معايير ضرورية للثورة السورية
ترتبط حياتنا في الثورة السورية المباركة بمختلف مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية… باعتبارها مجالا لصناعة التحول الممكن، وذلك ضمن آليات محددة لخدمة هذه المجالات المتعددة في عملية البناء لدولتنا القادمة! وبخاصة في مجال التنمية.
تبدأ من التخطيط إلى التنظيم إلى التوجيه إلى الرقابة وتأمين البدائل الحقيقية لما صنعه نظام الأسد الأب والأبن من فساد عام وعلى مختلف الأصعدة في مجتمعنا وذلك من خلال درجة وعي النخب في مختلف الاختصاصات لنصنع جميعا نموذجا جديدا مرن يتلاءم مع الظروف التي نعيشها، وينسجم بشكل كلي مع المجتمع السوري بحلّته الجديدة التي تتغير وتتبدل في كل يوم نحو الأفضل للتخلص من رواسب الماضي العقيم.
فلا أحد يستطيع أن ينكر أن نمو المجتمع وتقدمه يرتبط ارتباطا وثيقا بدرجة وعيه، إلا أن هذا الوعي نتيجة لتراكمات كثيرة على مدار نصف قرن سابق لا زال مرتبطا بشكل كبير بحب الذات، و الأنا المغروسة بشراسة لدرجة تصل إلى حدّ التعصب مما يؤدي إلى نشر الفوضى واضطراب الأفكار وخاصة في ظل غياب المؤسسات التي من شأنها حماية المجتمعات ممن انتشار حمى التنافس بالبروز وإظهار الذات وكأن الصراع صراع بقاء.
فعلينا أن ندرك أن ما نريده لمستقبل ناصع يؤمّن حياتنا ينطلق تماما من قوة برامجنا وخططنا التي تصل بنا إلى تحقيق أهدافنا الاستراتيجية وإلى خطاب واضح بعيد عن الملابسات يتميز بالعقلانية عنوانه الصدق بعيدا عن خطاباتنا الحماسية في المناسبات والاجتماعات الجماهيرية التي تغزوها العاطفة واثارة الغرائز بالتعابير الرنانة والوعود الجوفاء التي يعززها الانتماء الجهوي والأيديولوجي في وقت نحتاج به إلى استنهاض قيم المجتمع السوري بكامل أطيافه وأن لا تكون الاختلافات الفكرية أساسا لتشويه مسارنا المجتمعي باعتبارنا جميعا نعمل لتحقيق هدف واحد، وطريقنا يحتم علينا مسار التنمية الشاملة كخيار مصيري.
إن لغة الوضوح والمكاشفة يجب أن تكون أساس عملنا وممارستنا وتقييم الماضي بقراءة نقدية لا تحمل التجريح والتخوين، بل تقوم على تقويّم الأداء وتصحيح المسار بناء على الواقع ومتطلباته بعيدا عن الازدواجية والتصريحات المتضاربة، وتمجيد أنفسنا على حساب قضيتنا وذلك يتحقق من خلال منهج عمل يعتمد برامج مرنة ويتفاعل مع متطلبات البيئة وحاجات الشعب فالتناقضات ستؤدي إلى مزيد من الضياع الفكري والإخفاق وتحولنا عن جوهر قضيتنا الحقيقي، ومواطن العيب والخلل فضل عن إضاعة الوقت وتحويل أنظار المجتمع الدولي والإقليمي عن قضية عادلة إلى مسميات مختلفة عن مضمون ما نصبو إليه!
من المؤكد تماما أن الابتعاد عن الشأن الاجتماعي بين القيادة والشعب وزيادة الفجوة بينهما من خلال عدم الانسجام الكفيل بخلق اللحظة النفعية لأصحاب المصالح ولا يخدم إلا ظهور فكر لأجندات مرتبطة لجهات خارجية؛ مما يضرب وحدة المجتمع السوري، وبخاصة في المناطق المحررة مما يؤدي إلى الإحباط في الإصلاح والتغيير وتصبح خطاباتنا فاقدة لمعناها ومصداقيتها ولا يعوضنا عن الوصول إلى هذه الحالة إلا سيادة منطق التنظيم ورسم الأهداف وتحديد أساليب التنفيذ التي تعطي الحق لانخراط اجتماعي جماعي لنصل جميعا إلى حالة مجتمع متجانس متماسك وهو الهدف الأسمى.
إن سر انتصار ثورتنا واستمرارها يكمن في عامل الوحدة الوطنية، وشبابنا الثوري رغم قلة الأدوات وإيمانه بحقه في التغيير وحاجتنا تزداد يوما بعد يوم إلى قيادات مخلصة ووفية وغير قابلة للتبعية والابتزاز وخاصة أمام الأهداف الإستراتيجية للثورة وذلك دون تردد أو خوف. وأن المعارك الأخيرة في ريف حماة، وريف اللاذقية، وريف ادلب أثبتت أن هناك تقدما بالوعي والإدراك للأخطار وأن روح الثورة والتضحية والإيثار لا زالت تعيش في ضمير السوريين، وأننا نستطيع ببساطة الخروج من مرحلة التيه والإحباط وأن معظم شرائح الشعب السوري مؤمنة بوحدة تراب سوريا وعدالة القضية مهما كبرت قوى الثورة المضادة وخرافات التقسيم!
اليوم لدينا وعي سوري جديد يتبلور ويتطور ليتجاوز كل المصاعب والعقبات مطلبه بناء دولة حقيقية تواكب كل دول العالم وهو واجب وطني غير قابل للمساومة، ونستطيع جميعا إذا تكاتفنا وتعاضدنا من إحداث التحول الحضاري المنشود.
وسوم: العدد 834