مستقبل الدولة اليهودية وهل ستستمر في البقاء؟ التهديدات تأتي من الداخل

كنت قد اشرت في مقال "صفقة القرن أم صفعة القرن"، والقضية الفلسطينية في سياق الأسباب التي دفعت لهذا المشروع أو الصفقة هو: (إرهاصات ضعف إسرائيل وترهّلها باتت واضحة وكثيرة في كافة مناحي الحياة، وإن مظاهر ضعفها وتفكّكها وربما انهيارها كثيرة، مما أوجب الإسراع في عرض الحلول من خلال صفقة القرن أو أي صفقة أخرى تؤدي للنتيجة ذاتها، من انتشال لدولة الاحتلال الإسرائيلي من وضعها المتأزم، لا سيما والوضع العربي المنهار مناسب الآن).

لقد أبدا أخي أبو خالد الذي تربطني به علاقة أخوية طويلة، ومودّة كبيرة، حتى أصبحنا ننادي بعضنا بالشقيق كما يقول المثل: (رب أخ لك لم تلده أمك) ملاحظات على المقال لمحبته بالأمة العربية وإخلاصه للقضية وكتب لي ما يلي:

(شقيقي أبو محمد الورد هذه الفقرة تثير الاستغراب! شقيقي وأني أول المتسائلين عن المؤشرات الدالة على تفكّك إسرائيل! وماهي مظاهر قرب انهيارها لأني لا أجد حقيقة أي من هذه المظاهر بل أني أرى العكس تماماً ولم تكن إسرائيل يوماً منذ إعلان تأسيسها إلى اليوم أقوى وأكثر تماسكاً منها اليوم فكيف يستقيم أن يصف المقال ضعف الموقف العربي وتخاذله بل وهرولته إلى التطبيع مع إسرائيل وهم العدو المفترض للوجود الإسرائيلي منذ قيامه إلى اليوم مع نظرية قرب تفكك اسرائيل وضعفها؟؟!!)

وأجبت شقيقي في حينها بشكل مختصر، وودّدت أن أعطي هذا الموضوع اهتماما وتوضيحا انطلاقا من المعطيات السياسية، ولم أتطرّق إلى تنبئ أو إلى النهاية المحتومة وفق كلام الله عزه وجل في كتابه الكريم.

معاناة المجتمع الإسرائيلي

منذ نشأته الكيان الصهيوني، بدأت حالة من عدم الاستقرار؛ نتيجة للأخطار الخارجية التي أحاطت به، والتي كان أبرزها الرفض العربي والإقليمي لوجوده، مرورا بالتحديات الداخلية، التي ظهرت بعد ذلك؛ والتي تمثّلت في التفاوت الطبقي بالنسيج المجتمعي، وعدم التكافؤ السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والانقسامات العميقة، التي غالبًا ما يتم تجاهلها داخل المجتمع اليهودي؛ باعتبارها إطارا توضيحيا يلج من خلاله إلى تفتت البنية الاجتماعية بإسرائيل وهي نواة لتفتّت الدولة.

الصراعات أو الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي

يعاني المجتمع الإسرائيلي من عدد من الصراعات والانقسامات الداخلية، خاصةً في ظلّ قرب اختفاء اليسار الإسرائيلي من الساحة السياسية؛ حيث ظهرت بوادر تحوّل النظام السياسي الإسرائيلي إلى نظام يميني عنصري. فموجة العنصرية والتعصب أصابت مفاصل مهمة في المجتمع الإسرائيلي، سواء عبر الفتاوى الدينية، أو القرارات والقوانين الحكومية.

يخلص «غريغ كارلستورم» (1) في كتابه، تعدّد أشكال الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي؛ ولعل الأصل في كل هذا يكمن في عدم وجود هُوية موحّدة تجمع المواطنين في بوتقة واحدة؛ فهو مجتمع منقسم بين يهود غربيين «الأشكناز»، ويهود شرقيين «السفارديم» وما بينهما من صراع يمتد منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية. وهناك المتدينون «حريديم» والعلمانيون، وما بينهما من عداء أيديولوجي قديم أيضًا. وهناك اليهود الروس واليهود «الفالاشا» القادمون من أثيوبيا، وهناك الصراع التاريخي المعروف بين أية مجموعة من اليسار واليمين والوسط واليمين المتطرف. وهناك الفقراء والأغنياء الذين تتزايد الفجوة الاجتماعية بينهم على نحو متسارع.

وعمليًا قد تتخذ الدولة الإسرائيلية تدابيرًا عنصرية في كثيرٍ من الأحيان، فمثلًا بالمقارنة بين حالة يهود "الفلاشا" أي المهاجرين اليهود ذوي الأصول الإثيوبية، وبين حالة المهاجرين اليهود السوفيت، الذين انضموا إلى إسرائيل في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، نجد أن الدولة قامت باتخاذ تدابير عنصرية مع يهود "الفلاشا"؛ فقامت بعزلهم عن باقي المجتمع بحجة الأمن، فضلًا عن العنصرية في التعامل، والوظائف الحكومية، والخدمات المقدمة لهم. وعلى النقيض تمامًا، نجد أن حالة اليهود السوفيت اتخذت فيها الدولة تدابيرًا استيعابية أكثر! وذلك من أجل الاستفادة من القدرات العلمية والعملية من اليهود السوفيت. وبالطبع نتيجةً لذلك لن يكون هناك انتماءً (هُويةً) لهؤلاء الفلاشا، وعلى العكس أصبح السوفيت الأسرع في عملية الاندماج في المجتمع. وكما يبدو نستطيع أن نستنتج أن المجتمع الإسرائيلي عنصري، وبلا هُوية محددة، ولا تمارس الدولة أعمالًا تؤهل حقًا لتوحيد الهُوية الإسرائيلية، خاصةً في ظلّ عدم وجود إجابة محددة ومتماسكة وشاملة على سؤال «من هو اليهودي؟»

وما بين الأزمة الوجودية التي تواجه المجتمع اليهودي بسبب الدولة، حول ما إن كانت دولة مدنية علمانية قائمة على المواطنة، أم دولة دينية قائمة على أساس التجمع اليهودي وتحكمها الشريعة اليهودية. ويمكننا ترجمة الصراع والانقسام بين المتدينين والعلمانيين فيما يخصّ قوانين الأحوال المدنية، حيث تظهر سيطرة كاسحة للمتدينين، وذلك منذ انتخابات «الكنسيت» عام 2009 حيث فاز اليمين بأغلبية الأصوات.

من هنا يمكننا القول: إن المجتمع الإسرائيلي مجتمع عنصري تغذي عنصرية تلك؛ طبقيَّة متشابكة ومركبة للغاية، وبما أن اليهود (الأشكناز) هم من وصلوا فلسطين أولًا، فقد وضعوا أساس الدولة على غرار المجتمعات الأوربية التي عاشوا فيها، وهذا جعلهم يشعرون بأنهم أرقى من اليهود الشرقيين، وتحوّل الأمر بعد ذلك لصراع بين الطبقتين، اتخذ عددًا من أشكال العنف والفصل العنصري. تجسدت هذه الإشكالية، في مشروع قانون «الدولة القومية»، الذي أطلقه «نتنياهو» في 2014، والذي يرسّخ لمفهوم اليهودية في الدولة، ويشدد على أن الشعب اليهودي فقط هو من يتمتع بحقوق وطنية، ورغم إحباط الكنيست للمشروع فإنه يبين كيف يتم إقصاء السكان غير اليهوديين في إسرائيل، أي أن «تشريع الدولة القومية»، لا يعتبر وحده مؤشرا على التفاوت بين طوائف المجتمع، ففي الوقت الحالي تطوّرت القضية، إلى تهديد جديد ومدمّر للدولة، يتمثل في «سخط الطائفة الحريدية (يهود الأرثوذكس المتشددين)»، والتي كانت دائما مستاءة من الدولة الإسرائيلية -بعد أن تفانوا بصرامة إزاء تعاليم التوراة؛ ما جعلهم معفيين من التعليم والجيش- وكثيرا ما اصطدموا مع الحكومة حول قضايا تتعلق بالأفكار والأيديولوجيات، لكن أكثر النقاط المسببة للاصطدام هي آراؤهم بشأن الصهيونية، فالعديد منهم يرونها تحديًا لإرادة الله.

وطائفة الـ«حريديم» اليهودية المتطرفة، تقطن في ضاحية «ميا شيارديم» بالقدس، ولا يعرف بعض من أفرادها الكثير عن شؤون الحياة اليومية خارج نطاق مجتمعهم، إذ لا يستطيعون حتى فتح حساب بنكي أو استئجار شقة، فهذا الالتزام الصارم بالقيم الدينية، ومحاولات هذه الطائفة نشر تعاليمها بين الإسرائيليين العاديين، تعدّ في رأي الكثيرين من أكبر المهددات للمجتمع الإسرائيلي العلماني، وأكبر المخاطر على القيم الديمقراطية، التي تدّعي إسرائيل الالتزام بها.

انتفاضة اليهود الإثيوبيين تعرّي عنصرية إسرائيل مع أبنائها

التاريخ: 08 يوليو 2019بدأت الأحداث عندما أطلق رجل شرطة خارج ساعات الخدمة النار على شاب إثيوبي هو: (سولومون تيكا) البالغ من العمر 19 عاماً، مبرراً ذلك بأن الشاب كان في مشاجرة مع آخرين، وأنه حين حاول انتهارهم لوقف المشاجرة قذفوه بالحجارة، وأنه أطلق النار دفاعاً عن نفسه وحفاظاً على حياته.

وقد تسببت هذه الواقعة في اندلاع موجة غضب كبيرة في أوساط المجتمع اليهودي الإثيوبي في إسرائيل وسرعان ما تحولت إلى عنف واسع النطاق، فقاموا بتحطيم السيارات وعربات الإسعاف وحرق إطارات السيارات، وحاولت السلطات الإسرائيلية احتواء الموقف، لكن التظاهرات اتسعت على مدى أيام فجرح العشرات واعتقلت السلطات 136 متظاهراً.

تعود جذور المجتمع اليهودي الإثيوبي إلى بدايات 1975، يُشكل المجتمع اليهودي الإثيوبي اليوم 1.7% من حجم سكان إسرائيل، حيث يقدر عددهم بـ 140ألف شخص طبقاً لإحصاءات مركز التعداد والإحصاء الإسرائيلي، ويتسم هذا المجتمع باحتكاره أعلى درجات الفقر، والبطالة وانخفاض الدخل في إسرائيل.

بدأت جذور الإحساس بالعنصرية عند اليهود الإثيوبيين في منتصف التسعينات، عندما رفضت بنوك الدم الإسرائيلية قبول دماء الإثيوبيين، بحجة الخوف من إصابتهم بالإيدز المعروف بانتشاره في بلدان إفريقية، وعلى الرغم من واقعية الاحتمال، فإن طرح ذلك علانية أثار استفزازاً واسعاً عند اليهود الإثيوبيين.

كما أن الانقسامات الداخلية العميقة في المجتمع الإسرائيلي تفرض تحديًا على المدى الطويل، أكبر من تحدي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الراكد)، كما يرى أن إسرائيل في العصر الحديث تبدو عبارة عن قبائل مُدمجة تعيسة أكثر من كونها دولة، حيث تُقسّم بشكل أساسي بين «اليهود والعرب»، ومن حيث الأجناس والأديان أيضًا، إلى جانب بروز يهود "الأشكناز" كطبقة مهيمنة، ومع تفاقم الانقسامات الداخلية والداخلية، كما هو الحال في حكومة نتنياهو اليمينية، تصبح السياسة أيضا أكثر تفككا.

ففي مقال للمؤرخ اليهودي يوسي أميناي (2)، ذهب إلى أنه «سيحدث تقلصا لإسرائيل، لتصبح أكثر من حكم ذاتي بقليل، وأقل قليلا من دولة»، بينما نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والتقنية في موسكو تقريرًا أوضح فيه «انهيار المشروع الصهيوني خلال عشرين عاما، وتنبأ بسقوط إسرائيل عقب انهيار هذا المشروع الصهيوني».

إن التمييز الطائفي داخل إسرائيل يعتبر «أعتى الأزمات التي تواجهها، وتهدد بقاءها»، سواء بين اليهود الغربيين والشرقيين، أو العرب من قبل اليهود، أو الصراع الدائم بين اليهود المتدينين والعلمانيين.

إنه رغم العقود السابقة من التعايش بين الطوائف المتصارعة في إسرائيل إلا أنها لم تنجح في صهر المجتمع، بل ازدادت الفجوة اتساعًا، وهو ما يعتبر سببًا رئيسيا في تراجع مكانة الأيديولوجية الصهيونية، والتأثير على استمرار الكيان الإسرائيلي.

الهجرة المعاكسة تثير القلق في إسرائيل

تعتبر البطالة وارتفاع نسب الضرائب والمهددات الأمنية أهم الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الهجرة السلبية من إسرائيل، فقد ترك إسرائيل ما عدَده تسعة عشر ألف إسرائيلي سنويا في الأعوام ما بين 2002 و2003 و2004، في حين ارتفع هذا العدد إلى 25000 شخصا عام 2005، معظمهم من اليهود وتحديدا من "القادمين الجدد" من "جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق"، وبحسب مُـعطيات في وزارة الداخلية، فإن 775 إسرائيلي تقدّموا بطلبات للتنازل عن جنسيتهم الإسرائيلية.

وفيما ظل القدوم من الشتات إلى إسرائيل "حجر الزاوية" في الحلم الصهيوني، إلا أن ظاهرة المغادرة شكّـلت دائما كابوسا للمشروع الصهيوني ولاستمراره ولمستقبله. فالقدوم إلى إسرائيل كان طِـوال الوقت المركب الأساسي، في الحلم الصهيوني"، وضربة لمناعته الديمغرافية"، وهذا الموضوع في إسرائيل بدا مُـقلقا، خصوصا عند الحديث عن ظاهرة الهجرة العكسية في أوساط "القادمين الروس الجدد"... المعطيات كما طرحت في اجتماع خاص للجنة "القدوم والاستيعاب"، التابعة للكنيست، تتحدث عن أن نِـسبة الهجرة داخل هذه المجموعة أكبر بخمس مرّات عن نِـسبة الهجرة العكسية بين المجموعات الأخرى في إسرائيل ، آلاف الطلاّب الثانويين سافروا إلى روسيا، وأوكرانيا لامتحان لشهادة الثانوية العامة، والآلاف الأخرى سافرت للدراسة الجامعية هناك، وفي الأغلب، لن يعودوا!!!

وِفق المُـعطيات التي طرحت أمام اللجنة، تنبع الأسباب الرئيسية للهجرة المعاكسة في الأساس من أسباب اقتصادية، كالبطالة وغلاء المعيشة ونسب الضرائب العالية في إسرائيل (في إسرائيل تصل نسب ضريبة الدخل إلى 49% من المعاش، ففي حين تصل في روسيا إلى 13%) وهناك عامل إضافي للهجرة، نابع من رغبة الطلاب الجامعيين والباحثين الأكاديميين في استكمال دراستهم وأبحاثهم في بيئة تهيئ ظروف بحث ودراسة أفضل، مما يمكن أن يحصلوا عليه في إسرائيل.

ظاهرة هجرة العقول

في أحدث بحث إسرائيلي عن الموضوع، نُـشر في مايو 2006، قام به إريك غواد وعمر مواب، من كلية الاقتصاد في الجامعة العِـبرية في القدس، اتضح أن إسرائيل تُـواجه في السنوات الأخيرة ما يُـسمّـى بظاهرة "هجرة العقول"، ووفق معطيات البحث، فإن 2.6% من مُـجمل اليهود المتزوِّجين والمتعلمين ما بين سن 25 عاما إلى 40 عاما يعدُون "مغادرين"، وفق لجنة الإحصاء المركزية في إسرائيل، مقابل 1.1% من المتعلِّـمين ذوي الثقافة المحدودة.

ومرة أخرى، فالظاهرة تبدو أشد حدّة في أوساط المهاجرين الجُـدد. ففي نفس الشريحة، الأجيال المتعلمة بينهم تصل نسبة الهجرة إلى 4.65% وسط ذوي التعليم المحدود إلى 2%، والاستنتاج الأساسي في التقرير يقول: إن إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا لسياساتها الاقتصادية والاجتماعية من خلال فقدان أفضل أبنائها. فالهجرة المعاكسة تعد هي الأكبر والأخطر إسرائيليا، ونسبة الهجرة وسط السِّـلك الأكاديمي الكبير من حمَـلة شهادات البروفيسور، يصل إلى 6.55%، يتبعهم الأطباء بنسبة 4.8% والمهندسون والباحثون بـ 3%، وأن نسبة الهجرة تسير بشكل طردي مع ارتفاع سنوات التعليم.

وحسب معطيات لجنة الإحصاء المركزية في إسرائيل، هناك 750 ألف إسرائيلي يعيشون خارج إسرائيل، والجزء الأكبر في الولايات المتحدة، وكندا أي ما يعادل 12.5% من مجمل اليهود في إسرائيل يعيشون اليوم في أمريكا الشمالية.

حالات ضغط وتوتر

من هنا، يبدو مصدر القلق الأساسي من ظاهرة الهِـجرة العكسية لليهود في إسرائيل، خصوصا وأن المُـعطيات الإسرائيلية تُـشير إلى أن المهاجرين من إسرائيل في ازدياد.

فالحروب في السنوات الأخيرة على لبنان زادت أيضا من عدد الراغبين في ترك إسرائيل. فبحسب مسؤول الوِحدة للهجرة والاستيعاب في مركز الحكم المحلي في إسرائيل ميخائيل جنكر، فهذه الحروب زادت من عدد المتقدّمين بطلبات لمغادرة إسرائيل، هذه المعطيات تشير إلى ارتفاع حالات الضغط والتوتر وسط الجمهور الإسرائيلي مع تركيز أكبر على "أوساط القادمين الجدد".

إن الحرب "أدّت إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن الشخصي والعام، وإلى خيبة أمل قوية من كيفية تصرّف الدولة على الصعيدين، السياسي والعسكري".

انتهى عهد الصهيونية كدين مجمّع

بالنسبة للعديد من علماء الاجتماع وأساتذة الفلسفة في الجامعات الإسرائيلية فإن "الصهيونية كدِين مجمع للإسرائيليين انتهت"... "فالنظرية الصهيونية، والقيم المرتبطة بها، التي شكلّت الصمغ الأساسي للمجتمع الإسرائيلي تحديدا في سنواته الأولى، لم تعد كذلك"... "والرغبة بالتشبه بالقيم الاجتماعية والسياسية الأمريكية باتت الأمر الأساسي المشترك بين الإسرائيليين"... "وعصر العقائدية والايديولوجيا تراجع أيضا في إسرائيل لصالح القِـيم الفردية ولصالح الخاص على حساب العام، مع بقاء الشروخ الاجتماعية المهدّدة للهوية الإسرائيلية العامة على حالها وسط استمرار التقاطب بين المتديِّـنين والعِـلمانيين، والشرقيين والغربيين، وازدياد التقاطب الطبقي واستمرار الصراع مع الفلسطينيين مع النقاش الحاد، الذي يخلقه بين اليسار واليمين، ووجود أقلية فلسطينية داخل إسرائيل تشكَّـل للبعض منهم تهديدا استراتيجيا".

أما هنري كيسنجر اليهودي ووزير خارجية أمريكا الأسبق يصل إلى نتيجة مأساوية بالنسبة له، وهي أنّه في خلال عشر سنوات ستزول اسرائيل من الوجود، كما نشرت جريدة «نيويورك بوست» بالحرف الواحد على لسان كيسنجر في 30 أكتوبر 2012. وقد نشر موقع كاوكاز سنتر تفاصيل ما صرح به كيسنجر بالحرف الواحد وملابسات هذا التصريح النادر على النحو التالي:

طبقاً للتقارير الصحفية فإن هنري كيسنجر ومعه ست عشرة إدارة استخبارات أمريكية اتفقوا في الرأي على أنه في المستقبل القريب ستزول إسرائيل من الوجود، ونقلت جريدة «نيويورك بوست» تصريح كيسنجر حرفياً بأنه خلال عشر سنوات ستزول إسرائيل!

وهناك عوامل أخرى تهدد في زوال هذا الكيان الاستيطاني.

أولاً: الفساد ينخر جسد إسرائيل وهو يتفشّى بسرعة في كل أوصال الدولة، وفي كل ركن وزاوية. الرشوة تنتشر، والمنافِع المادية الذاتية تُسيطر على عقول الناس. السياسيون فاسدون، وهم يعملون على تدعيم مصالحهم الشخصية ولديهم الاستعداد لتفضيل هذه المصالح على مصلحة الدولة، والفساد آفة كبيرة كفيلة بانهيار المجتمع ومن ثم بانهيار الدولة.

ثانياً: كما هو مبين في البند أعلاه، الدولة لم تعد تلك التي كانت في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات، والجيش لم يعد ذلك الجيش العقائدي المُتماسِك والقادر وصاحب المعنويات العالية. شهدت مرحلة بناء الدولة نفيراً بين كل أوساط الغُزاة الصهاينة، وكان العمل الجماعي في أوجه، وكذلك التفاني والإخلاص والصدق، أما الآن فالتحوّلات كبيرة وواسعة، ولا يبدو أن فرامل المحافظة على أوضاع سابقة تعمل بشكل جيّد، ولن تعمل.

ثالثاً: إسرائيل لا تملك البُعد الجغرافي والسكاني الاستراتيجي الذي يؤهّلها لمواجهات عسكرية وأمنية طويلة الأمد. إنها صغيرة بالمساحة الجغرافية ويمكن تغطيتها بسهولة بصواريخ ومدافع تقليدية وتدمير مختلف منشآتها وأسُسها الاقتصادية. وهي أيضاً صغيرة بعدد السكان، ولا تملك الزخم البشري الضروري لمواجهة زخم عربي وإسلامي هائل، أصبح التفكّك في الجيش الاسرائيلي واضحا من خلال عدم قدرة الجيش على تحقيق نصر، ضد حماس والمقاومة الفلسطينية أعوام 2008/2009، 2012 و2014. هذا الجيش الذي قيل عنه إنه لا يُقهَر، قُهِرَ في أربع حروب مُتتالية.

رابعاً: البُعد الاستراتيجي الوحيد الذي كانت تعتمد إسرائيل عليه في حروبها هو الأنظمة العربية. إسرائيل اعتمدت على خيانة الأنظمة العربية لشعوبها، وعلى تعاون هذه الأنظمة معها وتزويدها بالمعلومات الضرورية لخوض حروب ناجحة. وقد ارتبط مصير العديد من هذه الأنظمة بوجود إسرائيل، وكان من المصلحة الخاصة لكل نظام أن يُقدّم لإسرائيل ما يلزم من خدمات أمنية ومعلوماتية لضمان بقائها.

فهذا البُعد الاستراتيجي مُصاب الآن بخلل كبير لأن الأزمات التي يمرّ بها الوطن العربي بخاصة في (سوريا، والعراق) قد كشفت الكثير من الأمور الباطنية في الساحة العربية، وسجّلت فرزاً ميدانياً عرّى أصحاب إسرائيل ووضع الآخرين أمام مسؤولياتهم. فالتخاذل العربي سيشهد حال فرملة، وموجة التطبيع القائمة حالياً مع إسرائيل ستجد مَن يردعها، أو أن مناخاً مُعادِياً في الساحة العربية سيتطوّر ضد المُطبّعين والمُتحالفين مع إسرائيل.

هذه كلها عوامل نشطة الآن على الساحة العربية والإسلامية، وتفاعلها يرفع من درجة التوتّر الإسرائيلي، والأميركي. فأميركا ترى نفوذها يتقلّص وهزائمها تزداد، وفي ذلك ما يُقلق إسرائيل ويرفع من منسوب مخاوفها. ومهما بلغت قوة إسرائيل العسكرية تبقى كل الأراضي التي تحتلها تحت مرمى النيران التي لم تعد تنهال على العرب فقط. فهل ستُعَمِّر إسرائيل سنين أخرى؟ إلا بإذن الله.

خامسًا: بعد مضي أكثر من 70 عاما على تأسيس اسرائيل لاتزال تعتمد إسرائيل على المساعدات لتطوير قدراتها العسكرية، حيث تمّ الاتفاق رسميًا بين إسرائيل، وأمريكا على منح الأخيرة لتل أبيب مساعدات عسكريّة بقيمة 38 مليار دولار في السنوات العشرة القادمة، ويُعتبر هذا المبلغ من أكبر المبالغ الذي تلقتّه الدولة العبريّة من واشنطن منذ إقامتها في العام 1948. منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، أصبحت أكبر متلق للمساعدات الخارجية من الولايات المتحدة – ما يصل مجموعه إلى 121 مليار دولار، وكلها تقريبًا في شكل مساعدات عسكرية.

سادسا . ديمغرافية إسرائيل، إن النهاية كامنة في إسرائيل، نظرًا إلى كونها دولة عنصرية، تعاني من مشكلة ديموغرافية، فالعرب يتكاثرون واليهود يتناقصون من خلال النزوح والإحجام عن الإنجاب.

وعلى العموم، فإن إسرائيل تبدو من الخارج دولة قوّية متماسكة، تتمتع بدعم غربي وأمريكي غير محدود، وهو ما يعني صعوبة اختراقها وإضعافها، ولكن في الحقيقة، الأمر يختلف تماما عما هو ظاهر، فإسرائيل تعاني من هشاشة التأييد الدولي لها، عزز من ذلك انشغال الإدارة الأمريكية بعدد من الملفات، أبرزها التصعيد الكوري الشمالي والإيراني، فضلا عن التصدعات والصراعات الداخلية؛ «الثقافية والدينية والطبقية والأيديولوجية»، المهددة لاستقرارها؛ فكل هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تدفع لتحقق نبوءات الكتاب والمحللين، بشأن فشل المشروع الصهيوني، وانهيار الدولة الإسرائيلية على المدى البعيد. ولنا في تاريخ تطور وانهيار الدول أمثلة كثيرة وآخرها هو انهيار الاتحاد السوفيتي، رغم أنه دولة عظمى ونووية وتمتلك قدرة تصنيعية للأسلحة كبيرة، تفوق الولايات المتحدة في كثير من الأمور ولكن انهارت للأسباب كثيرة اجتماعية واقتصادية...

ونعود معًا لسورة الإسراء، في محاولة لاستشفاف ذلك:

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً). (3) هذا هو الوعد الأول، وقد تمّ في رأي جموع العلماء والمُفسرين في عهد نبوخذ نصّر.

(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)؛ وهُنا آية الوعد، وعد الآخرة، ففيها يُساء وجه اليهود، وتأتي مباشرة بعد علو اليهود في الأرض، ويدخل المجاهدون المسجد الأقصى، كما دخلوه في الوعد الأول، (كما دخلوه أول مرّة)؛ وهذا وعد الله عز وجل الذي يحدّد نهاتها بشكل كامل، وسيتحقق عندما يأتي ذللك الزمان الذي هو في علم  الله تعالى: وٱرْتَقِبُوٓاْ إِنِّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ.

المراجع

(1) . إلى متى ستستمر إسرائيل في البقاء؟ ... التهديدات تأتي من الداخل

http://akhbar-alkhaleej.com/news/article /1090951

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية / المصدر اخبار الخليج. يخلص «غريغ كارلستورم» في كتابه «إلى متى ستستمر إسرائيل في البقاء؟»، إلى أن الوجود الإسرائيلي مهدد بالانهيار على المدى البعيد، ولن يكتب له الاستمرار في ظل وجود العديد من المهددات.

(2) . مقال للمؤرخ اليهودي يوسي أميناي، نفس المصدر السابق .

(3) . القران الكريم