مسؤولية الشعوب الإسلامية والعربية وأنظمتها أمام الله عز وجل عما يحدث للشعب الفلسطيني
إن الأمة الإسلامية والعربية تمر بفترة ذل وهوان غير مسبوقة في تاريخها ،وهي حال أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتها فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ".
هذه حال الأمة الإسلامية عربها وعجمها، وهي اليوم كثيرة مليار وثلث أو ونصف المليار ،لكنها غثاء كغثاء السيل ، وقد نزع الله عز وجل من صدور الصهاينة ومن يواليهم المهابة منها ، وقذف في قلوب أهلها الوهن لأنهم تهافتوا على الدنيا تهافت الفراش على النار ، وأقبلوا عليها بنهم غير مسبوق حتى بلغوا درجة التشبث بها والرضا بالهوان والإذلال من أجلها ، وبلغ بهم الجبن درجة سخرية واستهزاء العدو الصهيوني بهم حيث أقام بالأمس حفلا بمناسبة فتح الإدارة الأمريكية سفارتها في مدينة محتلة ،وفوق أرض مغتصبة بالقوة . وليست مدينة القدس مجرد مدينة ككل المدن، بل هي مدينة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، وهي ترمز إلى شرف وكرامة الأمة الإسلامية ، كما أنها تمثل مشاعرها الدينية التي تعتبر خطا أحمر تكون دونه التضحية بالمهج والدماء . ولقد اختار العدو الصهيوني ظرف مرور 70 عاما على احتلال أرض لم يكن لكيانه وجود عليها ، واختار ظرف مرور قرن من الزمن على وعد الصهيوني بلفور المشؤوم ،واختار فترة انتخاب أشرس إدارة أمريكية تصرح جهارا نهارا بعدائها للإسلام والمسلمين ، وعن دعمها اللامشروط له، واختار ظرف ترهل وانبطاح معظم الأنظمة العربية وتهافتها على التطبيع معه على حساب القضية الفلسطينية تحت مسمى صفقة القرن ، وهي أكبر وصمة عار على جبين الشعوب العربية والإسلامية وأنظمتها التي تفوح من معظمها رائحة الخيانة لله ولدينه ولرسوله وللأمة وللقضية المقدسة ، اختار العدو الصهيوني كل هذه الظروف وما خفي أعظم ليحتفل بإعلان مدينة القدس عاصمته الأبدية على حد زعمه ،وينحر بالمناسبة عشرات الشهداء في قطاع غزة، فضلا عن مئات الجرحى ليشرب نخب هدرالدماء الفلسطينية . ولم تحرك الأمة ولا قادتها ساكنا بل عبرت عن رضاها بما يفعل العدو بها بالصمت القاتل المعبر عن مدى غثائيتها ورضاها بالدنية التي لا يرضاها لها دينها . ولقد بات من الواضح أن مواجهة العدو الصهيوني يجب أن تبدأ بالتخلص من الأنظمة الخائنة التي تتهافت على التطبيع مع العدو الصهيوني ،وتعترف له صراحة باحتلاله لأرض فلسطين وبما تسميه حقه في الدفاع عن نفسه . ولقد كان استرجاع القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس من يد الصليبيين مسبوقا بالقضاء على فلول الخونة يومئذ الذين كانوا سببا في إضعاف الأمة . وما لم تتخلص الأمة من الأنظمة المعبرة صراحة عن الرغبة الملحة في التطبيع مع العدو الصهيوني ، فإنها ستبقى رهينة مرحلتها الغثائية الحالية إلى ما لا نهاية . ولا مندوحة لها عن دفع الوهن عنها لاسترجاع كرامتها التي مرغها عدوها في الوحل المنتن .
وإن الأمة بعربها أولا وعجمها ثانيا وأنظمتها ثالثا مسؤولة أمام الله عز وجل عما يحدث فوق أرض فلسطين . وعلى الأنظمة التي تستعرض قوتها وعضلاتها على بعضها البعض أن ترينا شجاعتها أمام أجبن عدو على الإطلاق والذي استأسد وتنمر عليها ،وأذاقها كأس الهوان ،وفرض عليها أقسى جزية عبر التاريخ حتى قال قائلنا إن ما قدمته هذه الأنظمة من جزية للإدارة الأمريكية فاق ما قدمه الصليبيون للمسلمين من جزية عبر التاريخ أضعافا مضاعفة.
ولا وقت للفلسطيين اليوم لهدر الوقت الثمين في الخلاف واختلاف الشعارات، ذلك أن العدو الصهيوني لا يفرق بين فتح وحماس أو بين متدين وعلماني . ومن طوعت له نفسه اليوم أن يتفرج على أخيه وهو يقتل أو ينزف ،فإن دوره سيأتي قريبا . وكل خيار غير خيار مواجهة العدو الصهيوني هو خيانة لله وللإسلام وللرسول وللأمة . ولا عذر لهذه الأمة إذا هي لم تغسل عار الغثائية والمهانة والذل اليوم وليس غدا .
وسوم: العدد 772