فلسفة الإسلام في علاج مشكلات المجتمع
كثير من أمراض المجتمع النفسية والسلوكية وحتى الأزمات الشخصية التي يمرّ بها الإنسان ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة البيئة التي يعيش فيها. محنة الفرد المسلم عموما في هذا العصر إنه يعيش في بيئة لا تمثل البيئة الطبيعية للدين الإسلامي ولا يجتهد في أن يجعلها كذلك حتى في دائرة تأثيره. وأنا لا أقصد هنا بالبيئة المظاهر العامة للإسلام مثل الحجاب والمساجد وغيرها التي قد تتبادر إلى الذهن، ولكني أقصد أن الإسلام بطبيعته هو دين حركة لا سكون.
فالفرد الذي يعيش في بيئة الحركة للإسلام تتسم حياته بالحيوية الدائمة المفعمة بالطاقة التي لا تنضب، فالإسلام يطالب أبناءه بالتفاعل إيجابيا مع شبكة علاقات إنسانية كبيرة لا تسمح له بالسكون المفضي إلى العجز واليأس، فهو مطلوب منه أن يبرّ أباه وأمه ويصل رحمه ويعامل جيرانه حتى الجار السابع وفي روايات حتى الجار الأربعين. ثم هو مطالب بالصلاة في المسجد جماعة ليحتك بشريحة أكبر من المجتمع يوميا خمس مرات وأسبوعيا في الجمعة وسنويا في العمرة والحج وهو في كل عبادة ينتقل إلى مستوى تفاعل أكبر مع المجتمع المحيط به.
ثم هو مطالب بأن يقضي حوائج إخوانه وهي عبادة أفضل من الاعتكاف في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفوق ذلك مطالب بالأمر والمعروف والنهي عن المنكر للمجتمع ككل، بل مطالب بالصدع بكلمة الحق أمام السلطان الجائر وهو سيد الشهداء ومطالب بنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والصدقة والزكاة وكفالة اليتيم، ثم نصل إلى الذروة فهو مطالب بالجهاد في سبيل الله وتعبيد الكون لله، وعمران الأرض، والهجرة فرارا بالدين أو دفاعا عنه.
حين يغلب على أفراد المجتمع الحيوية والحركة والعمل على تحقيق الأهداف العليا للوطن والأمة فالحياة كلها تصبغ بأنماط سلوكيات تترفع عن أمثال المعارك التي هي أقرب إلى طواحين الهواء منها إلى الواقع والحقيقة
كل هذه المطالبات إذا نظرنا إلى الفلسفة التي تجمعها كلها والخيط المشترك بينهم سنجد أن الفرد المسلم دائم الحركة في مجتمعه بل في العالم أجمع، فالإسلام دين حركة وحيوية وتفاعل بين أفراده بل مع البشر جميعا. كثير من مشاكلنا النفسية والسلوكية والأمراض القلبية تجدها تتولد من السكون واللافعل واللاحركة فيصبح الإنسان أسير لوساوسه وشيطانه فيستسلم للاكتئاب والهم والحزن وترتبك حياته ويبحث عن حلول عرضية أو جزئية دون أن يعرف ويدرك أن الحل مرتبط بالبيئة التي يعيش فيها اختيارا أو جبرا.
لذلك كان أقوى وسائل التعذيب في السجون هي الحبس الانفرادي حين يعزل الإنسان عن باقي أقرانه، فمن أراد أن يبحث عن علاج حقيقي وفعّال لمشكلاته النفسية أو الأسرية فعليه أن يحاول الاقتراب من بيئة الحركة الإيجابية التي لا تنقطع التي يمدّها به الإسلام، فالمتتبع مثلا للجدل الدائر على منصات التواصل الاجتماعي حول حقوق الرجل والمرأة داخل العلاقة الزوجية وخارجها، يجد الإشكالية الأساسية هي غياب البيئة التي نتحدث عنها في الغالب، وكل الحلول المقدمة تركز على طرفيّ الأزمة سلبا أو إيجابا دون تطرق للبيئة التي توجد فيها هذه الصراعات.
قضايا مثل تعدد الزوجات أو قوامة الرجل أو مطالبات الفيمنست – النسوية- حين تضعها في بيئتها الطبيعية للإسلام التي يجب أن يحياها الفرد المسلم، تجد أمثال هذه القضايا ليس لها وجود أو يتعامل معها المجتمع بعقلانية ونضج أكثر مما هو دائر الآن، حين يغلب على أفراد المجتمع الحيوية والحركة والعمل على تحقيق الأهداف العليا للوطن والأمة فالحياة كلها تصبغ بأنماط سلوكيات تترفع عن أمثال هذه المعارك التي هي أقرب إلى طواحين الهواء منها إلى الواقع والحقيقة.
أيضا من المهم التأكيد أن هذه البيئة لا يحتاجها الفرد المسلم فحسب بل حتى البشر جميعا، فكثير من المنتمين للحضارة الغربية رغم تفوقهم الحضاري وتوفر سبل الحياة الكريمة إلى أن معدلات الانتحار والاكتئاب لديهم هي من أعلى المعدلات على الإطلاق، فالحضارة الغربية ونموذجها الرأسمالي قائم على جعل المادة واللذة هدف نهائي على عكس المفهوم الإسلامي الذي يجعل الإنسان متصل بالله ويؤمن بحياة أخرى تنتظره غير هذه الحياة، بيئة الحركة الإيجابية هذه هي صالحة للبشر جميعا وكافيه لاستنقاذهم من كثير من مشاكلهم الاجتماعية بل حتى السياسية منها.
وسوم: العدد 791