إيقاظ الصحوة الإسلامية !!
الصحوةُ في سبيلها إلى النوم !... فلا بُدَّ - إذن - من يَقَظة قوية !
بدايةٌ مزعجة لقضيةٍ غير مفكر فيها عند كثير من الناس .. لكنَّه " الإيقاظ " فعلٌ مُزعج ، وصاحِبُه غيرُ محبوب ، خاصةً عند مِن يظنُّ نفسَه في حالة صَحْوٍ !
يحتاج بحثُ القضية لكثير من الصراحة والجرأة ، فهل نمتلكُ القدرةَ على وضع أنفسنا وجهودنا تحت مِجهر النقد ؟! إنَّها أزمة ، وأزمةٌ ضخمة ، ضخامةَ موضوعها ، وخطيرةٌ خطورةَ أهدافها ! ومِن أجل تجاوزها ، والتعامل معها بطريقة سليمة ، نحتاج لِما هو أكثر من تغيير الأسماء ، واجترار الأشكال ، وتقليد السابق .
إنَّ تحقيق اليقظة لا يُمكن أن يتمَّ بالتصورات والإمكانات المعمول بها الآن .
إنَّ ممارسة النقد دليلٌ على الوعي ، والوعيُ يُؤهلنا للتعامل مع الأفكار بشكل مُنفصل عن الأشخاص ، وتقويمِ النتائج على أرض الواقع بعيدًا عن تُهمة التحيُّز مع أو ضد الذين حقَّقوا هذه النتائج .
والتحدي الذي يُواجه أيَّ محاولة للإيقاظ يَكْمُن في الاستعداد لإعادة طرح الأسئلة القديمة ، والالتفاتِ للأسئلة الجديدة التي تُفرزها مُعطيات الواقع الذي نعيش .
ولا شكَّ أنَّ طرح الأسئلة سيُشعر المعنيين بالمأزق ، وسيدفعهم إلى كدِّ الذهن في البحث عن سُبُل الخروج منه ، وسيوقفهم أمام مسؤوليتهم الشخصية .
إنَّ كلَّ من يتحدث ، أو يكتب إذا استطاع - على الأقل - إثارةَ التساؤلات عند الدعاة والقائمين على العمل الإسلامي ، بل وكلِّ مهتم ، فسنتقدم خطوةً إلى الأمام ، وسنُدرك بأنَّنا حقَّقنا تقدُّمًا ملموسًا مع الأيام ، فما الظنُّ إذا استطاعت الجهودُ المُلِحَّةُ ، الضاربةُ على جدار هذا الموضوع أنْ تُساهم في اليقظة ، وتحريك الماء الراكد ؟!
اليقظةُ شيءٌ آخر لا يقتصر على فتح العينين ، وفَركِهما ، إنها صحوةٌ قوية تقتضي :
مراجعة ...
وندمًا على ما فات ...
وفكرة واضحة ...
وبصيرة نافذة ...
وعزمًا على التصحيح ...
ثمَّ إرادة تُحوِّل كلَّ ذلك إلى عمل مستمر ، ومحاسبة دائمة .
وكم يعجبني تعريف ابن القيم رحمه الله لليقظة إذ يقول : "... هي انزعاجُ القلب ، لروعة الانتباه ، مِن رَقْدة الغافلين " (تهذيب مدارج السالكين : ١/ ١٥٣) .
إنها انتفاضةٌ مزعجةٌ تُؤرق القلب ، وتُزعجه ندمًا على ما فات أيام الغفلة والنوم ، ثمَّ هي إحساس بروعة الوعي ، وحلاوة الفهم ، وعظمة الصحو . وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟!
إنَّ الحُداة يَطرقون آذاننا بنشيدهم ، ألَا استيقظوا ، ولا تكتفُوا بصحوة تقف بكم عند فتح العيون ، والتثاؤب من بقايا كسل النوم ! والترتيل يُردِّد : {قل إنما أعظكم بواحدة : أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا...} (سبأ : 46) . يقول لنا القرآن إنَّ اليقظة الفاعلة هي اليقظة المستمرة التي لا تقف عند حدٍّ ، ولا تعتمد على انتباهةٍ ضعيفةٍ مغرورة ، إنَّها تنميةٌ دائمة دائبة لا تفتر عن فعل اليقظة ، والمراجعة ، والمحاسبة ، وإلا فالبديل رهيب ، وخطط المراقبين لن ترحمنا ، وستنتهي الصحوة إلى ذكرى ، وإلى مجرد مرحلة تاريخية ، ككثير من تجارب النهوض التي مرت بالأمَّة ، أو التي مرت بها الأمَّة !
إنَّ العلمانيين ، ومعهم المؤسسة الجاهلية يراهنون منذ زمن على أنَّ الصحوة الإسلامية ليست إلا مُجرد مرحلة أفرزتها عواملُ اقتصادية ، واجتماعية ، وسياسية ! ويراهنون على " أنَّ الصحوة الإسلامية في طَوْر التراجع ، وأنَّ العمل الإسلامي قدَّم ما لديه وهو يُعاني من الضمور " .
ولقد قُدِّمت دراسات ، ورُفعت توصيات للتعامل مع هذه العوامل للتأثير على الصحوة وجودًا ونُموًَّا . والواقع أنَّ القوم قطعوا أشواطًا في هذا المجال .
فما هي ردة فعلنا تجاه هذا الذي يحدث ؟
نستطيع أن نقول - وقد قيل - : إنَّهم حاقدون مُغرضون .. الخ.... وبهذا نريح أنفسنا من مؤونة البحث ، والتدقيق ، ومأزق مواجهة الذات ! ولا عجب ، فهذا هو المِشجب الذي اعتدنا أنْ نُعلِّق عليه أزماتنا ! وهنا تكمُن المشكلة ، فنحن ننام ، ونستغرق في النوم حتى يأتي من يُهاجمنا ، أو ينتقدنا ، فنقوم عندها لندافع ، ونُبرِّر ، ونهاجم . وهذا الأسلوب ليس خاصًّا بالإسلاميين ، بل إنَّه ماركة مسجلة باسم شعوب المنطقة التي ننتسب إليها . إنه أسلوب إبليسي . إذ إن آدم عليه السلام عصى ، وإبليس عصى ، لكنَّ آدم عليه السلام عندما نُبِّه تَنبَّه ، ولم يجد اللهُ له عزمًا . أما إبليس فقد أصرَّ واستكبر عندما عُرضت عليه معصيته ، وذهب يُدافع عن نفسه ويسوق المُسوغات الهزيلة !
وأعود إلى المشكلة : لماذا نرفض مراجعة أنفسنا ، ونبقى نَحيا على الأماني حتى إذا جاء من يصدمنا بكشف واقعنا لنا - بصرف النظر عن نيته - فإمَّا أن نَنْتكس ! وإمَّا أن نصرَّ ونَخبط يمنةً ويسرةً في تبريراتنا !
إنَّ موقف الاعتراف ، ومراجعة الذات قمةُ الإنسانية .
لقد آن الأوان للعاملين في الساحة الإسلامية كي يُعيدوا النَّظر في واقع العمل الإسلامي ، ولا ينتظروا الآخرين ليقوموا بهذا الدور عنهم ، مُكتفين بردَّات الفعل غير الناضجة . وحينها ستَصدُق فينا ظُنون العلمانيين ، والأبحاثِ العابرة للبحار ، مِن أنَّنا مُجرد مرحلةٍ ألَمَّت بالمنطقة ، كسحابة صيف ، ثم تُوشك أنْ تَقشَّعا !
إنَّ الهدف مِن هذا الإيقاظ إثارةُ صفة الآدمية داخلنا ، فإنْ حصل صحَّ لنا شرفُ الانتساب لآدم عليه السلام . وإلا.... فما ثمَّة إلا إبليس ... ولنا الخيار !
المَصدَر : شبكة الألوكة .
وسوم: العدد 817