فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ – 28 ( الفِتْنَةُ وَالهَرْطَقَةُ -5)
إنَّ مِنْ أجلَّ نِعَمِ الله تعالى على عباده: أنْ أكمل لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ..وأتَّم لهم أحكامه وتعاليمه مفصَّلة جليَّة لقوله جلَّ جلاله:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " وزاد سبحانه بالفضل والمنَّة فشرَّع للنَّاس من القيم والمبادئ ما جعل طريقة حياتهم جليَّة المعالم والتعاليم كما أكد ذلك رسولنا وسيدنَّا محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ ". ودين الله تعالى واحد لا يتعدد إنمَّا الذي يتعدد هو فهم النّاس له.. وقد بشرَّ به الأنبياء والرسل من لدن سيدنَّا آدم عليه السلام وحتى سيدنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى :" إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ " وغايته دين الله واحدة مطلقة ألا وهي :ترسيخ الإيمان بالله تعالى وإخلاص العبوديَّة له وعدم الشرك به فما من نبي ولا رسول إلا طالب قومه بذلك كما في قوله تعالى :"يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ " وجاءت كتب الله تعالى ومنها القرآن والتوراة والإنجيل تؤكد ذلك وتفصل فيه.. لقوله تعالى : " نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ" ومن حكمته جلَّ جلاله أن أرسل كلَّ نبيِّ ورسول بالشريعة التي تناسب أحوال قومه وتستجيب لتحديات أزمنتهم كما في قوله تعالى : "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ".وختم ذلك سبحانه بالقرآن الكريم فأتمنه على ثوابت وأسس كل ما جاء في الكتب الربَّانيَّة لتي سبقته ومن أقربها إليه زماناً التورات والإنجيل لقوله تعالى :"أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ / أي مؤتمن عليه ". وفصلَّ الله تعالى في القرآن الكريم من أخبار أهل الكتب وشرائعهم الكثير.. وأطلق على الشاذ والمحرَّف منها أوصافاً دقيقة محكمة.. وحسم الموقف بشأنها وشأن غيرها من شذوذات شرائع أتباع الأديَّان والفسفات البشريَّة بقوله تعالى :" لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" وأنَّ الفصل بينهم في ذلك كله سيكون يوم القيامة لقوله تعالى : "إلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " وحسبهم - في هذه الدنيا - ما لديهم من قيم ربانيَّة كافية لبناء الإنسان وإعداده ليكون مُؤهلاً للنهوض بمسؤوليات التكليف الربَّاني العظيم ألا وهو: الاستخلاف في الأرض لقوله تعالى :"إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً " وذلك من أجل عمارتها وإقامة العدل والحياة لقوله تعالى : "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ".والاستخلاف مهمة ثقيلة وجليلة لقوله تعالى: " إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ علَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ". وللأسف فإنَّ بعضَ أتباعِ الأديَّان والثقافات والفلسفات من اللاهين والعابثين والمفلسين في ميادين مواجهة تحديات الاستخلاف ..آخذون اليوم بإغراق الأجيال البشريَّة في جدلية ماهي حقيقة الأديَّان والمعتقدات.. وإشغالهم بجدليَّة حقيقة نوايا أتباع الأديَّان فيما يعتقدون ..؟!!! وذلك لينصرفوا عن الاهتمام بواجبات مسؤوليات الاستخلاف .؟!!! وإنّ مثل هذا العبث لهو من أشد وأخطر أنواع الفتن التي تدمر المسيرة البشريَّة ..وتؤجج نيران الكراهية والبغضاء والحروب بين المجتمعات.. وبعد فإن كتاب :(النبيِّ الديموقراطيِّ) وما يلحق به من شذوذات فكريَّةٍ يقدم نمطاً صارخاً من هذه العبثيِّةِ والفتنة التي تُسعيرُ نيران الكراهية والبغضاء والصراعات المدمرة بين أتباع الأديَّان والثقافات والحضارات .. يتبع بعون الله تعالى.
وسوم: العدد 805