ترامب
في شهر أيار أعلنت العصابة الصهيونية قيام دولة "إسرائيل".
وفي أيار وبعد سبعين عاما نقل الرئيس الأميركي سفارة بلاده إلى القدس وأعلن دون تردد أنها عاصمة الدولة اليهودية.
دونالد ترامب يتعامل مع العرب باعتبارهم كائنات زائدة لا لزوم لوجودها.
وفي أيار توفي ثعلب الصحراء (لورنس العرب ) القائل في وصف العرب :
"لا أدرى كيف يمكن للإنسان أن يثق بالعرب أو أن يأخذهم على محمل الجد، عرفتهم جيداً ومعرفتهم لا تساوى العناء الذى تحملته لكى أعرفهم"!
بتاريخ 19 أيار / مايو 1935 م
تُوفي ضابط الاستخبارات البريطاني توماس إدوارد لورانس، بعد ان كتب،
"أعمدة الحكمة السبعة" وقال فيه عن العرب .
"إننى فخور ومستريح الضمير، لأن الدم الإنجليزى لم يسفك فى المعارك الثلاثين التى شهدتـها، فالعرب الذين أتقنت خداعهم وسقتهم بمئات الألوف إلى مذابح انتصارنا لا يساوون فى نظرى موت إنجليزى واحد، وكنت أعرف مبكراً أن وعودنا لشريف مكة لم تكن تساوى الحبر الذى كتبت به" .
هذا هو لورانس الذى أطلق عليه "ملك العرب غير المتوج" و"سلطان الصحراء العربية" والذى حمل أرفع النياشين البريطانية !.
وفى كتابه "ثورة فى الصحراء" لخص لورانس سياسة بريطانيا فى جملة بالغة الدلالة: "لقد وضعنا بمهارة مكة فى مواجهة الأستانة والقومية ضد الإسلام".
هل سيتكرر المشهد من جديد وتوضع مكة في محاصرة الحلم العربي بالحرية والنهوض؟
لم يخجل بعض العرب من انفسهم وهم يشاهدون الدم العربي المسفوح في غزة، ولم يرجف لهم جفن وهم شهود على رد الفعل التركي بطرد السفير الصهيوني من أنقرة، رفضاً للإرهاب والاجرام "الإسرائيلي" في فلسطين .
لورنس قال: (بأنهم فكروا فى مستقبل العالم العربى بعد الحرب العالمية الأولى، ووجدوا أنه ينقسم إلى قسمين، ففى الشمال دول متقدمة نسبيا لوجود أنهار وفيرة وحضارات قديمة وطبقات نالت حظاً من التعليم، بينما فى الجنوب صحراوات جرداء لا يزال البترول فى باطنها)، وكتب: "لو أننا أعطينا الاستقلال للدول المتقدمة نسبياً، فسرعان ما تتقدم وتتحول للصناعة وتصبح خطراً علينا، ولذلك منحنا الاستقلال لليمن والحجاز، وفرضنا الحماية والانتداب على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين".
هكذا لخص لورانس سياسة الغرب فى تقسيم العرب ومنع تقدمهم اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً.
حياته انتهت في منتصف العمر في حادثة دراجة نارية بعيدا عن الجزيرة العربية التي شهدت "الخديعة الكبرى" التي ارتكبها بحق رفاقه العرب،
وكانت بريطانيا قد وعدت العرب بدولة مستقلة خاصة بهم بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، إلا أنه في عام 1916 تحديدا، كان الفرنسيون والبريطانيون قد أبرموا فيما بينهم اتفاقا سريا لتقسيم الشرق الأوسط.
وكانت اتفاقية "سايكس بيكو" التي رسمت بخطوط طويلة مستقيمة تارة ومائلة تارة أخرى، حدودا في الرمال، وضعت بموجبها سوريا ولبنان تحت سلطان الإدارة الفرنسية، بينما وضعت فلسطين والأردن ومنطقة الخليج والعراق تحت سلطان الإدارة البريطانية.
كانت رؤية لورنس هي أن الهدف الأساسي أمامه طرد الأتراك من الجزيرة العربية وهيمنة القوات البريطانية والتمهيد لمشروع "الدولة اليهودية" الذي صاغه ثيودور هرتزل، ووعده به آرثر جيمس بلفور وزير خارجية إنجلترا في عام 1917 في ما عُرف بـ"وعد بلفور".
لورنس ليس شبحا أو خيالا من الماضي، إنه جزء من حاضر لا يزال يتكرر، فنتائج "الخديعة الكبرى" تمثلت في قيام "إسرائيل" وفي الحدود المصطنعة بين الدول العربية.
لا تزال "سايكس بيكو" تحكم المزاج العربي بثقلها وتلقي بظلالها على العواصم العربية الغارقة بالدماء والتخلف والجهل والفوضى، ولا يزال لورنس يتكرر عبر أكثر من زعيم او دبلوماسي غربي يعيد إنتاج "الخديعة الكبرى" لكن بمقاربات وبصيغ أخرى.
هل العرب معذورون اذا قبل انهم تعرضوا لخديعة كبرى؟ والحرب خدعة ..
ام ان بعضهم شريك في المؤامرة وضالع بها منذ البداية ؟.
ومع كل ذلك.
فإن مشروع التقسيم الجديد أقرب من اي وقت مضى ، والحدود الجديدة تُرسم بالدم العربي المسفوح على مذابح الجهل والفساد ومصائب الاستبداد.
ترامب وارث لمخزون الخدائع الكبرى، غير أنه واضح فيما يريد ويحب اللعب على المكشوف والبيادق على رقعة الشطرنج مسرورة وسعيدة بدورها المخزي.
"لا نلوم الذئب في عدوانه
عندما يصبح الذئب هو راعي الغنم."
قل هو من عند أنفسكم
وبما كسبت أيديكم!.
وسوم: العدد 773