التعليم الثانوي التأهيلي : مساهمة في إصلاح التعليم (3)
التعليم الثانوي التأهيلي:
مساهمة في إصلاح التعليم (3)
عمر حيمري
الإصلاحات المقترحة على مستوى :
البنية التحتية : على الدولة أن تنهج سياسية بناء مؤسسات صغيرة ، لا تستوعب أكثر من 700 تلميذا ولا تتجاوز 30 حجرة ، بما فيها المختبرات مع بنية تربوية لا تتجاوز 26 قسما ، وبدون طوابق ولا أماكن أو ممرات سوداء بعيدة عن الأنظار يمكن أن تكون مصدر إزعاج للإداريين ، وانحراف للتلاميذ ، مع إعادة النظر في تصاميم بيوت النظافة وموقعها الجغرافي بالمؤسسة ، لأنها غالبا ما تكون بعيدة عن أعين الإداريين ، محكمة الإغلاق ، الشيء الذي يسهل جل التجاوزات السلوكية والأخلاقية التي تتم بالمؤسسة ، توزيع مكاتب الإداريين على الأجنحة بحيث تكون قريبة من الأقسام ، لتمكين افداريين من التدخل السريع كلما دعت الضرورة لتطويق المشاكل وحصرها ، قبل أن تتحول إلى عنف ، عزل ساحة الرياضة البدنية عن الأقسام الدراسية تلافيا للضجيج والتشويش والصراخ، إلى جانب توزيع الحصص الرياضية بشكل لا يؤثر سلبا على الحصص الدراسية ، إذ يستحسن أن تدرج الحصص الرياضية بعد الحصص الدراسية تفاديا للتعب وروائح العرق والتأخر والفوضى ... وما ينتج عن ذلك من عدم التركيز والاهتمام بالدرس والأساتذة أنفسهم يبدون عدم ارتياحهم ويشتكون باستمرار من حصص الرياضة البدنية التي تسبق حصصهم معبرين عن ذلك بقولهم : ( راهم قتلوني برائحة العرق والحذاء الرياضي والحصة ضاعت غير في الكحة أي السعال ) . إحداث قاعة للرياضة البدنية مجهزة بالمستلزمات الرياضية المتنوعة والحديثة ، يشرف عليها متخصصون تكون مهمتهم اكتشاف الطاقات الرياضية المتنوعة لدى التلاميذ واختبار قدراتهم الجسمية وتشجيعهم على التنافس للرفع من مستوى الرياضة الفردية ...
بعض المؤسسات تتوفر على مساحات شاسعة يمكن استغلالها للسكن الوظيفي الخاص بالأساتذة والإداريين لتلافي تأخراتهم أو تغيبهم ،مع ضمان دخل قار للمؤسسة ، تجميع الأقسام الداخلية بمؤسسة خاصة بإسكان وإطعام الداخليين تشرف عليها إدارة مستقلة عن رئيس المؤسسة ويشرف عليها السيد النائب مباشرة ، مع تحديث القانون الداخلي الخاص بالقسم الداخلي ، لأنه لم يطرأ عليه أي تغير منذ الفترة الاستعمارية ، ولأنه أصبح غير صالح ولا قابل للتطبيق ولا يحترم من طرف التلاميذ وغالبا ما يكون مصدر التشنجات التي تقع بين الإدارة والتلاميذ و سببا في الإضرابات التي تقع في القسم الداخلي ثم تنتشر في المؤسسة الأصلية والمؤسسات المجاورة لها بحكم تضامن التلاميذ ورغبة بعضهم في الشغب وافوضى والتملص من الدراسة ...
يعتبر التعليم الثانوي الـتأهيلي قنطرة لابد من اجتيازها للالتحاق بالتعليم العالي أو بالحياة العامة ، وهذا ما يجعل البنية التحتية تحتاج إلى بعض التعديل والتميز عن البنية التحتية في المؤسسات الابتدائية والإعدادية ، كتوفير المختبرات العلمية بالعدد الكافي مع تحديث تجهيزاتها وصيانتها باستمرار ، إلى جانب عقد شراكة مع الجامعة والولاية والمصالح البلدية لإتلاف المواد الكيماوية المتلاشية ، لأن المؤسسة ليس لها من الإمكانيات ولا الخبرة الكافية للقيام بمهمة الإتلاف ، ولأن بقاء المواد الكيماوية في المختبرات وربما لسنوات عديدة يشكل خطرا على الأساتذة والتلاميذ . ( كثيرا ما يقوم الأساتذة بجرد المواد الكيماوية المتلاشية ويراسلون بتنسيق مع الإدارة وتحت إشرافها الجهات المسؤولة ، ولكن لا يتوصلون بأي رد إيجابي ) . لذا أرى من الضروري تخصيص مكان آمن ومحصن توضع فيه المواد الكيماوية ويشرف عليه الأستاذ المنسق للمادة ، وتكوين لجنة من منسقي مادة الفيزياء والكيمياء على صعيد النيابة ، تنعقد كل ثلاثة أشهر ، لجرد وتحديد المواد الكيماوية المتلاشية ، التي لم تعد صالحة ، ثم النظر في وسيلة وطريقة إتلافها دون أن يضر ذلك بالبيئة أو يشكل خطرا عليها . وبهذه المناسبة أذكر ، أن الفيضانات التي أصابت كلية العلوم سنة ( 2007 – 2008 ) جرفت العديد من المواد الكيماوية ، منها كمية هامة من الزئبق ( تحدث البعض آن ذك عن حوالي 30 كلغ ) . وهذه الكمية كافية لتلويث الفرشة المائة بالمدينة وإلحاق الأذى بالبيئة ، مع العلم أن كلية العلوم بجامعة محمد الأول بوجدة نفسها ، ليس لها من الإمكانية ما يمكنها من إتلاف المواد الكيماوية ، الشيء الذي قد يدفع الطلبة إلى إلقاء هذه المواد في مجاري المياه للتخلص منها وهذا سيحدث حتما ضررا بالغا بالبيئة والمحيط بما فيه الغطاء النباتي والفرشة المائية والتالي صحة السكان ... ( أعلى نسبة الإصابات بمرض السرطان على صعيد الوطن تعرفها مدينة وجدة ، والمسؤولون يتكتمون عن الأسباب ) .
توفير مساحة للتجارب والبحث العلمي في مجال الزراعة يشرف عليها أساتذة علوم الحياة والأرض ، وأخرى خاصة بالبستنة والتشجير بهدف التربية على المحافظة على البيئة والتحسيس بأهمية تخزين الماء والتفكير في أحسن الطرق التقنية لترشيد استهلاكه والبحث الزراعي والعمل في مجال الزراعة والتشجيع على العمل العضلي واليدوي في الفلاحة ، وتنظيم رحلات دراسية إلى الضيعات الفلاحية القريبة ، وخاصة منها تلك التي تعتمد التكنولوجية الحديثة لاستئناس التلميذ وتحسيسه بأهمية الريف وربطه بالأرض وتكوينه ميدانيا في المجال الفلاحي والرعوي والغطاء النباتي ، إلى جانب عقد شراكة مع أصحاب الضيعات للسماح للتلاميذ الراغبين بالتربص في ضيعتاهم أثناء عطلة آخر السنة والعطل البينية وفي أوقات فراغهم ... لاكتساب التجربة والخبرة الفلاحية والتعود على العمل العضلي ،لأن المغرب بلد زراعي واقتصاده يقوم على الزراعة ويحتاج إلى فلاحين في المستقبل زيادة على أن الفلاحة وتربية المواشي وصناعة الكلأ يمكن لها أن تمتص كل الأيادي العاطلة في المغرب وتزيد .
القيام بحملات النظافة يشارك فيها الأساتذة والإداريين والآباء والجماعة المحلية ، وذلك لنشر وتكريس ثقافة حماية البيئة من التلوث وتزيين المؤسسة وحمايتها من التخريب والكتابة على الجدران المخلة بالأخلاق والمقدس الوطني أحيانا والتي تكلف ميزانية مادية سنوية قد تعجز مصلحة الاقتصاد عن سدادها .
توفير الموارد الرقمية والتكوين والقاعات المتعددة الوسائط وإحداث مختبر للغات الأجنبية خاصة الإنجليزية كوسيلة تعليمية وتجهيز جميع الأقسام بالوسائل التعليمية الحديثة ، كالحواسب والعاكسات الضوئية ... استغلال وتفعيل قاعات جيني للإعلاميات على شرط إدارتها من طرف لجنة من الأساتذة يرأسها أستاذ الإعلاميات والصيانة وليس المدير أو المقتصد ، لأن التجربة أثبتت أن قاعات جيني تظل مغلقة ومعطلة عندما يكون المدير أو المقتصد مسؤول عنها لتخوفهما من تحمل مسؤولية الحواسب والتجهيزات التابعة لها وصيانتها وحماية العتاد المعلوماتي من النهب والتخريب والسرقة...القيام بعمليات التحسيس بأهمية تكنولوجية المعلومات والاتصال في المجال التربوي مع نشر نموذج تربوي يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتكوين المزيد من أطر تقنيي الصيانة .
تتوفر كل مؤسساتنا التعليمية على مكتبات قيمة ، ولكن دورها غالبا ما يتوقف على كراء كتب المقررات الدراسية في بداية السنة واسترجاعها في نهايتها ، وتبقى الكتب الترفيهية والثقافية والعلمية معطلة فوق الرفوف، دون أن يهتم بها أحد ، ولذا أرى من الضروري أن تستغل هذه الثروة من الكتب من طرف التلميذ وذلك بإحداث حصة خاصة بالمطالعة تكون إلزامية خاضعة لاستعمال الزمان ، يضعه الناظر والقيم على الخزانة ، ولتحفيز التلميذ على المطالعة ودفعه لكسب ملكة القراءة والإدمان عليها يقيم اهتمامه بالمطالعة ومثابرته عليها من طرف القيم على الخزانة وتمنح له نقطة تؤخذ بعين الاعتبار في انتقاله من مستوى إلى آخر . عقد شراكة بين المؤسسة العسكرية ووزارة التعليم بموجبها تسند مادة الرياضة البدنية إلى المؤهلين من ضباط الصف لتدريب وتكوين تلاميذ المرحلة النهائية تكوينا عسكريا ، لأن بعض ثغور المغرب ما زالت محتلة ولأن حساد المغرب وأعداء نظامه واستقراره والطامعين في خيراته كثر في الداخل والخارج . تأهيل الساحات الرياضية وإنشاء قاعات للرياضة البدنية ، الاهتمام بالأنشطة الموازية والأندية الثقافية والرياضية .
الموارد البشرية :
مشكل الموارد البشرية في التعليم الثانوي التـأهيلي مزدوج ، فجانب منه مرتبط بالأطر الإدارية والآخر بأطر التدريس وما يعرفه من خلل في سوء تدبير الفائض على صعيد المؤسسة والنيابة والأكاديمية ، إذ نجد مواد تعرف التخمة في المدرسين و أخرى لا تجد من يدرسها أو تعرف نقصا حادا ، وفي المؤسسة المجاورة قد نجد العكس تماما فنفس المادة والتكن الفلسفة مثلا أو التربية الإسلامية أو العربية أو الإنجليزية ... تجدها تعرف فائضا في المدرسين في المؤسسة رقم واحد (1) ونقصا في المؤسسة رقم اثنان (2) والأستاذ يرفض الالتحاق بالمؤسسة التي تعرف النقص ولو كانت مجاورة لمؤسسته الأصلية بحجة التعيين في المؤسسة الأصلية ، والرغبة في المحافظة على الأقدمية، وله جدول حصص . بينما المطلوب هو ترشيد التوزيع الزمني للبرامج والتوظيف والتوزيع الأمثل للأساتذة الفائضين ، وذلك باستكمال الغلاف الزمني الأسبوعي المثبت في جدول الحصص لكل مدرس ، وإلا ستمس أجرته باقتطاع الساعات غير المنجزة أو المتغيب عنها ، وهذا الإجراء من شأنه أن يدفع الأستاذ إلى المطالبة بجدول حصص كامل أو جدول ثاني مكمل لجدول حصصه الأصلي في المؤسسة المجاورة ، ويحد من الإضراب وإن كان حقا دستوريا . كما يجب أن يطبق هذا الإجراء على الأستاذ الجامعي والملحق الجامعي ، فهو الآخر عليه أن يستكمل الغلاف الزمني لجدول حصصه بالاشتغال في الثانوي التأهيلي وخاصة بالأقسام النهائية ، وإلا تعرضت أجرته للاقتطاع مع إخضاعه للمراقبة التربوية كأساتذة التعليم الثانوي دعما للمردودية والجودة ، لا سيما وأن بعض الأساتذة الجامعيين لا يحضرون إلى الجامعة إلا نادرا بحجة التفرغ إلى البحث العلمي ، وهم أصلا لا يهتمون بالبحث العلمي ولا يقرؤون ، وجلهم لم يكتب سطرا واحدا منذ تخرجه ، وإنما تنسب أو تضاف أسماؤهم إلى المقالات التي يكتبها الطلبة في أحسن الأحوال . يتغيبون بدون إذن ولا إعلان متى شاءوا ولا رقيب عليهم ولا محاسب لهم ، شغلهم الأساسي غير التدريس ، وترقيتهم مضمونة بفعل الزمان ( الأقدمية غير المنتجة ) وهذا ما يفسر احتلال جامعاتنا الصفوف الأخيرة عالميا وتدني وهبوط مستوى خريجيها .
لكن لا بد أيضا من الإشارة إلى الحالة النفسية والاجتماعية ودورها الخطير في معاناة المدرس والطاقم التربوي بصفة عامة والمتمثلة في التفكير في التقاعد النسبي ، كمخلص من جحيم القسم الذي أصبح لا يطاق ، وفي نظرة المجتمع الدونية للمدرس المعبر عنها في الطرفة والنكتة وأساليب الشفقة (المعلم مسكين ) ( هذاك غير معلم ) ووصفه بالبخل وقبض اليد إلى العنق والسخرية منه والتشهير به ... بالإضافة إلى الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام والذي كثيرا ما يحط من قيمة المعلم ويعرض به ويتجاهل الدور الجهادي الذي يقوم به المعلم والعالم والفقيه في خدمة تنمية الوطن ومحاربة الجهل ... وفي مقابل ذلك يشيد بالمغنين والرياضين والراقصات والشيخات والفكاهيين ويسمح لهم بالتندر بالمعلم على المباشر ... ويعلي من شأنهم بحجة الفن ...
كل هذا أثر على صورة المدرس والمدرسة وترديها في نظر المجتمع ، كما أثر على نفسية المدرس ونظرته لمهنة التدريس ، فتحول من حامل رسالة نبيلة تعد بتغيير المجتمع والرقي به إلى مجرد موظف يفكر باستمرار في مغادرة مهنته ويبحث عن الأعذار التي تريحه منها ، ككثرة التأخرات والتغيبات والرخص الطبية ... لأنه اقتحم مهنته مضطرا تحت ضغط البطالة دون استعداد أو ميول مهني ، الشيء الذي يخلق للمدرس مجموعة من المتاعب المهنية والنفسية وعدم القدرة على الاندماج والمسايرة وضعف المردودية ، ويدفعه إلى الاشتغال بغير وظيفته ، كالاشتغال بالتجارة أو الموسيقى والغناء ... لازدرائه لوظيفته من جهة ولإخفاء ما يشعر به من دونية ونقص اجتماعي . أضف إلى ذلك شعوره بعدم القدرة على مواجهة التلاميذ وضبط القسم والحد من الفوضى فيه ، ومسايرة تغييرات البرامج والمناهج ، التي لا تكاد تعرف الاستقرار مع ضعف التكوين المستمر ، الذي غالبا ما يلتهم المال العام ، إذ تحضره موائد الطعام ويغيب عنه التكوين الإيجابي ، الفعلي والبحث العلمي .
أما المشاكل المرتبطة بالجانب الإداري فهي عديدة وذات بنية مركبة ، منها : النفور من الإدارة بسبب انعدام الحماية القانونية و التعويض عن المهام الإضافية ، وتحمل المسؤولية الكاملة عن المؤسسة ، حتى أثناء العطل والنقص في الحراس العامين والمعيدين وحراس الداخلية والأعوان والبستانيين وحراس الأمن مع كثرة الأعباء . بالإضافة إلى هذا فالإداري يرى نفسه معرض للإعفاء في أي لحظة يغضب فيها عليه رئيسه ، لعدم وجود إطار ينتمي إليه ، فهو مكلف مؤقتا بمهمة يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة وتعويضه بآخر ...
إن جهاز المراقبة التربوية بدوره يعرف العديد من المشاكل منها (1) عدم وجود الثقة والشفافية بين الإدارة التربوية وهيأة التفتيش ، الشيء الذي ينتج عنه التستر على المقصرين في عملهم وينعكس سلبا على دور المراقب التربوي ويعرقل عمله ، زيادة على الإهمال والتهميش الذي تتعرض له تقارير المراقبين التربويين ( عدم استثمار التقارير ) . (2) العدد الهائل من الأساتذة المسؤول عن مراقبتهم وتأطيرهم ،( ارتفاع نسبة التأطير ) (3) المشاركة في لجان المصاحبة للإداريين وإقرارهم في مناصبهم .(4) التكليف بالمراقبة والترقية وتتبع الأساتذة في أكثر من نيابة وأحيانا تسند أكثر من جهة للمراقب التربوي الواحد بتعويض زهيد أو بدونه ... إلا أن النقص الموجود في المراقبين التربويين يمكن تداركه عن طريق التعويض بالمرشدين التربويين مؤقتا وفتح مدارس تكوين المفتشين في كل الاختصاصات .
أما في مجال التوجيه فالملاحظ أنه انحرف عن المهام التي وجد من أجلها والتي يمكن أن نلخصها فيما يلي : تقديم الاستشارة ، التوجيه ، المصاحبة ، المقابلة ، التأطير ، الإحصاء ، الدعم السيكولوجي للتلاميذ ، القيام بعملية تمرير الروائز وكتابة ونشر التقارير بشأنها ....ولكن يبدو أن هناك معوقات تحول دون القيام بمهمة التوجيه والاستفادة منها ، والاقتصار على الإعلام المدرسي .
المناهج والبرامج :
إن الاستقلال التربوي يبدأ من نبذ استيراد المناهج والبرامج التربوية وتبني نهج تربوي وطني يعتمد الفلسفة والرؤية الإسلامية في تحقيق مشروع المجتمع الإسلامي . وهذا يتطلب رسم فلسفة واضحة للمرامي والغايات التي نريدها ونهدف إلى تحقيقها وهي تشكيل وتكوين عقلية أبنائنا لتصبح عقلية علمية ترى الكون والحياة وما بعدها بالمنظار الإسلامي وتنأى بنفسها عن التبعية الغربية والسقوط في شباك الغرب الذي يحاول التغلغل داخل مجتمعنا عن طريق التعامل التربوي ، وهذا لا يتم إلا عبر المناهج والبرامج المنقحة التي نختارها بوعي ونطبقها بعناية بعد إعادة صياغتها على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة والتي من شأنها الحفاظ على هويتنا وخصوصياتنا الدينية والثقافية والوطنية وتحمينا من القابلية للسيطرة علينا وتبعث فينا روح الرفض والمقاومة للنموذج الفكري العلماني والسياسي الديمقراطي الذي يحدده ويختاره ويصدره لنا الغرب .
إن الإصلاح لا يكمن في تغيير البرامج والمناهج بل في نوعيتها واستقرارها وكيفية التعامل معها ، فإذا أخذنا مثلا برنامج الفلسفة نجده يفتقر للاستقرار اللازم للتمكن من المادة والفهم ، فهو يتغير كليا أو يعرف بعض التعديل مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات تقريبا ، وذلك بفعل اختلاف الرؤى السياسية للقائمين على الشأن التربوي وصراعاتهم الإيديولوجية ، فبرنامج مقرر الفلسفة لم يعرف الاستقرار على صعيد الكم والكيف منذ 1978 والمقرر الحالي للسنة الثانية من سلك الباكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية المسطر في الكتب الثلاثة : رحاب الفلسفة - منار الفلسفة - مباهج الفلسفة لا يهدف إلى المحافظة على هويتنا الإسلامية وثوابتنا الوطنية ومقدساتنا الدينية بدليل أن النصوص والمادة التعليمية الواردة في الكتب المدرسية السالفة الذكر خالية تماما من أية آية قرآنية أو حديث نبوي شريف ومتضمنة نصوصا كلها لغربيين علمانيين أو متأثرين بالفكر الغربي كفاطمة المرنيسي ، وعبد الله العروي ، وعبد الله حمودي ...تناولت قضايا فكرية ، كالعنف والغيرة والحرية والحق والعدالة والسعادة والنظرية .... من منظور فلسفي غربي يعتمد منطق القوة ويستهدف قيمنا ومعتقداتنا الدينية والوطنية . ولذا أرى ضرورة تنقيح المناهج والبرامج التعليمية الحالية وإعادة صياغتها على أساس الجمع بين الأصالة والمعاصرة مع التركيز على استهداف التربية على سلوكيات أخلاقية ، تنسجم مع قيمنا الدينية دون السماح لتدخل المناهج والبرامج الغربية ذات الطابع العلماني والتي توحي بالعنف وتحث عليه ( فلسفة القوة ) . أما تدريس المواد العلمية فيحتاج إلى الحسم في اختيار لغة تلقي العلوم والكف عن مغازلة مشاعر الأمة ، وللرفع من جودة ومستوى اللغات الأجنبية وخاصة الإنجليزية والفرنسية ، فلا بد من برمجة ساعات تفويج التلاميذ ، حتى يتسنى لهم الاستغلال الأمثل لاستعمال اللغة ، وإعطاء الحرية الكاملة للأستاذ في اختيار المواضيع الملائمة لتلامذته على شرط التقيد بالتعليمات الرسمية وعدم الخروج عنها ، وحث التلاميذ على التعلم الذاتي وتشجيعهم باحتساب نقطة تمنح لهم حسب المجهودات المبذولة في المراقبة المستمرة والتحضير المنزلي .
المفروض في التعليم الثانوي التأهيلي أن يعد التلاميذ ويؤهلهم للحياة العامة ، لأن القلة منهم هي التي ستتابع دراستها العليا وانطلاقا من هذه الفرضية يجب تعديل البرامج الحالية بحيث تضاف إلها بعض المواد التقنية ذات الصلة بالواقع والتي يمكن أن تساعد التلميذ على الاندماج في الحياة العامة ، كتعليمه تقنية الري بالتقطير وتقنية إنتاج واستغلال الطاقة النظيفة ( الشمسية والريح ) في ضخ الماء والسقي والتدفئة والطبخ ... إلى جانب تدريسه مواد أخرى مرتبطة بتقنية الزراعة وما يرتبط بها من أسمدة وأدوية مبيدة للحشرات والنباتات الضارة وتربية المواشي وصناعة الأعلاف ... تدخل ضمن التقييم الدراسي وتؤخذ بعين الاعتبار في الانتقال من مستوى لآخر .
ن تدريس هذه المواد التقنية قد يبدو غير قابل للتطبيق لتجاوزها إمكانيات المؤسسة ، ولكن الحل يكمن في عقد شراكة مع أصحاب القطاعات المختصين في هذه التقنيات المختلفة ، بهدف تكون التلاميذ أثناء عطلة آخر الأسبوع والعطل البينية والسنوية مقابل بعض الامتيازات إما ضريبية أو معنوية كتسليم شواهد اعتراف بالكفاءة التقنية مثلا للمكونين التقنيين.
تدبير الزمان المدرسي
الزمن المدرسي يتجاوز المفهوم التقليدي لتدبير الموسم الدراسي وإحصاء الحصص الدراسية وأيام العطل بل اعتماد استعمال الزمن لا يرهق التلميذ جسميا ويسمح له باستغلال قدراته العقلية في التعلم والتحصيل ( التلميذ المغربي يدرس أكثر من 230 يوما في السنة على خلاف العديد من الدول الأخرى – فرنسا مثلا 144 يوما ومع ذلك تبقى النتائج متواضعة - ) ويعطي فرصة للأستاذ للاستعداد والتكوين الذاتي ، ليتمكن من فهم المقرر واستيعابه وبالتالي التعامل معه بمنهجية تمكن من الرفع من المردودية ومن المستوى التعليمي .
محاولة تجنب الهدر الزمني الناتج عن الغياب المبكر للتلاميذ بحجة الاستعداد للامتحانات أو الالتحاق المتأخر بسبب عدم احترام موعد التسجيل أو تغيير المؤسسة ( طلب الرغبة في تغيير المؤسسة لأسباب وجيهة يجب أن يكون ويوافق عليه في آخر السنة الدراسية ) والتراخي في توفير الأدوات المدرسية أو الخصاص في الموارد البشرية خاصة في بداية الموسم الدراسي ، الذي لم يدبر في الوقت المناسب سواء بالنسبة للخريجين الجدد أو للمشاركين في الحركة الانتقالية أو لإعادة الانتشار والتعيينات المباشرة .
كل هذه الأسباب يمكن تفاديها بقليل من الجهد والتضحية والتخطيط المعقلن والحكامة الجيدة في التدبير الزمني ، ومن ثم ربح الزمن الكافي لإنهاء المقرر ، الذي غالبا ما ينعت بالطول وعدم التلاؤم مع الفترة الزمنية المحددة له وتلافي الهدر الزمني ذو الأسباب العديدة المرتبطة بالعامل البشري والبيئي الطبيعي.