مكانة العلم الشرعي لدى أبناء الصحوة الإسلامية
نتحدث عن الصحوة الإسلامية التي بدأت منذ نحو نصف قرن، ولا نجحد الثمرات الطيبة لهذه الصحوة، ولكننا نلحظ كذلك جوانب سلبية لدى أبنائها. منها ما يتعلق بالبناء المعرفي، ومنها ما يتعلق بالوعي الشمولي الذي يدرك أبعاد المؤامرة على الإسلام والمسلمين، ويدرك أهمية التعاون بين المسلمين وإن اختلفت مشاربهم ومذاهبهم وتنظيماتهم، ومنها ما يتعلق بالتزامهم السلوكي الذي يتمثل بدرجة التقوى والورع ومراقبة الله تعالى وخشيته، والإقبال على الذكر، والأخذ بالسنن، والزهد في متاع الحياة الدنيا، والتضحية بالجهد والمال والنفس... في سبيل الله.
وليس من شأن مقال كهذا أن يتناول هذه الجوانب كلها، إنما تكفي الإشارات السابقة، مع وقفة عند تحصيل العلم الشرعي.
إن الزاد الذي يحمله المسلم الواعي صاحب الرسالة هو إيمانٌ حيّ عميق يملأ قلبه، ويفيض على جوانحه سلوكاً قويماً يقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ومَن سار على هديهم... وعلمٌ بهذا الدين الذي يحمله ويدعو إليه، ويريد له أن يحكم الحياة وتعلو رايته في الآفاق.
فإذا قَصَرْنا حديثنا الآن على العلم الشرعي فإننا لا بد أن نقرّ بواجب كل مسلم في تلقّي هذا العلم، حتى يسير على بيّنة، ويدعو على بيّنة، ويصوغ حياته على بيّنة. (قل: هذه سبيلي، أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني). {سورة يوسف: 108}.
وفي هذا الأمر نلحظ ثلمة الجهل لدى كثير من أبناء الصحوة، الجهل بالرسالة التي يحملونها، فترى الواحد منهم يجهل كثيراً مما في هذا الدين، وقد يُدخل فيه ما ليس منه، ويسوّغ لنفسه أن يحلّل ويحرّم ويفسّق ويبدّع... وبضاعته من العلم مزجاة، فيكون ممن افترى على الله كذباً، ويُسيء إلى الدين الذي يحمله، وقد يعرض له حكم الإسلام على وفق ما جاءت به النصوص وما فهمه أئمة هذا الدين، فيردّه بغير علم، أو يؤوّله تأويلات باطلة، لأنه أنشأ لنفسه الحُكم أو الفكرة مما أخذه عن ثقافة الغرب، أو مما ساقه إليه هواه!.
ولا نعني بذلك أن على كل مسلم أن يكون عالماً موسوعياً محيطاً بعلوم الإسلام، فهذا ما لم يتحقق في خير الأجيال، إنما نعني أن يكون الإقبال على علوم الدين سمةً بارزة بين المسلمين، فيبدأ كل منهم بتحصيل الحد الأدنى من كل علم من هذه العلوم، في التجويد والتفسير والحديث والفقه والسيرة... ولنسمِّ ذلك مستوى محو الأميّة في هذه العلوم، إذ لا يليق بمسلم، ولا يجوز له، أن لا يُحسِن تلاوة كتاب الله تعالى، وأن يفهمه ولو بشكل إجمالي، وأن يحفظ ويفهم عدداً من الأحاديث النبوية الصحاح (كالأربعين النووية مثلاً)، وأن يعلم من أحكام الفقه ما تصح به عبادته ومعاملاته.
ويتبع ذلك مرحلة ثانية تشمل تلك العلوم بمزيد من التوسّع والتعمّق، وتضم إليها بعض العلوم الأخرى كعلوم الحديث وأصول الفقه، ودراسات في فقه الدعوة والفكر الإسلامي. ولا بأس على المسلم أن يقف عند هذه المرحلة الثانية، على أن يبقى على صلة بالعلم والكتاب والبحث والدراسة. (وقل: ربّ زدني علماً). {سورة طه: 114}.
أما المرحلة الثالثة فيتوسّع فيها، مَن رزقه الله الهمّة والفطنة، في الجانب الذي يلهمه الله، ليكون فيه على مستوى الاختصاص.
وهنا أذكر نوعين من الخلل يقع فيه بعض أبناء هذه الصحوة:
الأول: أن يُغرق أحدهم في الاختصاص في أحد علوم الإسلام، وهو ضئيل البضاعة في العلوم الأخرى. فيحرص مثلاً على حصوله على الإجازة في عدد من القراءات القرآنية، وهو جاهل بالتفسير والفقه وعلوم العربية.
والثاني: وهو خلل أخطر، أن يتقاعس عن العلم والدراسة وحضور مجالس العلماء بحجة أن في "الإنترنت" كل هذه العلوم، ويمكنه خلال لحظات أن يستخرج المعلومة التي يريد!. أقول: ما فائدة أن تكون هذه العلوم موجودة في الإنترنت وليس في قلبي وفكري منها إلا النزر اليسير؟!. ألا يمكن أن يقول إنسان في جيل سابق: لماذا أقرأ وأتعلم، وإن العلوم موجودة في الكتب؟!.
فلنقبل على كتاب الله تعالى تلاوةً وتدبّراً، وعلى سنّة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وعلى ما بذل فيه علماء الإسلام حياتهم... لعلّ الله يملأ قلوبنا نوراً، وعقولنا معرفةً. (والله يهدي مَن يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم). {سورة النور: 46}.
وسوم: العدد 813