تاريخ مصر في واحة سيوة
ولأن مصر التي في تاريخها هذا الكتاب، شملت أحيانا شطرا من العراق شرقا وليبية غربا وتركية وجزر البحر الأبيض المتوسط شمالا والسودان جنوبا، أحسست أنني مقيم في طريق جيوشها؛ فاستحسنت في هذا المُغْتَرَب أن أعتزل أولادي حتى أقرأه، فلما فعلتُ عجبوا وما من مَعْجَب!
جعل بول كتابه في تنازع حكم مصر وما أفضى إليه من تقاتُل وتماكُر وتخاوُن، حتى خرج مخرج الكشافات الحربية، وكان كلما فرغ من سيرة أحد الحكام الحربية علق على طبيعته العقلية والخلقية والجسمية ما شاء -وربما استطرد إلى بعض آثاره الحضارية- فخلط الحسن بالقبيح، ولم يخلص للحق والخير والجمال، لا دولة ولا حاكما -فكل ذلك عنده مَشوب ممتزِج "وَسَاوِسٌ فِي الصَّدْرِ مِنْهُ تَخْتَلِجْ"- وكأنه يغري الإنجليز في أوائل الاحتلال بالإقدام والحرص، والمصريين بالرضا والحفاوة ولاسيما أنها شِنْشِنَتُهُم المعروفة (الخضوع والتسليم)!
وأهم ما انتبهت إليه من هذا الكتاب إيحاء صاحبه بثلاث العلاقات الآتيات:
1) علاقة استقرار مصر ونهضتها بطبيعة حاكمها الشديدة القاسية.
2) علاقة ظلم النصارى واضطرارهم إلى الإسلام بكون الحاكم متدينا، وإنصافهم ورعاية نصرانيّتهم بكونه غير متدين.
3) علاقة المغرب من خلال مصر بالمشرق، التي لا غنى عنها لاستقرار دولة المسلمين.
ونحن -وإن أنكرنا عليه خبث دعوى العلاقتين الأوليين- نقر بسداد دعوى العلاقة الثالثة التي لم يلمح إليها إلا محذرا منها –ولم يذهب تحذيره باطلا!- ولا نفتأ في كل مقام ننكر الغفلة عنها، الجاثمة على صدور المسلمين وحكامهم!
وسوم: العدد 809