الهجوم على أرامكو، هل يعكس رسالة إيرانية، لواشنطن أم إلى دول الخليج
واصلت صحف عربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، مناقشة تداعيات الضربات التي استهدفت منشأتي بقيق، وخريص النفطيتين التابعتين لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية مؤخرًا. وصرّح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، قوله: إن استهداف المنشأتين شرقي المملكة، نتج عنه "توقّف -بشكل مؤقت- في عمليات الإنتاج"، حوالي 50 بالمائة من إنتاج الشركة (بترول، وغاز).
والهجوم الذي حدث السبت الماضي 17 ايلول، هو الثالث خلال عام 2019م الذي يستهدف منشآت نفطية؛ إذ استهدف الهجوم الأول ناقلتي نفط سعوديتين قبالة سواحل الإمارات في مايو/ أيار الماضي وبعدها بأيام قليلة، استهدفت طائرات مسيرة محطتين لضخ النفط بمحافظتي عفيف، والدوادمي بمنطقة الرياض، لكن الإمدادات لم تتوقف، وكان مصدر الهجوم الأخير عليه اختلاف جهة الهجوم (جماعة الحوثي، أو الإطلاق كان من مليشيات العراق أو إيران) ، وقد يكون من يزعمون انطلاق هذه المقذوفات من أقاصي جنوبي العراق صادقين، كون العراق اليوم لا يملك كامل السيطرة على أراضيه وسمائه ومياهه!! ويجهل مسؤولوه غالباً مجريات الأمور على هذا المستوى.
وبفعل العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، منذ أغسطس/ آب 2018، والتي اتسعت في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت لتشمل صناعة النفط، هدّدت طهران بإرباك الإمدادات العالمية. وفي أكثر من مناسبة هدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن التضييق على صناعة الخام في البلاد، بفعل العقوبات الأمريكية، سيدفع نحو مساع إيرانية لتعطيل إمدادات النفط.
فاستهداف المرافق النفطية بالمملكة هو امتداد لتلك الأعمال الإجرامية السابقة التي نفذتها إيران وأذرعها مستهدفة المرافق النفطية والمدنية ومحطات الضخ وناقلات النفط في المياه الإقليمية الخليجية، وتلك الهجمات السافرة بالطائرات المسيرة الإيرانية الصنع والصواريخ لا تضرّ بالمملكة ودول الخليج العربي فحسب، ولكنها تلحق أفدح الأضرار بإمدادات النفط لكافة دول العالم، لا بل هو عدوان حربي صارخ يتطلّب الرد علية بقوة حتى لا تتمادى في اعتداءات أخرى.
ويدلُّ هذا التصعيد على مدى التوتر الذي يعيشه النظام الإيراني بفعل سياسة الضغط الأمريكية. إنه صبٌّ لمزيد من الزيت على نار المنطقة بهدف امتحان الإدارة الأمريكية وتذكير واشنطن بقدرة طهران على تهديد إمدادات الطاقة من خلال أذرعها المنتشرة في الدول العربية، وجعلها رهينة إضافية في الأزمة المفتوحة.
ورغم الضغوط الكبيرة التي ما زالت الولايات المتحدة الأمريكية تمارسها ضدّ إيران فليس متوقعا أن تغيّر الواقعة الأخيرة -رغم خطورتها الكبيرة-مواقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب" المتقلّبة، ولتكون الصورة واضحة نتابع هذه المواقف منذ أن انسحبت أمريكيا من الاتفاق النووي ولغاية الهجوم على منشأة ارامكو ف17 ايلول 2019، فرأيتنا كيف يتدحرج موقف الرئيس الأمريكي ترامب وهو يظهر أمام عدسات التصوير يتمختر وكأنه على خشبة المسرح في مشهد تمثيلي، من التشدد إلى التوسل إلى الجلوس مع إيران على طاولة التفاوض، وآخرها بعد العدوان على المملكة. اتضح موقف الولايات المتحدة المتردّد تجاه إيران، والتطوّر المهم؛ هو أن امريكا أكدت بأن الصواريخ والطائرات انطلقت من أيران لضرب منشأة ارامكو في السعودية، ورغم ذلك فإن الموقف الأمريكي مازال غامضا!!! وفي كل يوم يخرج علينا مسؤول بتصريح يختلف عن التصريح السابق، ولذلك فهو مبعث شكوك عميقة بدوافع أمريكا، فقد انتظرت لحد هذه اللحظة وكانت تتظاهر بأنها لا تعرف من ضرب مراكز النفط في السعودية مع أنها تعرف بالضبط من قام به والبنتاغون يؤكد في اليوم نفسه 17-9 بأن الأقمار الصناعية الأميركية رصدت قيام إيران بتحضير طائرات مسيرة وصواريخ قبل الهجمات على المنشآت النفطية السعودية؟
إذا لماذا عدم التصريح بمن قام به بصورة رسمية وواضحة؟
ولماذا تجنّبت أمريكا منع الضربات، بضربات استباقية تتقنها؟
وهل يمكن حتى للسذج أن يصدقوا أن أمريكا لا تعرف حقيقة ما جرى؟ وهي التي نفذت عمليات فورية بناء على صور أقمارها بعد لحظات من التصوير، في تصفيت كثير من خصوم؟
هذا ما يوضح أن الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة العربية وخاصة في الخليج والعراق ليست لضرب إيران أو لإضعافها، وإنما لإسقاط الدول العربية، وتقسيم المنطقة الشرقية للوطن العربي إلى دويلات صغيرة! وأن تطوّر علاقات التخادم مع إيران قبل احتلال العراق قبل عام 2003 م، وإطلاق يد إيران في العراق، ولذلك ليس لأمريكا مصلحة في ايران ضعيفة في المنطقة لأن كل ما يجري لم ليكون لولا فزاعة (بعبع) إيران، وليس لإسرائيل مصلحة في إيران ضعيفة لأنها ستبقى وحدها هي العدو في الساحة، ولو أرادوا إيران ضعيفة لتم تحجيم دورها في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، ودول الخليج العربي، فالمطلوب إيران دولة مشاكسة تخدم المشروع الأمريكي الغربي هذا هو تاريخ العلاقة والتخادم المشترك فهل نتعظ؟!!!
إن كل التصريحات المسيئة لحكومة السعودية، والمضايقات البحرية والقصف بالمسيرات وصواريخ أرض / أرض على السعودية، كلها تجري تحت أنظار القوات الأمريكية فماذا فعلت هذه القوات التي تجوب البحر الأحمر والمحيط الهندي والبحر العربي؟!
إن تلكّؤ الولايات المتحدة الأمريكيّة في القِيام بأيّ رد عسكريّ على الهجَمات التي استهدفت مُنشآت نفطيّة عِملاقة تابعة لشركة أرامكو في مِنطقتيّ بقيق، وخريص شرق المملكة العربيّة السعوديّة رُغم مُرور أكثر من أسبوع تقريبًا، يُثير حالةً من الإحباط والشّعور في الخُذلان في أوساط حُلفائها السعوديين والخليجين.
مقالةٍ لكاتب السعودي في جريدة رأي اليوم غير مسبوقةٍ وصَف تضارب التّصريحات الأمريكيّة، وخاصّةً تلك التي تصدُر عن الرئيس دونالد ترامب “يؤكّد أنه ليس حليفا للسعوديين، وان حُلفاء الأمس لم يَعودوا كما كانوا، وابتزازهم الرّخيص في أخلاقيّاته، والغالي في ثمنه، بادّعاء الوقوف معَ المملكة في الأزمات أصبح مكشوفًا”. وهو انتِقادها للحليف التاريخيّ الأمريكيّ.
والاعتراف بالابتزاز الأمريكيّ غير الأخلاقيّ والغالي الثّمن، تطوّرٌ جديدٌ يستحقّ التوقّف عنده، وخاصّةً أنّه يأتي تحت عُنوانٍ كاذبٍ ومُضلّل اسمه الحِماية الأمريكيّة، وهي حمايةٌ ثبُت تبخّرها، واختفاؤها كُلِّيًّا عِند الحاجة الماسّة إليها، من قبَل الحليف السعوديّ الذي دفَع مِئات المِليارات للحُصول عليها.
فترامب يصرح في البيت الأبيض للصحافيين بعد العدوان، يقول: (نحن لم نتعهد بحماية السعودية، ولكننا سنساعدهم، ويجب أن يدفعوا). وآخر تصريح للرئيس ترامب يوم الإثنين 23/9 /2019 يقول فيه: (أحرزنا تقدما كبيرًا مع طهران، ونريد العمل معها، ولا نسعى لتغير النظام الإيراني).
إن حلفاء الرياض، في واشنطن، وأبو ظبي، وأوروبا، لم يتركوها تتلقى أنواع الصدمات فقط، بل يشاركون في الوقت نفسه في إضعافها، وكشف هشاشة سياساتها الداخلية والخارجية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل أمريكا، وإسرائيل ومن خلفهم الماسونية العالمية يريدون إدخال السعودية في حرب مباشرة مع إيران؟
وهل تستطيع السعودية ونظامها أن تخرج نفسها من هذه اللعبة الأمريكية، الإيرانية؟
أم أنها ستساق إلى حرب ضروس ومحرقة؟
الهجوم على المملكة السعودية، أحدث أزمة على المستوى الاستراتيجي، فتحولت من موقف المهاجم إلى موقف دفاعي، وأن دفاعاتها لمقاومة الأجسام الطائرة قد تدنى أداؤها إلى مستوى أقرب من الصفر، وأن منظومة الكشف والإنذار المبكر لم تؤد ما هو مطلوب منها، ناهيك عن مقاوماتها الأرضية وبالأخص "الباتريوت" وطائراتها المقاتلة المقتدرة التي تعدّ من أفضل الطرز في عموم العالم، والتي لم تتمكن من التصدي لمقذوفات تعتبر ضعيفة أمام قدراتها العملاقة المفترضة.
إن عدم تحديد الطرف المتهم بالضربة... لإعطاء فرصة لتحديد الخيارات، فإن هي حددت طرفا فعليها أن تقوم باتخاذ اجراءات ميدانية، فهي ليست عازمة على فعل أي شيء، ولم تخطو حتى اللحظة في مواجهته إلا خطوات دبلوماسية لا تغني ولا تسمن من جوع، إن لم يكن لدى الرياض دلائل قاطعة. فاحتمال تصعيد الصراع بين السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى ربما سيزداد، وبمباركة من واشنطن التي ستستفيد من مثل هكذا صراع.
إن لم يُتخذ موقفا رادعا تجاه إيران لإيقافها عند حدودها، ستتوالى اعتداءاتها مرات ومرات، وسوف تلتهب كل مضخات المنشآت النفط العربية، لأنها هدف إيراني يهدّد الاقتصاد العالمي، وليس فقط السعودي، وهنا ستدفع السعودية ثمن تبعيتها لأمريكا.
إن ادعاء عدم ظهور الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية على الرادار والأقمار الصناعية الأمريكية هي مجرّد تمويه وإثبات تورط إيراني وأمريكي في العمل على جر السعودية والمنطقة كلها لحرب مع إيران، وعندما تندلع الحرب، وهذا هدفهم! يقوّون إيران من الخلف، وترفع عنها العقوبات، وإسرائيل من الشمال ويدعمون الحوثي من الجنوب، ويوقعون السعودية والمنطقة في الفخ.
يشكل الهجوم الذي نفذ بطائرات من دون طيار وصواريخ، على منشأتين نفطيتين في السعودية، تهديدا حقيقيا للأمن الإقليمي. وفي الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في المنطقة، يقوض هذا الهجوم استمرار العمل في نزع فتيل التصعيد وتعزيز الحوار في المنطقة، وتحاول إيران منذ مدة أن تبين لدول المنطقة أن الارتباط بها فقط، هو الذي سوف يحقق الأمن في إقليم الشرق الأوسط.. وعلى هذا الأساس يجب أن ننظر إلى الاعتداء الأخير على السعودية في هذا السياق الأشمل.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الارتباط بها أصبح مدعاة للقلق! فطريقة الرد الإيرانية على الضغط الأمريكي المتزايد على إيران هي مهاجمة السعودية وباقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي، واتضح تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، وإفساح المجال إلى الكيان الصهيوني (اسرائيل) في الصعود والتواجد في مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي، لا بل تحاول دفع المملكة العربية السعودية إلى الحرب والابتزاز في الوقت نفسه.
رغم أن من يدقق في التسليح السعودي لا يمكن له إلا أن يلاحظ أن السعودية تمتلك منظومات عسكرية لا مثيل لها في منطقة التوتر بالرغم من فائض القوة والدعم الأمريكي، ولكن توريط المملكة العربية السعودية في حرب مع إيران سوف تتحول منطقة الخليج العربي إلى ساحة حرب طاحنه، لإنهاك دول المنطقة ومن ثم تفتيتها، فأمريكا تركت إيران تتسلّح وتطوّر قدراتها 40 عاما وبمساعدة روسيا، وكوريا الشمالية، وأصبحت قوّة عسكرية وصناعية وخاصة بعد احتلال العراق عام 2003م.
إن الولايات المتحدة الأمريكية برهنت أمام العالم أنها لا تلتزم بحلفائها ولا تدافع عنهم ولا يهمها أمن الخليج ومضيق هرمز وسواه في أحلك الظروف، وينبغي ألا يعوّل عليها أحد.
وأمام هذ الحال في تراجع موقف الولايات المتحدة في الدفاع عن دول الخليج والسعودية بشكل خاص وفق اتفاقية الدفاع المشترك، ومحاولة زج المملكة في حرب مع إيران، وانكشاف هذا الموقف بعد العدوان الأخير على ارامكو، فإنني أجازف في القول: بأنه حتى يبقى الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية إيجابيا، ولا يعرقل إعادة انتخاب ترامب، سوف يحاول الرئيس الأمريكي، قدر الإمكان، الحفاظ على عدم تورط البلاد في أي عمليات عسكرية ضدّ إيران.
وعلى الرياض مراجعة تحالفاتها الإقليمية والدولية، وإعادة النظر في سياستها الخارجية وفي استراتيجيتها، وللخروج من هذه الأزمة التي وضعتها بها أمريكا الآن والقيام بما يلي:
١. جمع المعلومات المؤكدة عن اعتداءات إيران في وثيقة تعطى لمجلس الأمن لأخذ قرار ضد إيران، وكذلك للجمعية العمومية وإقراره كوثيقة دولية ضدّ إيران مع تحشيد الموقف الدولي في مجلس الأمن لإصدار القرارات اللازمة لإدانة إيران والقرارات وإلزام إيران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو الاعتداء عليها.
2. يتطلّب وقفة واحدة من كل الأشقاء أعضاء مجلس التعاون الخليجي تطبيقا لمعاهدة الدفاع المشترك من أن الاعتداء على الفرد يعتبر اعتداء على الكل، وهذا أقل ما تقوم به دول المجلس تجاه السعودية حتى لا يتبين للمعتدي وللعالم أن السعودية تواجه العدوان منفردة.
3. الحل الأمثل والناجح والحامي للكيان الوطني السعودي والكفيل بتحييد خطط أمريكا وإيران ضد السعودية وكافة دول الخليج العربي، هو دعم كافة الجهود لخنق إيران وأذرعها في العراق، ففي العراق وليس في غيره مقتل المشروع الامبراطوري الفارسي، وكما أن التوسع الاستعماري الإيراني انطلق من العراق بعد غزوه من قبل أمريكا وإطلاق امريكا يد إيران فيه، فإن إعادتها غلى داخل حدودها ومنع خروجها منها مجددا، والعلم على غلق البوابة التي تسللت منها جيوشها وقطع طريق تواصلها مع أذرعها في الدول العربية، وتحقق ذلك مشروط بتحرّر العراق من الغزو الإيراني الشامل له، ليعود العراق حارس البوبة الشرقية للأمة العربية تجاه الشر القادم من إيران .
وسوم: العدد 843