السخاء قيمة حضارية  ثمراته وأثاره الاجتماعية

السخاء قيمة حضارية  ثمراته وأثاره الاجتماعية

هائل سعيد الصرمي

[email protected]

السخاء جالب للسعادة محقق للمودة رابط للمجتمع حافظ للقيم والأخلاق متناغم مع الفطرة , وتتركز قيمته الحضارية أكثر, كما ذكر بعض المفكرين, في أثره في سيادة الأمة، وحفظ الدين، وتنمية العلوم,, و في صيانة الأعراض،وتمتين الروابط الاجتماعية ,وتماسك المجتع وتقوية أواصره , وفي تجذير الأخوة , والقضاء على الحسد والأحقاد والضغينة والفساد والكبر وتذويب الهوة بين الطبقات الاجتماعية فلا تكاد تبين خصوصا بين الأغنياء والفقراء ـ كما أنه باعث على التفاني مولد للتعاون والتآزر في البناء والإنتاج , حيث أنه يقضي على الفاقة والفقر , وحين تتعزز قيمة السخاء مع القيم الأخلاقية الأخرى يحدث التكامل لتشكل بنيان حضاري متفوق على كافة المستويات أهمها وجوهرها المستوى النفسي وذلك بتحقيق الحياة الطيبة للفرد والمجتمع وهو جوهر الحضارة الحقيقية ومنطلق وهدف يزج بالأمة في ميادين الحياة الكريمة بمختلف ألوانها بما فيها الرقي والتطور المادي , لكن الحضارة المادية لوحدها لم تحقق السعادة القلبية لا للفرد ولا للمجتمع فنسبة الانتحار في الغرب والشقاء  والضنك  لا حدود له برغم ماهم فيه من تطور مادي لكنه لم يحقق الإشباع النفسي ولا الصفاء القلبي الذي هو نتاج الطمأنينة الروحية والاستقرار النفسي الناتج عن ممارسة الأخلاق الفردية والجماعية والصلة القوية بمصرف الأكوان من خلال الإخلاص في عقيدة تصنع الحياة من خلال عمل  دءوب عاقبته الحسنى في الدنيا والآخرة . (فمن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) إن السعادة والحياة الطيبة تتحقق بقدر القيم الإنسانية والدينية في المجتمع والدولة معاً وتكون الحضارة المادية ثمرة طبيعية مكمل لهذا القطار الضخم من القيم والأخلاق.

لولا الندى وسخاء النفس لاشتعلت       دنيا الأنام وأضحى الكون مضطرب

فعانق المكــرمات الغيد في رغب          وروض النفس حتى تبذل الذهبا

فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعا (  أَقِيلُوا الكرام عثراتهم )

ووعد الله السخي بالخلف حيث قال {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} سورة سبأ ، رقم الآية 39.

وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر" .

وثمار السخاء لا تعد يعرفها الأسخياء,منها دوام العافية , التيسير والتوفيق في الأمور كلها , محبة الله والناس , الوقاية من البلاء ,القبول ورفعة الذكر, صلاح الذرية وصلاح الأمة ومغفرة الذنب وانطفاء غضب الرب, والسخاء برهان على صدق الإيمان, ومطابقة الأعمال للأقوال,والفوز بالجنان العالية والنجاة من النار ,وغير ذلك من الفضائل التي لا تحصى.

ماهو السخاء :هو الإنفاق بما ينبغي إنفاقه من مال أوجاه , أو علم ,أو نفس , في مكانه المناسب , ووقته الموجب في طيب خاطرُ ورضا نفس محتسبا.

سئل الرسول صلى الله عليه وسلم من الجواد ومن البخيل فقال (الجواد من جاد بحقوق الله عز وجل في ماله، والبخيل من منع حقوق الله وبخل على ربه، وليس الجواد من أخذ حراماً وأنفق إسرافاً) .

وقالوا فيه هو سرور القلب وطيب النفس بإنفاق ما يملكه المؤمن في وجوه الخير، قربة إلى الله تعالى، وله درجات :  1. فمن درجاته ما قاله عبد العزيز بن مروان : إذا الرجل أمكنني من نفسه حتى أضع معروفي عنده فيده عندي مثل يدي عنده . 2. ومن درجاته قول سيدنا علي كرم الله وجهه عندما سئل عن السخاء فقال (ما كان منه ابتداءً فأما ما كان عن مسألة فحياء وتكرم) .  3. ومن درجاته الإيثار وهو بذل المال مع الحاجة إليه، وهو الذي مدح الله به السادة الأنصار فقال في كتابه العزيز {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} سورة الحشر ، الآية 9..4ـ وهو أعلى السخاء  الجود بالنفس

قال المحاسبي (السخاء في الدين أن تسخو بنفسك تتلفها لله عز وجل، ويسخو قلبك ببذل مهجتك وإرهاق دمك لله تعالى بسماحة من غير إكراه)

وقبل ذلك السخاء بالكف لإنقاذ متلو ف أو إغاثة ملهوف أو إسداء معروف وغير ذلك.

اللهم اجعلنا من الأسخياء في سبيلك بالمال والنفس وفي ما ينبغي ويرضيك أن نسخو به

من صور السخاء

تتعدد صور السخاء فليست محصورة على البذل فحسب, ـ بل هي تشمل كل صنائع المعروف ـ كأن تعفو عن من تعسر عليه قضاء الدين وأسخا من ذلك أن تعفو عمن عليه لك دين وأنت قادر على تحصيله دون عناء بل تهبه له وإن جاء لسداده ـ  , أن تعين ذا الحاجة وتفك كربته ـ أن تعمل بأجر,ثم لا تتقاضه سخاءً وكرما , السخاء بالجاه , السخاء بالعفو عمن ظلمك , وبالعلم وبذله للناس  , وبالوقت ,وترك حظ النفس , وبالكلمة والنصيحة والبسمة , وبالسعي في قضاء حوائج الناس, وغير ذلك من صور السخاء.   يقول مبارك بن عبد الله". السخاء من سلامة الصدر، وراحة القلب، والتخلص من معاداة الخلق. - السخاء بالصبر، والاحتمال، والإغضاء  , ويدخل في السخاء حضّ الناس على الخير، وحثهم على الجود والإنفاق. - دلالة الناس على وجوه الخير، وتذكيرهم بطرقه؛ فالدال على الخير كفاعله. - شكر الأسخياء، والدعاء لهم، وتشجيعهم على مزيد من البذل. - سخاوة النفس بترفعها عن الحسد، وحبّ الاستئثار بخصال الحمد، وهذه الصورة من صور السخاء الخفية الجميلة. وذلك بأن يُحبّ المرء لإخوانه ما يحبه لنفسه، فيفتح لهم المجالات، ويعطيهم فرصة للإبداع، والحديث، والمشاركة، ونحو ذلك. ومن ذلك: أن يفرح لنجاحهم، ويحزن لإخفاقهم، فهذه من الصور الخفية للسخاء، وقلّ من يتفطّن بها ويأخذ نفسه بها. - سخاء المرء عما في أيدي الناس؛ فلا يلتفت إليه، ولا يستشرف له بقلبه، ولا يتعرض له بحاله، ولا لسانه -سخاء المرء بنفسه، فذلك أروع ما في السخاء،وأروع ما في ذلك أن يكون في سبيل الله".

فاضل الناس بالسخاء ..(يتفاضل الناس بالسخاء على قدر هممهم وشرف نفوسهم، وإليك نماذج من ذلك: - يتفاضلون من جهة الإنفاق؛ فالذي ينفق في السر أكمل من الذي ينفق في العلانية - ويتفاضلون من جهة استصغار ما ينفق واستعظامه، فالذي ينفق في الخير، وينسى أو يتناسى أنه أنفق هو أسخى ممن ينفق ثم لا يزال يذكر ما أنفق، ولا سيما ذكره في معرض الامتنان. - ويتفاضلون من جهة السرعة إلى البذل، والتباطؤ عنه؛ فمن يبذل المال لذوي الحاجة لمجرد ما يشعر بحاجتهم - يَفْضُل من لا يبذل إلا بعد أن يسألوه. - ومن يقصد بالبذل موضع الحاجة - عرفه أو لم يعرفه - يكون أسخى ممن يخصّ بالنوال من يعرفهم ويعرفونه. ومن يعطي عن ارتياح وتلذذ بالعطاء يعد أسخى ممن يحسن وفي نفسه حرج. - ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء ألا يجعل بينه وبين طالبي العطاء حجاباً غليظاً ومن علامات رسوخ الرجل في السخاء أن يلاقي الرجل سائليه بأدب جميل، أو أن يستقبلهم بحفاوة وبشر وترحاب، حتى يحفظ عليهم عزتهم. - وأبلغ ما يدل على أصالة الرجل، ورسوخ قدمه في فضيلة السخاء أن يرق عطفه حتى يبسط إحسانه إلى ذي الحاجة وإن كان من أعدائه؛ فذلك من كبر النفس ومن ضروب العزة، والترفع عن العداوات. - ومن علامات الرسوخ في السخاء أن يتألم المرء ويتأسف أشد الأسف إذا سئل شيئاً وهو غير واجد له. - ومن الأسخياء من تسمو به الحال، فيرى أن الفضل والمنة إنما هو لمن جاءه يستجديه، حيث أحسن الظن به، وتكرّم عليه، فهذا من غرائب السخاء. - وأرفع درجات السخاء أن يكون الإنسان في حاجة ملحّة إلى ما عنده، فيدع حاجته ويصرف ما عنده في وجوه الخير، وذلك ما يسمى بالإيثار. ) ولا تريد بذلك ثواباً عاجلاً أو آجلاً بترك الاختيار على الله، حتى يكون مولاك هو الذي يفعل لك ما لا تحسن أن تختاره لنفسك)

و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا

و عن  أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِىٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ . قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا نَزَلَتْ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بِيرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . فَقَالَ « بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ - أَوْ رَايِحٌ - شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ » . قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى أَقَارِبِهِ وَفِى بَنِى عَمِّهِ . والأمثلة هذا المجال ؛ فمن أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدى به، وتشبَّه كثيرة .

لن تنال البر حتى تنفقوا مما تحبون

عن جابر بن سمرة قال : صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على ابن الدحداح ثم أتي بفرس عري فعقله رجل فركبه فجعل يتوقص به ونحن نتبعه نسعى خلفه قال فقال رجل من القوم إن النبي صلى الله عليه و سلم قال كم من عذق معلق ( أو مدلى ) في الجنة لابن الدحداح

من كرم النبوة

و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال لا ..)

عن أنس : أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه و سلم فأمر له بغنم ـ ذكر ابن عائشة كثرتها ـ فأتى الأعرابي قومه وقال : يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر

وأخرج ابن عساكر في قصة إسلام صفوان بن أمية عن عبد الله بن الزبير قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن وخرج معه صفوان وهو كافر, وقد أرسل إليه يستعيره سلاحه فقال صفوان: طوعا أوكرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية رادة فأعاره مائة درع بأداتها فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين فشهد حنينا والطائف ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها ومعه صفوان بن أمية جعل صفوان ينظر إلى شعب ملأى نعما وشاء ورعاء فأدام النظر إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال (أبا وهب يعجبك هذا الشعب) قال نعم قال (هو لك وما فيه) فقال صفوان: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسو له وأسلم مكانه.

قال ربيعه الرقي:

شتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد بن عمرو والأغر بن حاتمِ

فهمُّ الفتى الأزدي إتلاف ماله وهمُّ الفتى القيسيّ جمع الدراهمِ

فلا يحسب القيسي أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم

وقال آخر:

الله أعطاك فابذل من عطيته فالمال عاريّة والعمْر رحالُ

المال كالماء إِنْ تحبس سواقِيَه يأسن وإن يجرِ يعذب منه سلسالُ

وقال الشافعي:

يا لهف نفسي على مال أفرقه على المقلَّين من أهل المروءات

إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات

وقال أيضاً

وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء

تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء

ومن الأسخياء من تَسْمُو به الحال، فيرى أن الفضل والمنَّة إنما هي لمن جاء يستجديه ويسأله؛ حيث أحسن الظنَّ به، وتكرَّم عليه؛ فهذا من غرائب السخاء، ينسب لابن عباس _رضي الله عنهما_ أنه قال:

إذا طارِقَاتُ الهمِّ ضَاجعت الفتى وأعْمل فكرَ الليلِ والليلُ عاكرُ

وباكرني في حاجة لم يجدْ بها سواي ولا مِنْ نكبة الدهرِ ناصرُ

فَرَجتُ بمالي همَّهُ من مقامه وزايله همٌّ طروقٌ مسامرُ

وكان له فضل عليَّ بظنه بي الخير إني للذي ظنَّ شاكرُ

وقال آخر:

أخو البشر محمود على كلّ حالةٍ ولن يعدم البغضاء من كان عابساً

ويسرع بخل المرء في هتك عرضه ولم أر مثل الجود للعرض حارساً

وقال آخر:

من فوائد الإنفاق  قال أبو الهياج : رأيت رجلاً في الطواف يدعو اللهم قني شح نفسي ، ولا يزيد على ذلك شيئاً ، فقلت له : أما تدعو بغير هذا الدعاء ؟ فقال : إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ، ولم أزن ، فإذا بالرجل ( عبدالرحمن بن عوف ) .

وكلما أنشغل الواحد منا بشيء من الدنيا فليبادر بالإنفاق ، وكلما كثرت الهموم ، وازداد الخوف من الفقر والمستقبل والمجهول فعلينا بالإنفاق .* وكلما خفنا على ما معنا من أموال فلنكثر من الإنفاق فنحن بذلك نحقق العديد من الفوائد منها : سكون النفس وطمأنينتها ؟ ، وراحة البال ، فالمال يشكل أهم أسباب تكاثر الهموم على العبد وبكثرة الأنفاق منه تخمد الخواطر وتزول الهموم ..ومن الفوائد المهمة للإنفاق : تعلق القلب بالآخرة .فإذا صاحب الأنفاق وجه طلق وقول حسن فقد حاز المنفق جماع الخير رزقنا الله الأنفاق والقول الحسن وخلاقنا بأحسن المبادئ والأخلاق. إنه جواد كريم.

إن السخاءَ أحالَ البؤسَ مملكةً                 من السُّرُورِ وذابَ الشح والورمُ

ولو تزايد هذا الخيرُلا نتحرتْ                 أمراضُ كل الورى أواهُ لو فَهِمُوا

لولا المكارم بين الناس ما سمقت             نفسٌ ولا دامت النعـماء والقيم

إن الأ كفُّ التي تفترُّ ضاحكة ً                   للمجهدينَ مدى الأيام تحترم

ياصاحب المهجة البيضاء مديداً                لكي تصافحها الوديان والقمم

لله درُّ أكفِ الخيرِ ما شفيـتْ                 لولاهمُ أنفسٌ المرضى ولا ابتسموا

الله يرفعُ قدرَ الباذلين فهمْ                       بجودهم بينَ أصفارِ الورى رقـمُ

من يُحي نفساً من الإتلاف محتسباً                كأنما بُعِثتْ فــي كفِّهِ الأمـمُ

ومن تردى بشح النفس عاش هبا             وليس يغنيهِ يـومَ المَحشَرِ الـنَّدمُ

يا رب بارك لمن يسخو ماوارده                لأنـهُ بحبــالِ الله مُعتصــمُ

أخرج أبن المبارك في الزهد عن عبدالله بن عبيد قال : جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله مالي لا أحب الموت !. قال : هل لك مال ؟ قال نعم يا رسول الله ! قال : ( فقدم مالك بين يديك ) قال : لا أطيق ذلك يا رسول الله ! قال : ( فإن المرء مع ماله ، إن قدمه أحب أن يلحقه ، وإن خلفه أحب أن يتخلف معه ). فلنكثر من الأنفاق في سبيل الله ، علنا ننال نصيباً من دعاء الملائكة . عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا »  .

لولا المبادئ فالضدان ما اصطحبا          ولا رأينـا غنيا يعشق الأدبا

فالفقر والمال لولا الدين ما اجتمعا           إذا جمعت رأيت النار والحطبا

لكن نفس الغنى الحر لو ملكت             أموال قارون لازدانت به أدبا

في الله يجتمع الضدان في سعة                 من الوداد وقد يغدو الغني أبا

فلا يلوم الغني الحر إن قصرت          رجل العفيف وأغضى عزة وإبا

فبسطة الوجه خير للمحب وإن            أفاض كف الغني الدرَّ والذهبا

خير من المال قلب ينتشي جذلا         إذا رآك أفاض البشر والطربا

وبسمة الوجه لو تأتي متوجة            ببسمة القلب لازداد الفتى رتبا

فأحسن البر بر الأغنياء بمن                يرونه معوزا لا يرتجي أربا

يقضون حاجة من يأتي على عجل           ولو تأبى ولم يظهر لهم طلبا

مفاوز قلما تجنى ذخائرها                إلا لمن زرع الإحسان والأدبا

فما ألآنت مع الأزمان معضلة         إلا لقلب عن المعروف ما احتجبا

ومن يجود بلا من ولا قتر               على المقلين لا يرجو بهم سببا

فالزم فديتك إن البذل مكرمة               يحيا بأكنافه من يتخذ سببا

كم خلد الجود والمعروف صاحبه       عبر الزمان فسائل خلده الحقبا

لله در فـؤاد هم صاحبه              بذل النفيس ولو لاقى به نصبا

من أخلاق المودة  السخاء لأن السخاء من أبرز الأخلاق التي تمد جسور المودة في المجتمع وتنمي أواصر القربى ووشائج المحبة .. فيكون المجتمع متماسكا حضاريا إسلاميا صلبا أمام كل التحديات فلا تخترقه الآفات.ولا تهزهُ العوارض ولا يتمكنُ منه الأعداء!! فإليه