" المكارمة " أفراحنا الصغيرة كيف نعيشها في مأتمنا الكبير !؟
" المكارمة " مصطلح من مصطلحات حياتنا الاجتماعية الجميلة في زماننا لجميل وهي عنوان لقيمة اجتماعية جميلة تعني المشاركة في إظهار الحزن مع الآخرين ، من قرابة وجيران ، والامتناع عن إشهار الفرح في مآتمهم أو قريبا منها ، أو في سياقاتها.
يتوفى المتوفى فجأة وأحد بني عمومته قد أعلن عن موعد عرسه ، فيلغى حفل العرس ، ويؤجل إلى مدة أقلها أربعون يوما ، ويلفلف الحفل ، فيما بعد فيكون كما يقول الحلبيون " على السيكت " مكارمة لبني العمومة والحزانى الأقربين..
كانوا إذا توفي المتوفى من أهل الحي امتنع أهل الحي عن كثير من مظاهر الفرح ، وحتى رفع صوت المذياع بالغناء . مكارمة للجار الذي يعيش حالة الحزن التي يجب أن يظهر الاشتراك بها الجميع .
وللمكارمة قواعد في السلوك والعلاقات واللباس ، وفي لبس ثياب الحزن : الأسود والفضي والكحلي حسب درجة قرابة النساء من الفقيد ، فلزوجة الفقيد وبناته وأمه الأسود ، ولكنائنه وعماته وخالاته ومن هو في حكمهم الرصاصي " الفضي الغامق " ولبنات أخيه وبنات عمومته الكحلي . ثم يتدرجون في مدة التزام هذا اللباس بين الأربعين يوما فما فوق .
صحيح أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، ولكن بعض الزوجات والأمهات والأخوات يلزمن الحزن على أزواجهن وذويهن سنوات . وأنا أتحدث عن سياقات إنسانية اجتماعية كانت مستقرة في عوائد الناس ..
أسوق كل هذا ليس تمسكا بثقافة الماضي بكل حميميته الإنسانية الجميلة ، ولكن لأذكر إخواني وأخواتي وكل أصدقائي وأحبابي اليوم أننا في سورية نعيش في مأتم كبير ، وأننا ما زلنا منذ عشر سنوات نودع رجالا ونساء وأطفالا ، إخوة وأخوات وأبناء ، كل منهم عزيز على نفوسنا ، قريب إلى قلوبنا ، وأنه يجدر بنا أن نعيش مآتم الشعب السوري في كل بيت ، وتحت كل خيمة ، حتى على قاعدة لا عزاء بعد ثلاث ، وتحريم الإحداد على ميت فوق ثلاث كما في الحديث المتفق عليه ؛ فنحن في سورية في كل يوم في خيمة عزاء .
فإذا فرح أحدنا فرحة خاصة ، فليفرحها سرا ، وفي سياقها وعلى قدرها . لا أحظر على الناس الفرح وليس لأحد أن يحظره ؛ ولكن هذه البهرجة في إظهار الفرح والاعتداد به ، والمبالغة في التصوير والنشر والتوزيع ، وكأن سورية ليست خيمة لمأتم كبير ، وكأن صاحب هذا الفرح الصغير لا يبالي بمأتم سورية الكبير ، ولا بآلام إخوانه الأقربين ، يوم ميلاد طفلك كم يقارن من مواليد تفتقدهم أمهاتهم , وحفلة نجاح طفلك وولدك كم وكم كم وكم ..؟!
وكان مما حفظت في حقوق الجوار : " وإذا اشتريت فاكهة فأدخلها سرا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده " .
وكنت قد فقدت طفلا رضيعا عمره أيام ، وما تزال أختكم أم الطيب منذ أربعين سنة كلما سمعت باسم قرين له تقول لي والدمع يملأ عينيها هذا من عمر ولدي محمود ..
حفظ الله أبناءكم وبناتكم وزاد في أفراحكم ورفع الغمة عن سورية وشعبها ، وعوض السوريين والسوريات في مصيبتهم خيرا ..
الراحمون يرحمهم الرحمن .
وسوم: العدد 832