فينا ينطوي سر نصرها الأعظم...
فينا ينطوي سر نصرها الأعظم...
د. سماح هدايا
منحتنا الثورة السورية القائمة، في الأصل، على مبادىء الحرية والكرامة وقهر العبودية، الفرصة التاريخيّة، لكي نكون أحرارا صالحين كراما مستقلين منتجين نحكم بالعدل، نصنع خياراتنا بقوة التصميم والعزيمة؛ لكنّ الأداء المجتمعي والإنساني في سوريا، جاء أضعف من المطلوب بشكل فاضح. فتصدّى للثورة الصامتون والمنافقون والجبناء والجاهلون. وعقليات رجعيّة اعتادت الرضوخ وتقولبت مع ال...ذل. وبالتوازي مع ذلك شاعت ذهنية انتهازية اننفاعية توسّعت لتشمل المعارضة والقيادات، أضاعت الهدف والراية، وشاركت في تأخير إنجاز النصر الثوري.
لا يمكن نجاح الثورة من دون حاضنة مجتمعيّة عميقة واسعة تدعمها. لكن الثورة مازالت بلا حاضنة متجذرة. لذلك عليها أن تقوم باختراق مجتمعي واسع وعميق، حتى تحقق تأثيرها بشكل أشد وأكثر جدوى. المصداقية التي تقدمها الثورة ، والخطاب المنطقي الشجاع الذي يقترح الحلول ويصدق في التوصيف والتحليل غير بعيد عن روح الناس وعن محادثة العقول وفق طبيعتها، بالإضافة إلى إبداء الحيوية الخلاقة في مواكبة التطورات والمستجدات، مع ممارسة التوقّع السبّاق، واحتواء الإشكاليات، من الأمور المهمة والأساسية في تقوية الحاضنة الشعبيّة وشدها لعملية التغيير الثوري.
ليس سهلا وسريعا أن تتطهّر القلوب والعقول والنفوس مما انغرز فيها من أنانية وجهل وغطرسة وكراهية وبلادة وأن تقطع خيوط العنصرية والطائفيّة التي تشربكت بها، وتنفتح على إنسانية جديدة عادلة، يدفع المناضلون والأحرار والأبرياء ثمنها دما كل يوم، وهم يواجهون ، وحدهم، الحرب العنيفة التي يشنها الأسد وأعوانه وشركاءه على مجموع الشعب السوري المطالب بالحرية. لكن ّ الأمر يحتاج إلى تبلور ذهني وعقائدي. والثورة بثوارها وأحرارها ومفكريها ملزمة في التحريض له
لا يستحق الشعب أرضنا ووطنا من دون معارك شرسة ونضال عميق مكين. . ...وللأسف نريد نصرا سريعا وبقليل جهد . وبقلوب شتى وعقول راسخة في الفوقيّة والفئويّة واللامنهجية والفوضى. نجن مازلنا عالقين في المنطقة الوسطى بين الحرية والعبودية...بين الخير والشر. بين الإبداع والتقليد. بين الأنا والنحن. بين الوطن والحارة. بين شرنقة الولاء ومطلب الوفاء. بين ان نقف مع الثورة عقلا وروحا ومصيرا وبين أن نتفرج وننتظر، أو نعادي ونحارب ونهاجم. قد حان الوقت لكي نتصرف من دون غشاوة في الوجدان، وعمى في البصيرة. وضعف في الهمة والضمير. وبتقييم منطقي للمطلوب والعاجل والمؤجّل والأولويات وفرز دقيق للصديق والعدو والحليف.
الأقنعة الكثيفة التي انحفرت في النفوس منذ عصر الاستبداد...التحمت بالجلد والدماء ومختلف التعابير....حتى الثورة العظيمة لن تخلعها بسهولة عن النفوس والوجوه التس تشوهت بها. خلعها فرض حتمي. لكن الألم شديد . وبشاعة التعري والمكاشفة ومواجهة الجديد والنور من دون ما اعتدنا عليه من أقنعة وقواقع، فظيع على الجميع. الثورة هي الوسيلة لكي نتغير وننتفض على المعتاد الذي ألفنا ذله وفساده وقبحه ومكاسبه الوضيعة. ستعلمنا الثورة كيف نكون شجعانا لنواجه الحياة والواقع بصدق وجرأة وفرادة، وكيف ننشب الأظافر في وجه الأقنعة التي تواجهنا حتى لا تخدعنا وتمثل علينا وتسيطر على منظورنا.
قد يبعدنا الألم عن الحقيقة والواقع. وقد يربكنا وهم المستحيل. وقد يضيع بنا حلمنا المنشود في الحرية عن تفاصيل اليوميات...فلم إذن لا نفتش في قلوبنا وضمائرنا ووعينا عن زاوية نور لكي نحتمي بها ونطهر أنفسنا بضوئها ونعيد النظر في الفكرة والشعور والرأي والموقف...؟ . لعل ما يطلبه الواقع منا أكثر بكثير مما نقدمه. أو أكثر بكثير مما بوسعنا أن نفعله. أو يختلف جدا عن ما يشبهنا.
الرياح العاتية لا تستطيع أن تغير مجرى النهر العميق.....قلوبنا المؤمنة أقوى من الهزيمة. نحن ضلوع الأرض . وفينا يستقر خصب الحياة. وعلينا أن نهز الثورة بأيد قوية حتى نفكك الواقع لكي نعيد بناءه.