في ركب الفكر
في ركب الفكر
سالم الزائدي
( بَلِ الإنْسان عَلى نَفْسِهِ بَصيرَةُ، وَلَوْ ألْقَى مَعاذيرَهُ ){القيامة{، إن علينا أن نكشف عن طبيعة الإنسان، والمكانة التي أنزله الله فيها، وإذا كان علمنا بالحديد جعلنا نصنع منه السيارة؛ فعلمنا بالإنسان ينبغي أن يعرفنا بصناعة الإنسان الذي يقول ما يفعل ويفعل ما يقول؛ دون أن يشعر بأنه يفعل شيئا ًلا يطاق .. وبإننا فى صدد الحديث عن الفكر، لابد أن نشير بالتعريف البسيط وهو أن الفكر هو العقل الفعال وبغير هذا العقل لا توجد معرفة." المفكر جودت سعيد "
في تقديري أن الفكر لا يتقوقع ولا ينزوي... بل يتساءل دائما ًويحاول الإجابة، لكنه فى ثورته يجب أن لا يمضي بدون سلاح....إذ ليس ثمة معنى للهجوم في ركب الفكر والإستمرار فيه بدون هذا السلاح ..وسلاح الفكر يكمن في شيء واحد هو:
المعرفة وهو ما تم التعبير عنه قديما ً ب " العلم " ويسمى حديثا ً" الثقافة " ... لكن المعرفة لا تأتي وحيا ًإنها لا تهبط من السماء أو ينزل بها ملاك يودعها دماغ أحد من الناس، لابد للمعرفة: القراءة، الإطلاع، النهم في تتبع المعارف.. بمعنى أنه لا فكر بدون ثقافة، ولا ثقافة بدون فكر، ولا أحدهما بدون قراءة... والمراحل تكون (القراءة، المعرفة، فالفكر).. وإن الابتعاد عن هذا الإرتباط الذي أشرنا إليه ودون وعي به، يقودنا إلى الخبط ذات اليمين وذات الشمال، إذ يعتبر أمرا ًبالغ السوء، في حالة عدم تحقق شيء اسمه " ثورة الفكر" الذي نسعى لتحقيقه في هذه المرحلة .
ما هي ثورة الفكر...ومتى يكون الفكر ثائراً ؟؟ قد يكون الجواب متضمناً في ثناياه ...الرفض لكل أشكال الجمود والتحرر من التبعية والتقليد والإنعتاق من أسر القيود الفكرية....وهذا يعني أن الفكر ينبغي أن يكون فى حركة دائمة، يسبر الأعماق ويدخل المجهول، ويطلب الإجابة عن كل سؤال.
إلا أنه هناك مشكلة أخرى تسمى بالفكر " المسطح " وهو يسيء دائما ًللقضية التي يدافع عنها وهو يشوّه بضحالته كل القيم العظيمة، ومن هنا تنشأ مشكلة (التعبير) التي هي أساسا ً مشكلة ( الفهم ) ..أعني مشكلة (المعرفة ) فالفكر الغائم لا ينتج إلا أفكارا ً غائمة، ويأتي تعبيره غامضا ً غير واضح بسبب نقص معرفته..وبالتالي هذا يقودنا إلى ديمومة ثورة الفكر التي نبحث ونتحدث عنها، ونجاحها وقوة بصيرتها متمثلة فى قوة الرفض لما يجب أن يرفض، وقوة التأييد لما يجب أن يُـقبل.
إن حماسة الحياة هي التي تجعل أعمالنا تقترب من أعمال الغرب في التطور والابداع ..والسر أنه أو السبب في ذلك هو أكثر حماستنا دائما ً كلامية محضةُ، إذ تكون بالصراخ والصياح والتشدق ونحوها من هذه المظاهر الفارغة، التي لا تقودنا إلى فهم عميق لقيمة الحياة التي نعيش على أرضها ، ودور الإنسان العظيم فيها...بما يحب الله و يرضاه.. فما أحرانا أن نتعلم الفكر وما أحرانا أن نتعلم العمل الصالح.
من هنا ندرك أهمية الفكر وأثره في رقي الأدب وخلوده..مع علمنا بأن الصعوبات لا تزول بين عشية و ضحاها، ومع ذلك ليس أمامنا سوى أن نمضي قــــُدما ً لنجد بابا ً نتجه إليه ، وهذا الباب لابد أن نكتشفه نحنُ لا غيرنا ليكون مخرجا ً، .. وحبذا أن لا يكون المخرج روحيا ًفقط، بل نريده ماديا ً نلمسه في حياتنا اليومية..لأن الصنائع هي التي تكسب صاحبها عقلا ً! وأي عقل وأي فكر يا ترى؟ العقل والفكر الذي يتجدد بتجدد يوم جديد، يتجدد بتطور الشعب عامة ً والأسرة والفرد خاصة ً.
اليوم نحن بحاجة لقضاء وقتنا بعمل مثمر..لأننا جميعا ً نسعى لبناء مملكة عالية، تجمع بين الفكر والثقافة والمعرفة..هذا يقودنا إلى قول " المتنبي "حين جمع بين الخيل والليل والبيداء ، والسيف والرمح والقرطاس والقلم....حتى نصل مع بعض إلى متانة القول وجلاء الصورة و بلاغة اللغة و موسيقى العبارة ..وبذلك يتحقق البناء والفكر ويتحقق روعة الإنسان في دراسة ماهية التقدم والتميز والأداء.