نحو التميز
يسري الغول
في عام 2007 تأسست مجلة فلسطينية شابة بمدينة رام الله حملت اسم "فلسطين الشباب"، وكان أهم أهدافها هو إظهار الإبداعات الجديدة في الداخل الفلسطيني والشتات. حيث لم تكن تقتصر على النصوص الأدبية فقط، بل أتاحت الفرصة لنشر التجارب الشبابية أيضاً، بالإضافة إلى المقالات النقدية والفنية.
كما ضمت تلك المجلة بين جوانحها مجموعة من الصور الفوتوغرافية والأعمال الفنية والتشكيلية المتنوعة حتى تحولت بعد سنوات إلى مشروع ثقافي متكامل من خلال تبنيها لعدد من الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية مثل تأسيس برنامج إذاعي أسبوعي اسمه فلسطين الشباب، وإطلاق ملتقى ثقافي باسم "لوز أخضر، ملتقى أدب الشباب".
وعلى غرار تلك المجلة، صدر مؤخراً في غزة مجلة جديدة بعنوان "28"، لمجموعة من الشبان الفاعلين في المجال الأدبي والفني، موزعين على جميع محافظات الوطن، بالإضافة إلى كتاب الشتات من الشباب.
أيضاً، تنوعت أعمال تلك المجلة بين الأدبي والفني والفكري والفوتوغرافي والنقدي، حيث يشعر القارئ بأنه أمام مجلة ضخمة كنزوى وأفكار وبيت الشعر والكرمل وغيرها من المجلات رغم أنها ناشئة. والمدهش في الأمر، أن هؤلاء الشبان ورغم قلة الإمكانات سواءً على صعيد طباعة المجلة أو تمويلها، إلا أنهم استطاعوا طباعة عددين فاخرين لنتشرف بمعرفة عدد جديد من كتاب الوطن والشتات الذين غمرتهم المعاناة بكافة أشكالها. علماً بأن إدارة المجلة كان بإمكانها طباعة ثلاث أعداد أخرى لولا الإجراءات الحكومية التي استنفذت منهم جهداًُ ووقتاً كبيرين للحصول على التراخيص اللازمة لمباشرة العمل.
ولعل المؤلم أن يبحث هؤلاء عن حاضنة ترعى العمل معنوياً على الأقل؛ فلا يجدون سوى الفراغ. فقد توجه رئيس تحرير تلك المجلة قبل ثلاثة أشهر لمقابلة السيد وزير الثقافة، لكنه لم يتمكن من ذلك، فحصل على وعد بالمقابلة دون أن تتحقق حتى تاريخه، حسبما ذكر لي الصديق محمود الشاعر مدير عام المجلة.
صدر العدد الثاني من مجلة 28 بعد أكثر من عام ونصف من الجهد، حتى خرجت بصورة ملفتة ومميزة، ليس فقط في حجمها الجديد والغريب، وليس في تصميمها أيضاً، بل في طرحها للأفكار المتنورة والمتنوعة. فهي باختصار مجلة أدبية لم تخرج من رحم أي مؤسسة رسمية أو حزبية أو حتى دولية تحمل رؤية أو أيديولوجية مخالفة لما يؤمن به أصحابها.
مجلة 28 والتي يشرف عليها الصديق محمود الشاعر، ويرأس تحريرها الشاعر وسام عويضة، لم تتوقف عند إصدار المجلة فقط، بل تسعى لتكون أكبر من ذلك رغم كل المعيقات وقلة الإمكانات. حيث عقدت إدارة المجلة قبل أيام أمسية شعرية للشاعر وسام عويضة بالتعاون مع مركز غزة للثقافة والفنون، باستضافة مركز رياض العلمي للتراث الفلسطيني وأختم بما قاله مستشار هيئة التحرير الشاعر خالد جمعة في حق تلك المجلة حين يقول: "ربما تصل هذه المجلة إلى العالم، وربما توأد في مكانها مثل الكثير من التجارب التي سبقتها، لكنها في الحالتين ما ادّعت شيئاً غير نفسها، ونفسها هنا تقدمها عارية كما ولدتها قريحة الكتاب الذين ملّوا انتظار المؤسسة، فقرروا أن يقوموا بالعمل بأنفسهم، فخرج العمل إلى النور وعليه آثار أصابعهم وحبر أقلامهم وبصمات أرواحهم.