الكاتب ليس مجموعة ألقاب إنه ضمير وفكر وإنسان
الكاتب ليس مجموعة ألقاب
إنه ضمير وفكر وإنسان
فراس حج محمد /فلسطين
نص الكلمة التي ألقيت خلال اللقاء في مدرسة أودلا الأساسية المختلطة.
الأخوات الكريمات أمهات، معلمات ومديرة مدرسة وطالبات، السلام عليكن جميعا ورحمة الله وبركاته، أما بعد
تتزايد الدعوات من أجل لقاء طلاب المدارس، وقد تحرجتُ العام الماضي في تلبية أي دعوة من أي مدرسة في مديرية جنوب نابلس حتى لا أقع في ازدواجية الدور، اليوم ضيف المدرسة كاتبا، وربما غدا أكون مشرفا تربويا أو متابعا، أفتش بين جمل القانون والنظام لعلني أجد ملحوظة هنا وملحوظة هناك، فكنت دائما أخاف من هذا ولا أريد أن أشوش مهمتيّ الجليلتين. أما وقد تشجعت وقبلت الدعوة فسأحاول أن أفصل ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فشكرا لكم وقد بادرتم بهذه الدعوة الكريمة، وها أنا ألبي أول دعوة هذا العام في هذه المدرسة الطيبة أهلا وطلابا وهيئة تدريسية جادة، تقف على رأسها مديرة متميزة ساعية دوما لتكون المدرسة هي الفضلى بين المدارس، كالشامة بين زميلاتها الأخريات من مدارس المديرية.
لماذا أصبحتُ كاتبا وكيف؟
كيف سأجيب على نفسي بهذين السؤالين؟ هل أنا فعلا كاتب؟ أستحق تلك الألقاب التي تسبغها علي الصحف والمواقع الإلكترونية التي أنشر فيها؟ قالوا عني ناقد، وكاتب، وشاعر وأديب، فهل أنا كل هؤلاء؟
أجد صعوبة بالغة بقبول أي صفة، وهذا حقيقي وليس تواضعا شبيها بالغرور، أجد صعوبة لقبول صفة ناقد، وإن مارست الكتابة النقدية، وتناولت العديد من الكتب والنصوص الشعرية والقصصية والروائية بالقراءات التحليلية، وأمتعض قليلا لصفة كاتب، وإن كتبت المقالة التربوية والسياسية والاجتماعية، واعتمدت كاتبا في إحدى الصحف، وأنشر باستمرار في صحف ومجلات عربية كثيرة، وربما تقاضيت أجرا على بعضها! وأرى نفسي أفتش عن نفسي إذا سبق اسمي صفة شاعر، فهل كنت شاعرا جديرا بالقراءة، وقد تناول نصوصي ومؤلفاتي العديد من الكتاب والنقاد بالقراءة؟ أخجل من صفة شاعر لأنها أكبر كثيرا مما أنا فيه، فدرويش قال في حواره الأخير المنشور في مجلة الكرمل الجديدة، ونشر بعد وفاته عندما سأله محاوره، هل أنت شاعر؟ فقد تردد في قبول هذا الوصف، فما بالكم نحن ونحن ما زلنا نعاني من الحضور الجماهيري والتأثير الذي تطمح له؟! وأخيرا أرى نفسي إنسانا متأدبا ما زال ينهل من موائد الأدب ساعيا لأترك بصمة ثقافية ولو بسيطة في عالم الكتابة، ولست متأكدا من مقدرتي على فعل هذا!
الحضور الكريم،،
أن تمارس فعل الكتابة ليس أمرا هينا، سيكلفك تبعات جمة، أولها وأهمهما أنك ستكون مسؤولا عن الضمير الحي اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، وعليك مهمة التغيير، وتبديل القناعات، للوصول إلى حياة وواقع أجمل، يجعلك إنسانا مهموما بالآخرين أكثر مما أنت مهووس وممسوس بذاتك، سيكلفك الفكر حياتك وهدوء بالك، ولكنها مهمة عظيمة، تخلد صاحبها في سجل الخلود لذلك يجب أن يسعى إليها كل من ظن أنه قادر عليها.
ولكي تكون كاتبا لا بد من أن تكون دودة للكتب تلتهمها وتهضم أفكارها، وتتركها تتغلغل في خلاياك، لتصنع أفكارك أنت وتضيف لأفكار الإنسانية أفكارا أخرى، عليك أن تقرأ وتتعرف وتتأمل كل ما حولك من موجودات، تسبر غور الأشياء، لا تقف عند الظواهر والمظاهر عليك أن تغوص في أدق التفاصيل، لا بد من أن تبني نفسك بنفسك عبر سلسلة طويلة وجادة من العلم والمعرفة والنهل من عذْب الأفكار وجميلها!!
كيف كنتُ وأنا طالب:
اعتدت عادات لست براض عنها كلها الآن، ولكنني فعلتها، لم أكن أعيد كتب اللغة العربية للمدرسة، وكنت أستعير من المكتبة المدرسية كتبا، وللأسف لم أعدها للمدرسة، بالمقابل كنت أقرأ كثيرا، وأمارس القراءة الجادة للكتب الكبيرة منذ كنت في سن مبكرة جدا، قرأت في شتى العلوم والمعارف، وأذكر أن نواة مكتبتي كانت مجموعة من كتب والدي التي كان محتفظا بها مذ كان طالبا وهي أربعة كتب (رسالة لأبي العلاء المعري، وسيرة عنترة بن شداد، والرسالة الخالدة، وتغريبة بني هلال، وهي موجودة إلى الآن في مكتبتي)، ثم أخذت أقرأ الكتب واحدا تلو الآخر وأدخر من مصروفي الشخصي لأشتري الكتب، وهكذا كبرت في هذه العادة، فأنا إلى الآن أحب القراءة واقتناء الكتب وأحب الحديث عنها بشغف، فهي كتبي وثروتي الحقيقية، ومؤلفوها أصدقائي!
الآن وقد تجاوزت كل تلك السنوات، وأقف بينكن، لم أكن أتوقع أن أقف هذا الموقف كاتبا أتحدث عن نفسي، ولكنها مشيئة الله أن أكون كما أنا الآن فشكرا لكل من بادر وخطط لهذا اليوم، والشكر كل الشكر للطالبات اللواتي حضرن واستمعن راجيا لهن التوفيق والنجاح لعل هناك من ستكون كاتبة أو شاعرة في المستقبل، من يدري؟ من كان يراني وأنا بعمركن، لم يكن يتوقع لي مستقبلا بأي صفة لا زاهرا ولا غير زاهر!
والشكر الجزيل لأعضاء مجلس الأمهات، ولمعلمات اللغة العربية، ولا يفوتني أن أهنئكم جميعا بحلول يوم الحادي والعشرين من شهر آذار، الذي يصادف غدا، فهو يوم الربيع ويوم الأم ويوم الشعر ويوم الكرامة، وكلها مناسبات تدور حول معنى الولادة والتجدد والحياة، فشكرا لكم جميعا، وبوركتم وإلى لقاء قريب إن شاء الله.