الحطيئة حين يشتغل بالدعوة إلى الله
يقول الشيخ الغزالي - رحمه الله - :
الحطيئة شاعر هجاء بسط لسانه بالأذى فى أعراض المسلمين حتى عوقب بالسجن على بذاءته.
و ولع الحطيئة بالشتم غريزة كامنة فيه تدفعه إلى التهجم الدائم، كأنما به جوع إلى نهش الناس والتطاول على أقدارهم، فإذا هاجت فيه هذه الطبيعة النابحة، ولم يجد من يسبه غدا على امرأته يقول لها:
أطوف ما أطوف ثم آوى * إلى بيت قعيدته لكاع!!
فإذا فرت امرأته من وجهه، ولم يجد من يسبه عاد على نفسه فنظر إلى المرآة ثم قال:
أرى لى وجها قبح الله خلقه * فقبح من وجه وقبح صاحبه!
وعندى أن أصحاب هذه الطباع مرضى، وربما كانت طينتهم من النوع الكلبى الذى إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث!
والناس أنواع، فيهم من يحمل بين جنبيه طبيعة الحمل الوادع، أو الثعلب الماكر، أو الأسد الهائج، أو الجمل المنقاد.
ولا حيلة لنا فى تغيير الطبائع المركوزة، وما نحاول شيئا يعز على أساطين المربين..
إلا أننا نقترح أن تسند الأعمال إلى أصحابها فى هذه الحياة على ما يلائم شتى الأمزجة، فلا تسند شئون القتال إلا إلى الرجال الأسود.
وربما صح أن يعمل فى ميدان السياسة رجال لهم ختل الثعالب.
أما الدين فأحق من يشتغل به رجال لهم صفاء الملأ الأعلى وخلوصهم من الشوائب والدنايا.
و الداهية الدهياء أن يقف فى محاريب الدين رجال من.. من شكل الحطيئة، وأن يتكلم بلسانه صنف من البشر إذا وقع الإنسان لسوء الحظ بينهم فكما يقع الطارق الغريب أمام بيت لا أنيس فيه، ما أن يقرع الباب حتى يقضم رجله كلب عقور.
رأيت طائفة من حزب الحطيئة هذا يزعمون أنهم دعاة إلى الله..
(ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول).
أولئك قوم يتمنون وقوع الخطأ من الناس، حتى إذا زلت أقدامهم وثبوا على المخطئ، وظاهر أمرهم الغضب لحدود الله، أما باطنه فالتنفيس عن رغبات الوحش الكامن فى دمائهم، يريد أن ينبح المارة ويمزق أديمهم.
علامة هؤلاء أن يضخموا التوافه ويتاجرون بالخلافات ويتلمسوا للأبرياء العيوب
والخلافات عند ذوى الأمزجة المعتدلة والقلوب السليمة لا تثير حقدا.
يرى أبو حنيفة أن القراءة وراء الإمام حرام، ويرى الشافعى أن القراءة وراءه واجبة.
ومع أن الأمر يتعلق بأهم أركان الدين فما فسق أحدهما الآخر ولا أهاج عليه الدنيا.. لأن كلا الإمامين رجل نظيف الطبع عالى الإيمان.
أما حزب الحطيئة المشتغل بالدعوة إلى الله فله مسلك آخر. كتبت مرة أقول: إن وجه المرأة ليس بعورة، وما قلته ليس من عندى، بل هو نقل عن جمهور الأئمة.
فإذا الرد السريع يقذفنى به صحافى متدين (!) كأنه رجع صدى. وفيه: (فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور).
فعرفت علة هذا الشتم، وهززت رأسى أسفا لأن الذين يمثلون الإسلام فى مستوى سحيق دون ما يزعمون.
إنها طبيعة الحطيئة هاجت أصحابها للعن والطعن. وما كان محمد صلى الله عليه وسلم لعانا ولا طعانا، ولا فاحشا، ولا بذيئا.
وقرأت مرة عنوانا عن "الشيخ المسعور" وطالعت ما تحته، فإذا هو هجاء مقذع للشيخ "على الغاياتى" المجاهد المسلم الطيب، ولمحت صورة الكاتب من خلال سطوره النابحة وكأنما أقعى على ذنبه، ودلع لسانه، وتهيأ للعض، إنه للأسف- يشتم الرجل باسم الدين.
والويل للمسلمين.. يوم يشتغل الحطيئة بالدعوة إلى الله.
وقرأت فى إحدى المجلات الدينية (!) بحثا فى جواز الصلاة على الأرض الفضاء، جاءت فيه هذه العبارات النابية ننقلها بنصها:
"من التنطع الممقوت لله ورسوله أن يخلع الزارع ثوبه ويفرشه على الأرض ليصلى- والأرض أطهر بالشمس والهواء من ثوبه.
وكذلك من التنطع الممقوت أن ترى أمامك فراشا نظيفا فتتحرج من الصلاة عليه لأنه فى نظرك الأعمى (!) ورأيك الجاهل (!) يداس بالنعال، فتراه متنجسا. وليست النجاسة فى هذا الفراش.
إنما النجاسة والقذارة فى رأسك الجاهل (!) الذى سكن فيه شيطان الجهل بهدى الرسول (!) هذه الأفكار السخيفة المضادة لصريح السنة... ".
قلت: ما ذنب القارئ المسكين حتى توجه له هذه الحشود المترادفة من ألفاظ الشتم والتجريح؟
وما النتيجة المحتومة من سوق الآراء العلمية بهذا الأسلوب النابى؟
إن كان القارئ مؤيدا لهذا الرأى فما أغناه عن هذا الخطاب، وإن كان معارضا له فهل هذا طريق إقناعه؟
ألا يستحق المسلم المعارض أن يعامل بالحسنى، كما استحق ذلك أهل الكتاب من اليهود والنصارى فى قوله تعالى: (و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن).
أهذه طبيعة الدعوة إلى الله؟
أم هى طبيعة الحطيئة فى السباب والتهجم طفحت- للأسف- على لسان ذلك الداعية المحترف.
والغريب .. أن أصحاب هذه الأساليب رؤساء لجماعات دينية تجاهد لنصرة الإسلام ..
وتريد لتمسك بيديها مفاتيح الجنة والنار.
وسوم: العدد 761