، والإحساس بآدميتي ، أعيش و أمضي أوقاتا تمر بسرعة ، مع الطب أعمل ، ومع الأدب أتنفس هواء عملي وواقعي وتجربتي اليومية مع الناس ..
لا أعتبر نفسي غزير الإنتاج ما دمت أعيش في مثل هذا الواقع التحريضي، فيمكنني أن أعطي أكثر وأكثر و أكثر ..
إلى المزيد من تحسس وقعنا هذا والنظر إليه نظرة مختلفة ، لا من خلال تشخيص الماضي له كالواقع الثوري أو القومي أو الديني، أو العلماني أو الليبرالي ، بل أن نتفهم ، ونتمثل هذا المزيج ( بأن نكون من كل هذا في آن معاً) هذا المزيج الرائع الذي ينقذنا من العصبيات بأشكالها الأربعة ( الديني ، القومي ، الليبرالي ، العلماني ) لدينا أمل كبير بالنهوض مع العالم الذي ينهض ..
*- صدر لك أكثر من عمل في عام واحد ، ما السبب ؟
10- بالنسبة لهذا الموضوع ، تبقى الأمور نسبية ، بالنسبة لي ، احتجت إلى أربعة أعوام حتى تمكنت من إصدار رواية ، ولدي الآن رواية منجزة ، وأستعد لطباعتها ، قد تصدر مع عمل آخر ، لا يعنني أنني كتبتهما في وقت واحد ، وإنما طُبعا في فترة متقاربة .