في غياب الوازع الديني والخلقي يجعل بعض مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي من الحبة قبة
في غياب الوازع الديني والخلقي يجعل بعض مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي من الحبة قبة وتسري بينهم الأراجيف سريان النار في الهشيم
توشك آفة انتشار الأراجيف على نطاق واسع بين الناس بسبب اتساع استعمالهم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق أن تجعل هذه الأخيرة في حكم الخمر والميسر حيث صار إثمها بسبب آفة الأراجيف أكبر من نفعها. ولقد صار من الواجب على أهل الفتوى عندنا أن يفتوا بما يعالج مشكل هذه الآفة الخطيرة ويمنعها وهي التي تهدد المجتمع في أمنه و استقراره وسلمه .
ومما أثبت مؤخرا خطورة هذه الآفة ما سرى بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي سريان النار في الهشيم بخصوص كتب مدرسية جديدة خاصة بمستوى السنة الثانية ابتدائي وصفت بأنها تتضمن نصوصا تستهدف اللغة العربية الفصحى ، ويروم واضعوها إحلال العامية محلها عن طريق الخلط بينهما . وعلى الضجة التي أثيرة حول هذا الموضوع ينطبق القول المشهور : " جعل فلان من الحبة قبة " وهو مثل يضرب حين يضخم الأمر الهين . ومعلوم أن تضخيم الأمر الهين هو من كذب المرجفين الذين يروجون الأخبار الكاذبة .
نص واحد في كتاب: "المرشد أو مرشدي في اللغة العربية "الخاص بمستوى السنة الثانية ابتدائي تناول موضوع العقيقة و وردت فيه ثلاث كلمات بين قوسين عدّت عامية وهي : " لبريوات " و " الغريبية " و" البغرير " هو الذي أقام دنيا متداولي وسائل التواصل الاجتماعي ولم يقعدها ، وفتح الباب على مصراعيه للمرجفين الذي بادروا إلى نشر صور ونصوص زعموا أنها في هذا الكتاب أو في كتاب :" في رحاب اللغة العربية " لنفس المستوى ، والحقيقة أنه لا وجود لها فيهما، منها نص متعلق بنشاط دعم وتقوية جاء فيه ما يلي : " أثار انتباهك وأنت تتجول في أرجاء الحديقة العمومية لمدينتك الضجيج الذي أحدثه بعض الأطفال وهم يؤدون صلاة العصر في مكان داست فيه أرجلهم الزهور والنباتات ".
ولا يخفى ما لهذا النص من استهداف لعبادة الصلاة التي كانت سببا في الاعتداء على زهور ونباتات حديقة عمومية . ونص كهذا موجه إلى متعلمين صغار أبرياء قد يؤثر على نظرتهم إلى هذه العبادة، وإلى دينهم وهويتهم .
ومما نشر أيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي نص آخر عبارة عن حوار كالأتي :
" أحمد : أنا أحب الحلوى .
سلوى : ما ألذ طعم الحلوى .
أحمد : هل تسمحين لي أن آكل لك الحلوى ؟
سلوى : طبعا سوف أكون سعيدة جدا "
ولا يخفى ما تتضمنه عبارة : " هل تسمحين لي أن آكل لك الحلوى؟ " من عيب صارخ سببه لفظة " لك " التي لا مبرر لاستعمالها لأن الأكل على وجه الحقيقة لا يكون للغير ، ولو كانت نية واضع الحوار سليمة ، وهي التعبير عن الأكل على وجه الحقيقة لكفاه القول : " هل تسمحين لي أن آكل من هذه الحلوى؟ " ولكن استعماله " آكل لك الحلوى " أوحى بأنه يريد أكلا مجازيا هو ما يعبر عنه بذوق العسيلة في لغة الفقهاء تعبيرا على الوقاع .
لقد ظننت في البداية أن هذين النصين موجودان حقيقة في الكتب المدرسية الجديدة ، وهممت بكتابة مقال أستنكر ما فيهما من مساس بالدين والأخلاق إلا أنني فكرت أولا في تصفح تلك الكتب فلم أجدهما فيها ، وعرفت أن الأمر يتعلق بأراجيف أريد لها أن تمرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لحاجة في نفس يعقوب كما يقال .
أجل لا أحد يقبل خلط العامية بالفصحى في الكتب المدرسية صيانة للفصحى لغة التعلم خصوصا وأن التوجيهات التربوية الرسمية تمنع مدرسي اللغة العربية من السماح للمتعلمين باستعمال العامية ، وهو أمر كنت أحرص عليه وأنا أمارس مهمة تأطير ومراقبة أساتذة اللغة العربية لربع قرن من الزمان ، وكنت أثبت في تقارير التفتيش والزيارات ملاحظات حول استعمال بعض المتعلمين العامية أثناء حصص اللغة العربية .
ومعلوم أن بعض النصوص الروائية أو المسرحية المقررة في كتب مدرسية أو في مؤلفات أدبية تتضمن عبارات عامية يضطر إليها المبدعون محاولة منهم لنقل الواقع للقراء كما هو بحيث تجرى مثلا حوارات على ألسنة أبطال من العوام بالعامية لتناسب أوضاعهم الاجتماعية .
وقياسا على هذا الأمر العادي في تلك النصوص استعمل واضعو نص " العقيقة في الكتاب المدرسي كلمات " بغرير " و" بريوات " و " غريبية " لأن موضوع النص اقتضى ذلك لنقل واقع حفل العقيقة في بلادنا وفق عاداتنا وتقاليدنا .
ولم يكن هنالك من داع لإثارة كل هذه الزوبعة بسبب هذه الكلمات التي استعملت بين قوسين، علما بأن هذا الاستعمال له دلالته منها تضمين الفصحى كلمات عامية أو أجنبية .
ومن المؤسف جدا أن يسارع البعض إلى نشر فيديوهات يستجوب فيها بعض العوام بخصوص موضوع استعمال العامية في الكتب المدرسية بغرض التفكه والعبث بهؤلاء العوام ، وركوبهم للنفخ في الأراجيف ، وجعلهم من الحب قببا .
أجل الرأي العام الوطني يعارض بشدة دعوة الذين اقترحوا إدخال العامية في التدريس ، وهم أشخاص لم يعد خافيا على الرأي العام منطلقاتهم وتوجهاتهم المستهدفة للهوية العربية لمجتمعنا ولقيمه الدينية والخلقية ،لكن لا يمكن أن تكون معارضة توجه هؤلاء مبررا لنشر الأراجيف بغرض التشويش وخلق البلبلة في المجتمع .
والوزارة الوصية على قطاع التربية محقة إذا ما لوّحت بمتابعة المرجفين قضائيا لأنه لا أحد يقبل بالأراجيف ، ولا أحد يرضى أن يكون ضحيتها .
وفي الأخير نحذر كل مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي من السماح للمرجفين بالعبث بهم وبمشاعرهم ، وأن يتحرّوا مستقبلا ما يتداولونه من أخبار خصوصا ونحن الأمة التي أمرها الله عز وجل بالتبيّن إذا جاءها الفسّاق بالأنباء مخافة إصابة قوم بجهالة الشيء الذي تترتب عنه الندامة .
وسوم: العدد 789