طرق وأساليب علمانية ماكرة للصد عن كتاب الله عز وجل
اقتضت إرادة الله عز وجل أن تجري امتحانا بين بني البشر في حياة أولى مصيرها الزوال موضوعه نزال بين حق وباطل ليكون جزاؤهم في حياة لا زوال لها .
ولقد سجل القرآن الكريم وهو الرسالة الخاتمة الموجهة إلى البشرية بين يدي قيام الساعة نماذج من صراع الحق مع الباطل منذ بدء الخليقة حيث كان الله عز وجل يبعث رسلا وأنبياء كراما صلواته وسلامه عليهم أجمعين لإحقاق الحق ، وكان أهل الباطل يواجهونهم بعناد وكبرياء .
وعلى غرار كل الكتب السابقة ، تعرض القرآن الكريم لمكر أهل الباطل، ولا زال يتعرض لذلك ما دام للباطل أهل تختلف عصورهم ونحلهم، ولكن مكرهم واحد ، وهدفهم واحد وهو الصد عن كتاب الله عز وجل من أجل ترجيح كفة الباطل على كفة الحق مع أن الله سبحانه وتعالى تعهد بإحقاق الحق وإزهاق الباطل .
وينسحب حكم الله عز وجل على كل من رام الصد عن رسالته الخاتمة للعالمين، وهو حكم يتمثل في قوله تعالى : (( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد )) ،
فهذا النص القرآني يحدد طريقة جدال أهل الباطل المتمثلة في غياب العلم المفضي إلى اهتداء ووضوح الرؤية ، ويصف طبيعة شخصيتهم ذلك يثنون أعطافهم أو يميلون بجوانبهم أومناكبهم خيلاء وكبرياء ليوهموا الناس بأنهم متمكنون من زمام المعرفة والحقيقة ، والواقع أنهم أهل جهالة ،لأن المعرفة لا تجتمع مع ثني العطف الذي ليس من صفة أهلها ، ولا يفيد صاحبه علما ، أما العارف والخبير، فيعتمد على قوة الحجة والدليل لا على ثني العطف ،ولا ينقص تواضعه من علمه ومعرفته شيئا .
ومما يميز المجادلين في كتاب الله عز وجل بغير علم أو سلطان أيضا أنهم يلحقهم الخزي في الدنيا لا محالة وإن طال بهم العمر ، وينتظرهم بعد رحيلهم عن الدنيا أشد العذاب .
وتبدأ حكاية فريق المجادلين في الله عز وجل بغير علم لصد الناس عما في الرسالة الخاتمة من حق ، وصرفهم إلى الأباطيل بالنضر بن الحارث صاحب أساطير أو أباطيل رستم وأسفنديار الذي كان يحل حيث يحل رسول الله صلى الله عليه وهو يبلغ للناس ما جاء في كلام الله من حق يزهق الباطل ، بينما كان هو يلهيهم عن ذلك بأسلوبه الخاص في سرد الأساطير. وتوالت بعد النضر فلول المجادلين في الرسالة الخاتمة بغيرعلم ولا هدى ولا كتاب منير منذ البعثة النبوية ولا زال شأنها كذلك حتى انتهت في وقتنا الراهن إلى العلمانيين ،وستستمر إلى نهاية العالم لكل مبطل منهم أسلوبه في صد الناس وصرفهم عما في هذه الرسالة من حق يزهق باطلهم .
وأهل الجدل إنما هم قوم ضلوا بعد هدى كانوا عليه كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" وتلا عليه السلام قول الله عز وجل : (( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)) ،إن هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد صفة الجدل لدى أهل الضلال والباطل التي وصفهم بها الله عز وجل ،وذلك بعدما كانوا من قبل على هدى .
ومن أساليب المبطلين العلمانيين في عصرنا هذا للصد عن كتاب الله عز وجل عبر مختلف وسائل الإعلام التشكيك في صلاحية شرع الله عز وجل في هذا الزمان بذريعة أن البشرية قد دخلت عصرا لا مبرر فيه لسيادة هذا الشرع الذي أصبح متجاوزا وغير مجد على حد زعمهم ضاربين عرض الحائط حقيقة عالميته باعتبار مصدره رسالة إلهية خاتمة للناس أجمعين فيما بقي من زمن إلى أن ينتهي هذا العالم ، وهم يزعمون أنهم يقدمون بدائل عنه من شرائع أهوائهم .
ومن أساليبهم السخيفة أيضا الاستخفاف والاستهانة بعلم من كان قبلهم بالرسالة الخاتمة ، والحط من شأن تفاسيرهم من أجل تقديم تأويلاتهم الباطلة لها والمثيرة للسخرية ، والتي تخدم شرائع أهوائهم الباطلة .
ومن أساليبهم المكشوفة أيضا أنهم يقبلون من كتاب الله ويردون ، وكأنه يجمع بين حق يؤخذ به وباطل يرد ، أو بين خطإ وصواب ، وهو الذي وصفه منزّله سبحانه وتعالى بأنه لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه .
ومن أساليبهم الماكرة اتهام الرسالة الخاتمة بأنها تعادي ما يسمونه قيم العلمانية الكونية ، ويزعمون أنها تدعو إلى الكراهية والعنف والعدوان والإرهاب ...، وما إلى ذلك من قبيح النعوت والأوصاف افتراء على الله تعالى علوا كبيرا عما يصفون .
ومن أساليبهم أيضا التشكيك في مصداقية أهل العلم في هذا الزمان ، ووصفهم بالظلاميين والجامدين... وبكل نعت مشين لتنفير الناس من علمهم وصدهم عنهم ، وفي الصد عنهم صد عن الرسالة الخاتمة .
ومن أساليبهم أيضا الاعتراض على إدراج سور من القرآن الكريم في البرامج الدراسية بدعوى أنها تعارض مع تربية الناشئة التربية الصحيحة على حد زعمهم وافترائهم ....وتتعدد أساليبهم في محاولة ترجيح كفة أباطيلهم على كفة الحق الذي جاء في هذه الرسالة الخاتمة ، ومع مرور الزمن تزداد خصومتهم لها شدة وافتراءاتهم عليها، وهم الفئة التي يبغضها الله عز وجل كما جاء ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " ، والألد هو الشديد الخصومة ، وهي كلمة مأخوذة من لديدي الوادي أو جانبيه ، وكأن الألد ينتقل بينهما كلما أفحم ، والخصم هو الحاذق بالخصومة ، يجادل وغايته نفي الحق وإثبات الباطل ، وهذا وصف العلمانيين في زماننا ، ولكل واحد منهم رستمه وأسفندياره .
ويؤكد قول الله تعالى بغضه لهؤلاء حيث يقول : (( الذين يجادلون في آيات الله يغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار )) ، ولهذا لا غرابة أن يمقت المؤمنون اليوم هؤلاء ، وهم أصحاب كبر كما وصفهم الله عز وجل في قوله : (( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه )) .
وفي الأخير نقول إنه لا يوجد ما يسفه أقوال هؤلاء أفضل من شهادة من لا ينطق عن الهوى في الرسالة الخاتمة حيث قال عليه الصلاة والسلام منوّها بها :
" كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله ، هو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ، ولا تتشعب معه الآراء ،ولا تشبع منه العلماء ، ولا تمله الأتقياء ، ولا تنقضي عجائبه ، وهو الذي لم تنته الجن إذ سمعته أن قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ، فمن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به أجر ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، وهو عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن اتبعه ".
ومن قال في كتاب الله عز وجل بغيرهذا القول، فهو مبطل يجادل فيه بغيرعلم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله ، وحسبه خزي حاصل في الدنيا لا محالة ، وعذاب حريق يذوقه يوم القيامة بما قدمت يداه وما الله بظلاّم للعبيد.
وسوم: العدد 845