على أصحابها جنت الشهرة
تهمة واحدة لاحقت ثلاثة مشاهير ، فنان ، وداعية ، وصحفي ، وكلهم لا زالوا رهن الاعتقال والمتابعة القضائية لأن نساء رفعن ضدهن شكاوى تتعلق بالتحرش والاغتصاب . والقاسم المشترك بين هؤلاء الثلاثة هو الشهرة فنيا ،ودعويا ،وصحفيا . وجميعهم تمت متابعتهم بعد مرور زمن معتبر على ما نسب إليهم من تهم ،الشيء الذي يفرض طرح أسئلة لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها وهو : لماذا جاءت الشكاوى متأخرة ؟ وما الذي منع المشتكيات من التبليغ عن هؤلاء الثلاثة ساعة وقوع الاعتداء عليهن ، وهو الأمر المألوف بين الناس حين يقع الاعتداء ؟
ومن المعلوم أن أصحاب الشهرة مهما كان نوعها لا يسلمون من الأضواء الكاشفة المسلطة عليهم إلى درجة اقتحام الناس عليهم حياتهم الخاصة ، وبقدر ما يكثر المهتمون والمعجبون بهم ، يكثر أيضا الغيارى منهم أو حسادهم الذين يتربصون بهم ، وويل لمن أشارت إليه الأصابع .
وإذا ما استعرضنا أحوال هؤلاء المشاهير الثلاثة ، نجد أن الفنان منهم بحكم اشتغاله بالطرب والرقص لا تخلو حياته من حضور الجنس اللطيف فيها ، والذي يشاركه في طربه ورقصه كما تصور ذلك الأشرطة والفيديوهات المسجلة له . ومن كان هذا حاله يعذر وهو في عنفوان شبابه إذا ما استفزه هز الغواني خصورهن وأردافهن، وسلامته قليلة كما يقال، خصوصا مع ما دخل فن الرقص الحديث من تكسر وخلاعة مثيرة للغرائز . ولئن لم تتحرك الشهوة الفوارة لهذا الفنان الشاب أمام مفاتن الراقصات الفاتنات المائلات المميلات اتهم في فحولته . وهو إلى جانب ذلك مطارد حيثما حل وارتحل كنجم معشوق من طرف المعجبات وما أكثرهن حتى صار صيدهن الثمين الذي تترصده شباك العيون الساحرة ،والخدود المتوردة، والقدود الممشوقة . وقد تكون من اتهمته باغتصابها من المعجبات السيئات الحظ معه ، فكادت له كيد امرأة العزيز لما خاب أملها في اصطياده انتقاما منه . وليس من اليسير أن يتحول الصيد إلى صياد في مثل حال هذا الفنان . وما أشبه حكاية صاحبته بحكاية تروى عن إحدى بنات جنسها حال بينها وبين عابر سبيل نهرغمر ، فرفعت عقيرتها مستنجدة ، فلما استفسرها من الضفة المقابلة عن سبب ذلك أخبرته أنها خائفة منه ،فقال مستغربا: ولم الخوف مني وبيني وبينك الغمر؟ قالت : أخاف أن تقفز فوق تلك الصخرة ، وتتسلق تلك الشجرة ، وتتعلق بهذا الحبل ، فتلحق بي ، فدلته بذلك على سبيل الوصول إليها ،وما كان ليهتدي إليه لولا أن هدته .
ومثل الفنان الصحفي الذي لا زال هو الآخر في عز الشباب ، وتفرض عليه طبيعة عمله الاشتغال مع الجنس اللطيف ، الذي يعشق الصحافة ، والذي يتودد إليه وهو رب الجريدة ومديرها طمعا في الشغل أو الشهرة . ولئن لم تحركه هو الآخر فتن الفاتنات اللواتي يحطن به في شغله ظنت به الظنون أيضا ، و تقل سلامته هو الآخر مع شهرته الإعلامية ، وربما تنافست فيه المتنافسات ، ونصبن له الشراك ، فلم تجد سيئات الحظ معه بدا من الانتقام منه بتلفيق التهم له كصاحبات يوسف إذ قطعن أيديهن .
وليس مثل الفنان والصحفي الداعية ، ذلك أنه أقرب إلى الكهولة منه إلى الشباب ، وليس في ذلك ما يغري الغواني فضلا عن عدم إقبالهن على من يشتغل في المجال الدعوي كما يكون اهتمامهن بمن يشتغل في مجالي الفن والصحافة .
وإذا كانت المتهمات للفنان والصحفي من الصغيرات الأبكار العازبات الحسان ، فإن اللائي اتهمن الداعية من الكهلات الثيبات المطلقات اللواتي أذوت السنون زهور شبابهن ، وجاوزن سن اليأس ، وبلغن مرحلة الخوف من نشوز وإعراض البعولة .ومن الصعب تصديق إيقاع أمثالهن حتى بزير نساء بله بداعية تشغله الدعوة عن متع الحياة وملذاتها.
وإذا كان نبي الله يوسف عليه السلام، وهو من عباد الله المخلصين المعصومين قد جنت عليه شهرة حسنه وجماله ، فجعلته هدف المعجبات المفتونات بجماله واللواتي مكرن به لما راودنه عن نفسه فأعرض عنهن واستعصم ، فلا يستغرب حدوث مثل ذلك من المعجبات بالمشاهير في كل عصر ومصر. وما قص الله عز وجل في محكم التنزيل قصة نبيه الكريم يوسف عليه السلام، وهي أحسن القصص إلا لتكون عبرة لمن يعتبر، لأنه لا يمكن أن يخلو زمان أو مكان إلى قيام الساعة من ذكر تتهمه أنثى بالتحرش بها أو اغتصابها ، وهي الراغبة فيه والمتعلقة به . ولقد دأب الناس في كل عصر على الميل السريع إلى تصديق الأنثى حين تتهم الذكر بالتحرش بها أواغتصابها في حين لا يقبلون بسهولة براءته ، وكأن قدر الذكورة أن تكون دائما محل اتهام عكس الأنوثة . ومع ثبوت براءة نبي الله يوسف عليه السلام مما رمته به امرأة العزيز وصويحباتها فإن عدالة زمانه لم تنصفه، فلبث في السجن بضع سنين . ولا يستغرب أن تثبت براءة المشاهير الثلاثة الفنان، والصحفي، والداعية ، ومع ذلك يسجنون لأن وراء التهم المنسوبة إليهم تصفية حسابات تم التمويه عليها بتهم التحرش والاغتصاب .
ولا يجب أن يفهم من كلامي في مقال هذا أني أتهم المشتكيات أو أبرىء المشاهير الثلاثة لأن النفس البشرية الأمارة بالسوء لا تبرأ ، وإنما الذي حملني على طرق موضوع هؤلاء هو استغلال أطراف وجهات له لجعله مجال خوض نزال فيما بينهم تصفى فيه حسابات إيديولوجية وسياسوية ، وقد أردت تنبيه هؤلاء إلى ما جاء في رسالة الله الخاتمة للبشر ،والتي تتضمن كل ما قد يعرض لهم من أحوال بما فيها ما حدث للمشاهيرالثلاثة ،والذي لا يستبعد أن يكون مثل ما حدث لنبي الله يوسف الصديق عليه السلام . وإلى أن تقول العدالة كلمتها في هؤلاء الثلاثة ، ونرجو ألا تكون كالعدالة التي لم تنصف يوسف الصديق إلا بعد مرور بضع سنين ، سنترقب أن يحصحص الحق ، ويزهق الباطل لأن دأبه أن يكون زهوقا، وحينئذ يسقط في أيدي الذين حاولوا المتاجرة بقضاياهم.
وسوم: العدد 763