صفحات مجهولة من تاريخ العلاقات السورية الأمريكية، سورية في عين المصالح الأمريكية 1

الحلقة الأولى 

كانت سورية على الدوام بطبيعة موقعها الاستراتيجي والحضارات التي تعاقبت على أرضها وإطلالتها على البحر المتوسط، والثروات الطبيعية الهائلة الدفينة في باطن أرضها، وديناميكية شعبها المبدع الخلاق، المتنوع الأعراق والأديان والمذاهب والمعتقدات واللغات، والتسامح والتعايش السلمي الفريد بينها، محط أنظار كثير من دول العالم وأطماعها منذ فجر التاريخ وإلى اليوم؛ الذي باتت فيه الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الأعظم التي تستفرد بقيادة العالم وتفرض الهيمنة على معظم دول هذا العالم كبيرها وصغيرها بما تملكه من قوة عسكرية مدمرة، واقتصاد متين وقوي – رغم ما يعتريه من مشاكل – وتتحكم بمقادير العالم ومصائر شعوبه مشرقه ومغربه، وتقرر ما تريد عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي تهيمن عليه، وتصدر القوانين من مجالسها التشريعية لتغدو قوانين يُعمل بها في كل العالم، وكانت سورية على الدوام عصية على الولايات المتحدة منذ فجر استقلالها، وهي ترفض بإباء وشمم وصايتها ونفوذها على أرضها أو الارتباط بأحلافها، فهل ستظل سورية بنظامها السادي والشمولي والطائفي بعيداً عن أي لون من ألوان الوحدة الوطنية الصحيحة والقوية التي تمثل كل أطياف النسيج المجتمعي السوري بأعراقه ومعتقداته وأديانه ومذاهبه عصية على الولايات المتحدة ومؤامراتها؟! وإننا إذ نتمنى ذلك وننشد، نستعرض بإيجاز تاريخ العلاقات السورية الأمريكية منذ عام 1865 وحتى عام 2000م.

كان بداية تدخل الولايات المتحدة في سورية عام 1865م، حيث بدأت بإرسال البعثات التبشيرية الإنجيلية وفتح المدارس في بعض المناطق السورية النائية، وأغرت السكان كي يبعثوا بأولادهم إليها دون أي مقابل، وبعد سقوط الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى التي بدأت عام 1914م وانتهت بانتصار الحلفاء عام 1944م، قررت عصبة الأمم الانتداب على منطقة الهلال الخصيب التي قسمت وفق اتفاقية (سايكس – بيكو) بين فرنسا وبريطانيا، وقد بعثت عصبة الأمم لجنة أمريكية سميت (لجنة كراين) عام 1920م للتعرف على رغبات السكان، على أساس اختيارهم للدولة المنتدبة التي يفضلونها على غيرها، وقد طالبت كل العرائض التي قدمت إلى اللجنة بالاستقلال النهائي ورفض اتفاقية (سايكس – بيكو)، وإذا لم يكن هناك بد من الانتداب، فقد فضل السكان الولايات المتحدة على غيرها من الدول باعتبارها صاحبة رسالة في العالم تستند على وحدانية البشر وريادة دورها العالمي، ولها تجارب في ذلك، فقد استقلت عن بريطانيا ووحدت أراضيها، وتقدمت في جميع العلوم، وأصبحت من أغنى دول العالم, فعشية الحرب العالمية الأولى كان دخلها يساوي دخل بقية دول العالم مجتمعة، وإن لم يكن فلا بأس من انتداب إنكلترا، والرفض التام لأن تكون الحماية فرنسية. لكن دخول الفرنسيين السريع إلى دمشق إثر معركة ميسلون، وقضائهم على استقلال سورية، وإبعادهم الملك فيصل عنها، كان له أثره في نفسية الشعب السوري الذي كان يحبذ تدخل الولايات المتحدة دون باقي الدول الأوروبية، وقد سمع بإعلان الرئيس (ولسون) ومبادئه الأربعة عشر، التي أنصف بها كل الشعوب وتمنى لها الحرية والاستقلال وتقرير المصير. ولدى دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء ضد دول المحور، أيد الكثير من السياسيين السوريين، ومنهم الرئيس شكري القوتلي، الحرب على المحور، بل وأعلن الرئيس القوتلي الحرب على المحور عام 1945م باسم سورية ولبنان، وكان هذا الإعلان سبباً في دخولها مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945م، والمشاركة في تأسيس هيئة الأمم المتحدة، حيث أيدت الولايات المتحدة خروج القوات البريطانية والفرنسية عن سورية، مما كان له تأثيراً إيجابياً على الشعب السوري تجاه الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد خروج القوات الفرنسية والبريطانية من سورية في نيسان عام 1946م، رفض الرئيس شكري القوتلي (اتفاقية التابلاين) التي تسمح بمرور النفط السعودي عبر الأراضي السورية إلى البحر المتوسط، الذي تملكه وتديره شركة (أرامكو، الأمريكية – السعودية)، كما رفض قرار الهدنة بين الدول العربية وإسرائيل الذي أصدرته الأمم المتحدة، وسلك مسلكاً متشدداً تجاه إسرائيل برفضه إجراء أية تسوية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، وطالب بلواء الاسكندرونة السوري الذي ضُم إلى تركيا أيام الانتداب الفرنسي.

يتبع…….

وسوم: العدد 807