الجيش.. والسياسة ..
الجيش.. والسياسة ..
عقاب يحيى
حين دخل عسكر سورية بوابات العمل السياسي في سورية، ثم احتلوها تماماً.. كانت فلسطين الحاضر الأكبر في الصورة، أو اللوحة المعلقة على أبواب البيانات رقم واحد وما تلاها..
ـ نكبة فلسطين، وترسيخ الكيان الصهيوني إثر هزيمة 1948 .. وتحميل الحكومات العربية مسؤوليتها.. فتحت الشهية للعسكر كي يطرحوا أنفسهم بديلاً.. ودخلت على الخط جميع مفاعيل الصراع على المنطقة في تلك المرحلة التحولية من انزياح الاستعمار القديم، وصعود نجم أمريكا الطامحة لوراثته بطريقة مختلفة ..
ـ يصعب هنا التوقف عند سلسلة الانقلابات المتتالية التي شهدتها سورية في زمن قصير.. حتى صارت وكأنها"ماركة مسجلة" لها، والتي قيل الكثير في خلفياتها، ومدى تقاطعها مع مشاريع وتحالفات خارجية، ومدى استجابتها لضغوط تمارس في سبيل تمرير مشروع، أو إلغاء سياسة معينة..ودور المحاور الإقليمية أيضاً.. لفترة كانت خصبة بالعديد من المشاريع، وبحركة نهوض عربي تحمل مقومات مشروع وحدوي، حداثي,,,,,
ـ الحقيقة الثابتة المعروفة : ان الجيش تضخّم كثيرا بفعل الهزيمة، وتحت عنوان تحرير فلسطين.. شرّعت الأبواب لدخول آلاف المتطوعين والضباط.. بما يعني قابلية أكبر للتدخل في السياسة، ووضع اليد على الحكم، وإيقاف تلك التجربة الديمقراطية الوليدة التي كانت تعاني الكثير من الفجوات، والضعف ..
ـ العسكر ـ عملياً ـ هم من فرض الوحدة الاندماجية على عبد الناصر، وجميع القوى السورية، بما فيها الحكومة آنذاك..والقصة معروفة عن سفر كبار الضباط في طايرة خاصة إلى مصر، ومرابضتهم هناك جتى إقناع عبد الناصر بالتوقيع على وحدة اندماجية بشروطه الكاملة.. بديلاً لمشاريع أخرى كانت مطروحة عن وحدة اتحادية، او متدرجة..
ـ لا شكّ أن خلفية هؤلاء كانت وطنية، ووحدوية، ومتأثرة باندفاع حركة الشارع التي كانت وصلت الأوج، وهي تضغط لأجل تكريس الوحدة مع مصر.. ثم الدخول ـ عملياً ـ في منعطف جديد من الحكم.. بخلفية عسكرية ايضاً.. لكنها موسومة بزعامة عبد الناصر وشخصيته، وشعبيته، وطريقته في الحكم.. وإصراره على حل الأحزاب وفرض نمطية بيرقراطية بديلة.. تصوّر انها يمكن أن تكون البديل، والسياج، والأداة..
****
وكان الانفصال... قطعاً مباشراً لتلك التجربة.. وعودة لحياة ديمقراطية مثقلة بموقف شعبي معارض، واتجاهات سياسية تعتبر ما جرى خيانة كبرى..
ـ الثامن من آذار كحركة عسكرية.. اعتبرت، لدى الشارع القومي، الوحدوي طبيعية، وضرورية.. لإنهاء ذلك الاستثناء، وإعادة الوحدة.. وفقاً للدروس، وعبر تجاوز أخطائها القاتلة.. وكان الصراع، وكان الاقتتال بين أطرافها، خاصة البعثيين والناصريين ومحاولة كل منهما الاستفراد بالحكم قبل الآخر.. وصولاً إلى تلك النهاية المعروفة في صبيحة 18 تموز 1963 حين حاول الناصريون ـ العسكر ـ الانقضاض صباحاً على الحكم، فاننتصر العسكر البعثيون.. وكان الذي كان..
****
ولأن القوى السياسية ضعيفة لدى الجميع، ودون قدرة تحمل مسؤولية الحكم.. ولأن قيادة البعث ـ التاريخية ـ قبلت إسباغ الشرعية، واسم البعث على تلك الحركة العسكرية.. وهي لا تملك الأداة القادرة على تحمل تبعات حكم..تدعّم دور المؤسسة العسكرية.. ودخلت سورية، وعبرها البعث والحكم.. سلسلة من الصراعات الداخلية.. التي انتهت بسيطرة الطاغية الأكبر : حافظ الأسد على الحكم بانقلاب عسكرصرف / تشرين الثاني 1970/ وفاقع الخلفية، مجمّل ب، ومحمول بشعارات البعث واسمه..لتكريس ليس موقع وفعل المؤسسة العسكرية.. وتمريغ البعث وهيئاته.. وحسب. بل بروز فجور الاستناد الواضح على كل ما يناقض أسس ومبادئ البعث، ومنها الحالة الطائفية، ومنها المقايضة بالقضايا الوطنية والقومية، ومنها التآمر على فلسطين ومحاولة توضيب وضع ثورتها لإدخالها بيت الطاعة.. ومنها اغتيال خصائص الشعب السوري الأصيلة، وشغفه بالسياسة، والشأن العام.. وتحويله إلى ما يشبه القطيع.. في مملكة الذئاب..
ـ المؤسسة العسكرية التي عرفت بظل انقلاب التفحيح تغيّرات كبرى فاضحة.. وتحويلاً مريعاً في تاريخ الجيش السوري، ومكانته، ودوره، ومهمته..تعرّضت بدورها لأفظع عمليات التهشيم والتشويه، بتحويل الجيش من حام للبلد وحدوده.. غلى رأس حربة لسلطة مجرمة توجه السلاح إلى صدور الشعب ... بينما الجبهة صامتة مع العدو التاريخي منذ عقود.. وبينما الجولان العزيز محتلاً منذ حزيران 1967.. حين كان الطاغية الأكبر وزيراً للدفاع وقائداً للطيران..
****
الجيش السوري.. بما بقي له، بضباطه وعناصره الشرفاء الوطنيين الذين رفضوا توجيه سلاحهم لشعبهم، فأعلنوا انضمامهم للثورة.. بالمحاصرين داخله بالخوف، والأجهزة الأمنية..والحسابات الخاطئة..مدعو للقيام بواجبه.. في تطهير الذات والبلاد من هذه المافيا : طغمة الإجرام والفئوية.. والوقوف في خندق الشعب والوطن..والإسهام في معركة الخلاص.. والحرية..