مقابلة الشاعر مأمون فريز جرار
الدكتور مأمون فريز جرار .. أديب وشاعر إسلامي معاصر ، وهو أحد المسؤولين برابطة الأدب الإسلامي العالمية ، حيث يتولى مكتبها بالأردن ، ولد في قرية صانور بفلسطين عام 1949م ، ودرس بالجامعة الإسلامية عام 1987م ، وله عدة دراسات ودواوين شعرية منها : القدس تصرخ ، وقصائد للفجر الآتي ، ومشاهد من عالم القهر ، والاتجاه الإسلامي في الشعر الفلسطيني الحديث ، وخصائص القصة الإسلامية .
ويتوقف كثيراً عند قول الشعر .. ويردد : أريد شعراً يستعصي عليّ ، ويردني شعر لا أرتضيه ، ولعلنا نذكر من أشعاره :
لكن ضيفنا له رؤية واضحة كناقد يملك أدواته بمهارة عالية ، وإسلامية صافية ، وفنية معاصرة مطلوبة .
الناقد الشاعر مأمون جرار .. كيف يمكن معالجة مسألة التخطيط بخصوص الأدب الإسلامي .. وإلى متى سيتم تركه للاجتهادات الشخصية خاصة في سجلات التنظير والتقويم ؟
ـ من المعروف أن أي نتاج أدبي محلي أو عالمي لابد أن يتم بدوافع شخصية ، من خلال المواهب والطاقات الخاصة ، ولكن المهم فعلاً ، أن يدرك كل ناقد أبجديات التصور الإسلامي الصحيح ، وأن يلتقي الجميع على القواعد الأساسية لهذا الأدب إبداعاً وتقويماً ، وليس عيباً أن يتوقف أديب ما عند مرحلة معينة ، إذا أدرك أنه لن يضيف جديداً ، بدلاً من تحميل الأدب الإسلامي مسؤولية القيام بحمل البعض عليه .. وهو من ذلك براء ..
يغلب على القصة والرواية الإسلامية ، ركونها إلى التاريخ غالباً .. فكيف تنظرون إلى حق المبدع في التصرف في الواقعة التاريخية .. وما مدى فنية هذه الأعمال ؟
ـ في الواقع ، هناك فوق بين القصة التاريخية ، والكتابة التاريخية ، فالكتاب التاريخي يلتزم الحقيقة التاريخية ، بينما القصة تلتزم الحقيقة النفسية ، بالإضافة إلى المحافظة على جوهر الحقيقة التاريخية .
فالمؤرخ ينقل الأحداث كما هي مع تحليل عقلي عملي لها ، بهدف دراستها ، أما الكاتب القصصي ، فهو يتحدث عن التاريخ بمنهاجه الفني الإبداعي ، يتصور من خلاله كيف كانت الأحداث ، وحركتها ، وتفاعلاتها ، ثم يسقط هذا الحدث التاريخي على الواقع .
بمعني أن له أن يتصرف في روافد النهر ، وليس في أصل النهر ؟
ـ تماماً وأضرب لك أمثلة ما صنعه جرجي زيدان في رواياته حول التاريخ الإسلامي ، فقد كان يدخل إلى قصصه من خلال قصص " حب " موازية للأحداث التاريخية ، وقد توحي إلى القارئ بأن هذا الأمر كان واقعياً ، وكثير من الناس لا يفرقون بين القصة التاريخية التي يكتبها " زيدان " ، وبين الأحداث التاريخية التي لعب هو بأحداثها وخيوطها من الخارج ، بصورة متحيزة ، وقد تكون غير أمينة ، وهذا نموذج سلبي .
من موقعكم كناقد مراقب ومحلل للنتاج الأدبي المعاصر ، ألا تلاحظون أن أدبنا الإسلامي قد تضخم في جوانب ... وضمر في جوانب أخرى أو كاد يختفي ؟
ـ مع الأسف هناك أسماء في الميادين المهجورة التي تقصدها ، كالرواية والمسرحية مثلاً ، ولكن هذه الأسماء ـ للأسف ـ لم تثبت حضورها بشكل دائم في العمل القصصي والمسرحي بالذات ، فمثلاً لدينا بعض الأسماء الكبيرة موهبة وعطاء وتاريخاً كعلي أحمد باكثير ، وعبدالحميد جودة السحار وبعض إنتاج محمد عبدالحليم عبدالله ، وعلى رأس الجميع نجيب الكيلاني رحمه الله .
وهناك أيضاً عبدالله الطنطاوي ، ومحمد الحسناوي ، وحيدر قفة ، ولكن من أهم المشكلات التي نعاني منها في مجال الأدب الإسلامي ، أنه ليس هناك الكاتب المحترف بمعنى " القصاص " .. الذي تصبح القصة عنوان شخصيته ، أو " المسرحي " الذي تصبح المسرحية عنوانه ، أما الشعر فلدينا فيه آلاف الشعراء ، والشعر في ظني قد أصبح محدود التأثير ، إذا قيس بالقصة وبالرواية .
إضافة إلى ما سبق ، هناك اتهام دائم للأدب الإسلامي بالخطابية والمنبرية ، ما رأيكم ؟
ـ الخطابية أثر من آثار إلقاء الشعر على الجماهير ، فالشعر الذي سيلقى على الجمهور ، لابد أن تكون له نبرته العالية ، والشعر الذي يكتب ليقرأ أو يتأمل له فنية تختلف بعض الشيء عما سبق ، وأظن أن هذا الأمر ليس ظاهرة خاصة بالأدب الإسلامي ، وإنما الأدب الوطني عموماً ، فكثير من الأدب الوطني له هذه النبرة ، وخاصة في مرحلة صراع البلاد العربية والإسلامية مع الاستعمار.
لكن هذه آفة حقيقية ، أوهي ظاهرة يرثها الشعراء بعضهم على بعض ، وفي رأيي أنه يجب التخلي غن النبرة الخطابية العالمية ، والتحول إلى " الفنية " ... بمعنى أن استخدام حروف النداء " يا " " ها "... يجب أن تتراجع .
ألا ترون أن أدبنا الإسلامي المعاصرة لا يقوم بدوره الواجب في استشراق الصحوة المعاصرة ، أو حتى في التعبير الفني اللائق عنها ؟؟ وهل هذه " الكبوة " ، هي كبوة الصحوة ، التي لا تملك مبدعيها ؟ أم كبوة المبدعين الذين لا يفهمونها ؟
ـ علينا أن نكون صرحاء في هذا الأمر ، الأديب لا يصنع صناعة ، فالأدب موهبة ، والأدباء الكبار لا يظهرون إلا في فترات متباعدة من التاريخ ، فإذا نظرنا إلى الأديب الكبير باعتباره قمة جبل عالية ، فهناك تلال ... وهضاب وسفوح ووديان ، ولكن القمم العالية قليلة ، وكذلك الأشجار الضخمة قليلة ، بينما هناك أشجار بكل غابة غابة ، يخفى بعضها بعضاً .
وفيما يتعلق بالأدب الإسلامي كفكرة وكنظرية حديثة النشأة في هذه العصر ، فإن توجيه وتوظيف الطاقات الأدبية بما يتفق مع التصوير الإسلامي ، لا يزال حديثاً ، فنحن نتمنى ـ والأمنية ربما لا يواكبها شيء من الواقع ـ أن يكون الأدب الإسلامي بمستوى الفكر الإسلامي ، والأمر نفسه بالنسبة للنقد ، الذي أشبهه بعمل المهندس الزراعي ، الذي يقلم الشجرة ويهذبها ، لكي تنمو نمواً نافعاً ، وللأسف الشديد ، فإن الأدب الإسلامي ، لم يجد حتى الآن هذه المواكبة النقدية .
على سبيل المثال ، نجيب الكيلاني رحمه الله ، لو وجد نقداً في مرحلة مبكرة من حياته الأدبية على ارتفاع إنتاجه وجودته ، لكان إنتاجه على مستوى آخر من حيث العالمية .
هذه القضية فعلاً ، شكا منها نجيب الكيلاني كثيراً .. ولعلنا نستشهد بقول مشهور لنجيب محفوظ ، الذي سأله ذات مرة أحد الصحفيين قائلاً : من ترشح بعدك إذا لم تكن أنت الفائز بهذه الجوائز ، فمن يستحقها من الأدباء المعاصرين ؟ فقال : نجيب الكيلاني هو الذي يستحق كل هذه الجوائز ؟!! فمتى نقوم بأدبائنا ؟
ـ شكواك .. هي شكواي .. وهي شكوى كل أديب مسلم ، لدينا فتور نقدي ملحوظ ، ولدينا عدم تواصل أدبي بين الأجيال وبين الأقطار ، فالمشرقيون ربما لا يطلعون على أدب المغاربة والعكس ، لكن من أهم واجباتنا حالياً ، أن نكسر هذه الإقليمية من خلال اللقاءات والمؤتمرات الأدبية ، من خلال المشاركات الجماعية والدوريات والصحف ، من خلال دليل الأدب الإسلامي العالمي ، فهناك الآن دليل مكتبة الأدب الإسلامي ، لكنه للأسف مقتصر حتى الآن على ما نشر بالعربية ، ويمكننا في طبعات جديدة أن نضيف إليه الأب الإسلامي الأردي والتركي والسواحيلي ، فهذه ربما تسهم في كسر هذه العزلة .
والأمر الثاني : فإن ترجمة الأعمال الأدبية الإسلامية إلى العربية ومن العربية إلى اللغات الإسلامية ، وهذا يمكن أن يصبح خطأً جديداً يكسر هذه العزلة ، ويعرف الأدباء الإسلاميين بعضهم على بعض ، كما يعرف العالم بهم .
النظريات الأدبية النقدية المعاصرة ، إلى متى يظل الناقد المسلم يلهث وراءها كأدوات حاكمة بالنسبة له ، على الرغم من عدم ملاءمة الكثير منها لتربتنا وثقافتنا ؟
ـ فيما يتعلق بالمذاهب الأدبية الحديثة ، فإنها في الواقع صدى لأفكار فلسفية معاصرة ، وصدى لدراسات اجتماعية ونفسية ونتيجة وخلاصة للعديد من مجالات العلوم الإنسانية ، وبهذه النظرة ، فإن الأدب سواء كان شعراً أو قصة أو مسرحية أو غير ذلك ، لم يعد نصاً أدبياً ، بل صار ميداناً لتطبيق نظريات مختلفة ، وصار النص الأدبي منطلقاً لإسقاط نظريات معينة في مختلف مجالات العلوم ، وبهذه الطريقة ، فإن هذا يعتبر نوعاً من التجديد في الرؤية في العمل الأدبي ، لا بأس به ، ولكن بعض هذه النظريات للأسف ، لا يفهم بعضنا كنهها ، إذ إنها تعتبر من طلاسم الحضارات الغربية والأوروبية ، كنتيجة مباشرة لحضارة الآلة والمال والجنس ، الأمر الذي يجعل من بعض هذه النظريات عملاً من أعمال " العرافين " ، وقد قلت مرة كلمة لأحد النقاد ، قلت له : كيف نرضى أن يصبح الشاعر كاهناً ، والناقد عرافاً ، فالكاهن يقول ما لا يفهم ، والعراف يحاول أن يفك الرموز التي يلقي بها هذا الكاهن ، وهذا المنهج يفقد الأدب خصيصة البيان ، والبيان وظيفة أساسية من وظائف الأدب ، وهي رسالة يرسلها النص الأدبي أو كاتب النص الأدبي إلى القارئ والمتلقي ، فإذا فقدت هذه الرسالة في النص ، أو فقد الوضوح الممكن للنص الأدبي ، عندها يصبح نوعاً من الرموز والطلاسم التي لا تؤدي أي وظيفة ، وتصبح وظيفة اللغة كوظيفة " البغام " غير المفهوم ، وهنا ندخل في عبثية النص الأدبي ، وكأنها مؤامرة بين الشعراء والنقاد والأدباء .
ألا ترى أن الأدب الإسلامي يفرط في الكثير من عطائه المعاصر ، بمعنى أنه مقصر في التعريف بنتائج مبدعية ، كما أنه مقصر أيضاً في التعريف بهؤلاء المبدعين ؟
ـ هذا ما يدعونا إلى عمل ما يمكن تسميته " بيولوجيا إسلامية " .. ودليل مكتبة الأدب الإسلامي الموجود حالياً محدود ، ولكن يمكن أن يصدر بصورة موسعة ، مثل : دليل الشعر الإسلامي المعاصر ، دليل القصة الإسلامية المعاصرة ، دليل المسرحية ، دليل أدب الأطفال .
متى نرى لدينا مبدعين في فنون العطاء الأدبي والفني المعاصر ، كالسيناريو ، والمسلسل التلفزيوني والفيلم .. وغير ذلك ؟
ـ من شأننا كأدباء ونقاد إسلاميين أن نشجع وأن نوجه الأفراد والمبدعين والمهتمين بإنشاء مؤسسات للإنتاج الفني ، وأن يصدروا دواوين شعرهم بالإضافة إلى الكتاب ، عن طريق الشريط ، وأن نرشح الصالح من أعمالنا للإنتاج الفني ، ولدينا الآن بعض التجارب الناجحة ، لكنها لا تزال في بداياتها الأولى ، خاصة في المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية ، لكن بالنسبة للنشيد الإسلامي فأعتقد أن كل البلاد الإسلامية بها من يكتب ويؤدي ويقدم هذا النشيد ، ولا مشكلة في هذا الباب .
إذن تأتي بالضرورة الآن مسؤولية التوجيه والإرشاد إلى هذه المجالات الضرورية جداً ، ووجوب الاحتشاد لها ، وطرحها في مقدمة الاهتمامات وجداول الأعمال الأدبية الإسلامية ؟
ـ في الواقع .. فإن توجه الإسلاميين إلى الأدب كان توجهاً ضعيفاً ، وقد مرت فترة كئيبة في تاريخنا المعاصر ، كان الاتهام " بالإسلامية " اتهاماً دونه كل اتهام ، وكان الأدباء الإسلاميون " يعتبرون " في الحقبة الاشتراكية الحمراء من تاريخ أمتنا ، لكن الآن ، أظن أن الأمور قد اختلفت كثيراً على المستوى المحلي والعالمي ، ولعل وجود الرابطة العالمية للأدب الإسلامي بمكاتبها في العالم ، ووجود الصحوة حتى عند غير أبناء الرابطة ، هذا ما يبشر بالخير ..
هل يدخل في نطاق اهتمامكم كناقد إسلامي ، وكواحد من المسؤولين برابطة الأدب الإسلامي العالمية ، طرح رؤية فنية أدبية إسلامية مستقبلية ؟
ـ الضوابط الشرعية والفنية للفنون ، تم بحثها ، وهناك بعض الاختلافات بصددها ، وأعتقد أنه في عام 1990م عقد الملتقى الدولي الأول للفن الإسلامي في قسنطينة بالجزائر ، وكان هذا الموضوع مطروحاً ، وقد حضر هذا الملتقى عدد كبير من الباحثين والأدباء والعلماء على رأسهم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي ، وتمت مناقشة الكثير من الإشكاليات في التداول الأدبي والجوانب التمثيلية ، وهذه الأمور ما زالت بين أخذ ورد ، وهناك بعض البدايات الطيبة في هذا الجانب الهام الذي يضيء للمبدع المسلم رؤيته المستقبلية ، كما نوقش هذا الموضوع بمهرجان " الجاندرية " هذا العام أيضاً ، فالفكرة مطروحة ، والأفكار تتوالد وتتحاور ، ونرجو أن نصل إلى تصور سليم يتوافق وينطلق من المفهوم الإسلامي ، ويؤدي الرسالة المطلوبة بشكل جيد وجميل ..
وسوم: العدد 667