الأفعال المفضية للموت بين الشرع والقانون..
الطيب عبد الرازق النقر
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
استبقت الشريعة الإسلامية الاجتهادات القضائية الجزائية المعاصرة ما هو اليوم موضع جدل ونقاش لجهة ما يسميه بعض الحقوقين القتل بالوسائل المعنوية، لم ترد هذه الحالة فى أية آية قرآنية، أو سيرة، أو حديث، أو مرويات، بل تعود إلى حادثة تاريخية عابرة، «يوم استدعى الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه» إلى امرأة مغيبة كان يُدخل عليها، فقالت: «يا ويلها ما لها ولعمر» فبينما هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولداً فصاح الصبى صيحتين ثم مات، فاستشار عمر الصحابة فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت والٍ ومؤدب، وصمت علي رضي الله عنه، فأقبل عليه عمر فقال: ما تقول يا أبا الحسن، فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا فى هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته، فقال عمر: أقسمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك». على ضوء ذلك نستطيع أن نقرر أن السلطان إذا أرسل إلى امرأة ليسمع شاهدتها أو يقاضيها فى أمر بدر منها، فهالها أمر الاستدعاء وترتب على هذا الوجل، أنها أسقطت الجنين الذى كان يحمله وعاءها، فيترتب على ذلك ضمان الجنين على من أفزعها لأن هلاكه نجم عن إرساله إليها.
ولو حدث وأن توفيت امرأة بسبب خوفها وفزعها من السلطان الذى استدعاها، فإن ديتها يتكفل بها السلطان الذى أمر باحضارها عند الإمام أحمد الذى يرى «أنها نفست وهلكت بإرساله إليها فضمنها كجنينها أو نفس بسببه فغرمها كما لو ضربت فماتت». ونجد أن الإمام الشافعى رحمه الله قد وافق أن يضمن السلطان دية الجنين، ولكنه قال بعدم ضمان السلطان لدية الأم فـ «لو ماتت الحامل المبعوث إليها أو بعث الإمام إلى رجل ذُكِرَ بسوء وهدده ومات فلا ضمان على الصحيح، لأنه لا يفضى إلى الموت» في العادة.
ومن صور القتل المعنوى أيضاً، من يشهر سيفاً فى وجه إنسان فيموت من الهلع، أو كمن يصيح بصوت مجلجل فيموت الآخرون من الذعر والروع، أو كمن يلقى بأفعى على انسان فيموت من الرعب والفزع، ونجد أن فقهاء المالكية يفصلون القول فى كنه الحية التى ألقيت على المجنى عليه، فنجدهم يلزمون الجانى بالدية إذا «رماها على وجه اللعب لا على وجه العداوة، وإلا فالقود والحاصل أنه إذا كانت الحية التى رماها حية، وكانت كبيرة شأنها أنها تقتل ومات فالقود سواء مات من لدغها أو من الخوف رماها على وجه العداوة أو اللعب، وإن كانت صغيرة ليس من شأنها أن تقتل أو كانت ميتة ورماها عليه، فمات من الخوف فإن الرمى على وجه اللعب فالدية وإن كان على وجه العداوة فالقود».
وعند فقهاء الشافعية إن جلس صبى على طرف سطح منزله «فصاح رجل ففزع فوقع من فوق السطح ومات ضمنه، لأن الصياح سبب لوقوعه، وإن كان صياحه عليه فهو عمد خطأ وإن لم يكن صياحه عليه فهو خطأ، وإن كان بالغ على طرف سطح فسمع الصيحة فى حال غفلته فخرّ ميتاً ففيه وجهان أحدهما أنه كالصبي لأن البالغ فى حال غفلته يفزع من الصيحة كما يفزع الصبي، والثانى لا يضمن لأن معه من الضبط ما لا يقع به مع الغفلة»، وعند فقهاء الحنابلة إذا أحدهم «صاح بصبي أو مجنون صيحة شديدة فخرّ من سطح أو نحوه فمات أو ذهب عقله، أو تغفل عاقلاً فصاح به فأصابه ذلك فعليه ديته تحملها العاقلة، فإن فعل ذلك عمداً فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ». ويرى فقهاء الشافعية إذا أحدهم أشهر «السيف على بالغ عاقل فزال عقله لم يجب ضمانه، وإن شهره على صبي أو معتوه فزال عقله وجب ضمانه». ويرى صاحب المجموع أن المسوغ للضمان هو السبب فى التلف فإذا ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان متعدياً وجب عليه الضمان.
ونجد أن فقهاء الحنابلة قد نحوا فعال فقهاء الشافعية، وتحروا مقالهم، ولزموا غرسهم، فإذا روّع أحدهم الآخر «بأن شهر السيف فى وجهه أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله» فعليه ديته لأنه أتلف إنساناً وتسبب فى وفاته.
ونجد أن القوانين الوضعية تختلف عن شريعتنا الغراء فهى لا تقيم أحكاماً على هذا النوع من الأفعال المفضية للموت فـ «وليس فى نص القانون المصري أو القانون الفرنسي ما يمنع أن تكون وسيلة القتل فعلاً غير مادي، ولكن جمهور شراح الفرنسيين ويتابعهم المصريون يرون أن لا عقاب على القتل بهذه الطريقة، وحجتهم أنه لا يمكن على وجه التحقيق اعتبار العوامل النفسية التى تنشأ عن فعل الجاني سبباً لموت المجنى عليه».