مرسي وأيام الكنانة الحبلى بالأعاصير
شاءت أحكام التاريخ أن يقضي الرئيس المصري السابق محمد مرسي نحبه في قفص المحكمة الزجاجي تحديداً، مواجهاً واحدة أخرى من سلسلة التهم العديدة التي جرى تلفيقها ضده منذ الإطاحة به في انقلاب تموز/ يوليو 2013، الذي قاده عبد الفتاح السيسي وأسس بعده نظاماً في الاستبداد والفساد يرى مصريون كثر أنه أسوأ من حكم حسني مبارك. ومن سخرية الأقدار أن تكون آخر تهمة يواجهها مرسي قبيل وفاته هي التخابر مع دولة أجنبية، وأن يكون الجهاز القضائي الذي يحاكمه هو ذاته الذي أسقط عن السيسي جريمة اقتطاع جزيرتي تيران وصنافير من الخارطة الوطنية المصرية وبيعهما إلى السعودية.
وثمة دروس كثيرة يتوجب أن تُستمد من هذه النهاية المأساوية، لعل الأبرز فيها هو موقع العسكر في الحياة السياسية والاجتماعية العربية، ودور الجنرالات في قيادة الثورات المضادة، ليس فقط من قطع الطريق على مطالب الخبز والحرية والكرامة، بل كذلك للعودة بالنظام الذي يثور عليه الشعب إلى أطوار أشد استبداداً وبطشاً. وليس ما يشهده السودان اليوم من محاولات استنساخ سابقة السيسي في فض اعتصامي رابعة والنهضة وإراقة دماء أكثر من 800 مواطن مصري معتصم، إلا الدليل الأحدث على أدوار العسكر الدامية. كذلك فإن انحياز السعودية والإمارات إلى عسكر السودان اليوم، يعيد إلى الأذهان انحيازاً مماثلاً لصالح السيسي.
الدرس الثاني يخص تيارات الإسلام السياسي في العالم العربي عامة وجماعة الإخوان المسلمين خاصة، وطرائقها في ممارسة الحكم حين يحدث أن تصل إلى السلطة، وطبيعة الأخطاء التي ترتكبها فتسهل كثيراً مهام الساعين إلى الانقلاب عليها. فمن المعروف أن مرسي لم يكن أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر فحسب، بل كان كذلك أول إسلامي يبلغ هذا المنصب في منافسة محتدمة مع جنرال متقاعد وربيب للنظام السابق ورجل أعمال وتكنوقراطي. لكن مسلسل أخطاء الجماعة والبطانة الحاكمة مع مرسي تعاقبت وتكاثرت وتنوعت، فلا الرئيس مارس وظيفته كممثل للشعب المصري بأسره وليس لأنصاره وناخبيه وحدهم، ولا الجماعة أحسنت الانفتاح على فئات مصر الأخرى السياسية والاجتماعية وأشاعت مناخات التعدد والتعايش وقبول الآخر.
وأما الدرس الثالث فيتعلق بالمعارضة الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني على اختلاف تياراتها، هذه التي مارست حقها المشروع في الاعتراض على سياسات مرسي وقراراته المنافية لآفاق التغيير التي فتحتها انتفاضة الشعب المصري ضد نظام مبارك، وخاصة الإعلان الدستوري سيء الذكر، والتغاضي عن جهود أخْوَنة أجهزة الدولة، والتصعيد ضدّ الصحافة والإعلام، وتسعير الخلاف مع القوى الليبرالية. لكن هذه المعارضة ذاتها سقطت في فخ المسارعة إلى الاصطفاف خلف السيسي، فاعتبرت انقلابه تتمة طبيعية لانتفاضة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وسكتت عن أعمال القمع والتعسف، أو عارضت على استحياء، جاهلة أنها في هذا كالمستجير من الرمضاء بالنار لأن الوقت لن يطول قبل أن تصبح هي ذاتها ضحية أولى لاستبداد الجنرال الذي هللت له.
وإذا كان من السابق لأوانه استبصار عواقب وفاة مرسي على هذا النحو، فإن تاريخ مصر الحديث لم يشهد ملابسات مماثلة من حيث الحقد والبلطجة والاستهانة بالكرامة الإنسانية، ولهذا فإنّ أيام الكنانة قد تكون حبلى بالكثير من الأعاصير.
وسوم: العدد 829