قدوة القيادة في الإسلام 13
قدوة القيادة في الإسلام
الحلقة الثالثة عشرة: الهجرة في سبيل الله 1
د. فوّاز القاسم / سوريا
الهجرة هي سنة من سنن الدعوات ، وهي خصيصة من خصائص الأنبياء والدعاة ، وهي معلم من أهم معالم مرحلة الاستضعاف للدعوة .
* ولعل أول هجرة في تاريخ الإسلام ، بل في تاريخ البشرية كلها ، كانت هجرة آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة :
(( قلنا اهبطوا منها جميعاً ، فإما يأتينكم مني هدىً ، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )).البقرة ( 39 ).
* ثم تتابعت الهجرات ، فكانت هجرة نوح عليه السلام مع قومه في السفينة .
(( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ، قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك ، إلا من سبق عليه القول ، ومن آمن ، وما آمن معه إلا قليل . وقال اركبوا فيها ، بسم الله مجريها ومرساها ، إن ربي لغفور رحيم )) هود (25 ) .
* ثم كانت هجرة إبراهيم ، وابن أخيه لوط عليهما السلام ، من العراق إلى الشام (( ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)) الأنبياء(71)
(( فآمن له لوط ، وقال إني مهاجر إلى ربي ، إنه هو العزيز الحكيم)) العنكبوت (26).
ثم هجرته إلى مصر ، ومنها إلى الشام مرة أخرى .
ثم هجرته عليه السلام بابنه إسماعيل وزوجه هاجر إلى جبال فاران، وهي أرض بمكة ، وبنائه البيت العتيق فيها .
(( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي ذرع عند بيتك المحرم ، ربنا ليقيموا الصلاة ، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون )) إبراهيم (73).
* ثم كانت هجرة يعقوب عليه السلام وأولاده ، من الشام إلى مصر للالتحاق بولده يوسف عليه السلام ، في القصة المعروفة ، التي بسطها القرآن الكريم في سورة يوسف: (( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين )). يوسف (98)
* ثم كانت هجرة ، بل هجرات ، موسى عليه السلام من مصر إلى مدين ، ومنها إلى مصر مرة أخرى ، ثم من مصر إلى فلسطين ، ثم مع الرجل الصالح.
(( فخرج منها خائفاً يترقب ، قال : رب نجني من القوم الظالمين ، ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل )).
(( فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله ، آنس من جانب الطور ناراً، قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون )) . القصص (21-29 ).
(( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون )).الشعراء(52)
(( وإذ قال موسى لقومه ، يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً ، وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين ، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ، ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين )) المائدة (20).
(( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً )) الكهف (66)
* ولقد كانت هجرة الفتية أصحاب الكهف ، من أعظم الأمثلة على تمسك الدعاة بدينهم ، وفرارهم بعقيدتهم ، عندما يتعرضون للأذى والاضطهاد .(( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً ، إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً )) الكهف (10).
* ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء والمرسلين ، وكانت دعوته هي خاتمة الدعوات ، ورسالته هي مسك الرسالات ، لذلك فلم يكن مستغرباً أن يجري عليه ما جرى على إخوانه من السنن ، وأن يمر بنفس التجارب ، ومن هذه السنن والتجارب ، تجربة الهجرة .
ولقد حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم ، في مرحلة الاستضعاف المكية ، ثلاث هجرات ، فجدير بأصحاب الدعوات ، أن يدرسوها ، ويقتدوا بها ..