لقاء مع الشاعر: مفتاح ميلود
أعد اللقاء: صالح سعد يونس /ليبيا |
الشاعر مفتاح ميلود |
حاورته : حواء صالح
البيضاء – ليبيا
· مفتاح ميلود .. شاعر منحنا دفء شعره من خلال ديوانه الأول (( أنفاس )) .. وهو كذلك إعلامى نشط فضلاً عن كونه شاعرٌ مثابر .
· ولد الشاعر : مفتاح محمد ميلود بمنطقة (( ميراد مسعود )) إحدى ضواحى مدينة المرج عام 1963 .. يكتب الشعر والنص المسرحى .. وقد بدأ بالكتابة فى سن الشباب .. ولكن سبق ذلك العديد من الإرهاصات من ميولٍ وتطلعاتٍ وقراءات .
نشر نتاجه الأدبى بالإضافة إلى الصحف والدوريات المحلية بمجلتى (( نماذج وقطاف )) النمساويتين .. ثم جاءت باكورة أعماله من خلال ديوانه الأول (( أنفاس )) .. فضلاً عن عديد المخطوطات التى تنتظر دورها للنشر .
ويعد من الناشطين والمثابرين على حضور مختلف المهرجانات والمؤتمرات .. حيث حضر وشارك فى جميع المؤتمرات التى تنظمها رابطة الأدباء والكتاب الليبيين .. إضافة إلى مشاركاته بالمهرجانات التى نظمت وتنظم داخل البلد .
كما يعتبر من أبرز الأدباء الناشطين إعلامياً حيث أعد العديد من البرامج للإذاعتين المسموعة والمرئية .. وله فى هذا الصدد الكثير من التجارب .
· محور حوارنا سيكون حول قضية (( أزمة الشعر – محنة الوصول )) .. ففى قديم الزمان كان الشعر ديوان العرب .. وكان الشعر العربى آنذاك يتصف بميزاتٍ أهمها النظم وفق سياق قافيةٍ معينة لكنه الآن صار يوسم بالشعر التقليدى إذ ظهرت العديد من الأنماط الشعرية التى انتهجها الشعراء المحدثون .
لقد طالت عجلة التطور الشعر أيضاً ومسته بضراوة .. غير أن أنواع الشعر المعاصر وإن وجدت لها قاعدةً تستند إليها ومدافعين يذودون عنها إلا أن الملاحظ أن هنالك أزمةٌ ليس فى نظم الشعر وتحديد قواعده فحسب وإنما تكمن حقيقة الأزمة فى تفاعل المتلقى مع هذه الأنماط العديدة من الشعر الحديث .
إذن فى البدء لابد لنا أن نسأل شاعرنا .. ما الذى يميز الحر من الشعر عن قصيدة النثر أو التفعيلة وما إلى ذلك ..؟.
· إذا ما تحدثنا عن الفروق (( أو هكذا أسميتموها )) بين أجناس الشعر وألوانه فإننى أقول إن الفرق الجوهرى يكمن فى وظيفة الشعر .. أما بالنسبة لفروقات الشكل فإن الحديث فى ذلك أمر هين .. أو التطور على مستوى الشكل من مقفى إلى تفعيلة إلى الشعر الحر إلى قصيدة النثر هذا أمر هين الخوض فى غماره .. لكن من وجهة نظرى فإن التطور الأهم هو الإنقلاب الكبير الذى حدث فى الشعر والمتمثل فى تغير وظيفة الشعر .. فلو أخذنا الشعر ابتداءً من العصر الجاهلى سنجد أن الأبواب أو الموضوعات الرئيسية كانت دائماً مؤطرةً فى عددٍ من الأنماط الوجدانية والفكرية .. ولكن عندما بدأ عصر آخر هو عصر كسر القيود .. أى منذ اللحظة الأولى لدخول شعر التفعيلة دخلت وظائف جديدة للشعر .. فعلى سبيل المثال .. الشعر منذ أن عرف فى تاريخ وحياة العرب إلى ما قبل دخول التفعيلة كانت له وظيفة إعلامية .. فكان الشاعر إلى جانب كونه شاعراً يعتبر وسيلة الإعلام للقبيلة .. لكن ذلك سقط الآن ودخلت وظائف أخرى بل الأهم من ذلك هو البنية الفكرية .. فالشعر الحديث بتعدد ألوانه لا يقدم أجوبة بل هو باختصار يطرح أسئلة .
وإذا ما اختصرنا ذلك كله نقول إن الشعر هو فن إتقان السؤال.
· لكن قصيدة الشعر الحديث متهمة بأنها فقط تريد أن تقول نفسها ..؟.
· قبل كل شىء هناك فى منظومة الفكر العربى تعتبر أى حالة تغيير إتهام .. هذا على مختلف الصعد حتى خارج الأدب والفن .. فأى حالة للتغيير تقابلها مقاومة الرفض .. مما يعنى أن حالات التحول فى الفكر العربى والشرقى عموماً صعبةٌ للغاية .
ولو أتينا للشعر الحديث المتهم بالقصور فعلينا أن نتحدث عن الشكل والقدسية .. فنحن العرب لدينا قدسية لكل شىء .. والمحدثون عندما خرجوا عن القواعد الشعرية وكأنهم انتهكوا قدسية القافية .. وقد واكبت حالة التحرر هذه حالاتٍ من الإجتهاد والخطأ والصواب فى هذا الطرح الجديد .. لكننى أظن أنها فى الوقت الراهن قد خرجت من هذه الدائرة .. دائرة الإتهام .
· طيب أنت تقول إن القصيدة هى فن إتقان السؤال .. إذن لماذا يكتب الشعر ولمن ..؟!.
· أعتقد أن مثل هذا السؤال يعد فكرياً من المحرمات .. تماماً مثل سؤالنا ما جدوى الشعر .. فهناك مستوى وجدانى ذاتى عندما نصله تسقط مثل هذه الأدوات وتصبح غير صالحة الإستخدام .. لأن الشعر الحديث لا يتم تعاطيه بالفهم وإنما من خلال الإيحاء .. هذا أولاً .. أما ثانياً فتعاطى الشعر هو موقفٌ لا نقف أمامه موقف فهم وإنما موقف تأملٍ وإيحاء .
· تقصد أن مثل هذا السؤال ينطبق على الشعر القديم ولا يمكن للشعر الحديث تقبله ..؟!!.
· لماذا يكتب الشعر ..؟!.
· نعم .
· هل أستطيع سؤالك لماذا تشربين الماء ..؟.. مثل هذا السؤال لا يسأل فى الحالات الوجدانية .. مثلاً : لماذا أرقص حين أفرح ..؟.. هذه هى طاقة التعبير الموجودة داخل الإنسان دون بقية الكائنات .
· طيب .. هل مقولة الشعر ديوان العرب انتهت الآن ..؟.
· هذه المقولة قيلت فى مرحلةٍ سابقة .. فكل الأشياء تقاس بظروف الزمن الذى قيلت أو حدثت فيه .. ومقولة الشعر ديوان العرب تغيرت لأن وظيفة الشعر تغيرت كذلك .
· لننتقل إلى قضية التفاعل بين الشاعر والمتلقى .. فإذا كان هذا الأخير غير قادرٍ على استيعاب الشعر الحديث ومقتضيات هذه القفزة المتمثلة فى التمرد على قيد القافية .. فكيف يمكن للقصيدة أن تحدث تأثيرها فى عقل المتلقى .
· هذا سؤال جوهرى .. لنفترض أن التلقى الذى نعنيه يمتلك أدوات المتلقى .. فمثلما للمبدع أدواتٌ فللمتلقى كذلك أدوات من أهمها تعاطيه مع هذا الجنس الأدبى .. طبعاً ليس تعاطى فهم بل تأمل فالشعر لا يقدم المنجز أو الإجابة .. وهو يسقط البديهيات التى وضعت لها قدسية خاصة ليطرح سؤالاً .. والشعر هو فن النخبة .. والمتلقى العربى جوبه بمدارس غربية قد تكون تكاثفت عليه بشكلٍ متسارع .. مثلاً فى الرمزية وما تفرع عنها وبعدها مما أحدث صعوبة لدى المتلقى كى يكون أدواته ويستقبل النص الإبداعى ويتعاطاه بتوهجه ويقف أمامه بتأمل بما فيه من نقاط إيحاء .
· ينكر الكثيرون مشروعية القصيد النثرى لكنه مثابرٌ دائم الحضور .. فهل يعنى ذلك أنه صار وصياً على بقية أجناس الأدب .
· لا أعتقد .. فكتاب بقية الأجناس لا زالوا يكتبون أنماطهم .. وقصيدة النثر لم تقم على أساس مصادرتهم أو إلغائهم أو نفى صفة الإبداع عنهم .. لكنها جاءت لتقول نفسها .. لتقول هذا صوتى وهذا ما لدى .. وهذه طريقة معالجتى للإنسان وللذات وللعالم .
· إذن ليس اتهامٌ أن قصيدة النثر جاءت لتقول نفسها ..؟!.
· لا ليس اتهام .. هذه حقيقة .. فهى جاءت لتقول نفسها .. لكن السؤال الأكبر هو : هل أوصلت صوتها ..؟.. والمؤشرات تشير على مستوى الوطن العربى أنه أصبح لها حضورها .
· إذن كيف ترى حال المتلقى الآن لقصيدة النثر ..؟.
· قصيدة النثر جاءت بمتلقيها عندما قدمت إبداعاتها وعالجت قضايا الإنسان .. فهى تلتقط الزوايا المهملة فى حياة الإنسان .. فى ذاته .. فى داخله .. لتفجر من خلالها طاقات تعالج قضايا إنسانية .. وقضايا بديهية .. وتعيد طرح الأسئلة من خلال لقطات وتفاصيل بسيطة جداً .. صغيرةٍ جداً .. وصوتها الهامس أوصلها كذلك .
· لكن المتلقى مازال يقف موقفاً سلبياً من الشعر الحديث مما يعنى أن الأمر يحتاج إلى تهيئة .. فكيف تتم هذه العملية ..؟.
· المتلقى على وجه العموم قد لا يسمع حتى الشعر المقفى أصلاً .. لكننى أتحدث عن المتلقى الذى يمتلك أدواته لإستقبال النص .. فالمتلقى لا يجلس مسترخياً لتسكب الإجابات فى أذنه حتى يصاب بالنعاس وينام ..!.. وقصيدة النثر جاءت لتهز المتلقى .. لتسكب فى ذهنه القلق والهواجس .. لطرح هذه الرذائل الموجودة فى العالم .. هذا القبح المتنامى جاءت القصيدة لتكشفه وتهدم هذا العالم الردىء .. وتطرح بديلاً ورؤيةً أفضل .. وتستشرف المستقبل .
· هل يصح أن نسمى القصيدة الحديثة عموماً بالنثر أو بقصيدة النثر ..؟.
· ليس كل الشعر الحديث نثراً .. بل النثر أو قصيدة النثر تشكل جزءً من فسيفساء الشعر الحديث .. لكنها ربما هى الأكثر توهجاً والأكثر رؤية .. وهى آخر الأجناس المطروحة الآن على الساحة الشعرية .
· طيب لماذا لم نتعد محنة وصول هذه القصيدة ..؟.
· إذا ما أخذنا بمبدأ فن النخبة فإن حال المشهد الثقافى عموماً والشعر بخاصةٍ بخير .
· ختاماً .. هذا المصطلح .. قصيدة النثر .. هل نجح فى قول ما يريد ..؟.
· المهم هو ماذا تريد أن تقول القصيدة .. لا يهمنى المصطلح .. سموها ما شئتم .. فأنا أقول ما أحس به .. وهذا هو الأهم فى كل الأجناس والألوان .. وهو ماذا أقول .