أسباب الذل
في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله : " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينتزعه عنكم حتى تعودوا إلى دينكم " .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أسبابا ثلاثة إذا وقعت فيها الأمة سلط الله عليها ذلاً لا ينتزع أبدًا حتى ترجع الأمة إلى دينها.
أما السبب الأول فهو التبايع بالعينة : " إذا تبايعتم بالعينة " وهو بيان بأن الأمة إذا وقعت في البيوع المحرمة ولم تراعِ الحلال والحرام فإن هذا أول أسباب الذل والهوان من الله عز وجل.
"إذا تبايعتم بالعينة " فما معنى العينة ؟ إنها بيع من البيوع المحرمة، وصورتها أن يشتري الرجل سَـلعة بثمن مؤجّل ، ثم يبيعَها على نفس البائع بثمن حاضر، فهذا نوع حرَّمه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منتشر في هذه الأيام في كل مكان وفي كل بقعة على وجه الأرض .
والسبب الثاني " وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع " ، وهذه كناية عن الركون إلى آلات الحرث ووسائلها، والرضا بالدنيا ووسائل التجارة، وما يعود منها على العبد من ربح ورزق، فيركَن العبدُ إلى ذلك ويرضى به، وليس في هذا ذمٌّ للكسب والعمل، بل هو ذم للركون المطلق إلى الدنيا وزينتها وإلى الحرث وزينته، هو ذم لمن يرضى بهذا وينسى غيره من الأعمال الصالحة، كالجهاد في سبيل الله ، وتحصيل العلم مثلاً .
والسبب الثالث " وتركتم الجهاد " و الجهاد ذروة سنام الإسلام، وقد عده بعض أهل العلم الركن السادس من أركان الإسلام.
الجهاد ليس عملاً كغيره من الأعمال الصالحة يثاب العبد على فعله ولا يعاقب على تركه، إنما هو واجبٌ فرضه الله على هذه الأمة، يأثم من يتخلى عنه. يقول جل وعلا: " كُتِبَ عَلَيْكُمُ لْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ . وكلمة " وكُتِبَ عَلَيْكُمُ معناها : فرض عليكم – كما يقول بعض العلماء - فالله تعالى كتبه علينا ولم يكتبه على الأمم قبلنا ، فقد كان من سنة الله أنه يهلك الأمم التي تكذّب الأنبياء والمرسلين، ويرسل عليها عذابًا يستأصلها ، و قد جعل هلاكهم ذلك بعد بعثة النبي المصطفى على يد أمته صلى الله عليه وسلم حين أمرها بالجهاد فقال: " قَـٰتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ، ويُخْزِهم ، وينصُرْكم عليهم ، ويشفِ صدورَ قوم مؤمنين ويُذْهبْ غيظَ قلوبهمْ " فعذاب الكفار والمنافقين والمشركين حاصل كائن على أيدي المجاهدين في سبيل الله - إن شاء الله - .
وسوم: العدد 837