الظاهرة القرآنية والعقل

علاء الدين المدرس

هذا عنوان أول كتاب اسلامي من مؤلفاتي الخمسين

قمت بتأليفه ونشره في بغداد سنة 1986م.. 

وهو يتحدث عن الظاهرة القرآنية في عصر نزولها على صدر محمد صلى الله عليه وسلم بكونها ظاهرة تاريخية حدثت في مدة محددة هي مدة نزول الوحي وتلقي جيل النبوة لها وﻷنوارها البهية..

فهي ظاهرة ربانية فريدة من حيث ارتباطها بالوحي وتدوين القرآن من قبل جيل النبوة وصحة القرآن المطلقة مقارنة مع باقي الكتب المقدسة التي سبقته..

وتحدث الكتاب أيضا عن القصص القرآني وقصص اﻻنبياء وكل ما يتعلق بأهل الكتاب وبني اسرائيل في التاريخ وهم اليهود والنصارى كما أرى وثبته في كتبي اﻻخيرة وليس اليهود فحسب ومنها كتاب عولمة اللغة والتاريخ الذي طبع في عمان سنة 2008..

ومحور قصص اﻻنبياء وتراث أهل الكتاب التي يغطي ثلث القرآن يقدم تجربة اﻻنبياء وخصائصها الفريدة ويتحدث عن عصورهم ودعوتهم المتنوعة الصور والتحديات المستندة الى الوحي الصادق وعقيدة التوحيد.. وكل ذلك اﻻستعراض القصصي المعجز في قصة ابراهيم وموسى وعيسى ويوسف ويونس وآدم ونوح وباقي القصص القرآني المنثور في ثنايا كتاب الله العزيز..

معروض بشكل فريد ومعجز ليكون جاهزا للمحاورة واﻻقناع بمختلف السبل الدعوية من خﻻل مجادلة أهل الكتاب ومواجهة انحرافهم عن الصراط المستقيم والعقيدة الربانية الصافية والحقيقة التاريخية التي يطرحها القرآن الكريم مقارنة مع نظائرها في التوراة واﻻنجيل مبينا من خﻻل ذلك اﻻستعراض المضيء موضوعة اﻻعجاز القراني بشتى صورها البﻻغية والتاريخية واﻻثارية والعلمية..

ويبين بشكل قاطع علو القرآن وربانيته ويوضح مفهوم الهيمنة القرانية على الكتب المقدسة..

وليس ترفا أو عبثا أن نجد قصص اﻻنبياء تحتل ثلث القران..

وثلث ثاني يتحدث عن العقيدة اﻻلهية التي تجسدها سورة اﻻخﻻص وسورة اﻻنعام وباقي السور المنثورة في قلب القرآن الكريم..

والثلث اﻻخير يتمحور حول مواضيع شتى حول التشريع اﻻلهي والعبادة والتعاليم واﻻخﻻق والسيرة النبوية العطرة..

ان تركيز القرآن على قصص اﻻنبياء وتراث أهل الكتاب هو دعوة ضمنية للتبشير باﻻسﻻم بين جموع أهل الكتاب من اليهود والنصادرى وتسليط الضوء على جوهر العﻻقة بيننا وبينهم فيما يخص اﻻصل المشترك الذي يجمعنا معهم ويبين لنا الوسيلة الأصوب ﻻقناعهم بوحدة الدين وختمه برسالة اﻻسﻻم وهيمنة القرآن على ما سواه من الكتب السماوية التي تعرضت للتغيير والتبديل والتحريف على أيدي البشر بدوافع شتى منها التعصب والعنصرية والهوى والجهل ومن خلال امتزاجها باﻻساطير التي كانت سائدة لدى الشعوب واﻻقوام التي جاورت وعايشت شعوب أهل الكتاب..

وكذلك بتأثير من نوازع النفس والشيطان لكي تبعد اﻻنسان عن حقيقة اﻻيمان بالله وظﻻل الوحي ونور الفطرة السوية..

رحم الله شيخنا رحمة الله الهندي فقد كان كتابه القيم إظهار الحق الذي كتب قبل قرنين من الزمان ردا على كتاب ميزان الحق ﻻحد المبشرين الذين جاء بهم المستعمر اﻻنكليزي الى الهند أبان حقبة اﻻستعمار التي دامت أكثر من ثﻻثة قرون..

وهو كتاب علمي رصيد في مقارنة اﻻديان واﻻنتصار للحق في القرآن.. وقد لخصه الشيخ أحمد ديدات دعاية اﻻسﻻم اﻻول في العالم الغربي والمناظر المنصور في مناظراته الرائعة مع القسسة والمبشرين في أمريكا وأوربا رحمه الله..

لقد كان كتاب اظهار الحق من المصادر الرئيسية في تأليف كتابي الظاهرة القرآنية والعقل الذي كتبته قبل ثﻻثين عاما..

ويأتي الدكتور الفرنسي موريس بوكاي ليضيف بصمة أخرى ﻻ تقل أهمية عن بصمة رحمة الله الهندي وأحمد ديدات رحمهما الله..

فيما قدماه في عملهم وجهادهم الدعوي والفكري المنير في مجال الظاهرة القرآنية وتأثيرها العلمي والديني في التاريخ والحضارة والتراث اﻻنساني عموما.

وقد كان كتاب موريس بوكاي دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة من المصادر اﻻساسية أيضا لكتابي آنف الذكر..

واليوم يشرفني أن أقدم للمتابعين والمهتمين بعلم مقارنة اﻻديان والحوار الحضاري والديني والمتلهفين الى دعوة أهل الكتاب الى الحق والنور المبين والى اﻻسﻻم العظيم.. الدعوة الربانية المنيرة بالتي هي أحسن بﻻ اكراه وﻻ تزييف للحقائق.. وبﻻ تشدد وﻻ غرور وﻻ منة.. وانما خدمة لدين الله تعالى ومنهجه القويم كما جاء في القرآن السنة الصحيحة

ورحم الله القس السابق والداعية المسلم البروفسور عبد اﻻحد داود الذي كان من علماء النصارى حتى مطلع القرن الماضي فكانت خطبته الشهيرة في دمشق سنة 1900م هي بداية الهدى والنور الذي أفاض على قلبه بفضل الله وهدايته وشرح قلبه لﻻسﻻم..

فكانت خطبته الشهيرة تلك ايذانا منه ﻻعﻻن اسﻻمه رحمه الله وفضح المنهج اﻻستشراقي والتبشيري اﻻستعماري الغربي ودور اﻻستعمار الغربي اﻻستبدادي في محاصرة النصارى العرب والشرقيين من النساطرة واليعقوبيين والكلدان في بﻻد الشام وتركيا والعراق وايران ومحاولة طمس هويتهم وتراثهم المتآلف مع العرب المسلمين وتوحيدهم الضمني ومقتهم للشرك والوثنية ودور المستعمر الخبيث في محاربة هؤﻻء النصارى الموحدين الشرقيين في رزقهم وثقافتهم وعقيدتهم ومحاولة اضعافهم وتهجيرهم واستتباعهم للمستعمر الغربي وآلته اﻻستعمارية الغازية الضخمة..

فأخرج لنا أروع مؤلفاته التي تشرفت بنسخ عدد منها في تسعينيات القرن الماضي بتوجيه من أستاذي الدكتور ادريس داود رحمه الله.. وهما كتاب اﻻنجيل والصليب وكتاب محمد في الكتاب المقدس..

فجزى الله كل الدعاة العاملين المخلصين لخدمة دينهم وقرآنهم وكل من سعى لفتح الباب أمام أوربا والغرب عموما للدخول في دين الله أفواجا من خﻻل اظهار الحق وتبيان هيمنة القرآن على الكتب المقدسة وبيان نور القرآن وهدي النبي العدنان وفق المنهج القرآني الوسط والهدي النبوي الرحيم بعيدا عن الغلو والتشدد واﻻرهاب المدبر ضد المسلمين

وغيرها من الصفات التي يراد لها أن تلتصق بالدين الحق والرسالة الخاتمة لتنفير الناس منها واستعدائها من خﻻل ايجاد دين آخر مصنع بما يخدم خصوم اﻻسﻻم..

ان دعوة الغرب الى نور اﻻسﻻم من خﻻل التراث المشترك بين القرآن والكتب المقدسة اﻻخرى ﻻسيما تراث أهل الكتاب وقصص أنبياء القرآن منذ عصر آدم حتى عصر النبي الخاتم محمد عليهم السﻻم..

واظهار اعجازها وتمايزها عما حرف من قصصهم وآثارهم في باقي الملل والنحل والكتب السماوية التي عبثت فيها أيدي البشر على مر اﻻزمان

لهي الطريق اﻻمثل واﻻقرب الى قلوب هذه النفوس المنغمسة في المادة والتهالك عليها والمتعطشة الى النماذج اﻻخﻻقية والمثل الروحية التي جسدها اﻻنبياء والمرسلين ومن تبعهم من اﻻولياء والصالحين كما جاءت في قصصهم في القرآن الكريم

ولقد بدأت ثمار تلك المدرسة التربوية والدعوية تأتي أكلها في أوربا وأمريكا باسﻻم الكثير من القادة والمفكرين والمربين ورجال الدين..

ولقد قام القرآن وحده يدعو الناس الى هديه الكريم ومنهحه القويم حين تقاعس الناس عن القيام بدورهم المطلوب ورسالتهم التي حملوا أمانتها..

ورغم المحاوﻻت المبذولة لحرف المسلمين عن المنهج الرباني الرحيم حين وصف القرآن نبيه بأنه أرسل رحمة للعالمين فان هذا الكيد سيرتد على أصحابه حتما. 

قال تعالى : وما أرسلناك اﻻ رحمة للعالمين. 

فكان المصل المضاد الذي ابتدعه الغرب لمنع انتشار اﻻسﻻم واﻻقبال عليه واعتناقه وحجب نور القرآن هو في تشويهه وادخال الفكر المتشدد التكفيري اﻻرهابي واستغﻻل العاطفة والجهل والتعصب والتقليد اﻻعمى ﻻبنائه..

لتنفير الناس منه وحماية حضارة الغرب المادية من اﻻنهيار وخضوعها لحضارة القران.

ولقد ساعد الجهل والتخلف والتعصب الديني والهرطقة الدينية والفساد واﻻتجار بالدين والتقليد اﻻعمى للكثير من المسلمين المهزومين والمستغربين وأصحاب عقدة الخواجة ومتابعة الغالب..

من تغليب تلك الموجة الفاسدة المفسدة التي أعدها أهل الكتاب لمواجهة حضارة القرآن العادلة المنيرة

بسبب عجزهم في ايقاف مده وحجب نوره الى القلوب الضالة من خراف بني اسرائيل من اليهود والنصارى..

تماما كما وصف السيد المسيح رسالته ولخصها في اﻻنجيل بقوله: لقد أرسلت لخراف بني اسرائيل الضالة.

فأين دور بني اسماعيل بعد أن شرفهم الله تعالى بالنبي العربي العدناني وبكتابه العزيز  بالقرآن العربي والحكم العربي واللسان العربي المبين..

القران الذي جعله الله شفاء للناس وتنزيل محكم لتبيان كل شيء من حولنا ونور مبين لهداية البشر الى الصراط المستقيم ..

فهو نور على نور .. نور الفطرة ونور القرآن؟.

قال تعالى: ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.

وقال: وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 812