"إسرائيل".. ميليشيات فجيش فنظرية أمنية

مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني

يعود تأسيس المنظومة الأمنية "الإسرائيلية" إلى ما قبل تأسيس الدولة، حيث قامت التجمعات الصهيونية والتي جاءت إلى فلسطين عبر مجموعات مهاجرة كبيرة، بإنشاء أذرع عسكرية بعضها كان أشبه بميلشيات مقاتلة للحفاظ على أمن المستوطنات الصغيرة التي كانت قد تم أُنشاءها ما قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين وما بعده، وقد وصل عددها إلى ثمانية تنظيمات عسكرية:

اولاً: نيلي ( انتصار "اسرائيل" ليس كذبا )، تنظيم تم انشاءه في العام 1915، لمساعدة بريطانيا في احتلال فلسطين بهدف اقامة وطن قومي لليهود، وقد ضم التنظيم 30 عضواً تركز جُل عملهم في التجسس لصالح بريطانيا (شنياورسون، 2016).

ثانياً: بار جيورا ( اطلق عيله ها الاسم تيمّناً بأحد قادة اليهود المتمردين ضد الرومان )، تنظيم حراسة سري تأسس في العام 1907، والهدف كان نقل الحراسة على المستوطنات اليهودية من الإشراف العربي والشركسي إلى اليهود (ليب، 1985).

ثالثاً: هشومير (الحارس)، وهو تنظيم حل بديلا لتنظيم بار جيورا في العام 1909، وكان هدفه انتزاع الحراسة الموكلة للعرب لتصبح لليهود (ليب، 1985).

رابعاً: الهجنا ( الدفاع )، تأسس في العام 1920، بهدف الدفاع عن المستوطنات اليهودية أمام المقاومة العربية، وأصبح التنظيم العسكري الأكبر والأبرز خلال فترة الانتداب البريطاني (جلبر، 1992)، ونفذ التنظيم العديد من العمليات ضد البريطانيين والعرب، سنة 1941 تم انشاء وحدة عسكرية منظمة تابعة للهجنا تحت اسم هبلماخ ( وحدات الهرس )، حيث مثل هبلماخ العمود الفقري للحرب العربية-الاسرائيلية في العام 1948 (درور، 2005).

خامساً: اتسل ( منظمة عسكرية قومية )، أقيم سنة 1931 من قبل مجموعة من القيادات المنشقة عن تنظيم الهجنا، نفذ التنظيم عديد العمليات ضد المواطنين العرب وضد البريطانيين، حيث اعتبرته بريطانيا في ذلك الوقت منظمة ارهابية (بعيل و يورم، 2003).

سادساً: ليحي ( مقاتلي حرية "اسرائيل" )، تأسس سنة 1940 من قبل المنشقين عن اتسل، حيث رفضوا ايقاف القتال ضد القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد صنفته الحكومة الاسرائيلية المؤقتة على أنه منظمة ارهابية، ووقعت العديد من المعارك بين لحي من جانب واتسل وههجنا من الجانب الآخر (شرجاي، 2015).

سابعاً: بريجيدا هيهوديت ( وحدة من اليهود في الجيش البريطاني )، تأسست في العام 1944، مع نهاية الحرب العالمية الثانية وشاركت إلى جانب بريطانيا بشكل فعّال، وأصبحت فيما جزء أساس من الجيش الإسرائيلي، والذي بدأ ديفيد بن جوريون – زعيم المنظمات اليهودية في فلسطين، وأول رئيس وزراء- بالتفكير في إقامته عام 1947 (نؤور، 2007).

ثامناً: تنوعات هميري هعبري ( حركة التمرد العبرية )، الحركة عملت ما بين السنوات 1945-1946، وعملت الحركة ضد المصالح البريطانية بسبب شعورها بالإحباط من التعامل البريطاني مع المصالح اليهودية في فلسطين (هاتسل، 2013).

 عملت التنظيمات العسكرية اليهودية في الأراضي الفلسطينية على العديد من المحاور وأبرزها، الدفاع عن المستوطنات اليهودية، وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، ومثلت ذراعا عسكريا للوكالة اليهودية في الأراضي الفلسطينية.

1.2 تأسيس المنظومة الأمنية "الاسرائيلية".

 منذ أن أعلن ديفيد بن جوريون – أول رئيس وزراء لإسرائيل – إقامة دولة "اسرائيل" في الخامس عشر من أيار 1948، تحولت القيادة العامة لليشوف – اسم يطلق على حياة اليهود في فلسطين قبل اقامة الدولة – إلى حكومة مؤقته كان عليها العمل على تثبيت الدولة وأركانها، ولعلّ أبرز تلك المهام كانت الجانب الأمني، حيث وبالتوازي مع انسحاب بريطانيا، بدأت المنظمات العسكرية اليهودية بالعمل ضد الفلسطينيين وبدأت بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، أمر تطلب توحيد كلّ تلك الجهود في كفة واحدة، من هنا كان الهم الأكبر لبن جوريون جمع كل التنظيمات العسكرية تحت مظلة واحدة، وهذا ما كان عندما أعلن في الحادي والثلاثين من أيار 1948 عن تأسيس الجيش "الاسرائيلي" (نؤور م.، 1992).

 وقد تأسس الجيش "الإسرائيلي" على قوة تنظيم الهجنا ( الدفاع ) كعمود أساس من هنا يطلق على الجيش الإسرائيلي جيش "الدفاع"، تيمناً بالتنظيم الذي قاد المعارك الاولى لتأسيس الدولة العبرية (درور، 2005)، وتم مزج مقاتلين من تنظيم هبريجدا اليهودية، إضافة إلى مقاتلي هاتسل و ليحي (حيا و ابيجيلي، 1995)، وتم تقسيم القوات البرية إلى اثني عشر وحدة مقاتلة، علاوة على تفعيل سلاح البحرية والجو وكذلك الهندسة، إلى أن بداية التحول نحو المهنية الحقيقية في الجيش، كانت في العام 1953 (تيبون، 2011)، واستمر تعاظم قوة الجيش "الإسرائيلي" في سنوات الستين من القرن الماضي مع خوضه معارك حزيران 1967، والتي استطاع من خلالها السيطرة على المزيد من سلاح الدول العربية المهزومة، التي تركته وراءها في الحرب، لتتضاعف قوة الجيش "الإسرائيلي" بين السنوات 1967 وما قبل حرب تشرين أول 1973 يكون ذا قدرة فعَالة وتحديدا سلاحي الجو والبر (ملشتاين، 1985)، واستمرت "إسرائيل" في العمل على تحصين قواتها البرية والجوية والبحرية بشكل مستمر إلى يومنا.

 إلى جانب الجيش "الإسرائيلي" قامت الحكومة الإسرائيلية برئاسة ديفيد بن جوريون بإلقاء مهمة تأسيس الموساد الإسرائيلي – مؤسسة المخابرات والمهام الخاصة – على رؤوبن شيلوخ – من أوائل من عملوا في المخابرات اليهودية وأول رئيس للموساد- (ملمان، 2009)، لكن في سنته الاولى كان الموساد بمثابة منسق بين السلطات الأمنية والمخابراتية، ولم يكن هيئة مستقلة، حتى العام 1951 عندما قرر بن جوريون تحويل الموساد إلى مؤسسة مستقلة برئاسة حاييم يعري – قائد وحدة المخابرات في الجيش للمهام الخارجية- (ابيبي، 2008).

 كذلك عملت حكومة بن جوريون على تأسيس الشاباك – سلطة الأمن العام-، والذي أطلق عليه في البداية اسم الشين بيت، ويتبع مباشرة إلى مكتب رئاسة الوزراء، وتم تأسيس الشاباك مع مطلع العام 1949، برئاسة ايسر هلفرين – أحد رجالات المخابرات وأول رئيس للشاباك – تركز عمل الشاباك في البداية على الأمن الداخلي، ولكنه بعدها انتقل إلى العمل للتجسس الخارجي وعلى الفلسطينيين اللذين بقوا في أرضهم (شيروت هبيتخون هكللي، 2016)، إلى جانب ذلك عملت الحكومة "الإسرائيلية" المؤقتة ومنذ جلساتها الأولى على إقرار وزارة الأمن الداخلي، وكذلك إقامة جهاز الشرطة، الذي تأسس اعتماداً على جهاز الشرطة الذي كان تابعا للمنظمات العسكرية اليهودية (ايلي، 2004) في فلسطين التاريخية.

 1.3 الاستراتيجية الأمنية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية.

مرّت "اسرائيل" بظروف استثنائية منذ نشأتها، حيث كانت ولا زالت تواجه العديد من التحديات الأمنية النابعة من عدم تقبل المحيط "لإسرائيل" لتكون جزءاً من فسيفساء المنطقة، ولعلّ تنوع التحديات الأمنية وانتقالها على سبيل المثال من الحرب الموسعة ضد الدول، إلى مواجه تنظيمات عسكرية، ساهم في تغير الاستراتيجية الأمنية والعقيدة الفكرية لتلك المنظومة، فقد اعتمدت اسرائيل في سنواتها الثلاثين الأولى استراتيجية أمنية بلورها ديفيد بن جوريون (شلوم، 1991)، تضمنت خمس مبادئ اساسية:

 أفضلية نوعية في السلاح التقليدي. بلورة ردع نووي. علاقات مميزة مع دولة عظمى ( فرنسا، الولايات المتحدة ). أفضلية تكنولوجية واقتصادية، والاستعداد الجيد المستمر. حصانة قومية من خلال العمل على هجرة اليهود إلى فلسطين والحفاظ على علاقة مع الشعب اليهودي(شبتناي، 2010).

 ومع تراكم التحديات الأمنية وفي ظل العديد من المتغيرات والتي على رأسها اتفاقية السلام مع مصر في سبعينيات القرن الماضي، طوّرت "إسرائيل" مبادئ أمنها الأساسية لتعتمد على أربع ركائز أساسية، على النحو التالي:

أولاً: الردع، ومضمونها أن ترسم "اسرائيل" صورةً لأعدائها بأنه لا يمكن الانتصار عليها، وذلك من خلال إقامة جيش قوي وعصري ومتطور، والحفاظ على امتلاك سلاح نووي، والحرص على تحقيق انتصارات سريعة في الحروب ضد الخصوم، وكلّ ذلك بهدف اقناع خصومها بأن زوال "اسرائيل" أمرٌ غير ممكن (لوفرت و مخزور، 2016).

ثانياً: الحذر والاستخبارات، على "اسرائيل" أن تمتلك جهاز مخابرات عصري وفعّال تستطيع من خلاله تحديد نوايا الأعداء، من أجل سرعة تجهيز جيش الاحتياط في حال حدوث حرب، للدفاع عن الدولة (هرئيل، 2014).

ثالثاً: الحسم، في حال حدوث حرب بين "اسرائيل" واعداءها يجب أن تحقق نصراً سريعاً وواضحاً، وعليها العمل على تدمير جيش الخصم، لإعطاء درس للخصوم بأن "اسرائيل" دولة لا تُهزم، حيث بذلك تضطّرُ تلك الدول لعمل اتفاق سلام مع "اسرائيل" (ليش، 2010).

رابعاً: الدفاع، وجاء هذا الركن الرابع بعد أن نزلت مخاطر أن تقوم دول باجتياح عسكري "لإسرائيل" وفي ظل إنفاقها مبالغ طائلة سلبية على الدفاع، وأساس النظرية أن تتمكن إسرائيل من الرد على أي مخاطر خارجية مثل الصواريخ البالستية، والعمليات الفدائية قبل حدوثها، ووأدها في مكانها قبل أن تخرج (شبتناي، 2010).

ختاماً، باتت "إسرائيل" في السنوات الأخيرة تُقرّ بعدم امتلاكها نظرية أمنية واضحة، تستطيع من خلالها مواجهة التحديات المختلفة، في ظل وجود قوى مقاومة استطاعت الصمود وتحقيق إنجازات على الأرض، أمام القوّة العسكرية الكبيرة بمعداتها. لكنّ فقدان الروح القتالية للجندي الإسرائيلي، إلى جانب الخوف الكبير من التضحية، من الناحية الإسرائيلية، إلى جانب الاعداد الكبير الذي تقوم به المقاومة في المنطقة، جعل من الردع الإسرائيلي، يُواجه بردعٍ لا يقل عنه، وربما يفوقه.

وسوم: العدد 801