العلاقة بين الرجال والنساء من منظور الإسلام

كلما حل ما يسمى باليوم العالمي لمحاربة العنف ضد النساء أفاض المحللون من مختلف التوجهات والمشارب في الحديث عن موضوع العلاقة بين الرجال والنساء ، ومنهم من يستغل هذا الظرف لتسويق وجهات نظره مقابل التعريض بوجهات نظر غيره سعيا وراء خلق نوع من العلاقة بين الرجال والنساء يروم تعميمها في مجتمع كمجتمعنا الذي أكرمه الله عز وجل بنعمة الإسلام منذ الفتح الإسلامي . ويبذل أنصار التيار العلماني عندنا  على وجه الخصوص قصارى جهودهم لخلق علاقة بين الرجال والنساء بمذاق علماني لتأسيس ما يسمونه بالمجتمع المدني الذي لا يدين  بدين الإسلام .

ويحرص أصحاب هذا التيار على نسبة كل نقيصة للعلاقة بين الرجال والنساء في دين الإسلام ، وهذا يقتضي الكشف عن هذه العلاقة درءا لما يروجه هؤلاء من أراجيف ، وما يفترونه على دين الله عز وجل  من كذب وبهتان.

حين نعود إلى كتاب الله عز وجل الذي عصمه سبحانه وتعالى من كل باطل لنلتمس طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء، تطالعنا آيات كثيرة تتناول هذه العلاقة بشكل أو بآخر ، كما أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تتعرض لهذه العلاقة كثيرة أيضا ,

ومن بين الآيات التي تعرضت بالحديث لهذه العلاقة ما جاء في سورة التوبة حيث تحدث الله عز وجل عن علاقتين اثنتين بين الرجال والنساء لا ثالثة لهما . أما  الحديث عن العلاقة الأولى فهو قوله عز من قائل :

(( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نارجهنم خالدين فيهاهي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)).

هذا نموذج العلاقة الأولى التي تميز الخارجين عن طاعة الله عز وجل سواء كانوا من المصرحين بخروجهم عنها، وهم الكفار أم كانوا ممن يبطنون الخروج عنها ويظهرون عكس ذلك، وهم المنافقون ، فهؤلاء في كل زمان وفي كل مكان بعضهم من بعض كما وصفهم الله عز وجل يتابع بعضهم بعضا أو يقلد بعضهم بعضا دون بصيرة  في  الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، وقبض اليد أي البخل المادي والمعنوي ، والتنكر للدين والفسوق . وهؤلاء لا يعترفون إلا بالحياة الدنيا، ويعتقدون أنه لا حياة بعدها ،ولا حساب ولا عقاب ، لهذا تنقلب الموازين عندهم، فيأمرون بكل منكر ، وينهون عن كل معروف ، ويبخلون، ويفسقون لأن دأبهم في الحياة  الدنيا أن يستغلوا كل فرصة سانحة للاستفادة مما تتيحه لهم من متع وملذات مهما كانت طرق ووسائل الحصول عليها ،لأنه في نظرهم ما فاتهم منها لا سبيل لتداركه ما داموا لا يؤمنون بحياة أخرى تتاح فيها فرصة أخرى لتدارك ما فاتهم منها .

والعلاقة بين هؤلاء حتما تحكمها المصالح الشخصية ، فإذا ما تعطلت هذه المصالح انهارت العلاقة بينهم .

أما الحديث عن العلاقة الثانية فهو قوله عز من قائل :

(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) .

هذا نموذج العلاقة الثانية التي تميز المطيعين لله عز وجل ، فهؤلاء في كل زمان وفي كل مكان كما وصفهم الله عز وجل بعضهم أولياء بعض أي تجمعهم لحمة جامعة قوامها الأخوة في الله عز وجل . ومن معاني الولاء القرابة والمحبة والإخلاص والنصرة . وهي علاقة لا تحكمها المصالح الشخصية  بل هي فوق المصالح، لهذا يجتمعون على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعلى الصلاة والزكاة، وطاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لأنهم على قناعة تامة  بأن بعد الحياة الدنيا التي جعلها الله عز وجل مرحلة اختبار توجد حياة أخرى جعلها مرحلة جزاء ، وهم يبتغون هذه من خلال ما يصدر عنهم من أعمال وأقوال ، ولا يتنافسون الدنيا لأنهم على قناعة تامة  أيضا بأن ما فاتهم منها سيتداركونه لا محالة  في الحياة الآخرة بأفضل مما فاتهم منها .

ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا النوع من العلاقة قوله عليه الصلاة والسلام موصيا أمته بالتزام الولاء فيما بينهم  كما تعبدهم بذلك رب العزة جل جلاله :

" لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبيع يعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاثا ، بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه"

هذا الحديث الشريف يفصل علاقة الولاء بين المؤمنين والمؤمنات كما وردت في كتاب الله عز وجل ، وفي نفس الوقت يشير ضمنيا إلى العلاقة بين الخارجين عن طاعة  الله عز وجل كفارا وكافرات ومنافقين ومنافقات .

إن علاقة الولاء تنتفي منها أمور نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الحسد ، والتناجش وهو المزايدة في البيوع أو غيرها من المعاملات المادية ، والتباغض ،والتدابر أو القطيعة  ، والخذلان ، والكذب ، والاحتقار .

ولقد تكرر في حديثه صلى الله عليه وسلم ذكر التناجش حيث قال : "ولا تناجشوا "، ثم قال :" ولا يبيع بعضكم على بيع بعض " لأن ما نهى عنه من حسد،  وتباغض ،تدابر، وخذلان ، وكذب ، واحتقار إنما يحصل بسبب التنافس في المعاملات المادية، لهذا حرم دماء، وأموال ،وأعراض المسلمين على بعضهم البعض، لأن تنافس عرض الدنيا الزائل يكون سببا في سفك الدماء ، ونهب الأموال ، وهتك الأعراض .

وهذا الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد في العلاقة بين الخارجين عن طاعة الله عز وجل والذين لا يؤمنون بيوم الحساب الذين تقتصر الحياة عندهم على الأولى دون الآخرة ،لهذا وهم يتنافسون الدنيا  يأمرون بمنكرات الحسد ،والتناجش ، والتباغض ، والتدابر، والخذلان ، والكذب ، والاحتقار .

 وهل تسفك الدماء ،وتنهب الأموال، وتهتك الأعراض في العالم  اليوم  إلا من طرف الخارجين عن طاعة الله عز وجل كفارا ومنافقين الذين يكذبون بيوم الحساب ؟

وأخيرا لا بد من التحذير من أفكار الذين يريدون تسويق العلاقة التي ذمها الله عز وجل بين الذكور والإناث  في محكم التنزيل ، وحذر منها رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث . إن الذين يريدون علمنة مجتمعنا المسلم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ويبهرجون للناس العلاقة المفلسة بين الرجال والنساء ، ويزعمون أنها العلاقة النموذجية مكذبين بذلك قول الله عز وجل وقول رسوله صلى الله عليه وسلم . فمن تابعهم في أفكارهم ضل ضلالا بعيدا ، و كان مصيره الندم ولات حين مندم .

 وإن المجتمعات العلمانية اليوم  تعاني الويلات بسبب علاقة غير سوية بين رجالها ونسائها ،لأنها علاقة تجمعهم على فعل المنكرات والأمر بها ، وعلى عداوة المعروف والنهي عنه ، وعلى الأنانية والمصالح الشخصية ، والانتهازية ، واحتقار الآخر ، واستغلاله ، وعلى النهب والسلب .

 ولنا أكبر مثال في الدولة العظمى اليوم التي تمارس النهب والسلب جهارا نهارا ، ويوافقها مواطنوها على ذلك دون وخز من ضمير، لأن مجتمعهم العلماني مجتمع أفلست قيمه ، ولم يعد فيه اعتبار سوى لمصالحه المادية على حساب دماء وأموال وأعراض غيره . ومن دعانا إلى النموذج العلماني واجهناه  بالواقع العلماني  المفلس ، وهو ما لا يستطيع إنكاره  أو المكابرة في ذلك .

وسوم: العدد 802