دعوات تفكيك المجتمعات الإسلامية (الطائفية) نموذجًا في ضوء القرآن الكريم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمي الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
وسأحاول في هذا البحث التركيز على قضية" دعوات تفكيك المجتمعات الإسلامية (الطائفية نموذجًا) في ضوء القرآن الكريم".
ويهدف الباحث لبيان مدى مساهمة الدعوات الطائفية والمذهبية في تفكيك بنية المجتمع العراقي بعد العام 2003، وقد جمع الباحث بيانات البحث عبر المنهج الوصفي التحليلي، وكذلك اتباع المنهج التاريخي، ومراجعة بعض الكتب الشرعية والسياسية ذات العلاقة بموضوع البحث.
أولاً: الطائفية لغةً:
الطائفية مصدر صناعيّ من طائفة: تعصُّب لطائفة، أو جماعةٍ ذات مذهب معيّن "من دُعاة الطائفيّة- لا طائفيّة في الدين".
2. الطائفية اصطلاحًا: وضع اجتماعي وسياسي قائم على التركيب الطائفي.
وهي أيضًا: "التعصب لطائفة مُعينَة".
ثانياً: نشأة الطائفية ومراحل تطورها
لا يمكن تحديد زمان نشأة الطائفية بدقة لكن يمكننا القول إن الطائفية كبذرة تدميرية مرت بالعديد من المراحل التي يمكن أن نصفها بـــ"التدريجية"، وربما يمكن القول إن" الفتنة الأولى كانت بمقتل الخليفة الراشد عثمان بن عثمان رضي الله عنه فلم تبق من أصحاب بدر أحدًا".
وهناك من يرى أن" الفتنة الكبرى كانت بمقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، "واتفقوا على قتله يوم عاشوراء، بموضع يقال له: الطّفّ، وقتل معه اثنان وثمانون رجلًا، وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلًا".
ثم بعد ذلك جاء العهد الأموي، الذي تميز بكثرة الفتوحات الإسلامية، ورغم ذلك وقعت فيه العديد من الثورات منها: ثورة التوابين، وثورة المختار بن أبي عبيد الله الثقفي، وثورة الخوارج، وثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث أمير سجستان سنة 88 هـ، وثورة صاحب الزنوج، وجميع هذه الثورات قد أجهضت.
واستمرت الفتن الطائفية تنخر جسد الأمة، وبقي الحال " بين كر وفر فكري بين أبناء الأمة حتى ظهرت الدولة العثمانية التي استلمت مقاليد الحكم عام 923هـ، وأجهضت في عام 1337هـ، ولم تكن الدولة العثمانية مجرد دولة وإنما كانت مقرًا للخلافة الإسلامية".
ثم بعدها بدأت الحربان العالميتان الأولى والثانية وسبقتهما – وتلتهما - الحروب التبشيرية حيث لوحظ
ولا يفوتنا التذكير بالحروب الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية التي أدت لانهيار" الدولة العثمانية عام 1923، وانتهاء آخر عهود الخلافة الإسلامية في العالم الحديث".
ثم ظهرت الطائفية الدينية والعرقية والقومية بأوضح صورها والمتمثلة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948، واستمر الصهاينة ببناء قوتهم العسكرية حتى تمكنوا من توسيع رقعة كيانهم على حساب الدول العربية المجاورة عام 1967م.
وفي عام 1980 ظهرت الطائفية المذهبية بشكل جلي بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية.
وأعتقد أن الغزو العراقي للكويت عام 1990 أوجد أرضية صالحة لفتنة طائفية قومية، وسياسية وثقافية بين بعض أبناء الأمة.
وكانت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية من أهم أسباب تغول الطائفية الدينية والقومية والعرقية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
ثالثاً: أنواع الطائفية:
1.الطائفية الدينية:
2.الطائفية المذهبية
3.الطائفية القومية:
4. الطائفية العرقية:
5.الطائفية السياسية:
6. الطائفية الاجتماعية
7. الطائفية الاقتصادية
8. الطائفية الثقافية
9. الطائفية الإعلامية
10. الطائفية السلمية
11.الطائفية الحربية، أو العنفية
12. الطائفية السياحية
رابعاً: الطائفية في القرآن الكريم
-الآيات القرآنية التي ورد لفظ ( الطائفة) فيها:
1.قوله تعالى: }وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ{ آل عمران (69).
يمكننا أن نسجل نقاط الاتفاق العامة بين الآيات القرآنية الكريمة السابقة:
-الطائفية لم تذكر في القرآن الكريم بهذا اللفظ، وإنما ذكرت بلفظ الطائفة.
--إن كلمة الطائفة تطلق ويراد بها الأخيار والأشرار المؤمنون والمنافقون والكفار، ويمكننا تقسيم المراد من الطائفة في الآيات القرآنية آنفة الذكر على النحو الآتي:
1.إطلاق لفظ الطائفية ويراد جماعة من المؤمنين، كما في الآيات القرآنية الآتية:
( آل عمران: 154، النساء: 102، الأعراف: 87، التوبة: 66( للتائبين)، التوبة: 122، النور: 2، المزمل: 20).
2.إطلاق لفظ الطائفية ويراد به جماعة من المنافقين، كما في الآيات القرآنية الآتية: (النساء: 71، النساء: 113، التوبة: 83، الأحزاب: 13).
3.إطلاق لفظ الطائفية ويراد به أهل الكتاب، كما في الآيات القرآنية الآتية: ( آل عمران: 69، آل عمران: 72، القصص: 4، الصف: 14).
خامساً: معاول تفكيك المجتمعات
يمكن تقسيم أسباب تفكيك المجتمعات على النحو الآتي:
1. السياسات الحكومية الخاطئة.
2.غياب ثقافة قبول الآخر
3.الدعوات الإعلامية والتعليمية الهدامة
4.التعصب الطائفي بكافة أنواعه الدينية والمذهبية وغيرهما
5.الميل نحو الأفكار التكفيرية والتبديعية بدون حجة ولا دليل
6.دعوات التغريب أو الانفصام عن الدين
7 – قوات الاحتلال الأجنبية
8.تجار الأزمات ومستغلوها.
سادساً: علاج القرآن الكريم للطائفية وتفكيك المجتمعات ( الحلول والمقترحات)
لا شك أن القرآن الكريم فيه الحلول الناجعة لمجمل المشاكل التي تواجه أمتنا، وهنا سنحاول بيان سبل علاج تفكيك المجتمعات طائفيًا وفقًا للقرآن الكريم:
1.الإخلاص والمصارحة
2.العودة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
3.إحياء مفهوم الانتماء للأمة وتوحيد صفوفها
4.دولة قوية تؤسس لقيم العدل والمساواة بين المواطنين
5. بيان حقيقة الدين الإسلامي للآخرين
6.إعطاء دور أكبر للعلماء والخطباء لإيقاف موجة الطائفية المقيتة
7.الوقوف بوجه النعرات الطائفية والمذهبية
8. تنقية وسائل الإعلام من الأفكار الطائفية التدميرية
سابعاً: الخاتمة والتوصيات
1.رغم تعدد معاني لفظ الطائفية إلا أنه في عصرنا الحاضر حينما تُطلق الطائفة يراد بها: الطائفة الدينية لا غير.
2.أن المعنيين اللغوي والاصطلاحي للطائفة يُراد به: الجماعة من الناس التي تعتقد بمعتقد ما، وتميل لفكر أو توجه ديني أو ثقافي معين.
3.الطائفية لم تذكر في القرآن الكريم بهذا اللفظ، وإنما ذكرت بلفظ الطائفة.
4.كلمة الطائفة أطلقت في القرآن الكريم، وكان المقصود بها الأخيار، والأشرار، والمؤمنون، والمنافقون، والكفار كما في الآيات القرآنية المذكورة في سياق البحث.
5.التطور التاريخي لمفهوم الطائفية الدينية لا يمكن تحديده بسهولة، حيث إن هناك من يقول إنه بدأ من مرحلة اغتيال الخليفة الراشد عمر بن خطاب- رضي الله عنه-، وهنالك من يقول منذ مرحلة مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، وفي عصرنا الحديث، هناك من يقول إنها منذ الحرب العالمية الأولى، وسقوط الخلافة العثمانية، وفريق ثالث يرى أن الطائفية المذهبية تجددت منذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، عام 1980، فضلًا عن المراحل العسيرة الأخرى التي مزقت الأمة طائفيًا، والمذكورة في سياق البحث.
6.توصل الباحث إلى تقسيم– ربما يكون الأول من نوعه- لأنواع الطائفية، حيث ذكر إنها تُقَسم إلى (12) نوعًا، وهي: الطائفية الدينية، والمذهبية، والقومية، والعرقية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والإعلامية، والسلمية، والحربية أو العنفية، والسياحية الدينية.
7.أرجع الباحث دعوات تفكيك المجتمعات الإسلامية إلى ثمانية أسباب، وهي: السياسات الحكومية الخاطئة، وغياب ثقافة قبول الآخر، والدعوات الإعلامية والتعليمية الهدامة، والتعصب الطائفي بكافة أنواعه الدينية والمذهبية وغيرهما، والميل نحو الأفكار التكفيرية والتبديعية بدون حجة ولا دليل، ودعوات التغريب أو الانفصام عن الدين، والقوات الأجنبية المحتلة، وتجار الأزمات ومستغلوها.
8. وختم الباحث دراسته ببيان أهم الأساليب القرآنية لعلاج الطائفية، وهي: الإخلاص والمصارحة، والعودة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإحياء مفهوم الانتماء للأمة وجمع الكلمة، ودولة قوية تؤسس لقيم العدل والمساواة بين المواطنين، وبيان حقيقة الدين الإسلامي للآخرين، وإعطاء دور أكبر للعلماء والخطباء لإيقاف موجة الطائفية المقيتة، والوقوف بوجه النعرات الطائفية والمذهبية، وأخيرًا تنقية وسائل الإعلام من الأفكار الطائفية التدميرية.
9. وبذلك يتضح لنا - بما لا يقبل الشك - أن الطائفية عداء وخصام واستعلاء طائفة على طائفة، وظلم طائفة لأخرى.
10. الحق أنه لا تجد شيئًا أضر على العلم، ولا أسوأ أثرًا في العقل، ولا أشد إفسادًا للرأي، من التعصب وإدخال (الطائفية) في مجالات الحياة المختلفة، وبالذات في مجال البحث والنقاش.
وسوم: العدد 820