العقل والحرّية : أيّهما يقيّد الآخر، في العمل السياسي ، وغيره !؟
المجنون : لا يقيّده شيء ، عن أيّ فعل يستطيعه .. لكن : ما الذي يستطيعه ؟
إنه يستطيع بعض الأعمال ، التي لا تحتاج ، إلى العقل ! أمّا الأعمال العقلية ، والتي تحتاج إلى عقل ، فلا حظّ ، له ، منها !
وهكذا ، يمنحه غياب العقل ، حرّية واسعة ، في ممارسة الأعمال العادية ، العضلية ، غير المنضبطة ، بعقل .. وغير المحتاجة ، إلى عقل !
لكن ، غياب العقل يَحرمه ، من كلّ عمل ، ذي جدوى ، له ، أو لغيره ؛ فغياب العقل ، هنا، قيد ، للمجنون ، تجاه الأفعال ، التي يمارسها العقلاء !
أمّا العاقل ؛ فعقله يقيّده ، عن أيّ فعل بدَني ، عشوائي ، كأفعال المجانين.. لكنه يمنحه قدرة ، على ممارسة الأفعال المجدية ، له ، ولغيره !
فوجود العقل ، مانع ، لبعض الأفعال البدنية ، المخالفة له ( أيْ : للعقل ) ومانح ، للقدرة ، على الأفعال الموافقة له ، بدَنية كانت ، أو عقلية !
أمّا الحرّية ، فهي تمنح العقل ، مزيداً من القدرة ، على العمل ، والإبداع ، والابتكار.. كما تمنح الجسم ، القدرة ، على الحركة والفعل !
وممّا هو مألوف ، في الدول ، التي يحكمها الاستبداد ، أن الحكّام ، يُعطون شعوبهم ، حرّيات واسعة ، لعمل الأبدان ، مثل : الرياضة ، والفنون بأنواعها، وغير ذلك ! أمّا الحرّيات العقلية، فمقيّدة ، ومضيّق عليها ، إلى أبعد الحدود ؛ لأنها تمنح أصحابَها ، القدرة على التفكير، فيما حولهم ، وفيما يفعله ، لهم ، أو بهم ، الحكّام ! لذا ؛ تقيَّد حرّياتُ العمل : السياسي ، والإعلامي ، والفكري ، عامّة ؛ كيلا ينتشر ، في الناس ، وعي حقيقي ، يشكّل خطراً ، على ممارسات الحكّام المستبدّين الظلَمة !
وممّا هو معروف ، ومألوف ، في الدول المحكومة بالاستبداد، أنّ السجون ، تغصّ: بالعلماء، والأدباء ، والمفكّرين .. غير الموالين ، للحكّام المستبدّين ! بينما أهل الفنّ ، والرياضة ، وأمثالُهم.. يسرحون ، ويمرحون ، بل تقدّم ، لهم ، الهدايا والجوائز! ويُمنحون سائر الفرص، للعمل ، في ميادين إبداعهم ، بشرط وحيد ، هو الولاء ، للحاكم المستبدّ ، وإلاّ ؛ فالتضييق ، على الحركة ، وكسبِ القوت ..يتربّص بهم ، كما يتربّص بغيرهم !
ومن المألوف والمعروف ، والطريف : أن حفلة غناء واحدة ، لمطربة مشهورة ، ممّا لا يحتاج ، إلى عقل ، تدرّ ، على صاحبتها ، دخلاً ضخماً ، يكفي ، لإطعام عشرات الأسر الجائعة ، مدّة شهر كامل ، وربّما مدّة عام كامل ، بينما لايجد ، بعضُ العلماء ، والمفكّرين ، والأدباء .. كفافَ العيش ، في بلادهم ؛ بسبب التضييق عليهم ، من قبل المستبدّين ! فشعارُ الحاكم المستبدّ ، الذي يردّده ، بينه وبين نفسه :
حرّيتك : قائمة ، على خنق حرّيات الآخرين !
وسوم: العدد 804