يونس أدمى أفئدتنا

سعيد مقدم (أبو شروق) / الأهواز

[email protected]

ترك يونس عساكر الدراسة حاله كحال معظم شبابنا لفقر عائلته المعيشي واتجه نحو السوق يطلب رزقه.

باع الخضار متجولا في السوق، يدفع عربته اليدوية رائحا جائيا.

ثم غير بضاعته ليبيع الفواكه، ثم النارجيلة ثم أصبح عاملا في البناء ثم رجع يبيع الفحم. 

صادرت البلدية بضاعته، وبعد مراجعاته المكررة لاسترجاعها، وبعد رفضهم وطردهم له في كل مرة، لم يستطع أن يرجع إلى زوجته وابنيه الإثنين خالي اليد، وهم ينتظرون أن يجلب لهم قوت يومهم، فلجأ إلى حرق نفسه في مبني بلدية المحمرة.

من المسؤول عن ابنيه اللذين ينتظرهما اليتم وزوجته التي  قد يفاجئها الترمل؟

ولماذا لم يجد يونس فرصة تتاح له فيمتهن مهنة مهما قل راتبها الشهري؟

وهل خلت المحمرة من الفرص المعيشية كي يضطر أبناؤها إلى الانتحار؟!

لقد وصلت سكينة الفقر في هذه المدينة العربية الغنية إلى العظم! 

أليست الأهواز غنية بنفطها؟! أليس ساكنوها الأجدر بثروتها الهائلة؟!

فلماذا إذن تعيش كثير من عوائلها بفضل راتب المؤسسات الخيرية؟!

أين منا المطالبون بحقوقنا في مجلس الشورى؟!

بماذا يلتهون بعد أن يرسلهم الشعب إلى طهران؟ أو بماذا يسكتونهم وقد وعدونا أن يجلبوا لنا الجنة وأنهارها؟!

أكاذيبهم أصبحت جلية ومواعيدهم أمست أكثر خلفا من مواعيد عرقوب، وما زلنا نصدقهم ونصوت لفوزهم في الانتخابات.

هؤلاء الذين عجزوا ومنذ أكثر من ثلاثين سنة حتى من إحياء مادة دستورية قد درجت في الدستور والتي تنص على أننا نستطيع أن ندرس بلغتنا العربية إلى جانب اللغة الفارسية، فكيف ننتظر منهم أن يطالبوا بحقوقنا الاقتصادية؟ وأن يلجموا وحش المقاولين الذين جيء بهم من مدن غريبة فاستولوا على المشاريع الاقتصادية كلها وبقى أبناؤنا بطالين يبحثون عن لقمة عيش فلا يجدونها.

معظم هَـمِّ هؤلاء بعد الفوز هو أن يقرؤوا خطابا في المجلس يشرحون فيه معاناة الشعب، ولا أحد من أعضاء المجلس يستمع لهم؛ ولا هم أيضا يهتمون إن أنصت لهم أحد أم لا، وإنما هدفهم أن يسجل هذا الخطاب ثم يبثونه على نطاق واسع بين الشعب كدعاية للانتخابات المقبلة.

ولا أبالغ إذ قلت أن معظم نشاطهم في المدينة بدل العمران، هو عزل مخالفيهم من المسؤوليات وإن كانوا أهلا للكفاءة والجدارة؛ ثم تنصيب مواليهم وإن كانوا من المتقاعسين والفاشلين.

أما بالنسبة إلى رؤساء البلدية، فاتقوا الله بنا وارحموا أبناءنا؛ لا تضايقوهم وأنتم تعلمون أن الفقر هو الذي أجبرهم على الوقوف في الحر والبرد في الشوارع يبيعون بضاعتهم كي يديروا عجلة حياة عوائلهم. 

وإن مهمتكم هي إعمار البلد وليست التضييق على الفقراء إن كنتم لا تعلمون.

وأنتم يا أعضاء مجلس البلدية، لستم بريئين من هذه الكارثة التي حلت بيونس؛ فلا تتناحروا فيما بينكم كما تناحرت الشرذمة التي تلاعبت بميزانية البلد في الدورة السابقة وسرقت ما سرقت منها، وقد سجنوا لفترة وجيزة ثم أفرج عنهم.

أنتم مسؤولون إن شحت فرص العمل لأبناء بلدكم، فلا تسمحوا أن تستثمر هذه الفرص لغير أبناء جلدتكم. 

أنتم مسؤولون إن لم نر أي تغيير ملموس في المدينة وقد مضت فترة طويلة على انتخابكم.

ومن كان يشكك أدنى شك فيما غضت من الفيض الكثير الذي يكاد يحرق قلبي بعد أن حرق جسم يونس، فادخلوا المحمرة لتروا الدمار بأعينكم، مدينة قد مضى على انتهاء الحرب عقود ولم تعمر بعد! كيف تفسرون هذا الحرمان؟!

إن لم تسموه إهمالا مقصودا، فارشدوني إلى تسمية أخرى ونعت آخر أنعت به هذه الفاقة والدمار والبؤس.

فيا أيها الشعب وأخص أهل المحمرة، 

خففوا من طقوسكم قليلا، واتجهوا لمطالبة حقوقكم من جميع المسؤولين،

لا تدعوهم يهنؤون وأنتم في شدة وضيق. وقد قيل: (ما ضاع حق وراءه مطالب).