فيما يخص الجزائر

معمر حبار

[email protected]

علّقت الأستاذة والكاتبة العراقية عامرة البلداوي على مقالي " دروس وعبر من أزمة أوكرانيا "، وأبدت إعجابها. وبعد ذلك قالت:

"..الأخ العزيز بودي أن أسألك مارأيك بإعادة ترشح بوتفليقة رئيسا. هل أنت مع الغاضبين أم الرافضين؟. وهل تعتقد أن ربيعا عربيا سيزوركم قريبا مع حرارة الصيف القادم؟ ... تحياتي ...عامرة البلداوي".

وبعد أن امتدحت الجزائريين ووصفتهم بالأسود، لمقاومتهم الاستدمار الفرنسي وكون الجزائر بلد المليون شهيد، معترفة أنها لاتعرف الكثير عن الجزائر. تود معرفة الوضع من خلالنا، للثقة الممنوحة، والمشكورة عليها، يقول صاحب الأسطر..

الحكم في الجزائر كغيره من الدول العربية والإسلامية، لايختلف عنها في شيء. لكن هناك ميزات،  وهي ..

أن الجزائريين عاشوا، مرحلة صعبة جدا من تاريخهم، سميت بالعشرية الحمراء. أتت على الأخضر واليابس، واكتوى بنارها الجميع، ومازالت آثارها لحد الساعة، لم تندمل بعد كل الجراح.

هذه الفترة الصعبة، جعلت من كل جزائري، وفي أي موقع كان، لايرضى لنفسه أن تعود تلك الفترة مهما كانت الأسباب، ويعمل المستحيل لكي لاترجع أيام النار، وقطع الرقاب، ونسف الديار، وهتك الأعراض، ونهب الخيرات.

إن طاقات الجزائر لاتنفد، وحصرها في شخص واحد، ولو كان الملهم المنقذ، يسيء لطاقات أخر، ولمجتمع بحجم الجزائر.

المسألة ليست في قبول أو رفض التشبث بالكرسي وإطالة العهدات، لكن في الأسباب التي جعلت هذا أو ذاك، يرفض التقليص أو يقبل التمديد. فالأصل عدم القبول بالدوام في الجلوس في الكرسي، ولو كان من كان.

ليست من المروءة في شيء تخوين الرافضين للتمديد، كما أنه ليس من الإنصاف، وصف أصحاب البقاء والتشبث والتمديد، بالنزاهة وحب الوطن. والأسباب والدواعي هي التي تميّز هذا عن ذاك.

إن الجزائريين حين يرون ماحدث للأخوة في المشرق والمغرب، جرّاء الأحداث العربية التي مسّت بعضها، يتذكرون بمرارة ماحدث لهم أثناء سنوات الجمر التي مروا بها في التسعينات من القرن الماضي. فيقلولون بصوت واحد، إن كان هذا الذي يحدث الآن في المجتمعات العربية، فلا خير فيه، ولا نريده للأخوة، فكيف نريده في ديارنا. فيرضون بما هو أقلّ ضررا، وأخفّ ألما، وأقلّ وقعا.

أصبحت قناعة لكل الجزائريين، أن أيام التسعينات في شقّها الدموي، لن تعود بإذنه تعالى. وكل يسعى بطريقته لتضميد الجراح، ومسح الدموع.

طالبت الأستاذة منه ذكر الحلول قائلة: " أرجو أن تذكر في مقالك الحلول"، فكانت كالتالي:

تعلم إحترام الغير يبدأ من البيت، وتقاسم السلطة وعدم التشبث بالكرسي، يبدأ من الوالدين، حين يعلمون الطفل، أن يقاسم الأخ والجار قطعة الحلوى، ولعبته المفضلة، ويكتفي بما لديه ولو كان القليل. ولايتعدى على الآخر، ولو كان لايملك منه شيئا.

إن التداول على السلطة يبدأ من أصغر المراحل وأقلّها مسؤولية، حتّى إذا جلس المعني على رأس المجتمع، طلب الخروج وانصرف في هدوء، بعد أن ينهي مهمته بسلام.

إن السعي للكرسي، يتبعه السعي للخروج منه، فيكون السعي مشكورا في كل الحالات، إذا كان المرء أهلا للسعي.

إن إسترجاع السيادة الوطنية، كان بفضل الجميع. ولم يدعي أحد من الأولين والآخرين، أن الفضل يعود له وحده دون سواه. وكذلك بناء الدولة والمجتمع، لايمكن لأيّ كان أن يدعي أنه لولاه مابنيت الجزائر. ومادام الأمر كذلك، فلتفتح الساحة للجميع، ومن كان أكفأ، كان الأولى بالطاعة والإتباع في انتظار من يخلفه ممن هو أفضل منه.

إن الذي قاد المجتمع الجزائري ضد الاستدمار الفرنسي، عليه الآن أن يستريح ، ويترك للبقية الباقية من الشباب ومن لهم باع وعلم وفن، أن يتعلموا القيادة والمحافظة على الوطن. ولأن يخطىء الصغير وهو في حضرة الكبير، أفضل له من أن يخطئ في غياب الكبير، فتتحول الأخطاء إلى جريمة لاتصحح، ولايمكن ضبطها والتحكم فيها.

إن التشبث بالكرسي، يقتل في القادمين روح المبادرة، ويغرس فيهم اليأس والقنوط، وأنهم ليسوا أهلا للريادة والقيادة. فيموت فيهم حب الوطن والدفاع عنه.

من تولى وخرج، أتيحت له فرصة مراجعة الأخطاء وتصحيح المسار، عبر مذكراته ونصائحه، فأخذ الأخير عن الأول، وانطلق من جديد يحيي خصالا لم يستطع الأول غرسها، ويميت سلوكات سيّئة، لم يتداركها الأول. فيستفيد المجتمع من الإثنين معا، هذا باعترافه وتقصيره، وذاك بتصحيحه ومواصلته.

تقاس العظمة في عصرنا بالتداول على السلطة، ويقاس التخلف بالتشبّث بالكرسي. وقلب الموازين لايقلب الحقائق.