حوار مجلة رابطة العالم الإسلامي مع الأستاذ الدكتور عبدالباسط بدر
قول على قول
د. عبدالباسط بدر نائب رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية
وأمين مجلس الأمناء ورئيس مكتب البلاد العربية
للأدب الإسلامي مفهـومه المتميز. كل نص يهدف إلى تعزيز القيم الإسلامية.. أدب إسلامي. المسرح الإسـلامي منضبط بقواعد لا تجرح القيم الدينية. الأديب المسلم يمتاز بالإيمان والواقعية والإيجابية في الانتصار للحق. إذا أنتج غير المسلم أدبا يوافق الأدب الإسلامي نشجعه ولكن لا نسميه إسلاميا. الأدب الإسلامي جزء من المنهج التربوي في تربيـة ذوق الفرد والجماعة. هناك دواوين شعرية في مأساة البوسنة والهرسك. في حوار أجرته مجلة رابطة العالم الإسلامي مع الدكتور عبدالباسط بدر الناقد الأدبي والأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية حول المفهوم المتميز للأدب الإسلامي تحدث قائلا:
** الأدب الإسلامي: كل عمل أدبي يتضمن عاطفة إيمانية، أو يعالج قضية إسلامية معالجة إيجابية بشكل من الأشكال. فالأدب الذي يعالج مشكلة اجتماعية من منظور إسلامي يدخل في الأدب الإسلامي. فالأدب الإسلامي أدب واسع وشامل؛ فهو كل عمل أدبي يعرض موضوعا ما من وجهة نظر إسلامية، وعليه: فكل نص أدبي يحمل قضية أو فكرة، أو عاطفة إسلامية أو يهدف إلى تعزيز قيمة من القيم الإسلامية فهو أدب إسلامي. وهناك تعريف رابطة الأدب الإسلامي لهذا الأدب بأنه: هو التعبير الفني الجميل عن الإنسان والحياة، والكون من زاوية التصور الإسلامي كل هذه التعريفات: تلتقي في أنه كل عمل أدبي يحمل وجهة نظر إسلامية.
الأدب الإسلامي يعالج القضايا الإنسانية جمعاء? ما هي القضايا التي يعالجها الأدب الإسلامي؟
** الأدب الإسلامي يعالج قضايا الإنسان بأكملها: فهو يعالج معاناة الإنسان المسلم، ومعاناة المجتمع المسلم، ووضع المشكلات، والسلبيات التي يعيشها بدءا من قضايا الجراحات الراعفة الموجودة في فلسطين، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، وكشمير، وفي كثير من أنحاء العالم إلى جانب قضايا الشخصية المسلمة المعاصرة في الحياة، وقضايا مواجهة التغريب، وقضايا العائلة المسلمة وقضايا المسلم المعاصر، وكذلك قضايا التعامل مع الحياة، فالأدب الإسلامي يعالج قضايا الحياة بكاملها.
* الأدب الإسلامي أدب شمولي? ما هي الموضوعات التي يمكن أن يساهم فيها الأدب الإسلامي؟
** كل موضوع من موضوعات الحياة يمكن أن يساهم فيه الأدب الإسلامي، لأن الإسلام شمولي، وجاء إطارا للحياة كلها، فلا يوجد سلوك عند الإنسان إلا وللإسلام فيه حكم. والأدب الإسلامي عندما أضفناه للإسلام اكتسب منه الشمول. فتلك الموضوعات التي يعالجها الأدب الإسلامي هي موضوعات الحياة كلها سلبياتها، وإيجابياتها، موضوعات الرجل والمرأة. موضوعات الشعوب بأكملها، والمجتمعات والأمم، والحرية، والمسؤولية، حتى الجنس ممكن أن يعالجه الأديب المسلم بنص أدبي جميل ونظيف، فيبين أثر الهبوط في الأخلاق على الفضيلة، والانحلال في مجتمع ما من خلال قصة أو مسرحية، أو من خلال قصيدة شعرية، فيظهر سلبيات الهبوط من خلال العرض لأن الأدب الإسلامي له أسلوب متميز.
* هل يوجد مسرح إسلامي؟
** نعم المسرح الإسلامي موجود في واجهتين: الأولى الوجهة التراثية التي تقدم لنا الأحداث التاريخية العظيمة بدءا من أثر الأنبياء في الشعوب إلى المعارك الكبرى من غزوة بدر، تبوك، حطين، إلى الشخصيات الإسلامية مثل صلاح الدين الأيوبي... هذا جانب التراث.
أما الجانب الآخر المعاصر كالذي يقدم في بعض المدارس والمخيمات، والذي ينضبط بقواعد المسرح الإسلامي الذي لا يجرح أية قاعدة إسلامية.
الشعر الحديث ليس بديلا عن التراث، ما رأيكم في الشعر الحديث؟
** الشعر الحديث أرضية واسعة، فيها كل شيء، فالتجارب الشعرية ليست محظورة على الأديب المسلم على ألا يكون هذا بديلا عن التراث: قد يكون عندي شاعر يكتب قصيدة بالتفعيلة العروضية المعروفة، وقد يكتب قصيدة بدون ذلك، فلا بأس في ذلك إذا كان ناجحا، وعندنا شعراء إسلاميون كتبوا الشكلين أمثال الحسناوي والعشماوي، ونجحوا. فعندما يكون الشاعر عنده القدرة الشعرية، والموهبة يستطيع أن يكتب الشكلين، لكن الشاعر العاجز أو الشاعر الذي يريد أن يحطم التراث، ويجعل شعره بديلا عن التراث.. هذا نرفضه، ولا شك أن الشعر العامي يشكل خطورة على التراث، وقد يفيد فئة بسيطة من الناس، والشعر العامي مع زحف الثقافة والعودة إلى الأصالة سينتهي.
من مهمات الأدب الإسلامي تعزيز القيم الإسلامية. ما المهمة التي يمكن أن يؤديها الأدب الإسلامي؟
** مهمات كثيرة يمكن أن يؤديها الأدب الإسلامي:
أولها: تعزيز القيم الإسلامية.
ثانيها: التربية.. الأدب أصبح الآن جزءا من المنهج التربوي، تجده في الحضانة في الأناشيد وفي المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، فهو جزء من المنهج التربوي. فالأدب الإسلامي هو الذي يقدم النصوص التربوية العظيمة، ثم هناك الوظيفة الجمالية، فعندما يقدم لنا الأدب الإسلامي نصوصا جميلة فإنه يربي ذوق الفرد، وذوق المجتمع تربية جمالية إسلامية.
هل هناك فرق بين الأدب الإسلامي والأدب المسلم؟
** قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن..."، الإنسان المسلم قد يمر بفترة صفاء في العقيدة، وقد يمر بفترة معصية، فإذا أنتج أدبا فيه معصية فهذا أدب فاسد. أما إذا أنتج أدبا فيه صفاء في العقيدة فهذا أدب إسلامي. هذا بالنسبة للمسلم..
أما غير المسلم فإن ما ينتجه من أدب مثل الشاعر طاغور، فقد يتحدث فيه عن محبة الله، وحسن التعامل بين الناس، فهذا أدب يوافق الأدب الإسلامي لكن لا يمكن أن نسميه أدبا إسلاميا: لأن طاغور مهما قدم من إنتاج قريب من الرؤية الإسلامية عنده خصائص هندوسية في فهم الذات الإلهية وفهم العلاقة البشرية تختلف عنا، ولابد أن يظهر أثر هذا الفهم في جزء من عمله الأدبي، لذلك لا نستطيع أن نسميه أدبا إسلاميا، لكن هناك جزء منه يوافق الإسلام نأخذه، ونشجعه، وما يخالف أقول: هذا خارج عن الإسلام.
من سمات الأديب المسلم حس الإيمان، ما هي سمات الأديب المسلم؟
** أولا حس الإيمان لا يكفي أن يكون الأديب مسلما! ولكن لابد أن يكون مؤمنا. "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم" (الحجرات 14).
فيمكن أن يكون الإنسان مسلما وتصدر عنه أفعال لا تليق بالمؤمن، لكن الأديب الإسلامي هو أديب مؤمن وملتزم، بمعنى أن أدبه يهتم بقضايا الشخصية المسلمة، وقضايا المجتمع الإسلامي اهتماما طوعيا اختياريا، مثل: إنك عندما تتجه إلى الصلاة بدافع من أعماقك بدون أن يدفعك أحد. فكذلك الأديب المسلم عندما يسمع بحدث ينفعل وجدانه المسلم، وينفجر هذا النص الأدبي تلقائيا معالجا القضية الإسلامية بوجدانه وليس بشيء مفروض عليه..
إذا يمتاز الأديب المسلم بالإيمان والواقعية الإيجابية، وهو يرى انتصار الحق دائما، هذه هي من أهم صفات الأديب المسلم.
يقوم بعض الكتاب العلمانيين بالهجوم على الإسلام والمسلمين، فهل يوجد في رابطة الأدب الإسلامي من يرد على هؤلاء؟
** لا يفل الحديد إلا الحديد كما يقولون، الناقد لا يواجهه إلا ناقد أو أديب، والمفكر لا يواجهه إلا مفكر، والسياسي لا يواجهه إلا سياسي، فالتماثل هو أساس المواجهة. علمها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض. فبعد أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة بدأت قريش المعركة ضد المسلمين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عليهم، ولكن قال لحسان ولكعب ردوا عليهم: فكانت المعركة الشعرية الأولى، فكذلك الآن فتحت ثغرات في الأدب، وثغرات في النقد لضرب المجتمع المسلم وضرب الفكرة الإسلامية عبر الأدب، ولا نستطيع الرد عليها إلا عبر الأدب نفسه وعبر النقد.
· الأدب الإسلامي يمكن أن يساهم في إضاءة قضايا أمته، ما هي المجالات التي يمكن أن يساهم فيها الأدب الإسلامي.. والأدباء الإسلاميون في خدمة القضايا الإسلامية؟
** يمكن للأدب الإسلامي أن يساهم في إضاءة القضايا الإسلامية وإظهارها، هناك محاولات تعتيم للقضايا الإسلامية، فالأديب يملك قدرة على حشد المشاعر. فالشعراء عندما يكتبون القصائد، وعندما يكتب القصاصون القصص، والمسرحيات هذه قضية محورية من قضايا المجتمع الإسلامي والفرد المسلم، والأدباء الإسلاميون يضيئون هذه القضية ويعالجونها، فالأدب قادر على إثارة المشاعر وتحريك جماهير القراء، ووجدانهم نحو القضية الإسلامية، وهذا ليس بقليل.
وأذكر في التاريخ الإسلامي أن قتيبة بن مسلم كان يصطحب معه في جيوش الفتح الإسلامي الشعراء، والخطباء؛ لكي يثيروا مشاعر المجاهدين، ويرفعوا معنوياتهم، فكذلك الأديب المسلم عليه أن يقوم بدوره الإسلامي الذي يخدم القضية المسلمة والمجتمع المسلم.
هناك جهات كثيرة تقدم المساعدات للأدباء والكتاب العلمانيين، فما هي الجهة التي تقدم المساعدة للأدباء الإسلاميين؟
** الذي يساعد الإسلاميين هي الجهات الإسلامية الصادقة التي تتحرك للإسلام، وكل مسلم يتفهم القضية وجدنا عنده الحماسة، والجهات التي تساعد هي التي لديها القدرة على المساعدة، فبحمد الله هناك جهات إسلامية واعية تدرك أهمية الأدب الإسلامي، وتدرك ضرورة وجود منبر للأدب الإسلامي، فهذه الجهات تفتح الأبواب وتساعد في قضية الأدب الإسلامي.
· كيف كان تأثير أحداث البوسنة والهرسك في الأدب الإسلامي؟
** الأدب بطبيعته حساس، فلقد ظهرت كتابات، وإسهامات تبين الجانب المأساوي في حياة المسلم المعاصر، فلقد أصدرت رابطة الأدب الإسلامي ديوانا جمعت فيه الشعر الذي قيل في البوسنة والهرسك، أو بعض الذي قيل، ومعظمه لأعضاء الرابطة. وهناك دواوين بأكملها مثل ديوان الدكتور عدنان النحوي.
وللحقيقة أن الشعراء الإسلاميين ما تركوا هذه المأساة تمر دون أن يتأثروا بها، ولذلك صدرت أعمال كثيرة في البوسنة والهرسك، وهناك أعمال ترجمت إلى العربية، فيوجد أعمال أدبية في كثير من البلدان الإسلامية، في أفغانستان، في أفريقيا، فغالبية الدول الإسلامية اهتزت لهذا الحدث ولهذه الأعمال البشعة.
الأدب وأثره في التضامن الإسلامي، هل يمكن أن يساعد الأدب الإسلامي في التضامن الإسلامي؟
** لاشك أننا فرقتنا السياسة، ويجمعنا الإسلام، وعندنا الأدب الذي ينتسب إلى الإسلام الذي يجمعنا. فرابطة الأدب الإسلامي نموذج لهذا التجمع، فرئيسها الأول الشيخ أبو الحسن الندوي ـ رحمه الله ـ من الدعاة إلى الله وهو من الهند، وتضم الرابطة الأدباء من كل البلاد الإسلامية، فرابطة الأدب الإسلامي نموذج لهذا التوحد والتضامن، وهي تصدر مجلة شهرية باسم: الأدب الإسلامي.
ــــــ
(عن مجلة رابطة العالم الإسلامي ـ العدد 408 ـ السنة 36 شوال 1419 هـ ـ يناير/فبراير 1999م. ونشر في
مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (25) بتاريخ (1420هـ)
وسوم: العدد 627